مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 3

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 3/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

تتمة كتاب الطهارة

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

فصل في الأغسال

اشارة

فصل في الأغسال

و الواجب منها سبعة

اشارة

و الواجب منها سبعة (1):

غسل الجنابة و الحيض، و النفاس، و الاستحاضة، و مس الميت، و غسل الأموات، و الغسل الذي وجب بنذر و نحوه، كأن نذر غسل الجمعة أو غسل الزيارة أو الزيارة مع الغسل. و الفرق بينهما (2):

أنّ في الأول إذا أراد الزيارة يجب أن يكون مع الغسل و لكن يجوز أن لا يزور أصلا، و في الثاني يجب الزيارة فلا يجوز تركها. و كذا إذا نذر الغسل لسائر الأعمال التي يستحب الغسل لها.

مسألة 1: النذر المتعلق بغسل الزيارة و نحوها يتصور على وجوه
اشارة

(مسألة 1): النذر المتعلق بغسل الزيارة و نحوها يتصور على وجوه (3): فصل في الأغسال

______________________________

(1) هذا الحصر استقرائي، و يأتي دليل وجوب كلّ واحد منها في محله، و دليل من قال بوجوب غيرها أيضا، مع منعه.

و يدل على وجوبه بالنذر، و أخويه، ما دل على وجوب الوفاء بالنذر و العهد و اليمين من الكتاب، و السنة، و الإجماع، مع جمعها للشرائط المعتبرة فيها، الآتية في محلّها إن شاء اللّه تعالى.

(2) حاصل الفرق أن وجوب الغسل في الأول مشروط، و في الأخير مطلق، و يأتي التفصيل في المسألة التالية.

(3) هذه الوجوه و إن أمكن تداخل بعضها مع بعض، و لكن يصح التفريق بالاعتبار، و الظاهر أنّ الأقسام أكثر مما ذكره (قدس سرّه) لأنّ النذر إما أن يتعلق

ص: 5

الأول: أن ينذر الزيارة مع الغسل

(الأول): أن ينذر الزيارة مع الغسل، فيجب عليه الغسل و الزيارة و إذا ترك أحدهما وجبت الكفارة (4).

الثاني: أن ينذر الغسل للزيارة

(الثاني): أن ينذر الغسل للزيارة بمعنى أنّه إذا أراد أن يزور لا يزور الا مع الغسل، فإذا ترك الزيارة لا كفارة عليه و إذا زار بلا غسل وجبت عليه (5).

الثالث: أن ينذر غسل الزيارة منجزا

(الثالث): أن ينذر غسل الزيارة منجزا (6) و حينئذ يجب عليه الزيارة أيضا و إن لم يكن منذورا مستقلا، بل وجوبها من باب المقدمة، فلو تركهما وجبت كفارة واحدة و كذا لو ترك أحدهما و لا يكفي في سقوطهما الغسل فقط و إن كان من عزمه حينه أن يزور، فلو تركها وجبت، لأنّه إذا لم تقع الزيارة بعده لم يكن غسل الزيارة (7).

______________________________

بغسل الزيارة، أو بالزيارة معه، و على كلّ منهما إما بنحو تعدد المطلوب، أو وحدته. و الكلّ إما أن يكون من الواجب المطلق أو المشروط، و يمكن التصور بأزيد من ذلك أيضا.

(4) لأنّ المنذور هو المركب منهما، و المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، و كذا تجب كفارة واحدة لو تركهما أيضا، لتعلق النذر بالمركب لا بكلّ واحد مستقلا.

(5) اما عدم وجوب الكفارة لو ترك الزيارة، فلأنّ النذر كان معلّقا على مشيّته لا أن يكون منجزا من كلّ جهة، و أما وجوبها إن زار بلا غسل، فلتحقق مخالفة النذر، إذ المفروض أنّ متعلّق نذره أن لا يزور الا مع الغسل، و قد زار مع عدم الغسل، فخالف نذره

(6) لا فرق بين هذا الوجه و الوجه الأول إلا أن النذر تعلق في الأول بالزيارة مع الغسل، و هنا تعلق بغسل الزيارة، و هذا فرق اعتباري لا تترتب عليه ثمرة عملية.

(7) إن كان المراد المقدمة الموصلة و الا فيتحقق غسل الزيارة و لو لم يزر.

ص: 6

الرابع: أن ينذر الغسل و الزيارة

(الرابع): أن ينذر الغسل و الزيارة، فلو تركهما وجب عليه كفارتان، و لو ترك أحدهما فعليه كفارة واحدة (8).

الخامس: أن ينذر الغسل الذي بعده الزيارة

(الخامس): أن ينذر الغسل الذي بعده الزيارة، و الزيارة مع الغسل، و عليه لو تركهما وجبت كفارتان و لو ترك أحدهما فكذلك، لأنّ المفروض تقييد كلّ بالآخر (9) و كذا الحال في نذر الغسل لسائر الأعمال (10).

______________________________

(8) لأنّ مورد النذر في هذا القسم متعدد، تعلق بكلّ واحد منهما نذر مستقل فتتعدد المخالفة مع تركهما فتتعدد الكفارة قهرا أيضا، و إذا ترك الغسل تجب كفارة واحدة، لأنّ المخالفة واحدة أيضا. و أما إذا ترك الزيارة، فمقتضى ما تقدم منه رحمه اللّه: «لأنّه إذا لم تقع الزيارة بعده لم يكن غسل الزيارة» أنّه ترك الغسل أيضا، فتجب حينئذ كفارتان و لكن الظاهر من القسم الرابع أنّ المنذور مطلق الغسل من غير تقييده بالزيارة، فيكون المنذور شيئين غير مقيد أحدهما بالآخر.

(9) لأنّه حينئذ من النذرين المستقلّين مع تقييد كلّ منهما بالآخر، فتكون في تركهما كفارتان، لتحقق مخالفتين مستقلّتين منه كما يكون في ترك أحدهما أيضا كذلك، لانّه بعد تقييد كلّ منهما بالآخر، فإذا أتى بأحدهما و ترك الآخر فقد ترك المأتي به أيضا، لترك قيده الواجب فيه بالنذر.

(10) لأنّ الحكم في جميع الأقسام الخمسة على طبق القاعدة، فيجري في الجميع.

ص: 7

فصل في غسل الجنابة
اشارة

فصل في غسل الجنابة

فصل و هي تحصل بأمرين
اشارة

و هي تحصل بأمرين:

خروج المني

خروج المني (1) و لو في حال النوم أو الاضطرار، و إن كان بمقدار رأس ابرة، سواء كان بالوطء أو بغيره، مع الشهوة أو بدونها، جامعا للصفات أو فاقدا لها، مع العلم بكونه منيّا (2). و في حكمه الرطوبة فصل في غسل الجنابة

______________________________

(1) بضرورة المذهب، بل الدين، و نصوص متواترة.

منها: ما عن علي عليه السلام: «إنّما الغسل من الماء الأكبر فإذا رأى في منامه و لم ير الماء الأكبر، فليس عليه غسل» (1).

(2) للإطلاقات الشاملة لجميع ذلك كلّه مثل ما تقدم من قوله عليه السلام:

«انّما الغسل من الماء الأكبر».

الشامل لليسير و الكثير و جميع الحالات بعد العلم بكون الخارج منيا، و اعتبار ما يأتي من الصفات انّما هو عند الشك لا مع العلم. هذا مضافا إلى الإجماع، بل الضرورة في الجملة.

و أما صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل احتلم، فلما انتبه وجد بللا قليلا. قال عليه السلام: ليس بشي ء إلا أن يكون مريضا فإنّه يضعف فعليه الغسل (2).

______________________________

ص: 8


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الجنابة ملحق حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الجنابة حديث: 2.

المشتبهة الخارجة بعد الغسل مع عدم الاستبراء بالبول (3) أو غيره (4)، و المعتبر خروجه إلى خارج البدن فلو تحرك من محله و لم يخرج لم يوجب الجنابة (5)، و أن يكون منه، فلو خرج من المرأة مني الرجل لا

______________________________

فمحمول على ما إذا احتلم باعتقاده في النوم، فانتبه و شك فيه، فلا ربط له بما إذا علم بأنّ الخارج منه مني.

و كذا صحيح علي بن جعفر قال: «سألته عن الرجل يلعب مع المرأة و يقبّلها فيخرج منه المنى (1) فما عليه؟ قال: إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل، و ان كان إنّما هو شي ء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس»(2).

فمحمول على التقية، أو على صورة الشك في كونه منيا بعد حصول الاعتقاد بأنّه منيّ، فلا يشمل ما إذا علم أنه منيّ، و بقي على علمه و لم يتبدل إلى الشك و التردد.

(3) يأتي التفصيل في [مسألة 3] من (فصل مستحبات غسل الجنابة).

(4) لتعليق الحكم على ذات المنيّ الصادق على الجميع. كما تقدم في البول و الغائط، فراجع.

(5) للأصل، و ظهور الأدلة، و للإجماع، و كذا الحكم في جميع موجبات الطهارة الحدثية أو الخبثية.

فرع: مقتضى ظهور تسالمهم على اعتبار الخروج إلى ظاهر البدن في تحقق الجنابة أنّ المرأة لا تجنب بالإنزال، لعدم خروج منيّها إلى الخارج، بل يبقى في داخل المحلّ. نعم، لو علمت بالخروج إلى ظاهر البدن مستقلا أو مع رطوبة وجب عليها الغسل حينئذ.

______________________________

ص: 9


1- و في قرب الاسناد صفحة: 85 ذكر «الشي ء» بدل «المني»
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الجنابة حديث: 1.

يوجب جنابتها (6) إلا مع العلم باختلاطه بمنيّها (7)، و إذا شك في خارج أنّه منيّ أم لا، اختبر بالصفات: من الدفق و الفتور و الشهوة، فمع

______________________________

(6) للأصل، و الإجماع، و رواية عبد الرحمن قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تغتسل من الجنابة ثمَّ ترى نطفة الرجل هل عليها غسل؟

فقال عليه السلام: لا» (1)و نحوها غيرها.

(7) هذا الاستثناء منقطع إذ لا إشكال في وجوب الغسل عليها مع خروج منيها إلى خارج البدن كما يأتي.

فروع- (الأول): لو شكت المرأة بعد ما اغتسلت في أنّ ما خرج منها منيّ الرجل أو منيّها، لا يجب عليها الغسل و ان وجب عليها تطهير المحلّ للصلاة، للعلم التفصيلي بالنجاسة.

(الثاني): لو أدخل منيّ رجل في إحليل رجل بالآلات المعدة لذلك ثمَّ خرج لا يجب عليه الغسل حتى لو شك في أنّ الخارج من نفسه أو مما ادخل ما لم تكن أمارة معتبرة على أنه من نفسه.

(الثالث): لو اختلط المنيّ بالبول، وجب الغسل مع العلم بخروجه دون ما إذا شك فيه. و لو استحال المنيّ إلى البول أو إلى شي ء آخر ثمَّ خرج، فمقتضى الأصل عدم وجوب الغسل.

(الرابع): لو وضعت آلة في داخل الإحليل بحيث ابتلع المني في المجرى بعد تكوّنه ثمَّ أخرجت الآلة بحيث لم يمس المني رأس الإحليل، فالأحوط الجمع بين الغسل و الوضوء إن كان محدثا سابقا بالأصغر (الخامس): إن علم بأنّ ما خرج منه منيّ ثمَّ شك فيه يرجع إلى الأمارة، فمع وجودها وجب الغسل و الا فلا.

______________________________

ص: 10


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الجنابة حديث: 3.

اجتماع هذه الصفات يحكم بكونه منيّا (8)، و إن لم يعلم

______________________________

(8) المنيّ كسائر ما يخرج من الإنسان، من المبينات التي يعرفها كلّ من يعرف البول، و الغائط، و الدم، و الدمع و غيرها من الفضلات التي تخرج و ما ورد عن الشرع في بيان صفاته- كصحيح ابن جعفر: «إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر، فعليه الغسل» (1).

ليس إلا للإرشاد إلى الصفات التكوينية المعروفة، لا أن تكون تعبدية شرعية، لأنّ توصيف المنيّ بأوصافه ليس الا كتوصيف الدم و البول و الغائط بأوصافها، فهي عوارض خاصة لموضوعات مخصوصة من غير اختصاص بشريعة الإسلام بل من قبيل اللوازم الغالبية لتلك الذوات، فهي أمارة عند الشك توجب الوثوق بالمنوية- كما هو شأن كل أمارة- و أما مع العلم بعدم كونه منيا، فلا أثر لها- كما أنّه مع العلم بالمنوية لا يضر فقدها- كما يأتي في المسألة الخامسة.

ثمَّ إنّ ظاهرهم التسالم على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية و هنا جزم الماتن بالفحص بقوله: «اختبر بالصفات» و قرره أعلام المحشّين رحمهم اللّه تعالى. و أما نحن، ففي فسحة عن ورود هذا الإشكال، لما أثبتناه في الأصول من وجوب الفحص في كلّ شبهة لها معرضية عرفية للوقوع في خلاف الواقع الا ما ورد دليل معتبر على الخلاف و لا دليل في المقام على الخلاف (2).

فوائد- الأولى: للدفق و الفتور و الشهوة مراتب متفاوتة جدا تختلف بحسب الحالات و الآفات و الأمزجة و غيرها، و المدار على مسماها عرفا.

الثانية: المناط فيها حكم المتعارف، بأنّها كاشفة عن كون الخارج منيا، كما في جميع الطرق و الأمارات، و ظواهر الأقوال، و الحالات، سواء حصل الوثوق للشخص أو لا، و لو حصل الوثوق الشخصي، بأنّ الخارج منيّ مع تخطئة

______________________________

ص: 11


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 210.

بذلك (9)، و مع عدم اجتماعها و لو بفقد واحد منها لا يحكم به إلا إذا حصل العلم (10). و في المرأة و المريض يكفي اجتماع صفتين و هما الشهوة و الفتور (11).

______________________________

المتعارف، فالأحوط فيما إذا كان مسبوقا بالحدث الأصغر، الجمع بين الغسل و الوضوء.

الثالثة: لا وجه لتكثير العلامات بزيادة الرائحة بكونها كرائحة الطلع و العجين اليابس، و كونه كبياض البيض، كما لا وجه للبحث عن أنّ عدم هذه الصفات أمارة على العدم أو لا. إذ المدار على حصول الاطمئنان المتعارف كانت الصفة متحدة أو لا. كان عدم الصفات أمارة على العدم أو لا.

الرابعة: لا تختص الشهوة و اللذة بخروج المنيّ فقط، بل يتحققان في خروج المذي أيضا، و يفرق بينهما بانقطاعهما بعد خروج المنيّ في الجملة بخلاف المذي، فإنّهما باقيان بعد خروجه أيضا.

الخامسة: الظاهر تلازم الأوصاف الثلاثة في الجملة و لو بحسب بعض مراتبها، فنزاع الفقهاء بالاكتفاء بالدفق- كما عن بعض- أو بالشهوة و الفتور، كما عن آخرين- أو لا بد من الثلاثة- كما عن جمع- من النزاع اللفظي كما لا يخفى. نعم، لا إشكال في اختلاف مراتب كلّ واحدة من الثلاثة.

(9) هذا من الفرض غير الواقع، لأنّه مع اجتماع هذه الصفات يحصل العلم العادي به.

(10) الأقسام ثلاثة: عدم العلم بالمنوية، و العلم بعدمها، و العلم بها.

و اعتبار الصفات في القسم الأول فقط و لا أثر لها في الأخيرين، كما هو كذلك في جميع الصفات الكاشفة عن موصوفاتها.

(11) لأنّ الدفق إلى الخارج في المرأة غير معلوم، بل معلوم العدم، و الدفق إلى فضاء المحلّ لا دليل على اعتباره، بل مقتضى الأصل عدمه. نعم،

ص: 12

.....

______________________________

اعتبار الشهوة و الفتور من لوازم المنيّ مطلقا هذا ما هو بحسب المتعارف.

و أما الأخبار: ففي صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري: «إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل»(1).

و في خبر ابن الفضيل: «إذا جاءتها الشهوة فأنزلت الماء وجب عليها الغسل» (2).

و لم يذكر فيها الفتور، و يمكن أن يكون من باب ذكر أحد المتلازمين الدال على اللازم الآخر، و كذا ما ورد في المريض خال، عن ذكر الفتور ففي صحيح ابن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل رأى في منامه، فوجد اللذة و الشهوة ثمَّ قام، فلم يجد في ثوبه شيئا قال: فقال عليه السلام: إن كان مريضا فعليه الغسل و إن كان صحيحا فلا شي ء عليه» (3).

و لا بد من حمله على الندب، أو طرحه لاعتبار الخروج إلى خارج الجسد و ظاهر الصحيح عدم اعتباره. و في صحيح زرارة: «إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة، فإنّه ربما كان هو الدافق لكنّه يجي ء مجيئا ضعيفا لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا فاغتسل منه» (4).

و ليس في هذا الصحيح التعبد بشي ء لظهور قوله عليه السلام: «فإنّه ربما كان هو الدافق» في الإيكال إلى ما قد يقع في الخارج، مع أنه لم يذكر الفتور.

فالحق أن يقال: إنّ الأمراض مختلفة، فرب مرض ينافي الدفق، و رب مرض لا ينافيه، فيمكن اجتماع الأوصاف الثلاثة في المريض أيضا. نعم، الشهوة و الفتور من الصفات غير المنفكة و لكن لهما مراتب متفاوتة شدة و ضعفا تختلف باختلاف الحالات و مراتب السن و هيجان الشهوة، و كثيرا ما تجتمع بعض مراتب الشهوة مع الإمذاء أيضا.

______________________________

ص: 13


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الجنابة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الجنابة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب الجنابة حديث: 5.
الثاني: الجماع و إن لم ينزل
اشارة

(الثاني): الجماع و إن لم ينزل (12)، و لو بإدخال الحشفة (13) أو مقدارها من مقطوعها (14)

______________________________

(12) نصا و إجماعا كما يأتي:

(13) لصحيح ابن بزيع: «سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج، فلا ينزلان منى يجب الغسل؟ قال عليه السلام: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. فقلت التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟

قال: نعم» (1) و هذا الصحيح شارح لجميع الأخبار المشتملة على لفظ «الإدخال» و «الإيلاج» مع أنّ أصل الحكم من ضروريات الفقه و أما ما تقدم من قول عليّ عليه السلام: «إنّما الغسل من الماء الأكبر» (2).

فلا ينافي وجوب الغسل بالإدخال أيضا، إذ ليس قوله عليه السلام للحصر الحقيقي إجماعا بل في مقام الحصر بالنسبة إلى المذي و الوذي.

و أما خبر ابن محبوب عن الصادق عليه السلام: «متى يجب على الرجل و المرأة الغسل؟ فقال عليه السلام: حين يدخله، و إذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما» (3).

فمحمول على الالتقاء بدون الإدخال بقرينة الصدور و إلا فلا بد من طرحه.

(14) على المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، إذ المستفاد من الأدلة تحديد مقدار الداخل بقدر الحشفة. سواء كان من واجدها أو فاقدها، فلا وجه للإشكال تارة: بأنّ المتيقن في المقطوع إدخال تمام القضيب، لأصالة عدم وجوب الغسل بدونه، و لأنّه المتيقن من وجوب الغسل عليه و أخرى: بكفاية إدخال مجرد المسمّى فيه تمسكا بإطلاق أدلة الإدخال و الإيلاج و ثالثة: بأن جنابة

______________________________

ص: 14


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- تقدم في صفحة: 8.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الجنابة حديث: 9

في القبل أو الدبر (15)، من غير فرق بين

______________________________

مثله منحصرة بالإنزال، لمفهوم قوله عليه السلام: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل».

إذا الكل مردود، لأنّه مع تحديد مقدار الإدخال بقدر الحشفة، لا وجه للتمسك بالأصل و الأخذ بالقدر المتيقن، كما لا وجه للتمسك بالإطلاق في مقابل الدليل الظاهر، في التقييد و لا مفهوم، لقوله: «إذا التقى الختانان» لوروده مورد الغالب. و لو قطع بعض حشفته، فالمدار على صدق إدخال مقدارها و كذا لو ادخل ملتويا. و يأتي التعرض له في كتاب الصوم في الثالث من المفطرات.

و طريق الاحتياط الجمع بين الوضوء و الغسل، لمن كان محدثا بالأصغر أو لم يعلم بحالته السابقة.

(15) إجماعا بين الإمامية، بل بين المسلمين، و عن السيد رحمه اللّه دعوى الضرورة. و لا ريب أنّ مثل ذلك يوجب الاطمئنان بقول المعصوم عليه السلام و في مرسل ابن سوقة المنجبر قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها؟ قال عليه السلام: هو أحد المأتيين فيه الغسل» (1).

و إطلاق التنزيل يشمل عدم الإنزال. و أما مرفوع البرقي عنه عليه السلام:

«إذا أتى الرجل المرأة في دبرها، فلم ينزلا فلا غسل عليهما و إن أنزل، فعليه الغسل و لا غسل عليها»(2).

فقاصر سندا و معرض عنه إجماعا، مضافا إلى أنّ الإطلاقات الدالة على تعليق الغسل على الإيلاج و الإدخال شاملة له أيضا، و كذا إطلاق الآية الكريمة:

أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ (3).

______________________________

ص: 15


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الجنابة حديث: 2.
3- المائدة: 6.

الواطئ و الموطوء (16)، و الرجل و المرأة (17) و الصغير

______________________________

و الانصراف إلى القبل فيها من باب الغالب، فلا اعتبار به. مع أنّ المستفاد من قول علي عليه السلام: «أ توجبون عليه الحد و لا توجبون عليه صاعا من الماء؟!» ظاهر في الملازمة بين الوطي الموجب للحد على فرض الحرمة و بين إيجابه للغسل، فعن أبي جعفر عليه السلام: «جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى اللّه عليه و آله فقال: ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها و لا ينزل؟ فقالت الأنصار: الماء من الماء، و قال المهاجرون: إذا التقى الختانان، فقد وجب عليه الغسل. فقال عمر لعلى عليه السلام: ما تقول يا أبا الحسن عليه السلام؟ فقال عليّ عليه السلام: أ توجبون عليه الحد و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من الماء؟ إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل»(1).

فانّ قوله عليه السلام: «إذا التقى الختانان» و إن كان في الوطي في القبل، لكن قوله عليه السلام: «أ توجبون عليه الحد ..؟» سيق مساق القاعدة الكلية الشاملة للجميع، و يشهد له أنّ المورد لم يكن فيه الحد و الرجم، فالمدار على عموم القاعدة لا خصوص المورد- مع أنّ مثل هذه المناقشات مما لا يخفى ضعفها على الأصاغر فكيف بالأكابر و مع ذلك جزموا بالحكم خلفا عن سلف.

و أما صحيح الحلبي: «سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج أ عليها غسل إذا أنزل هو و لم تنزل هي؟ قال عليه السلام: ليس عليها غسل، و ان لم ينزل هو فليس عليه غسل» (2).

فلا ربط له بالمقام، لانّ المتفاهم منه التفخيذ لا الوطي في الدبر.

(16) بالضرورة، في القبل، و لما تقدم من النص، و الإجماع في الدبر.

(17) على المشهور، و ادعى السيد الإجماع عليه. و عن جمع منهم

______________________________

ص: 16


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الجنابة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الجنابة.

و الكبير (18)، و الحي و الميت (19)، في النوم أو اليقظة، حتّى لو أدخلت

______________________________

العلامة و الشهيد أنّ: كلّ من أوجب الغسل بالوطي في دبر المرأة أوجبه في دبر الغلام. و عن الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: من جامع غلاما جاء يوم القيامة جنبا لا ينقيه ماء الدنيا» (1) أي في حصول بعض مراتب الطهارة لا الغسل الظاهري المجمع على رفعه للجنابة و إطلاقه يشمل صورة الإنزال و عدمه.

(18) لأنّ الجنابة من الوضعيات التي لا تختص بالمكلّفين، بل تشمل الجميع حتّى المجنون.

(19) على المشهور، بل إجماعا- كما عن صريح الرياض و ظاهر غيره- و يدل عليه ما تقدم من الملازمة المستفادة من قول عليّ عليه السلام (2) و يشهد له الاستصحاب التعليقي بالنسبة إلى الميت.

ثمَّ إنّه تارة: يكون الواطي حيا و الموطوء ميتا. و اخرى: بالعكس كما يأتي. و ثالثة: يكون كلّ منهما ميتا بأن أدخل الحي ذكر الميت في ميت آخر و في صيرورة الميت جنبا بذلك، إشكال، لأنّه جماد و الجنابة من عوارض الإنسان الحيّ، و على فرض حصولها له فهل يجب على الأحياء تغسيله و ترتيب سائر أحكام الجنابة عليه؟ و هل يكون هذا الغسل غسل الجنابة؟

لا دليل على شي ء من ذلك في المقام، و مقتضى الأصل عدم الوجوب و بقاء الجنابة. و ما ورد في غسل الميت- من أنّه غسل الجنابة (3) الحاصلة للميت عند النزع- على فرض اعتباره. لا ربط له بما يحصل بعد الموت على فرض الحصول.

______________________________

ص: 17


1- الوسائل باب: 17 من أبواب النكاح المحرم حديث: 1
2- تقدم في صفحة: 16.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.

حشفة طفل رضيع فإنّهما يجنبان (20). و كذا لو أدخلت ذكر ميت (21) أو أدخل في ميت.

و الأحوط في وطء البهائم من غير إنزال: الجمع بين الغسل و الوضوء (22) إن كان سابقا محدثا بالأصغر، و الوطء في دبر الخنثى موجب

______________________________

(20) على المشهور، لإطلاق الأدلة(1) و عدم اختصاص الوضعيات التي منها الجنابة بالمكلّفين، و عدم شمول حديث الرفع لمثلها.

(21) إن لم يكن ذلك من الجماد عرفا، فتشمله الإطلاقات و تقدم حكم الأخير، فلا وجه لتكراره و طريق الاحتياط الجمع بين الغسل و الوضوء لمن كان محدثا بالأصغر أو لم يعلم حالته السابقة في جميع الفروع المشتبهة.

(22) للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما عليه الحاصل من دعوى السيد:

الإجماع على وجوب الغسل في وطي البهائم و لو لم ينزل، و جزم به الشيخ و الشهيدان و جمع من أعلام الفقه، و يشهد له الملازمة المستفادة من قول علي عليه السلام: «أ توجبون الحد و لا توجبون عليه صاعا من الماء.؟!» (2)كما تقدم. و من ذهاب جمع كثير إلى عدم الوجوب، بل نسب ذلك إلى المشهور، و يقتضيه الأصل أيضا هذا فيما إذا لم يعلم الحالة السابقة، أو كان محدثا بالأصغر و قلنا: بأنّ الوضوء و الغسل من المتباينين. و أما إن قلنا: إنّهما من الأقل و الأكثر، فيجزي الأول و يجري الأصل في الأخير.

ثمَّ إنّه يأتي من الماتن رحمه الله الجزم في وطي البهيمة و لو لم ينزل في الثالث من المفطرات من (فصل فيما يجب الإمساك عنه) كتاب الصوم فما الفرق بين المقامين؟!.

و أما التمسك بقاعدة الاشتغال، فيما إذا كان سابقا محدثا بالأصغر، أو باستصحاب بقاء الحدث. فيجب الاحتياط فمردود، لأنّ الشك في أصل حدوث

______________________________

ص: 18


1- تقدم في صفحة: 8.
2- تقدم في صفحة: 16.

للجنابة دون قبلها الا مع الإنزال فيجب الغسل عليه دونها الا أن تنزل هي أيضا (23). و لو أدخلت الخنثى في الرجل أو الأنثى مع عدم الإنزال لا يجب الغسل على الواطئ و لا على الموطوء و إذا أدخل الرجل بالخنثى و الخنثى بالأنثى وجب الغسل على الخنثى دون الرجل و الأنثى (24).

______________________________

الجنابة، فالمرجع حينئذ إلى أصالة العدم. و الاستصحاب من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكليّ الذي ثبت بطلانه- كما أنّ دعوى: عدم القول بالفصل بين صورة الجهل بالحالة السابقة و غيرها من العلم بالحدث أو العلم بالطهارة- لم تثبت و على فرضه- فلا اعتبار به في الأحكام الظاهرية التي تكون مفاد الأصول.

فالعمدة في التوقف ما ذكرناه، من إجماع السيد و جزم جمع من الأعلام، و فتوى آخرين بالخلاف، الموجب للتردد و التوقف.

فروع- (الأول): لو كانت البهيمة هي الواطية، فيأتي حكمه في [مسألة 5] من كتاب الصوم.

(الثاني): لا تحصل الجنابة بإدخال الآلات الصناعية و لو حصل الالتذاذ إلا إذا تحقق الإنزال.

(الثالث): الجنابة بقسميها واقعية لا أن تكون علمية، فلو حصول الإنزال أو الدخول الموجب للجنابة و كان جاهلا بالحكم، أو الموضوع يكون جنبا و يترتب عليه جميع أحكام الجنابة.

(23) أما الأول- فلما تقدم في وطي الدبر.

و أما الثاني- فلاحتمال كونه ثقبة زائدة، فلا يجب الغسل على الواطي إلا مع الإنزال. و أما الأخير، فلما تقدم من أنّ الإنزال يوجب الجنابة و لو كان من مخرج غير معتاد.

(24) أما وجوب الغسل على الخنثى، فللعلم التفصيلي بالجنابة، لأنّها إن كان رجلا فهو واطئ و ان كانت أنثى، فموطوءة و أما عدم وجوبه على الرجل، فلاحتمال الدخول في ثقبة زائدة. و أما عدم وجوبه على الأنثى، فلاحتمال إدخال لحم زائد فيها. هذا مع عدم الإنزال و إلا يجب على من أنزل.

ص: 19

مسألة 1: إذا رأى في ثوبه منيّا و علم أنه منه و لم يغتسل بعده وجب عليه الغسل

(مسألة 1): إذا رأى في ثوبه منيّا و علم أنه منه و لم يغتسل بعده وجب عليه الغسل و قضاء ما تيقن من الصلوات التي صلاها بعد خروجه، و أما الصلوات التي يحتمل سبق الخروج عليها، فلا يجب قضاؤها (25)، و إذا شك في أنّ هذا المنيّ منه أو من غيره لا يجب عليه الغسل (26) و إن كان أحوط، خصوصا إذا كان الثوب مختصا به، و إذا

______________________________

(25) أما أصل وجوب الغسل، فللعلم بوجوبه تفصيلا. و أما وجوب قضاء الصلوات التي علم بإتيانها جنبا، فللأدلة الدالة على وجوب قضاء الصلوات التي أتى بها فاقدة للشرط. و يأتي التفصيل في قضاء الصلوات إن شاء الله تعالى.

و أما في البقية، فلقاعدة الفراغ، و أصالة عدم موجب الغسل إلى زمان اليقين به. و نسب إلى الشيخ رحمه اللّه وجوب الاحتياط بالقضاء، و لا دليل عليه و ان كان الاحتياط حسنا على كلّ حال.

(26) لأصالة البراءة، و استصحاب الطهارة إلا أن يكون الاختصاص أمارة عرفية على أنه منه، كما لا يبعد.

و أما موثق سماعة: «عن الرجل يرى في ثوبه المنيّ بعد ما يصبح و لم يكن رأى في منامه أنه احتلم قال عليه السلام: فليغتسل و ليغسل ثوبه و يعيد صلاته»(1).

و قريب منه موثقه الآخر (2)، فمحمول على صورة الجزم بأنّه منه، إذ لا ريب في أنّ مجرد وجدان المني في الثوب أعم من كونه منه ما لم تكن قرينة معتبرة عليه، و يمكن أن يكون اختصاص الثوب من القرينة.

و أما موثق أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «عن الرجل يصيب بثوبه منيا و لم يعلم أنّه احتلم؟ قال: ليغسل ما وجد بثوبه و يتوضأ» (3).

______________________________

ص: 20


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الجنابة حديث: 2
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الجنابة حديث: 1
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الجنابة حديث: 3.

علم أنّه منه و لكن لم يعلم أنّه من جنابة سابقة اغتسل منها أو جنابة أخرى لم يغتسل لها، لا يجب عليه الغسل أيضا (27)، لكنّه أحوط.

مسألة 2: إذا علم بجنابة و غسل و لم يعلم السابق منهما

(مسألة 2): إذا علم بجنابة و غسل و لم يعلم السابق منهما وجب عليه الغسل (28)، إلا إذا علم زمان الغسل دون الجنابة فيمكن استصحاب الطهارة حينئذ (29).

مسألة 3: في الجنابة الدائرة بين شخصين لا يجب الغسل

(مسألة 3): في الجنابة الدائرة بين شخصين لا يجب الغسل

______________________________

فيمكن حمله على ما إذا شك في أصل الجنابة، لأنّ وجدان المني أعم من الجنابة الحادثة، أو غير ذلك من المحامل لئلا يحصل التنافي بينه و بين الموثقين.

(27) لأصالة عدم حدوث جنابة أخرى غير ما علم بها و بالغسل الرافع عنها تفصيلا، مضافا إلى أصالتي البراءة و الطهارة.

(28) لأنّ مقتضى شرطية الطهارة إحرازها في المشروط بها و لا طريق للإحراز في البين، فالمرجع قاعدة الاشتغال سواء جرى استصحاب عدم تقدم الجنابة على الغسل و استصحاب عدم تقدم الغسل على الجنابة و سقطا بالتعارض أو لم يجر، لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بالشك.

(29) لجريان الاستصحاب في معلوم التاريخ و عدم جريانه في مجهوله، لعدم إحراز اتصال زمان اليقين بالشك فيه- على ما قيل- و لكن الحق هو الجريان و السقوط بالمعارضة كما مر (1)، فيرجع إلى قاعدة الاشتغال، فلا فرق بين الصورتين من هذه الجهة. و قد تقدم في [مسألة 37] من (فضل شرائط الوضوء) ما ينفع المقام و لا فرق بينهما. الا أنها في الحدث الأصغر و المقام في الحدث الأكبر.

______________________________

ص: 21


1- راجع ج: 2 صفحة: 463.

على واحد منهما (30)، و الظن كالشك (31)، و إن كان الأحوط فيه مراعاة الاحتياط (32)، فلو ظن أحدهما أنّه الجنب دون الأخر اغتسل و توضأ إن كان مسبوقا بالأصغر.

مسألة 4: إذا دارت الجنابة بين شخصين لا يجوز لأحدهما الاقتداء بالآخر

(مسألة 4): إذا دارت الجنابة بين شخصين لا يجوز لأحدهما الاقتداء بالآخر للعلم الإجمالي بجنابته أو جنابة إمامه (33).

______________________________

(30) للأصل بعد عدم تنجز هذا العلم الإجمالي، لخروج كل طرف عن مورد ابتلاء الآخر. نعم لو صار مورد الابتلاء بوجه من الوجوه لتنجز و وجب الاحتياط.

(31) لأصالة عدم الاعتبار الا أن يدل دليل عليه.

(32) لما نسب- إلى جمع- من استحباب غسل الجنابة في مورد الشك فيها، فيكون في مورد الظن بالأولى، و حيث إنه لا وجه للاكتفاء بهذا الغسل، فلا بد من الجمع بينه و بين الوضوء مع سبق الحدث، أو الشك في الحالة السابقة. و مع سبق الطهارة يجزي الغسل.

فرع: لو علم بتحقق جنابتين منه و غسل واحد، و لكن لا يعلم أنه كان بعدهما أو بعد أحدهما: يجب عليه الغسل، لقاعدة الاشتغال و قضاء ما علم من الصلوات و الصوم المأتي بهما في حال الجنابة. و أما المشكوك منهما فيجري فيه قاعدة الفراغ.

(33) بناء على ما هو المستفاد من الأدلة، و المرتكز في أذهان المتشرعة من أنّ الائتمام و ترتيب آثار الجماعة متوقف على إحراز المأموم صحة صلاة الإمام و إحراز الإمام صحة صلاته أيضا.

و أما بناء على كفاية صحة الصلاة عند الإمام فقط و لو علم المأموم ببطلانها أو العكس، فيصح الاقتداء و لكن لا دليل عليهما، بل مقتضى الأصل عدم ترتب الأثر على مثل هذه الجماعة كما أنّ توهم أنّه لا جنابة في المقام أصلا، لتقومها بالعلم بحصولها عن شخص خاص معين. لا وجه له أيضا، لكونه خلاف

ص: 22

و لو دارت بين ثلاثة يجوز لواحد أو الاثنين منهم الاقتداء بالثالث، لعدم العلم حينئذ (34)، و لا يجوز لثالث علم إجمالا بجنابة أحد الاثنين أو أحد الثلاثة الاقتداء بواحد منهما أو منهم إذا كانا أو كانوا محل الابتلاء له و كانوا عدولا عنده (35)، و إلا فلا مانع.

و المناط علم المقتدي (36) بجنابة أحدهما لا علمهما فلو اعتقد كلّ منهما عدم جنابته و كون الجنب هو الآخر أو لا جنابة لواحد منهما و كان المقتدي عالما كفي في عدم الجواز. كما أنّه لو لم يعلم المقتدي إجمالا بجنابة أحدهما و كانا عالمين بذلك لا يضر باقتدائه (37).

______________________________

إطلاقات الأدلة و إنّ العلم- تفصيلا كان أو إجمالا- طريق محض إلى الواقع مع أنّ الأصل عدم ترتب آثار الجماعة إلا مع الدليل عليه و لا دليل في المقام و يأتي في فصل الجماعة تمام الكلام.

(34) لخروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء و أما مع عدم خروجه فيكون من الفرع السابق و ما عن صاحب الجواهر من: «عدم ظهور الخلاف في الاقتداء حينئذ» ففي إطلاقه إشكال، إذا المتيقن منه مورد خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء لا كون جميع الأطراف موارد له- كما في صلاة الجمعة بالنسبة إلى العدد المخصوص.

(35) يكفي كونهم محل الابتلاء بوجه من الوجوه سواء كان ذلك من جهة العدالة التي هي شرط الائتمام أو غيرها، و لو خرج بعض الأطراف عن محل الابتلاء و كان الباقي واجدا لشرائط الائتمام، يصح الاقتداء حينئذ.

(36) لأنّ المنساق من الأدلة و المرتكز في أذهان المتشرعة أنّه لا بد و أن تكون شرائط الائتمام محرزة عند المأموم و لا يكتفون بمجرد أنّ الإمام إحراز الشرائط عند نفسه إلا إذا أخبر به و حصل الوثوق منه.

(37) لفرض أنّه أحرز شرائط صحة الائتمام، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود. نعم، لو أخبر بجنابة نفسه، لكان إخباره حجة للمأموم.

ص: 23

مسألة 5: إذا خرج المني بصورة الدم وجب الغسل أيضا بعد العلم بكونه منيّا

(مسألة 5): إذا خرج المني بصورة الدم وجب الغسل أيضا بعد العلم بكونه منيّا (38).

______________________________

فروع- (الأول): لو اقتدى أحدهما بالآخر و لم يخلّ المأموم بوظيفة صلاة المنفرد تصح صلاته- كما تصح صلاة الإمام أيضا- لإتيان المأمور به بالنسبة إلى كلّ منهما.

(الثاني): في الجنابة المرددة بين شخصين لا يحرم على واحد منهما ما يحرم على الجنب ما لم يكن أحدهما موردا لابتلاء الآخر، للأصل بعد عدم تنجز مثل هذا العلم الإجمالي.

(الثالث): لا فرق في الجنابة المرددة بين الحدوث و البقاء فلو كان كلّ واحد من الشخصين جنبا يقينا و اغتسلا ثمَّ علما إجمالا ببطلان غسل أحدهما، فالحكم كما ذكر.

(الرابع): لو علم بحدوث جنابات متعددة منه و أغسال لكلّ واحدة منها أيضا و لكن يعلم إجمالا ببطلان غسل واحد منها، فيجب عليه الغسل فعلا و قضاء ما أتى به من الصلوات في ما بين الغسلين، لقاعدة الاشتغال و لو تردد ما بين الغسلين بين الأقل و الأكثر أخذ بالأقل و الأحوط الأكثر.

(الخامس): لو علم بحدوث جنابات كثيرة منه في سنة- مثلا- و حدوث غسل بعد كلّ جنابة و علم ببطلان جملة من تلك الأغسال و لا يدري أنها كانت في أول السنة أو وسطها أو آخرها، وجب عليه الغسل فعلا، لقاعدة الاشتغال و قضاء ما يعلم من الصلوات التي وقعت في حال الجنابة. و لو دارت بين الأقل و الأكثر، يجزي الأول، و الأحوط الأخير. و هل يجب عليه قضاء صوم شهر رمضان أيضا أم لا؟ مقتضى قاعدة الصحة و الفراغ هو الأخير و كذا الكلام فيما لو حج في تلك السنة.

(38) لأنّ ترتب الحكم على ثبوت الموضوع قهري و المفروض حصول العلم به. و أما إذا شك، فلا بد من الرجوع إلى الصفات.

ص: 24

مسألة 6: المرأة تحتلم كالرجل

(مسألة 6): المرأة تحتلم كالرجل و لو خرج منها المنيّ حينئذ وجب عليها الغسل (39) و القول (40). بعدم احتلامهنّ ضعيف (41).

مسألة 7: إذا تحرك المنيّ في النوم عن محلّه بالاحتلام و لم يخرج إلى خارج لا يجب الغسل

(مسألة 7): إذا تحرك المنيّ في النوم عن محلّه بالاحتلام و لم يخرج إلى خارج لا يجب الغسل كما مر (42)، فإذا كان بعد دخول الوقت و لم يكن عنده ماء للغسل هل يجب عليه حبسه عن الخروج أم لا؟ الأقوى عدم الوجوب، و إن لم يتضرر به (43)، بل مع التضرر

______________________________

(39) لإجماع المسلمين- كما عن المعتبر و المدارك- و النصوص مستفيضة بل متواترة منها: قول الصادق عليه السلام: «إذا أمنت المرأة و الأمة من شهوة جامعها الرجل أو لم يجامعها في نوم كان ذلك أو في يقظة فإن عليها الغسل» (1).

و يدل عليه وجدانهنّ مضافا إلى ما كشفه العلم الحديث.

(40) نسب هذا القول إلى المقنع، لبعض الأخبار الظاهرة في عدم جنابتهنّ بالاحتلام كموثق ابن أذنيه قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم قال: ليس عليها غسل» (2).

(41) للإجماع على خلافه، فلا بد من حمل تلك الأخبار على صورة الاشتباه أو محامل أخرى ذكرت في المطولات.

(42) تقدم في أول الفصل عند قوله: «و المعتبر خروجه إلى خارج البدن».

بلا فرق فيه بين النوم و اليقظة.

(43) للأصل، و إطلاق ما يأتي من موثق عمار، و لكن الأصل لا وجه له.

مع شمول ما دل على قبح تفويت التكليف الاختياري للمقام- كما أنّ ظاهر الموثق- غيره. و يأتي في فصل التيمم ما ينفع المقام.

______________________________

ص: 25


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الجنابة حديث: 14.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الجنابة حديث: 21.

يحرم ذلك، فبعد خروجه يتيمم للصلاة. نعم، لو توقف إتيان الصلاة في الوقت على حبسه- بأن لم يتمكن من الغسل، و لم يكن عنده ما يتيمم به، و كان على وضوء بأن كان تحرك المنيّ في حال اليقظة، و لم يكن في حبسه ضرر عليه- لا يبعد وجوبه، فإنّه على التقادير المفروضة لو لم يحبسه لم يتمكن من الصلاة في الوقت و لو حبسه يكون متمكنا (44).

مسألة 8: يجوز للشخص إجناب نفسه و لو لم يقدر على الغسل

(مسألة 8): يجوز للشخص إجناب نفسه و لو لم يقدر على الغسل و كان بعد دخول الوقت (45). نعم، إذا لم يتمكن من التيمم

______________________________

ثمَّ إنّه رحمه اللّه احتاط وجوبا في [مسألة 13] من فصل التيمم بعد جواز إبطال الطهارة قبل الوقت، فلا وجه للتخصيص في المقام ببعد دخول الوقت.

(44) فيحرم عليه حينئذ تفويت التمكن و القدرة عقلا.

(45) لإطلاق موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أ يأتي أهله؟ قال: ما أحب أن يفعل الا أن يخاف على نفسه قال: قلت: طلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء. قال عليه السلام: «إن الشبق يخاف على نفسه قال: قلت: طلب بذلك اللذة قال عليه السلام: هو حلال»(1) و نحوه ما عن مستطرفات السرائر (2)، و صدره و ان اختصاص بإتيان الأهل الظاهر في الجماع المعهود، لكن مقتضى عموم ذيله و هو «طلب بذلك اللذة» التعميم للوطي في الدبر و التفخيذ و نحوه أيضا. الا أن يقال: بالانصراف إلى اللذة المعهودة، و هو المتيقن في هذا الحكم المخالف للقاعدة. و لكن لا وجه للانصراف- كما لا وجه للاقتصار على المتيقن- و الا لوجب الاقتصار على

______________________________

ص: 26


1- الوسائل باب: 50 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب التيمم.

أيضا لا يجوز ذلك (46)، و أما في الوضوء، فلا يجوز لمن كان متوضئا- و لم يتمكن من الوضوء لو أحدث- أن يبطل وضوءه إذا كان بعد دخول الوقت (47)، ففرق في ذلك بين الجنابة و الحدث الأصغر، و الفارق النص.

مسألة 9: إذا شك في انّه هل حصل الدخول أم لا؟

(مسألة 9): إذا شك في انّه هل حصل الدخول أم لا؟ لم يجب عليه الغسل، و كذا لو شك في أنّ المدخول فيه فرج أو دبر أو غيرهما؟ فإنّه لا يجب عليه الغسل (48).

مسألة 10: لا فرق في كون إدخال تمام الذكر أو الحشفة موجبا للجنابة بين أن يكون مجردا أو ملفوفا بوصلة أو غيرها

(مسألة 10): لا فرق في كون إدخال تمام الذكر أو الحشفة موجبا للجنابة بين أن يكون مجردا أو ملفوفا بوصلة أو غيرها، إلا أن يكون بمقدار لا يصدق عليه الجماع (49).

______________________________

خصوص السفر فقط، و ذلك خلاف إطلاق قوله عليه السلام: «طلب بذلك اللذة».

و أما ما نسب إلى المفيد و ابن الجنيد من عدم جواز الإجناب مع عدم القدرة على الغسل، فهو من الاجتهاد في مقابل النص إن صحت النسبة.

(46) لأنّه حينئذ تفويت للصلاة، فلا يجوز و الظاهر من الموثق مورد التمكن من التراب، فلا يشمل صورة فقده.

(47) لأنّه حينئذ تفويت للواجب المطلق و لا يجوز ذلك و يأتي في فصل التيمم إيجاب الاحتياط في عدم جوازه قبل الوقت أيضا.

(48) لأصالة عدم تحقق موجب الغسل في جميع ذلك.

(49) الأقسام ثلاثة: عدم صدق الجماع عرفا، و الشك في الصدق و عدمه، و صدقه بحسب المتعارف. و يجب الغسل في الأخير فقط، للعمومات و الإطلاقات و لا يجب في الثاني، لأصالة عدم تحقق موجبه، و لا يصح التمسك بالعمومات و الإطلاقات، لأنها من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية و كذلك لا يجب في الأول، لفرض عدم صدق الجماع و يأتي في [مسألة 31] من المفطرات في أحكام الارتماس ما يناسب المقام.

ص: 27

مسألة 11: في الموارد التي يكون الاحتياط في الجمع بين الغسل و الوضوء الأولى أن ينقض الغسل بناقض من مثل البول و نحوه

(مسألة 11): في الموارد التي يكون الاحتياط في الجمع بين الغسل و الوضوء الأولى أن ينقض الغسل بناقض من مثل البول و نحوه ثمَّ يتوضأ، لأنّ الوضوء مع غسل الجنابة غير جائز (50)، و المفروض احتمال كون غسله غسل الجنابة.

______________________________

(50) يأتي وجهه إن شاء اللّه تعالى، و لكنه إن كان بقصد الأمر، و أما لو كان بقصد الرجاء، فلا وجه لعدم الجواز.

فروع- (الأول): لو استعمل كلّ واحد منهما آلة تكون مانعا عن تماس البشرة فمع صدق الجماع وجب الغسل و الأحوط ضمّ الوضوء أيضا إن كان محدثا بالأصغر أو الشك في الحالة السابقة.

(الثاني): لو شك الرجل في الدخول و عدمه و ادّعت المرأة الدخول وجب الغسل عليهما، و كذا العكس، و الأحوط ضم الوضوء في الصورتين مع سبق الحدث الأصغر أو الشك في الحالة السابقة.

(الثالث): لو اختلف الطرفان في الدخول و عدمه، فالقول قول المنكر بيمينه.

(الرابع): لو علمت المرأة بتحقق الدخول، و علم الرجل بعدمه، أو بالعكس يعمل كل منهما بحسب تكليفه و طريق الاحتياط واضح.

(الخامس): لو اعتقد الدخول و اغتسل للجنابة و صلّى بذلك الغسل بلا وضوء ثمَّ ظهر عدم الدخول يجب عليه إعادة الصلاة و كذا في العكس لو صلّى بالوضوء من دون غسل.

(السادس): لو علم بحدوث جنابة و غسل عنها و إتيان صلوات و لا يدري أنّ الغسل وقع قبل إتيان الصلوات أو بعدها، فمقتضى قاعدة الفراغ صحتها.

(السابع): لو حصلت الشهوة و لم يخرج شي ء إلى الخارج و بعد مدة قبل البول أو بعده خرج ماء غليظ و شك في أنّه منيّ أو لا، لا يحكم بالجنابة، و إن كان الأحوط الفحص.

ص: 28

فصل فيما يتوقف على الغسل من الجنابة
اشارة

(فصل فيما يتوقف على الغسل من الجنابة) و هي أمور:

الأول: الصلاة

(الأول): الصلاة واجبة أو مستحبة أداء و قضاء لها (1) و لأجزائها المنسية، و صلاة الاحتياط (2)، بل و كذا سجدتا السهو على الأحوط (3). نعم، لا يجب في صلاة الأموات، و لا في سجدة الشكر و التلاوة (4).

(فصل فيما يتوقف على الغسل من الجنابة)

______________________________

(1) بضرورة المذهب، بل الدين، و نصوص مستفيضة منها: قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور» (1).

الشامل للطهارة عن الحدث الأصغر و الأكبر.

(2) أما الأجزاء المنسية، فلأنّها جزء الصلاة رخص في إتيانها بعدها، فتشملها أدلة اعتبار الطهارة فيها و كذا سائر الشرائط. و أما صلاة الاحتياط، فهي مرددة بين الاستقلالية و الجزئية، فتعتبر فيها الطهارة على كلّ تقدير.

(3) بدعوى: أنهما من تبعات الصلاة، فيعتبر فيهما ما يعتبر في الصلاة.

و فيها: أنها أول الدعوى و أصل المدعى. نعم، ورد سجدة السهو بعد التسليم و قبل الكلام (2) و يأتي التفصيل في محله إن شاء اللّه تعالى.

(4) للأصل، و ظهور الإطلاق، و الاتفاق فيهما و يأتي في صلاة الأموات نصوص دالة على عدم الطهارة فيها.

______________________________

ص: 29


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الخلل (كتاب الصلاة).
الثاني: الطواف الواجب دون المندوب

(الثاني): الطواف الواجب دون المندوب (5) لكن يحرم على الجنب دخول المسجد الحرام (6)، فتظهر الثمرة فيما لو دخله سهوا و طاف، فإنّ طوافه محكوم بالصحة (7). نعم، يشترط في صلاة الطواف الغسل و لو كان الطواف مندوبا (8).

الثالث: صوم شهر رمضان

(الثالث): صوم شهر رمضان (9)

______________________________

(5) تقدم حكمه في غايات الوضوء (1) و يأتي التفصيل في محلّه.

(6) لما يأتي في الفصل التالي.

(7) لسقوط النهي عن الفعلية لأجل السهو- كما في سائر موارد العذر- فيبقى الأمر مقتضيا للصحة بلا مانع.

(8) لأنّه «لا صلاة إلا بطهور» (2) مطلقا- مضافا إلى نصوص خاصة تأتي إن شاء اللّه تعالى- و هو من الشرائط الواقعية لها نصا (3) و إجماعا.

(9) نصوصا، و إجماعا، بل عدّ ذلك من قطعيات الفقه، ففي صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: «في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثمَّ نام متعمدا في شهر رمضان حتّى أصبح قال عليه السلام: يتم صومه ذلك ثمَّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربه»(4) و مثله غيره.

و بإزاء هذه الأخبار أخبار أخر (5) ظاهرة في الصحة، و لكنّها مهجورة عند الأصحاب موافقة للعامة يمكن حملها على محامل تأتي في كتاب الصوم.

______________________________

ص: 30


1- راجع ج: 2 الصفحة: 253.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الجنابة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 و 3 من أبواب الجنابة.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5

و قضاؤه (10) بمعنى: أنّه لا يصح إذا أصبح جنبا متعمدا أو ناسيا للجنابة (11)، و أما سائر الصيام ما عدا رمضان و قضائه فلا يبطل بالإصباح جنبا و إن كان واجبا (12). نعم.

______________________________

(10) على المشهور، لصحيح ابن سنان: «سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقتضي شهر رمضان فيجنب من أول الليل و لا يغتسل حتّى يجي ء آخر الليل و هو يرى أنّ الفجر قد طلع؟ قال عليه السلام: لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره» (1)

(11) نسب إلى الأكثر، لصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: «عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّى خرج رمضان؟ قال عليه السلام: عليه أن يقتضي الصلاة و الصوم» (2).

و مقتضى إلحاق القضاء بالأداء إلا ما خرج بالدليل، البطلان في قضاء شهر رمضان أيضا مع النسيان، مع أنه مقتضى إطلاق ما تقدم من صحيح ابن سنان الشامل للعمد و العذر نسيانا كان أو غيره. و يأتي التفصيل في كتاب الصوم ان شاء اللّه تعالى.

(12) للأصل بعد عدم الدليل و في خبر الخثعمي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخبرني عن التطوع و عن هذه الثلاثة أيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أنه قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم؟ قال عليه السلام: صم» (3).

و قريب منه موثق ابن بكير (4) و يستفاد منهما حكم صورة العذر في البقاء على الجنابة لنسيان أو غيره بالأولى.

ثمَّ انه لا وجه للتمسك بقاعدة إلحاق المندوب بالواجب مع هذين الخبرين المعمول بهما عند الأصحاب.

______________________________

ص: 31


1- الوسائل باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1
2- الوسائل باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.

الأحوط في الواجب منه ترك تعمد الإصباح جنبا (13). نعم، الجنابة العمدية في أثناء النهار تبطل جميع الصيام حتى المندوب منه (14). و أما الاحتلام، فلا يضرّ بشي ء منه حتّى صوم رمضان (15).

______________________________

(13) نسب إلى المشهور إلحاق الصوم الواجب بشهر رمضان، اقتصارا في مثل خبر الخثعمي على مورده و هو الصوم المندوب فقط، فيبقى قاعدة إلحاق كلّ صوم بصوم شهر رمضان بلا معارض، و لكن الكلام في مدرك كلية قاعدة الإلحاق بحيث يعتمد عليها عند الشك مطلقا و يحتمل إلحاق ما لم يرد فيه نص بالخصوص من أقسام الصيام بالصوم المندوب، و يعضده أصالة الصحة و البراءة عن القضاء و الإعادة.

(14) بضرورة المذهب، بل الدين.

(15) نصا (1) و إجماعا بقسميه و يأتي تفصيل الكلام في الثامن من المفطرات (كتاب الصوم).

______________________________

ص: 32


1- راجع الوسائل باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
فصل فيما يحرم على الجنب
اشارة

(فصل فيما يحرم على الجنب) و هي أيضا أمور:

الأول: مس خط المصحف

(الأول): مس خط المصحف على التفصيل الذي مرّ في الوضوء (1). و كذا مس اسم اللّه تعالى (2) و سائر أسمائه و صفاته المختصة (3)، و كذا مس أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام على (فصل فيما يحرم على الجنب)

______________________________

(1) بضرورة الفقه في هذه الأعصار و ما قاربها، و لأنّ ما يدل على حرمة مسه على المحدث الأصغر يدل على الحرمة في الأكبر بالفحوى. و أما خبر محمد بن مسلم (1) الظاهر في جواز مس الجنب الدرهم المكتوب عليه القرآن، فمحمول على مس غير موضوع الكتابة مع أنه موهون بالهجران.

(2) لقول الصادق عليه السلام في الموثق: «لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه تعالى» (2) مضافا إلى ظهور الإجماع عليها و ما يظهر منه الخلاف- كخبر أبي الربيع (3) و موثق إسحاق (4)- وارد مورد التقية و مهجور عند الإمامية و محمول على بعض المحامل.

(3) لأنّ مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع أنّ ما اختص بالذات الأقدس اسما كان أو صفة حكمه حكم لفظ الجلالة.

و أما الصفات المشتركة، فمقتضى الأصل الجواز و ان قصد الكاتب

______________________________

ص: 33


1- الوسائل باب: 18 من أبواب الجنابة.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب الجنابة.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب الجنابة.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب الجنابة.

الأحوط (4).

الثاني: دخول المسجد الحرام و مسجد النبي صلى اللّه عليه و آله

(الثاني): دخول المسجد الحرام و مسجد النبي صلى اللّه عليه و آله و إن كان بنحو المرور (5).

الثالث: المكث في سائر المساجد

(الثالث): المكث في سائر المساجد (6)، بل مطلق الدخول فيها على غير وجه المرور. و أما المرور فيها بأن يدخل من باب و يخرج من آخر فلا بأس به (7). و كذا الدخول بقصد أخذ شي ء منها فإنّه لا بأس

______________________________

الاختصاص، لأنّ قصده لا يوجب اختصاص اللفظ بحيث يكون من الأسماء أو الصفات المختصة به تعالى في المحاورة.

(4) و هو المشهور و نسب إلى كبراء الأصحاب تارة: و إلى الأصحاب أخرى: و يكفي ذلك في لزوم الاحتياط و تقدم حكم الأسماء المشتركة في صفات اللّه تعالى.

(5) نصا و إجماعا، ففي صحيح جميل عن الصادق عليه السلام: «عن الجنب يجلس في المساجد قال عليه السلام: لا و لكن يمر فيها كلّها الا مسجد الحرام و مسجد الرسول صلى اللّه عليه و آله»(1).

و الظاهر أنّ المراد بالمرور مطلق الكون بقرينة خبر محمد بن مسلم- في حديث الجنب و الحائض-: «و لا يقربان المسجدين الحرمين» (2).

(6) بالأدلة الثلاثة- كما يأتي- و قد يعبر عنه باللبث و المراد واحد.

(7) لقوله جل و جلاله وَ لا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ (3). و إطلاقه يشمل جميع أنحاء الكون فيه الا بنحو العبور و الا ما خرج بدليل معتبر، فيكون مقيدا لإطلاق الآية.

و أما الأخبار فعلى أقسام:

______________________________

ص: 34


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 17.
3- سورة النساء آية: 43.

.....

______________________________

الأول: المطلقات التي يستفاد منها عدم جواز الدخول كقول الصادق عليه السلام عن آبائه عن النبي صلى اللّه عليه و آله «إنّ اللّه كره لي ست خصال- إلى أن قال- إتيان المساجد جنبا» (1).

و شمول مثله لمطلق الدخول مما لا ينكر.

الثاني: ما يدل على عدم جواز القعود و جواز الدخول مجتازا كقول أبي جعفر عليه السلام: في الصحيح- في حديث الجنب و الحائض-:

«يدخلون المسجد مجتازين و لا يقعدان فيه و لا يقربان المسجدين الحرمين» (2).

و لا بد من تقييد جميع الأدلة به، لصحة سنده، و صراحة دلالته، و عمل الأصحاب به.

الثالث: صحيح ابن مسلم: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال عليه السلام: يتوضأ و لا بأس أن ينام» (3) و لا بد من طرحه، أو حمله على الاضطرار، لمخالفته الآية الكريمة المتقدمة و الأخبار المستفيضة مع إعراض الأصحاب عنه و موافقته للعامة.

ثمَّ إنّ مفاد الآية الكريمة و الأخبار المنزلة عليها هو جواز العبور- بأن يدخل من باب و يخرج- من آخر- بحيث يصدق عليه العبور و الاجتياز عرفا. و أما مع عدم صدقهما- كما إذا دخل من باب و خرج منه أيضا، أو دخل من باب و دار أطراف المسجد و خرج من باب آخر- فلا يستفاد جوازهما من الآية، للشك في شمولهما، فيكون من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، فالمرجع أصالة البراءة، لكون المقام من الشبهة التحريمية. الا أن يقال: إنّ المحرم هو مطلق الكون خرج منه العبور و بقي الباقي. و لكنّه مشكل.

فروع- (الأول): لا فرق في جواز المرور بين كون العبور من المسجد عاديا و متعارفا أو لا، للإطلاق الشامل لهما.

(الثاني): لا يعتبر في جواز المرور في المسجد انحصار الطريق بالعبور

______________________________

ص: 35


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 16.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 17
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 18

به (8). و المشاهد كالمساجد في حرمة المكث فيها (9).

______________________________

فيه، فيجوز و لو مع عدم الانحصار- كما لا يجب السرعة في المرور بل يجوز بنحو المتعارف- للإطلاق و الأصل.

(الثالث): لو كان في المسجد معبران أحدهما أقصر من الآخر يجوز له العبور من الأبعد، لظهور الإطلاق.

(الرابع): لو غفل عن جنابته و مكث بعد الدخول قليلا أو كثيرا لا شي ء عليه.

(8) على المشهور، بل المجمع عليه، الصحيح ابن سنان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه قال عليه السلام: نعم و لكن لا يضعان في المسجد شيئا»(1).

و يمكن أن يكون المقام من موارد الحرج العرفي خصوصا بقرينة صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: «لأنهما لا يقدران على أخذ ما فيه الا منه و يقدران على ضع ما بيدهما في غيره» (2).

ثمَّ إنّ إطلاق صحيح ابن سنان و غيره و إن كان يشمل المسجدين أيضا، و لكن يمكن دعوى انصرافه عنهما بقرينة قوله عليه السلام: «و لا يقربان المسجدين الحرمين» (3).

نعم، لو كان الحكم من موارد الحرج لعمهما أيضا.

(9) كما عن جمع منهم المفيد و الشهيدان و غيرهم رحمهم اللّه، لارتكاز الإمامية حيث ينزلونها منزلة المساجد. و هذا المرتكز كان فيهم خلفا عن سلف، و يشهد لذلك الأخبار التي جمعها صاحب الوسائل في باب خاص من أبواب الجنابة (4) في قضية دخول أبي بصير جنبا على أبي عبد اللّه عليه السلام و دخول الأعرابي جنبا على الحسين عليه السلام و إنكارهما لذلك (5) فإذا كانت بيوتهم في

______________________________

ص: 36


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الجنابة حديث: 17
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الجنابة حديث: 2
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الجنابة حديث: 17
4- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الجنابة.
5- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الجنابة.
الرابع: الدخول في المساجد بقصد وضع شي ء فيها

(الرابع): الدخول في المساجد بقصد وضع شي ء فيها، بل مطلق الوضع فيها و إن كان من الخارج أو في حال العبور (10).

______________________________

زمان حياتهم هكذا، فمشاهدهم التي تكون معبدا و ملجأ تكون بالأولى و أرسل صاحب الجواهر- في كتاب الديات- قولهم عليهم السلام: «إنّ بيوتنا في الأرض مساجد».

و هذه الأدلة: و إن أمكنت المناقشة فيها، لكنّها كافية للاحتياط الوجوبي.

فروع- (الأول): لا بأس بمكث الجنب و الحائض في الرواق و الصحن الشريفين و ان كان الأولى تركه أيضا.

(الثاني): ترتفع الحرمة عن المرور في المسجدين و المكث في غيرهما لكلّ عذر- كالغفلة و النسيان و الاضطرار- و نحوها.

(الثالث): المرور فيهما و المكث في غيرهما عمدا من المعاصي الصغيرة فيجب فيها التوبة و الاستغفار.

(10) جمودا على ظاهر الصحيحين، و لكنّه جمود محض و خلاف مرتكزات المتشرعة، و لذا عدل عنه الماتن في أحكام الحائض و خصص ذلك بما إذا استلزم الدخول. و يظهر من مرسل القمي عن الصادق عليه السلام(1) حرمة الأخذ و جواز الوضع و لا بد من حمله أو طرحه، لقصوره عن معارضة الصحيحين فروع- (الأول): مقتضى إطلاق الصحيحين جواز الدخول لأخذ الشي ء حتّى لو تمكن من استنابة المتطهر. إلا أن يقال بانصرافهما عن هذه الصورة.

(الثاني): الظاهر من جواز الدخول إنّما هو فيما إذا كان أصل الأخذ جائزا، فلو كان حراما، لكون المأخوذ مال الغير، فلا يجوز، لانصراف الأدلة إلى غيره.

(الثالث): فلو توقف الأخذ على تكرار الدخول و الخروج، فظاهر الإطلاق جوازه و مقتضى الاحتياط خلافه.

______________________________

(1)

ص: 37


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الجنابة حديث: 3.
الخامس: قراءة سور العزائم
اشارة

(الخامس): قراءة سور العزائم (11) و هي: سورة اقرأ،

______________________________

(الرابع): مقتضى الإطلاق جواز استئجار الجنب لأخذ شي ء من المسجد و كذا للمرور فيه إلا أن يقال: بالانصراف عنه.

(11) نصا و إجماعا في الجملة و عن المحقق في المعتبر: «يجوز للجنب و الحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلا سور العزائم الأربع و هي اقرأ باسم ربك، و النجم، و الم تنزيل السجدة، و حم السجدة روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام» (1) و هو مذهب فقهائنا أجمع.

ثمَّ إنّ المحتملات في قوله عليه السلام: «سور العزائم الأربع» أربعة:

الأول: تمام السورة من حيث اشتمالها على آية السجدة.

الثاني: خصوص آية السجدة في كل منها.

الثالث: السورة من باب الوصف بحال المتعلق و ذكر الكل و إرادة البعض.

الرابع: ذات السورة بعنوان السريان في كل آية آية، فيشمل بعض آياتها و لو لم تكن آية المسجدة. و المنساق عرفا هو الأول أو الثالث دون البقية. و الشك في إرادة الأخير يكفي في عدم الشمول، لأنه تمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية. و في موثق زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام «قلت: الحائض و الجنب هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال عليه السلام: نعم ما شاءا إلا السجدة».

و عنه عليه السلام أيضا: «و الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة».

و المنساق منها آية السجدة بالخصوص و هو المطابق للأصل فلا وجه لتحريم تمام السورة.

______________________________

ص: 38


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الجنابة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الجنابة حديث: 4.

و النجم، و الم تنزيل، و حم السجدة (12)، و إن كان بعض واحدة منها، بل البسملة أو بعضها بقصد إحداها على الأحوط (13)، لكن الأقوى اختصاص الحرمة بقراءة آيات السجدة منها.

______________________________

و أما ما وقع من لفظ السور الأربع في معاقد الإجماعات، فلا وجه، لاستفادة حرمة قراءة غير آية السجدة منها لوجوه:

الأول: أنّ ذكر الكلّ و إرادة البعض شائع، فلتكن هذه الإجماعات من هذا القبيل.

الثاني: أنّه قد استقرت السيرة على الأخذ بالقدر المتيقن عند الشك في تعميم معقد الإجماع.

الثالث: على فرض ثبوت التعميم في معاقدها فهي من الإجماعات الاجتهادية لا التعبدية، فلا اعتبار بها و كذا دعوى: الروض الإجماع على حرمة البعض مطلقا حتّى البسملة، فإنّه أيضا اجتهادي.

الرابع: إنّ عبارات جمع من القدماء ليست بظاهرة في حرمة قراءة غير السجدة، بل المنساق منها خصوص آية السجدة فراجع و تأمل.

و كيف يعتمد على مثل هذه الإجماعات في الجزم بالحكم.

و بالجملة: قراءة خصوص آية السجدة حرام سواء كانت في ضمن قراءة تمام السورة أو وحدها. و أما قراءة بعضها من غير آية السجدة، فلم يقم دليل معتبر على الحرمة و طريق الاحتياط معلوم، و المسألة بحسب الدليل اللفظي و الإجماع و الأصل العملي من موارد الأقل و الأكثر، فيحرم الأول قطعا إلا مع قيام دليل معتبر على الثاني.

(12) نصا و إجماعا تقدم في خبر المعتبر، و يأتي في كتاب الصلاة [مسألة 3] من فصل القراءة.

(13) ظهر وجه الاحتياط مما تقدم.

ص: 39

مسألة 1: من نام في أحد المسجدين و احتلم أو أجنب فيهما

(مسألة 1): من نام في أحد المسجدين و احتلم أو أجنب فيهما أو في الخارج و دخل فيهما عمدا أو سهوا أو جهلا وجب عليه التيمم للخروج (14) الا أن يكون زمان الخروج أقصر من المكث للتيمم، فيخرج من غير تيمم أو كان زمان الغسل فيهما مساويا أو أقل من زمان التيمم، فيغتسل حينئذ و كذا حال الحائض و النفساء (15).

______________________________

(14) نصا و إجماعا قال أبو جعفر عليه السلام في الصحيح: «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى اللّه عليه و آله فاحتلم، فأصابته جنابة، فليتيمم و لا يمر في المسجد الا متيمما- الحديث-» (1).

و المستفاد منه و من غيره بمناسبة الحكم و الموضوع تعين اختيار ما يكون أقل زمانا من الكون جنبا في المسجد مهما أمكن ذلك لا أن يكون لخصوص التيمم موضوعية خاصة و حينئذ فإن كان زمان الخروج أقصر من زمان الغسل و التيمم، فالظاهر تعينه و لو كان زمان الغسل أقصر من زمان التيمم و الخروج يتعين الغسل لعدم التكليف بالبدل مع التمكن من المبدل، و كذا لو كان زمان الغسل و التيمم متساويا مع كونه أقصر من زمان الخروج، و أما لو تساوت أزمنة الثلاثة، فالظاهر التخيير لعدم ترجيح في البين، و لو كان زمان التيمم أقصر من زمان الخروج و لم يتمكن من الغسل يتعين التيمم. ثمَّ إن مورد الصحيح الاحتلام و الظاهر عدم الفرق بينه و بين سائر أقسام الجنابة و يأتي في [مسألة 36] من فصل التيمم ما يتعلق بالمقام.

(15) أما الأولى فإن كانت بعد انقطاع حدث الحيض، فلظهور الإجماع عليه. و ان كانت قبله، فلا وجه له الا مرسل الكافي في ذيل ما مر من الصحيح (2) «و كذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك».

و لكن إرساله يمنع عن الاعتماد عليه مع بقاء الحدث و عدم رفعه بالتيمم إلا

______________________________

ص: 40


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 3.
مسألة 2: لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور منها و الخراب

(مسألة 2): لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور منها و الخراب و إن لم يصل فيه أحد و لم يبق آثار مسجديته (16). نعم، في مساجد الأراضي المفتوحة عنوة إذا ذهبت آثار المسجدية بالمرة يمكن القول بخروجها عنها، لأنّها تابعة لآثارها و بنائها (17).

مسألة 3: إذا عيّن الشخص في بيته مكانا للصلاة و جعله مصلّى له لا يجري عليه حكم المسجد

(مسألة 3): إذا عيّن الشخص في بيته مكانا للصلاة و جعله مصلّى له لا يجري عليه حكم المسجد (18).

مسألة 4: كلّ ما شك في كونه جزءا من المسجد من صحته و الحجرات التي فيه

(مسألة 4): كلّ ما شك في كونه جزءا من المسجد من صحته و الحجرات التي فيه و منارته و حيطانه و نحو ذلك لا يجري عليه الحكم (19) و إن كان الأحوط الإجراء (20) إلا إذا علم خروجه منه.

______________________________

أن يقال: بحصول التخفيف في الجملة، أو أنّه نحو احترام للمسجد يجب مطلقا.

و أما الثانية، فلظهور التسالم على انّها بمنزلة الحائض و يأتي في أحكام النفساء بعض الكلام.

ثمَّ إنّه يجري تمام ما ذكر: بالنسبة إلى المكث في سائر المساجد لو اضطر أيضا، لأنّ النص على ما ذكرناه ورد موافقا للقاعدة، فلا اختصاص به بالمرور في المسجدين.

(16) كل ذلك، للإطلاق و الاستصحاب.

(17) إن كانت التبعية ما دام الأثر و البناء، فهو حق و أما إن كان الأثر أو البناء موجبا لحصول التحرير المطلق فلا تدور المسجدية حينئذ مدارهما، بل تبقى و لو مع زوالهما، و الظاهر هو الأخير و مع الشك، فالمرجع الاستصحاب.

(18) للأصل بيد أنّ التعين للصلاة أعم من المسجد شرعا و عرفا.

(19) لأصالة عدم عروض عنوان المسجدية و أصالة الإباحة.

(20) جمودا على ظاهر الحال، و لكن الكلام في حجية مثل هذا الظاهر في مقابل الأصل.

ص: 41

مسألة 5: الجنب إذا قرأ دعاء كميل الأولى

(مسألة 5): الجنب إذا قرأ دعاء (كميل) الأولى و الأحوط أن لا يقرأ منها أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ لانّه جزء من سورة حم السجدة (21). و كذا الحائض. و الأقوى جوازه، لما مر من أنّ المحرّم قراءة آيات السجدة لا بقية السورة.

مسألة 6: الأحوط عدم إدخال الجنب في المسجد

(مسألة 6): الأحوط عدم إدخال الجنب في المسجد و ان كان صبيا، أو مجنونا، أو جاهلا بجنابة نفسه (22).

مسألة 7: لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد في حال جنابته

(مسألة 7): لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد في حال جنابته (23)، بل الإجارة فاسدة (24). و لا يستحق الأجرة (25).

______________________________

(21) الآية جزء من سورة الم السجدة و لعلّ السهو من الناسخ ثمَّ إنّ تسمية الدعاء بدعاء الخضر لا ينافي اشتماله على الآية الكريمة لجواز أن يكون قد ألهم الخضر هذا الدعاء بعد نزول القرآن على نبينا صلى اللّه عليه و آله أو أدرجها عليّ عليه السلام في دعاء الخضر. مع أنّه تصح القراءة بقصد عدم القرآنية.

(22) لاحتمال أن يكون مثل هذا الأحكام أعم من المباشرة و التسبيب و لكن يمكن دعوى: ظهور الأدلة في المباشرة كما لا يخفى.

(23) لأنّه مع علم الأجير بجنابة نفسه، يكون من الأمر بالمنكر و التسبيب له. و مع عدم علمه، فهو من المسألة السابقة.

(24) لعدم القدرة الشرعية على متعلّقها، مضافا إلى ظهور الاتفاق على البطلان مع العلم و الالتفات.

(25) لأنّ اللّه تعالى: «إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه» (1) و هو واضح إن كان

______________________________

ص: 42


1- لم يرد هذا النص في كتب الأحاديث. نعم، في مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به: «إن اللّه إذا حرّم على قوم أكل شي ء حرّم عليهم ثمنه» و هو يوافق ما في سنن البيهقي ج: 6 ص 13 و سنن أبي داود: ج: 3 ص: 380 و تقدم في ج 1 صفحة: 299 بعض مصادر اخرى فراجع.

نعم، لو استأجره مطلقا و لكنه كنس في حال جنابته و كان جاهلا بأنه جنب أو ناسيا استحق الأجرة (26) بخلاف ما إذا كنس عالما، فإنّه لا يستحق (27)، لكونه حراما و لا يجوز أخذ الأجرة على العمل المحرّم.

و كذا الكلام في الحائض و النفساء (28). و لو كان الأجير جاهلا أو كلاهما جاهلين في الصورة الأولى (29) أيضا يستحق الأجرة، لأنّ متعلّق

______________________________

ذات العمل من حيث هو حراما. و أما مع عدم حرمة الكنس من حيث هو و كون الحرمة لأجل جهة خارجية من الكون في المسجد، فلا يستحق المسمّى، لبطلان الإجارة و لو من جهة لازمه و يستحق أجرة المثل، لاحترام العمل، و لقاعدة: «إنّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

(26) لعمومات أدلة الإجارة، و عدم صلاحية النهي للمانعية، لأجل العذر المقبول شرعا.

(27) الظاهر الاستحقاق في هذه الصورة أيضا، لأنّ الإجارة مطلقة و الأجير قادر على العمل شرعا و دعوى: أن القدرة على الطبيعة لا تكفي في القدرة على الفرد. خلاف المتفاهمات العرفية في المعاملات، فالمقتضي للصحة موجود و لا مانع في البين الا قوله: «لكونه حراما» و سيصرح رحمه اللّه بالخلاف في قوله بعد ذلك: «لأنّ متعلّق الإجارة و هو الكنس لا يكون حراما و انّما الحرام الدخول و المكث، فلا يكون من باب أخذ الأجرة على المحرّم».

(28) لظهور الاتفاق على أنّ ما يحرم على الجنب يحرم عليهما الا ما خرج بالدليل.

(29) و هي المقيدة بالكنس في حال الجنابة.

و خلاصة الكلام: أن الأجير و المستأجر إن كانا جاهلين بالجنابة و كانت الإجارة مطلقة تصح الإجارة و تستحق الأجرة، لوجود المقتضى و فقد المانع.

و كذا إن كانا عالمين بها مع كون الإجارة مطلقة، لأنّ متعلّق الإجارة و هو الكنس ليس بحرام و المحرّم هو المكث ليس بمتعلّق الإجارة.

الا أن يقال: إنّ العرف لا يفرق بينهما و الأدلة منزلة على المتعارف لا

ص: 43

الإجارة و هو الكنس لا يكون حراما و انّما الحرام الدخول و المكث، فلا يكون من باب أخذ الأجرة على المحرّم. نعم، لو استأجره على الدخول أو المكث كانت الإجارة فاسدة (30) و لا يستحق الأجرة و لو كانا جاهلين، لأنّهما محرّمان و لا يستحق الأجرة على الحرام، و من ذلك ظهر أنّه لو استأجر الجنب أو الحائض أو النفساء للطوائف المستحب كانت الإجارة فاسدة و لو مع الجهل و كذا لو استأجره لقراءة العزائم، فإنّ المتعلق فيهما هو نفس الفعل المحرّم، بخلاف الإجارة للكنس فإنّه ليس حراما و إنّما المحرّم شي ء آخر و هو الدخول و المكث فليس نفس المتعلّق حراما.

مسألة 8: إذا كان جنبا و كان الماء في المسجد عليه أن يتيمم و يدخل المسجد

(مسألة 8): إذا كان جنبا و كان الماء في المسجد عليه أن يتيمم و يدخل المسجد لأخذ الماء أو الاغتسال فيه (31) و لا يبطل تيممه لوجدان

______________________________

الدقة. و إن كانت الإجارة مقيدة بحال الجنابة مع علمهما بها، فلا ريب في البطلان، لكون ذلك من المنكرات الشرعية و ان كانت مقيدة بها مع جهلهما بها، فلا ريب في تحقق التجري. و لكنّه لا يوجب بطلان المعاملة، و مقتضى العمومات و الإطلاقات الصحة حينئذ، لوجود المقتضي و فقد المانع. و كذا إن كانت مقيدة بها مع علم المستأجر و جهل الأجير و هناك صور أخرى لا وجه للتعرض لها، لعدم الابتلاء بها، بل بجملة مما ذكرنا أيضا و تأتي الإشارة إلى أصل المسألة في كتاب الإجارة عند قوله رحمه اللّه: (السابع أن يتمكن المستأجر من الانتفاع بالعين).

(30) هذا الإطلاق مخدوش، لجريان جميع الأقسام التي تقدمت فيهما أيضا، فلا بد من التفصيل بين العلم و الجهل المعذور فيه و مجرد الحرمة الواقعية مع العذر الظاهري- جهلا كان أو غيره- لا يوجب سلب احترام العمل.

(31) يأتي تفصيل هذه المسألة بعينها في فصل التيمم [مسألة 35].

ص: 44

هذا الماء إلا بعد الخروج أو بعد الاغتسال (32) و لكن لا يباح بهذا التيمم إلا دخول المسجد، و اللبث فيه بمقدار الحاجة (33)، فلا يجوز له مس كتابة القرآن و لا قراءة العزائم، إلا إذا كانا واجبين فورا (34).

مسألة 9: إذا علم إجمالا جنابة أحد الشخصين

(مسألة 9): إذا علم إجمالا جنابة أحد الشخصين لا يجوز له

______________________________

(32) أشكل على صحة هذا التيمم باستلزامه المحال، فلا وجه للصحة لأنّ صحة التيمم تتوقف على عدم التمكن من استعمال الماء و مع هذا التيمم يتمكن منه و ما يلزم من وجوده عدمه و من صحته بطلانه محال و باطل.

و الجواب: إنّه لا يبطل التيمم بمجرد تحققه، بل بدخول المسجد و الشروع في الاغتسال، فلا يلزم من وجوده عدمه، كما أنّ التمكن من استعمال الماء لا يحصل بمجرد التيمم، بل بدخول المسجد فلا محذور في البين مع تعدد الجهة و لو اعتبارا.

و أما الإشكال: بأنّ هذا التيمم بدل عن الغسل مع أنّه مقدمة للاغتسال، فيلزم في الواقع مقدمية الغسل أو مقدمية الشي ء لنفسه. فمدفوع بأن وجوب مثل هذا التيمم ليس لأجل المقدمية، بل هو إلزام نفسي عقليّ، لأجل الاهتمام و التحفظ على مطلوب المولى. و على فرض كونه لأجل المقدمية، فيدفع المحذور باختلاف الجهة.

(33) لأنّ المستفاد من الأدلة أنّ هذه الطهارة جهتية لا من كلّ جهة و لا إشكال في تصوير ذلك ثبوتا و استفادته من دليل صحة هذا التيمم إثباتا. و التمسك بإطلاق أدلة طهورية التيمم بالنسبة إلى سائر الغايات في المقام. مشكل، لكونه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، فيرجع في سائر الغايات إلى أصالة بقاء الحدث و يأتي في المسوّغ السابع من مسوّغات التيمم في [مسألة 31] بعض الكلام.

(34) لعدم التمكن من الطهارة المائية بالنسبة إليهما حينئذ، فيثبت موضوع التيمم لا محالة.

ص: 45

استئجارهما و لا استئجار أحدهما (35) لقراءة العزائم أو دخول المساجد أو نحو ذلك مما يحرم على الجنب.

مسألة 10: مع الشك في الجنابة لا يحرم شي ء من المحرّمات المذكورة

(مسألة 10): مع الشك في الجنابة لا يحرم شي ء من المحرّمات المذكورة (36) إلا إذا كانت حالته السابقة هي الجنابة (37).

______________________________

(35) إن علم المستأجر بجنابتهما و علما بها أيضا، فهو من صغريات ما تقدم في [مسألة 7]، فلا يجوز إجارتهما معا. و أما إجارة أحدهما، فتتوقف على كون الآخر موردا لابتلاء المستأجر و عدمه، فلا يصح على الأول بخلاف الأخير.

و أما مع العذر جهلا كان أو غيره، فالظاهر الجواز بالنسبة إليهما، فكيف بأحدهما، لوجود المقتضي و فقد المانع- كما تقدم-، و ليس ذلك من التجري و لا من الإعانة على الحرام بعد كون المناط على تكليف العامل و المفروض أنّه معذور للجهل أو لغيره.

(36) لأصالة البراءة إن كانت الحالة السابقة غير معلومة، و استصحاب عدم الجنابة لو كانت معلومة.

(37) لاستصحاب الجنابة.

فروع- (الأول): قضاء المسجد و داخل أرضه بحكم المسجد ما دام يعتبر العرف فيهما المسجدية و إن خرج عن الاعتبار، فلا يلحقه الحكم. و فرق بين صدق دخول الجنب في المسجد، و تنجيسه حيث إنّ الأول يصدق مع دخوله في الفضاء أيضا و لو لم يدخل أرضه بخلاف الثاني على ما تقدم (1).

(الثاني): المساجد التي جعلت جزءا من الشوارع و زال عنها عنوان المسجدية يحرم مكث الجنب فيها على الأحوط، و وجه الترديد احتمال أن يكون الحكم دائرا مدار العنوان.

(الثالث): الزوائد الحاصلة في المسجد الحرام و مسجد النبي يلحقها حكمهما.

(الرابع): لو اعتقد أنّه جنب و دخل في المسجد و صلى ثمَّ بان أنّه متطهر تصح صلاته إن حصل منه قصد القربة و لا شي ء عليه.

______________________________

ص: 46


1- راجع ج: 1 صفحة: 465- 474.
فصل فيما يكره على الجنب
اشارة

(فصل فيما يكره على الجنب) و هي أمور:

الأول: الأكل و الشرب

(الأول): الأكل و الشرب و ترتفع كراهتهما بالوضوء أو غسل اليدين و المضمضة و الاستنشاق أو غسل اليدين فقط (1).

(فصل فيما يكره على الجنب)

______________________________

(1) لقول الصادق عليه السلام في خبر السكوني: «لا يذوق الجنب شيئا حتى يغسل يديه و يتمضمض، فإنّه يخاف منه الوضح (أي البرص)» (1).

و عنه عليه السلام أيضا: «نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن الأكل على الجنابة و قال: إنّه يورث الفقر» (2) و عنه عليه السلام أيضا في صحيح عبد الرحمن: «أ يأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال عليه السلام: إنا لنكسل، و لكن ليغسل يده و الوضوء أفضل» (3).

و ظهور الجميع في الكراهة مما لا ينكر، مضافا إلى دعوى الإجماع عليها، فيحمل قوله عليه السلام في صحيح الحلبي: «إذا كان الرجل جنبا لم يأكل و لم يشرب حتّى يتوضأ» (4).

على الكراهة جمعا بينه و بين موثق ابن بكير قال: «سألت الصادق عليه السلام عن الجنب يأكل و يشرب و يقرأ القرآن؟ قال: نعم» (5)

______________________________

ص: 47


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة حديث: 2.
5- الوسائل باب: 19 من أبواب الجنابة حديث: 2.
الثاني: قراءة ما زاد على سبع آيات من القرآن ما عدا العزائم

(الثاني): قراءة ما زاد على سبع آيات من القرآن ما عدا العزائم، و قراءة ما زاد على السبعين أشد كراهة (2).

______________________________

و أجمل وجوه الجمع بين الأخبار الكراهة بدون الوضوء، و غسل اليد، و المضمضة و الاستنشاق، و أنّها تزول بالمرة بالوضوء و تخف بغيره، حسب مراتب الخفة فأعلاها المضمضة و الاستنشاق و غسل اليدين. و أدناها غسل اليدين فقط.

و الباقي من المتوسط.

ثمَّ إنّ المضمضة ذكرت في خبر السكوني، و يمكن أن تكون من باب ذكر أحد المتلازمين و إرادة الآخر، لأنّ الاستنشاق ملازم للمضمضة غالبا. مع أنّهما ذكرا معا في الفقه الرضوي (1).

(2) المشهور هو الكراهة، بل ادعي عليها الإجماع و الأخبار الواردة أقسام ثلاثة:

الأول: ما يدل على جواز القراءة مطلقا كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «قلت له: الحائض و الجنب هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال:

نعم ما شاءا إلا السجدة و يذكران اللّه على كلّ حال» (2).

الثاني: ما يدل على عدم الجواز مطلقا كخبر السكوني عن آبائه عن عليّ عليه السلام: «سبعة لا يقرأون القرآن: الراكع، و الساجد، و في الكنيف، و في الحمام، و الجنب، و النفساء، و الحائض» (3).

و عن النبي صلى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: «يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن فإنّي أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما» (4).

الثالث: ما يدل على التحديد بحد خاص كموثق سماعة: «سألته عن

______________________________

ص: 48


1- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الجنابة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 47 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب الجنابة حديث: 3.
الثالث: مس ما عدا خط المصحف من الجلد، و الأوراق و الحواشي

(الثالث): مس ما عدا خط المصحف من الجلد، و الأوراق و الحواشي، و ما بين السطور (3).

______________________________

الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال: ما بينه و بين سبع آيات» (1) و رواه الشيخ رحمه اللّه عن زرعة عن سماعة قال: «ما بينه و بين سبعين آية» (2).

و الأصل في تعدد النقل تعدد الصدور لاضطراب النسخة إلا ما دل عليه الدليل. و مقتضى الجمع بين الجميع هو ما ذكر في المتن مع أنّ ما يظهر منه المنع مطلقا قاصرا سندا، مضافا إلى الوهن بهجر الأصحاب و الإجماع على عدم الحرمة، مع أنّ قرينة الكراهة في النبوي ظاهرة كما لا يخفى.

ثمَّ إنّ الكراهة من جهة و في الجملة لا تنافي الرجحان الذاتي من جهة أخرى، فتكون قراءة القرآن بالنسبة إلى الجنب و الحائض راجحة من حيث ذات قراءة القرآن و مرجوحة من حيث صفة القارئ، فلا منافاة في البين. و تقدم ما يتعلق بقراءة العزائم، فلا وجه للإعادة.

فروع- (الأول): الظاهر اعتبار اختلاف الآيات و تعددها، فلا كراهة في تكرار الآية الواحدة أكثر من السبع أو السبعين و لا فرق في الآية بين الطويلة و القصيرة و البسملة تعد آية مستقلة.

(الثاني): لو كرر سبع آيات- كالحمد مثلا- عشر مرات، فالظاهر انصراف ما دل على اشتداد الكراهة في السبعين عن مثله.

(الثالث): لا فرق في ذلك بين أن يكون في مجلس واحد أو مجالس متعددة ما دامت الجنابة باقية، لظهور الإطلاق. كما لا فرق بين كون القراءة من ظهر القلب أو من المصحف أو من تفسير و نحوه.

(3) على المشهور شهرة عظيمة، لما يأتي من خبر عبد الحميد جمعا بينه

______________________________

ص: 49


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الجنابة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الجنابة حديث: 10.

.....

______________________________

و بين موثق أبي بصير: «سألت الصادق عليه السلام عمن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء؟ قال: لا بأس و لا يمس الكتاب» (1).

و في خبر حريز عنه عليه السلام أيضا: «لولده إسماعيل يا بني اقرأ المصحف، فقال: إني لست على وضوء، فقال: لا تمس الكتاب و مس الورق و اقرأه»(2) و ما يقال: من أنّه مختص بعدم الوضوء، فلا يشمل الحدث الأكبر.

مدفوع: بأنّ إطلاقه شامل للحدث الأصغر و الأكبر. و عن المرتضى رحمه اللّه حرمة مس ما عدا الكتابة أيضا تمسكا بإطلاق قوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ(3).

و فيه: أنّ المراد به الكلمات النازلة و هي عبارة عن خصوص الخط.

و ثانيا: يحتمل أن يكون المراد درك الدقائق و اللطائف التي قصرت إدراكات غير المعصومين عن دركها.

و استدل أيضا بصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب»(4).

و فيه: أنّ هجر الأصحاب عن ظاهره أسقطه. نعم، هو نحو تأدب و احترام للقرآن و لا بأس به، و استدل بخبر عبد الحميد: «المصحف لا تمسه على غير طهر و لا جنبا و لا تمس خطه و لا تعلقه إنّ اللّه تعالى يقول لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» (5).

و فيه: إنّه- مضافا إلى قصور سنده- أنه لم يعمل به بالنسبة إلى التخطيط و التعليق، و يحمل على الكراهة بالنسبة إلى غير الخط جمعا بينه و بين ما تقدم من الأخبار.

______________________________

ص: 50


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 2.
3- سورة الواقعة: 79.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب الجنابة حديث: 7.
5- (5) الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 3.
الرابع: النوم إلا أن يتوضأ أو يتيمم

(الرابع): النوم إلا أن يتوضأ أو يتيمم إن لم يكن له الماء- بدلا عن الغسل (4).

الخامس: الخضاب رجلا كان أو امرأة

(الخامس): الخضاب رجلا كان أو امرأة (5) و كذا يكره

______________________________

(4) على المشهور، بل المجمع عليه، و في موثق سماعة: «سألته عن الجنب يجنب ثمَّ يريد النوم؟ قال: إن أحبّ أن يتوضأ، فليفعل و الغسل أحبّ إلي، و أفضل من ذلك، فإن هو نام و لم يغتسل، فليس عليه شي ء إن شاء اللّه» (1).

و في صحيح الحلبي: «عن الرجل أ ينبغي له أن ينام و هو جنب؟ فقال عليه السلام: يكره ذلك حتى يتوضأ» (2).

فيحمل صحيح البصري: «عن الرجل يواقع أهله أ ينام على ذلك؟ قال:

انّ اللّه يتوفّى الأنفس في منامها و لا يدري ما يطرقه من البلية إذا فرغ، فليغتسل» (3) على الندب بقرينة ما تقدم.

و أما بدلية التيمم عن الوضوء في المقام، فيشهد له- مضافا إلى العمومات- خبر أبي بصير (4): «لا ينام المسلم و هو جنب الا على طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد».

(5) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا تختضب الحائض، و لا الجنب و لا تجنب و عليها خضاب، و لا يجنب هو و عليه خضاب، و لا يختضب و هو جنب» (5).

و مثله غيره المحمول على الكراهة، لخبر أبي جميلة عن أبي الحسن عليه السلام: «لا بأس بأن يختضب الجنب و يجنب المختضب و يطلي بالنورة»(6).

______________________________

ص: 51


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب الجنابة حديث: 3.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب الجنابة حديث: 9.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب الجنابة حديث: 1.

للمختضب قبل أن يأخذ اللون إجناب نفسه (6).

السادس: التدهين

(السادس): التدهين (7).

______________________________

و قد علّل في الأخبار بأنّه: «لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء» (1).

فلا وجه للقول: بالحرمة، كما عن مهذب البارع. كما لا وجه للتعليل بأنّه يمنع عن وصول الماء إلى البشرة، كما عن المقنعة.

(6) لخبر أبي سعيد عن أبي إبراهيم عليه السلام: «أ يختضب الرجل و هو جنب؟ قال عليه السلام: لا، قلت: فيجنب و هو مختضب؟ قال: لا، ثمَّ مكث قليلا قال عليه السلام: يا أبا سعيد ألا أدلك على شي ء تفعله؟ قلت:

بلى، قال: إذا اختضبت بالحناء و أخذ الحناء مأخذه و بلغ فحينئذ فجامع» (2).

فروع- (الأول): مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كونه في الرأس أو اللحية، أو اليد أو الرجل أو غيرها.

(الثاني): مقتضى التصريح في بعض الأخبار (3) و الانصراف في بعضها الآخر هو الاقتصار على الحناء و لا يبعد التعميم بالنسبة إلى غيره أيضا بحمله على الغالب.

(الثالث): تسقط الكراهة بالاضطرار و نحوه.

(الرابع): لا فرق في الإجناب بين كونه بالجماع أو غيره حلالا كان أم لا، كما لا فرق في الخضاب بين المندوب و غيره.

(7) لخبر حريز: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجنب يدهن ثمَّ يغتسل؟ قال عليه السلام: لا» (4).

______________________________

ص: 52


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الجنابة حديث: 10.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الجنابة حديث: 4.
3- تقدم: في خبر أبي سعيد.
4- الوسائل باب: 21 من أبواب الجنابة حديث: 1.
السابع: الجماع

(السابع): الجماع إذا كانت جنابة بالاحتلام (8).

الثامن: حمل المصحف

(الثامن): حمل المصحف.

التاسع: تعليق المصحف

(التاسع): تعليق المصحف (9).

______________________________

المحمول على الكراهة إجماعا إن لم يكن مانعا عن وصول الماء إلى البشرة و الا فيبطل الغسل.

(8) لقول الصادق عليه السلام عن آبائه: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: و كره أن يغشى الرجل امرأته و قد احتلم حتّى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإن فعل و خرج الولد مجنونا، فلا يلومنّ إلا نفسه» (1).

(9) لما تقدم في خبر إبراهيم بن عبد الحميد (2).

______________________________

ص: 53


1- الوسائل باب: 70 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 3.
فصل غسل الجنابة مستحب نفسي
اشارة

(فصل) غسل الجنابة مستحب نفسي (1) و واجب غيري (2) للغايات (فصل)

______________________________

(1) لأنه طهور و كلّ طهور مطلوب للشارع و أدنى مرتبة الطلب. الندب، و تدل على الكلية قوله تعالى إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (1) و قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «أكثر من الطهور يزد اللّه تعالى في عمرك و إن استطعت أن تكون بالليل و النهار على طهارة فافعل، فإنّك تكون إذا مت على طهارة شهيدا»(2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في غسل الجنابة: «الاغتسال من خالص شرائع الحنفية»(3).

و يستفاد منه مطلوبية نفس الغسل من حيث كونه سببا توليديا للطهارة، كما تقدم في الوضوء (4).

(2) بضرورة المذهب، بل الدين، و نصوص كثيرة- تأتي في محالّها- منها: قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور» (5).

______________________________

ص: 54


1- سورة البقرة: 222.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الوضوء حديث: 3.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 14.
4- تقدم في ج: 2 صفحة: 281.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 1.

الواجبة، و مستحب غيري للغايات المستحبة (3). و القول بوجوبه النفسي ضعيف (4) و لا يجب فيه قصد الوجوب

______________________________

(3) عد ذلك من قطعيات الفقه، بل من مرتكزات المتشرعة.

(4) نسب القول بالوجوب النفسي إلى العلامة و غيره و قد تعرض صاحب الجواهر رحمه اللّه لهذه المسألة في أول كتاب الطهارة عند قول المحقق رحمة اللّه: «و الواجب من الغسل ما كان لأحد الأمور الثلاثة».

و استدل له (أولا) بإطلاقات الكتاب و السنة كقوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (1). و قوله عليه السلام: «إذا التقى الختانان وجب الغسل» (2).

و فيه: أنّ الآية الكريمة بملاحظة مجموعها ظاهرة في الوجوب الغيري.

و لا يستفاد من الأخبار الا السببية أما الوجوب النفسي للغسل، فلا تدل عليه بشي ء من الدّلالات، بل مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض ظاهرة في الغيري كقولهم عليهم السلام: «إذا دخل الوقت وجب الطّهور- الحديث-» (3).

(و ثانيا): أنه لو لم يجب في نفسه لما وجب في صوم شهر رمضان و ما الحق به قبل الفجر.

و فيه: انّه قد وجه وجوبه قبله بوجوه صحيحة، كما يأتي في محله تغني تلك الوجوه عن القول بالوجوب النفسي له. (و ثالثا): بقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «انّه سئل عن الدين الذي لا يقبل اللّه تعالى من العباد غيره و لا يعذرهم على جهله، فقال عليه السلام: شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أنّ محمدا رسول اللّه، و الصلوات الخمس، و صيام شهر رمضان، و الغسل من الجنابة- الحديث-» (4).

______________________________

ص: 55


1- سورة المائدة: 6.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الجنابة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 38.

و الندب (5)، بل لو قصد الخلاف لا يبطل إذا كان مع الجهل (6)، بل مع العلم إذا لم يكن بقصد التشريع (7) و تحقق منه قصد القربة، فلو كان قبل الوقت و اعتقد دخوله فقصد الوجوب لا يكون باطلا و كذا العكس (8) و مع الشك في دخوله يكفي الإتيان

______________________________

و فيه: أنّه أعم من الوجوب النفسي و ذكره في عداد الواجبات النفسية لا يدل على كونه منها. نعم، يدل على كثرة أهميته كما لا يخفى. مع أنّ القائل بالوجوب النفسي لا يلتزم بلوازمه، مضافا إلى أنّ القول بالوجوب النفسي له دون سائر الأغسال الواجبة تحكم بارد- كما عن المحقق رحمه اللّه- و يكفي في عدم الوجوب النفسي عدم التعرض لأحكامه في هذه المسألة العامة البلوى من أحد في زمان المعصوم عليه السلام و غيره، فلا عن له و لا أثر في حديث و لا خبر، فما عن السرائر: من أنّه أجمع المحققون على نفي الوجوب النفسي و أن وجوبه ليس الا غيريا، صحيح و معتبر و أصالة البراءة عن الوجوب النفسي لا حاكم عليها.

(5) للأصل و الإطلاق بعد عدم دليل معتبر على الخلاف.

(6) لانّه على فرض اعتبارهما يكون من الشرائط الذكرية لا الواقعية إجماعا.

(7) بل يصح و إن كان بقصد التشريع، لأنّ مقتضى الإطلاقات كفاية إتيان المأمور به بأجزائه و شرائطه التي تمَّ عليها الدليل. و لا دليل على اعتبار قصد الوجوب أو الندب، و مقتضى الأصل عدم الاعتبار. و التشريع الموجب للبطلان إنّما هو فيما إذا كان في أصل الأمر لا في كيفيته- من الوجوب أو الندب- خصوصا مع عدم الدليل على اعتبارها، فيكفي الإتيان بالأجزاء و الشرائط المعتبرة و قصد القربة في الامتثال. و تقدم في الوضوء ما ينفع المقام.

(8) لما تقدم من أنّ المناط في سقوط التكليف إتيان المكلّف به مستجمعا لشرائطه و أجزائه التي دل عليها الدليل و المفروض إتيانه كذلك. و لا دليل على اعتبار قصد الوجوب أو الندب و مقتضى الأصل عدم الاعتبار، كما أنّ مقتضاه عدم كون قصد أحدهما في محل الآخر مانعا عن صحة العمل بعد فرض تحقق إتيانه بتمام أجزائه و شرائطه.

ص: 56

به بقصد القربة للاستحباب النفسي، أو بقصد إحدى غاياته المندوبة، و أو بقصد ما في الواقع من الأمر الوجوبي أو الندبي.

و الواجب فيه بعد النية (9) غسل ظاهر تمام البدن (10) دون البواطن

______________________________

(9) لقاعدة أنّ كلّ فعل اختياري متقوّم بالقصد و النية. و أما اعتبار قصد القربة فيه، فدليله منحصر بالإجماع. و تقدم بعض الكلام في الوضوء و المقام متحد معه موضوعا و دليلا و فروعا.

(10) للنص، و الإجماع قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار» (1).

و عنه عليه السلام في الصحيح: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك» (2).

و عنه عليه السلام في- حديث-: «ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه»(3).

و عنه عليه السلام أيضا (4): «و كل شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته» و يدل عليه أيضا إطلاقات الأدلة، لظهورها في غسل الظاهر فقط، كما أن ظهور قوله عليه السلام: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك» في الاستيعاب مما لا ينكر، فيبطل الغسل لو أخل بمكان شعرة و لو نسيانا. و أما صحيح ابن أبي محمود: «قلت للرضا عليه السلام: الرجل يجنب، فيصيب جسده و رأسه الخلوق و الطيب و الشي ء اللكد و الظرب (5)و ما أشبهه: فيغتسل فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق و الطيب و غيره قال عليه السلام: لا بأس به» (6).

فلا يدل على كون ما بقي مانعا عن وصول الماء، و يمكن أن يكون ما بقي

______________________________

ص: 57


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 8.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 5.
5- اللكد: الوسخ. ظرب: كفرح- لصدق به.
6- الوسائل باب: 30 من أبواب الجنابة حديث: 1.

منه (11)، فلا يجب غسل باطن العين، و الأنف، و الاذن، و الفم، و نحوها، و لا يجب غسل الشعر- مثل اللحية- بل يجب غسل ما تحته من البشرة. و لا يجزي غسله عن غسلها. نعم، غسل الشعور الدقاق

______________________________

من مجرد اللون و الرائحة، و يشهد له قول أبي جعفر عليه السلام: «كنّ نساء النبي صلى اللّه عليه و آله إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب في أجسادهن و ذلك أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله أمرهنّ أن يصببن الماء صبا على أجسادهن»(1).

و عن عمار بن موسى عن الصادق عليه السلام: «في الحائض تغتسل و على جسدها الزعفران لم يذهب به الماء؟ قال: لا بأس» (2).

فما نسب إلى المحقق الخوانساري من أنّه: «لا يبعد القول بعدم الاعتداد ببقاء شي ء يسير لا يخلّ عرفا بغسل جميع البدن» تمسكا بمثل هذه الأخبار.

ممنوع.

(11) إجماعا، و نصوصا منها: خبر الواسطي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجنب يتمضمض و يستنشق؟ قال عليه السلام: لا إنّما يجنب الظاهر» (3). و رواه الصدوق عن أبي الحسن بزيادة: «و لا يجنب الباطن و الفم من الباطن.»(4).

و عن الصادق في غسل الجنابة: «إن شئت أن تتمضمض و تستنشق فافعل و ليس بواجب لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن» (5). و لو شك في شي ء أنه من الظاهر أو الباطن وجب غسله إلا مع كونه سابقا من الباطن. و تقدم في الوضوء ما ينفع في الغسل أيضا، فراجع جملة من المسائل المذكورة في أفعال الوضوء المرتبطة بالمقام.

______________________________

ص: 58


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الجنابة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الجنابة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الجنابة حديث: 7.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب الجنابة حديث: 8.

الصغار المحسوبة جزءا من البدن مع البشرة (12). و الثقبة التي في

______________________________

(12) البحث في وجوب غسل الشعر من جهات ثلاث:

الأولى: غسله مقدمة لغسل البشرة إن توقف غسلها عليه و لا كلام و لا إشكال في الوجوب حينئذ، لقاعدة المقدمية المسلمة عند الكلّ، و ما يأتي من خبر حجر بن زائدة و غيره.

الثانية: وجوب غسله نفسيّا و ان حصل غسل البشرة بدون غسله، فكما يجب غسل الوجه و اليد و الرجل- مثلا- وجب غسل الشعر أيضا. و هذا هو مورد البحث في المقام.

الثالثة: غسل الشعور الدقاق الصغار التي تعد جزءا من البشرة و يأتي البحث عنه.

ثمَّ إنّ المشهور في الثانية عدم وجوب الغسل، للأصل، و الإجماع، و الأدلة المشتملة على الجسد و البدن و نحوهما الظاهرة في غير الشعر، و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: في صحيح الحلبي عن أبيه عن علي عليه السلام قال:

«لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة» (1).

و تنظّر صاحب الحدائق بعد الاعتراف بتسالم الأصحاب على عدم الوجوب، (أولا): بأنّ إطلاق البدن و الجسد عليه صحيح و لو مجازا، فيشمله ما دل على وجوب غسلها.

و فيه: أنّ الوجوب المقدمي إن توقف غسل البشرة على غسله مسلم.

و إنّما الكلام في الوجوب النفسي و الأدلة قاصرة عن إثباته و يكفي الشك في الشمول في عدم صحة التمسك بالإطلاق، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، مع أنّ إطلاق البدن و الجسد على الشعر الطويل من المجاز المستنكر.

______________________________

ص: 59


1- الوسائل باب: 38 من أبواب الجنابة حديث: 4.

..........

______________________________

(و ثانيا): أنّ عدم النقض في صحيح الحلبي أعم من عدم غسله و إيصال الماء التروي الشعر بمجرد وصول الماء إليه.

و فيه: إنّه خلاف ظاهر الإطلاق- خصوصا في الأزمنة القديمة التي كان الماء فيها قليلا و خصوصا في الحجاز- سيما بالنسبة إلى النساء في صدر الإسلام اللاتي يتسامحن في ذلك، لعدم انسهنّ بالأحكام، مع كثرة شعور هنّ في الأزمنة القديمة. و لو كان واجبا لاحتاج إلى بيان أكثر من ذلك.

(و ثالثا): يقول الصادق عليه السلام: في صحيح محمد بن زائدة: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار»(1).

و قوله عليه السلام: «تحت كلّ شعرة جنابة، فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر- الحديث-» (2).

و قوله عليه السلام: «مرها أن تروي رأسها من الماء و تعصره حتّى يروى» (3).

و فيه: أنه لا ريب في وجوب إيصال الماء إلى الشعر مقدمة لوصوله إلى البشرة إنّما الكلام في انّه إذا علم بوصول الماء إلى البشرة هل يجب مع ذلك غسل الشعر أيضا أو لا؟ و هذه الأدلة قاصرة على إثبات الوجوب النفسي. و بالجملة:

وجوب الغسل مقدمة لا ريب فيه و يكفي في عدم الوجوب النفسي الشك في شمول الأدلة له.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الكلمات و معاقد الإجماعات عدم الفرق في ذلك بين الرجل و المرأة و شعر الرأس و اللحية و سائر مواضع البدن.

و أما الثالثة و هي غسل الشعور الصغار الدقاق: فالمشهور بل ادعي عليه الإجماع وجوب غسله و يدل عليه الإطلاقات، لكونه من توابع البدن عرفا، و تشهد له سيرة المتشرعة قديما و حديثا و أما قوله عليه السلام: «كلّ ما أحاط به

______________________________

ص: 60


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 5.
2- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب الجنابة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب الجنابة حديث: 5.

الاذن أو الأنف للحلقة ان كانت ضيقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها، و إن كانت واسعة بحيث تعد من الظاهر وجب غسلها (13).

و له كيفيتان
اشارة

و له كيفيتان: (14).

الأولى: الترتيب

الأولى: الترتيب، و هو: أن يغسل الرأس و الرقبة أولا (15) ثمَّ

______________________________

الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء» (1).

فهو مختص بخصوص شعر الوجه في الوضوء و لا يجري في غسل اليدين منه، فكيف بالغسل، كما أنّه لا وجه للتمسك بإطلاق قوله عليه السلام: «إنّما يكفيك مثل الدهن» (2).

و ما ورد من إجزاء الغرفتين أو الثلاث في الغسل (3) لا وجه للتمسك بإطلاقه أيضا، لعدم ورودهما في مقام البيان من كل جهة. هذا، مع ملازمة غسل البدن لغسلها عرفا، فأصل البحث فيها ساقط رأسا.

(13) أما الأول: فلأنّه من الباطن. أما الأخير، فلكونه من الظاهر و المشكوك ظهوره و بطونه يعمل فيه بالحالة السابقة. و مع عدم العلم بها، فالأحوط غسله. و تقدم في الوضوء ما ينفع المقام (4).

(14) إجماعا، و نصوصا يأتي بعضها.

(15) لعدم الخلاف في أصل تقديم الرأس بل يمكن تحصيل الإجماع عليه- كما في الجواهر- و لم ينسب الخلاف إلا إلى الصدوقين و ابن الجنيد رحمهم اللّه و لا اعتبار بخلاف الأخير، لكثرة مخالفته في المسلمات- كما أنّ التأمل في كلام الأولين يقتضي بعدم المخالفة- و تدل عليه النصوص أيضا- كما يأتي- و أما دخول الرقبة في الرأس في المقام، فيدل عليه مضافا إلى اتفاق الفقهاء- كما

______________________________

ص: 61


1- الوسائل باب: 46 من أبواب الوضوء حديث: 3.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الجنابة حديث: 6.
3- راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.
4- راجع ج: 2 الصفحة: 330.

.....

______________________________

في المفاتيح و إرسال ذلك في مجمع البحرين إرسال المسلّمات- جملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة: «ثمَّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف من الماء ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف ثمَّ على منكبه الأيمن مرّتين و على منكبه الأيسر مرّتين- الحديث-» (1).

فقسّم عليه السلام المغسول أقساما ثلاثة: الرأس، و المنكبين، فلو كانت الرقبة خارجة عن الرأس مع عدم دخولها في المنكبين يكون التقسيم رباعيا لا ثلاثيا، و الظاهر شهادة العرف بذلك أيضا، لأنّهم في التنظيفات الجسدية يغسلون الرقبة مع الرأس. نعم، لا ريب في أنّ للرأس إطلاقات أربعة:

الأول: منبت الشعر و هو رأس المحرم.

الثاني: هو مع الأذنين و ذلك رأس الصائم.

الثالث: هو مع الوجه و ذلك رأس الجنايات.

الرابع: ذلك مع الرقبة و هو رأس المغتسل.

و قد أشكل تارة: بعدم دخول الرقبة في مفهوم الرأس لغة. و فيه: أنّه لو سلّم فيها مطلقا لا يسلّم بحسب المتعارف في الغسل، فهي داخلة في إطلاق الرأس عرفا، و العرف الخاص مقدم على اللغة قطعا.

و أخرى: بخبر أبي بصير قال عليه السلام فيه: «و تصب الماء على رأسك ثلاث مرات و تغسل وجهك و تفيض الماء على جسدك» (2).

فإنّه مشعر بخروج الوجه عن الرأس، فكيف بالرقبة. و فيه: أنه ليس في مقام بيان تحديد الرأس، و إنّما هو في مقام بيان تقسيم المغسول إلى قسمين:

الرأس، و سائر الجسد و هو تقسيم إجمالي لا تفصيلي. و الا، فيكون التقسيم ثنائيا لا ثلاثيا على ما مر و يأتي.

______________________________

ص: 62


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الجنابة حديث: 2.

.....

______________________________

ثمَّ إنّ مجموع الأخبار الواردة في المقام أقسام ثلاثة:

الأول: المطلقات كقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح زرارة:

«و تغسل جسدك من قرنك إلى قدمك» (1).

و مثل هذه الأخبار قابلة للتقييد بالقسم الثاني، أو الحمل على الغسل الارتماسي، أو التقية- كما في الجواهر- مع أنّها ليست في مقام البيان من كل جهة حتى يصح الأخذ بإطلاقها، فلا وجه للأخذ بمثل هذا الإطلاق و احتمال سقوط الترتيب مطلقا في مقابل الإجماع و سائر الأخبار.

الثاني: قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكف ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين» (2).

و صحيح ابن مسلم: «ثمَّ تصب على رأسك ثلاثا ثمَّ تصب على سائر جسدك مرتين- الحديث-» (3).

و مثلهما غيرهما، و لا ريب في كونها نصا في تقديم الرأس على الطرفين:

الثالث: صحيح هشام بن سالم: «فأمرها فغسلت جسدها، و تركت رأسها، و قال لها: إذا أردت أن تركبي، فاغسلي رأسك، ففعلت ذلك- الحديث-» (4).

و هو نص في تقديم الطرفين على غسل الرأس.

و فيه أولا: أنّه معارض بما رواه هشام بن سالم عن محمد بن مسلم هذه القضية بعينها مع تقديم الرأس على الطرفين (5).

و ثانيا: موهون بإعراض الأصحاب عنه، مع احتمال كونه و هما من هشام بن سالم و خلاصة القول: إنّه ليس في أدلة المقام ما يصلح للاستناد إليه إلا القسم الثاني من الأخبار فقط، و هو يكفي في اعتبار تقديم الرأس على الطرفين.

______________________________

ص: 63


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الجنابة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب الجنابة حديث: 1.

الطرف الأيمن من البدن، ثمَّ الطرف الأيسر (16)، و الأحوط أن يغسل

______________________________

إن قيل: نعم، لكنه مشتمل على جملة من المندوبات، فليحمل ذلك على الندب أيضا، فيجوز تأخير غسل الرأس عن الطرفين، و لكن يستحب التقديم.

قلت: يوهن هذا الحمل صحيح حريز الواردة في الوضوء: «قلت: فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال عليه السلام: جف أو لم يجف اغسل ما بقي. قلت: و كذلك غسل الجنابة؟ قال: هو بتلك المنزلة و ابدأ بالرأس ثمَّ أفض على سائر جسدك. قلت: و إن كان بعض يوم قال عليه السلام:

نعم» (1).

و حسنة زرارة: «من اغتسل من جنابة، فلم يغسل رأسه، ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدّا من إعادة الغسل» (2).

و ظهورهما في وجوب تقديم الرأس مما لا ينكر.

(16) على المشهور فتوى و عملا، و نقل الإجماع عليه مستفيض، و عن جمع دعوى الإجماع على عدم الفصل في الترتيب بين الرأس و البدن و الترتيب بين الجانبين. و عن جمع دعوى: الإجماع على عدم الفصل في الترتيب بينهما في الوضوء، و الترتيب في الغسل.

و نوقش فيه أولا: بما ثبت في الأصول من عدم الاعتبار بالإجماع المنقول.

و ثانيا: بأنّه مستند إلى ما يأتي من الأدلة.

و دفعت المناقشة: بكثرة الاهتمام بنقل مثل هذه الإجماعات، و إرسالهم للحكم إرسال المسلمات عملا و قولا، بحيث يمكن أن يعد من القطعيات.

و فيه: أنّ كلّ ذلك لا يخرجها عن الإجماعات الاجتهادية.

______________________________

ص: 64


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الجنابة حديث: 1.

.....

______________________________

و استدل عليه أيضا بجملة من الأخبار:

منها: رواية زرارة: «ثمَّ صب على رأسه ثلاثة أكف ثمَّ على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد طهر» (1).

و نوقش فيه: بأنّ المشهور عدم كون لفظ الواو للترتيب.

و فيه: أنّ قوله عليه السلام: «و على منكبه الأيسر مرتين- الحديث-» عطف على قوله عليه السلام: «ثمَّ على منكبه الأيمن».

فيكون المعنى و ثمَّ صب على منكبه الأيسر. مع أنّ السياق ظاهر في الترتيب نعم، لو قال: ثمَّ صب على منكبه الأيمن و على منكبه الأيسر مرتين، لما كان يستفاد منه الترتيب.

و فيه: أنّ هذا من مجرد الاحتمال لا الظهور الذي يصح الاعتماد عليه في الاحتجاج.

و دعوى: أنّ السياق ظاهر في الترتيب أصل المدعى، مع أنّ قولهم عليهم السلام: «فما جرى عليه الماء فقد طهر».

له نوع ظهور في أنّ المناط كلّه جريان الماء كيفما تحقق.

و منها: ما دل على أنّ غسل الأموات غسل الجنابة (2) و الترتيب بين الجانبين معتبر في الأول نصّا (3) و إجماعا، فلا بد من اعتباره في غسل الجنابة.

و فيه: أن التنزيل ليس من كل جهة، بل في الجملة و بيان بعض حكم غسل الميت و أنّه لأجل خروج الجنابة منه، كما في الخبر (4). هذا، مع أنه لا بد في هذا الحكم العام البلوى من الاهتمام به في الأخبار بيانا من الإمام عليه السلام و سؤالا من الأنام بأكثر من ذلك، و مع أنّ أهميته أكثر من الوضوء لم يرد فيه يسير من كثير مما ورد فيه، بل بعض الأخبار ظاهر في عدم الترتيب بينهما كموثق سماعة: «ليصب على رأسه ثلاث مرات مل ء كفه ثمَّ يضرب بكف من ماء على

______________________________

ص: 65


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.
4- راجع الوسائل: 2 من أبواب غسل الميت.

.....

______________________________

صدره و كف بين كتفيه ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه» (1).

و مثله صحيح البزنطي و غيره (2). مع أنّ من عدم اعتبار الموالاة في الغسل و عدم وجوب الغسل من الأعلى يستفاد التسهيل في الغسل، فكثرة أهميته و عموم الابتلاء به أوجب كثرة التسهيل فيه لسقوط الترتيب بين الجانبين و لذا نسب الخلاف إلى الصدوقين و غيرهما و مال إليه جمع من متأخري المتأخرين و قواه في المستند و مصباح الفقيه.

إن قلت: أما الاهتمام به فيكفي في ذلك السيرة العملية بين العلماء و غيرهم و أي اهتمام أشد من المواظبة العملية على شي ء. و أما مثل الموثق، فموافقته للعامة و مخالفته للمشهور أسقطته عن الاعتماد عليه. و أما مخالفة الصدوقين و غيرهما، فلم تثبت، لعدم صراحة عباراتهم في الخلاف مع ما عليه عبارات القدماء من الإجمال، و الإهمال، و لذا قال في الجواهر:

«يمكن تحصيل الإجماع عليه، لأنّ من نسب إليه الخلاف إما لا تكون عبارته ظاهرة فيه أو يكون ممن لا يعتنى بخلافه».

و أما الأخير فهو من مجرد الاستحسان المحض لا ينبغي أن يعتمد عليه، مع أنّه معارض بأنّ اهتمام الفقهاء فتوى و عملا بالترتيب في مثل هذا الأمر العام البلوى لا يمكن أن لا يستند إلى مدرك صحيح لديهم، فالمرجع استصحاب الجنابة بعد عدم صحة الرجوع إلى الإطلاقات و لو بقرينة السيرة العملية و الإجماعات.

قلت: السيرة بين العلماء مستندة إلى اجتهاداتهم، و بين المؤمنين مستندة إلى متابعة العلماء. و ليس كلّ خبر معتبر سندا يكون موافقا للعامة لا بد من طرحه بعد موافقته للأصل و العمومات و الإطلاقات. و احتمال الاجتهادية في الشهرة يوهن الاعتماد عليها. و إمكان تحصيل الإجماع ليس من الأدلة. و إنّما الدليل الإجماع المحقق المحصّل. و الاستشهاد على سقوط الترتيب بسقوط الموالاة، و الغسل من الأعلى، و التسهيل في هذا الأمر العام البلوى ليس من الاستحسان، و ربما يستشهد في الفقه بما هو أضعف من ذلك بمراتب.

______________________________

ص: 66


1- الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الجنابة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الجنابة حديث: 6.

النصف الأيمن من الرقبة ثانيا مع الأيمن و النصف الأيسر مع الأيسر، و السرة و العورة يغسل نصفهما الأيمن مع الأيمن، و نصفهما الأيسر مع الأيسر (17)، و الأولى أن يغسل تمامهما مع كلّ من الطرفين (18).

______________________________

ثمَّ كيف لم يظهر الحكم في هذا الأمر الشائع من أول البعثة إلى زمان الصادق عليه السلام و لما ذا لم يأمر النبي صلى اللّه عليه و آله نساءه بذلك، بل أمر بصب الماء على أجسادهنّ، كما في الحديث (1). و هل كان غسل الجاهلية التي بعث النبي صلى اللّه عليه و آله في العرب الجاهلين، لأجل أنّهم كانوا يغتسلون من الجنابة هكذا؟.

الأصل و الإطلاق و الاعتبار ينفي ذلك كلّه، و تشهد: لعدم اعتبار ذلك كلّه الآية الكريمة الواردة في بيان الوضوء (2) و الغسل ثمَّ التفصيل في الوضوء و عدم التعرض لشي ء في الغسل إلا بقوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا.

فتكون قرينة لعدم اعتبار ذلك كلّه فيه، مع أنّه أهم من بيان التفصيل فيه بالنسبة إلى الوضوء، مضافا إلى ما ورد من أنّه صلى اللّه عليه و آله «يعجبه التيمن في .. طهوره و في شأنه» (3) ظاهر في أصل الرجحان و قرينة صارفة لما ظاهره الوجوب، و لذلك كلّه نسب عدم الترتيب بين الطرفين الى جمع. كالمجلسي، و البهائي، و أصحاب المدارك، و الذخيرة و الوافي- و لكن الأحوط ما عليه المشهور.

(17) جمودا على التنصيف الحقيقي، و لكن لا دليل عليه من نص أو إجماع، بل يكفي التنصيف العرفي.

(18) لاحتمال لحوقها إما بالطرف الأيمن أو الأيسر، فيعمل بكلّ واحد من

______________________________

ص: 67


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- سورة المائدة: 6.
3- صحيح البخاري ج: 1 صفحة: 53 و في مستدرك الوسائل باب: 30 من أبواب الوضوء. «انّ اللّه يحب التيامن في كلّ شي ء».

و الترتيب المذكور شرط واقعي (19)، فلو عكس- و لو جهلا أو سهوا- بطل، و لا يجب البدء بالأعلى في كلّ عضو، و لا الأعلى فالأعلى (20) و لا الموالاة العرفية بمعنى التتابع، و لا بمعنى عدم الجفاف، فلو غسل رأسه و رقبته في أول النهار، و الأيمن في وسطه، و الأيسر في آخره

______________________________

المحتملين، و هو يحصل بغسلهما مع أحد الجانبين، كما اعترف به الشهيد في الذكرى مع أنه أحد ناقلي الإجماع على الترتيب، و على هذا لو غسل الطرف الأيسر ثمَّ بعد الفراغ منه غسل العورتين يصح و يجزي، لما يأتي من عدم اعتبار البدء بالأعلى و لا الموالاة.

(19) لأنّ مقتضى شرطية كلّ شرط أن يكون له دخل واقعي في المشروط إلا أن يدل دليل على الخلاف، و لا دليل على الخلاف في المقام، بل استظهر في الجواهر الإجماع و المتيقن منه مورد العلم و الالتفات. و يمكن المناقشة فيما استظهره صاحب الجواهر بأنّه مبنيّ على مسلّمية أصل الترتيب بين الجهتين و بعد ما مر من المناقشة يسقط هذا الإجماع.

(20) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الإجماع على عدم الوجوب. و أما مثل قول الصادق عليه السلام: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدمك» (1).

فليس في مقام بيان اعتبار الأعلى فالأعلى، بل ظاهره اعتبار غسل جميع الجسد مطلقا بأيّ وجه كان، و إطلاق قوله عليه السلام: «و كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته» (2).

ليس قابلا للتقييد إلا بنص صريح و كذا إطلاق قوله تعالى «وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا».

______________________________

ص: 68


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 8.

صح (21)، و كذا لا يجب الموالاة في أجزاء عضو واحد (22). و لو تذكر بعد الغسل ترك جزء من أحد الأعضاء رجع و غسل ذلك الجزء، فإن كان في الأيسر كفاه ذلك (23)، و إن كان في الرأس أو الأيمن وجب

______________________________

(21) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن اعتبار ذلك، مضافا إلى الإجماع، و ما تقدم في قضية أم إسماعيل (1)، و صحيح حريز (2)، و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ عليا عليه السلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة و يغسل سائر جسده عند الصلاة» (3).

و الظاهر أنّ هذا التحديد إنّما هو للتحفظ على الصلاة و إلا فلو فرض سقوطها- كما في الحائض- يجوز التأخير بأكثر من ذلك.

(22) للإطلاقات الواردة في مقام البيان، و أنّه لو كان ذلك معتبرا لشاع و بان، مضافا إلى الأصل، و الإجماع.

(23) أما أصل وجوب الغسل، فللإطلاقات، و العمومات بعد عدم اعتبار الموالاة، مضافا إلى صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: «قلت له: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة؟ فقال عليه السلام: إذا شك و كانت به بلة و هو في صلاته مسح بها عليه، و إن كان استيقن فأعاد عليهما ما لم يصب بلة- الحديث-»(4).

و عن الصادق عليه السلام في الصحيح: «اغتسل أبي من الجنابة، فقيل له: قد أبقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال عليه السلام له: ما كان عليك لو سكتّ؟! ثمَّ مسح تلك اللمعة بيده» (5).

بحمله على ما إذا كانت اللمعة في الأيسر، لئلا يلزم خلاف الترتيب لو لم نقل بأنّ هذا الحديث مما يدل على عدم اعتبار الترتيب.

______________________________

ص: 69


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الجنابة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الجنابة حديث: 3.
4- الوسائل باب: 41 من أبواب الجنابة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 41 من أبواب الجنابة حديث: 2.

غسل الباقي على الترتيب (24). و لو اشتبه ذلك الجزء وجب غسل تمام المحتملات مع مراعاة الترتيب (25).

الثانية: الارتماس

الثانية: الارتماس (26) و هو: غمس تمام البدن في الماء دفعة

______________________________

(24) بناء على اعتبار الترتيب.

فائدة: خبر اللمعة لا ينافي ما ثبت من عدم السهو و النسيان بالنسبة إلى المعصوم عليه السلام، لإمكان أنه عليه السلام أخر غسل ذلك المحل عمدا لمصلحة، فعجل القائل له عليه السلام، و مثله ما عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن عليّ عليه السلام: «انّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله اغتسل من جنابة، فإذا لمعة من جسده لم يصبها ماء فأخذ صلى اللّه عليه و آله من بلل شعره فمسح ذلك الموضع ثمَّ صلّى بالناس» (1).

(25) أما وجوب غسل تمام المحتملات، فللعلم الإجمالي. و أما الترتيب فلما تقدم.

فرعان- (الأول): لا إشكال في تحقق الترتيب فيما إذا غسل الأيمن بعد الفراغ من غسل الرأس و الرقبة. و غسل الأيسر بعد الفراغ من غسل الأيمن، و لو كان الترتيب قصديا فقط، فإن كان داخل الماء و قصد غسل رأسه و رقبته أولا، و الأيمن بعده، و الأيسر بعد الأيمن و كان ذلك في آن واحد من دون صدور فعل منه فهل يتحقق الترتيب به أو لا؟ وجهان.

(الثاني): لو أخذ قطنا أو خرقة طاهرة و غمسها في الماء و مسح رأسه و رقبته أولا، ثمَّ على الأيمن، ثمَّ على الأيسر بحيث حصل غسل جميع البدن عرفا يصح و يجزي.

(26) للنصوص، و الإجماع، و العمومات مثل قول الصادق عليه السلام:

«كلّ شي ء أمسسته الماء، فقد أنقيته» (2).

______________________________

ص: 70


1- مستدرك الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 5.

.....

______________________________

و قول أبي جعفر عليه السلام: «الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه» (1).

و قول الصادق عليه السلام: «في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتّى سال على جسده أ يجزيه ذلك؟ قال: نعم»(2).

و في صحيح زرارة عن الصادق عليه السلام: «و لو أنّ رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك» (3).

و قوله عليه السلام في خبر الحلبي: «إذا اغتمس الجنب في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله» (4).

و لا ريب في ظهورها في سقوط الترتيب حينئذ، مضافا إلى الإجماع على عدم اعتباره في الغسل الارتماسي، فلا يعتبر فيه شي ء غير استيلاء الماء على الجسد بأيّ نحو اتفق سواء كان من الرأس إلى القدم أو بالعكس أو بنحو آخر.

ثمَّ إنّ الارتماس و الغسل تارة: يتحققان في آن واحد دقيّ عقليّ، كما إذا قصد الغسل في الآن الذي يتحقق فيه استيلاء الماء على تمام الجسد.

و أخرى: يكون كلاهما تدريجيّا، كما إذا دخل متدرجا حتّى استولى الماء عليه و قصد الغسل كذلك.

و ثالثة: يكون الغسل آنيّا و الاستيلاء تدريجيّا، كما إذا دخل في الماء متدرجا و قصد الغسل في آن استيلاء الماء على الجسد.

و رابعة: يكون بالعكس، كما إذا استولى الماء على تمام جسده و كان على بدنه حاجب، فإزالة متدرجا و كان قاصدا للغسل حينئذ، و مقتضى الإطلاقات و العمومات صحة الجميع. فما عن المحقق الثاني من تشديد الإنكار على القسم الأول، فإن أراد عدم احتماله ثبوتا. فلا ريب في ضعفه. و إن أراد عدم الانحصار فيه، فهو حق، فيكون الغسل الارتماسي إما آنيّ الحصول لا يتصوّر حدوث الحدث في أثنائه أو تدريجيّا يتصور ذلك فيه.

______________________________

ص: 71


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 14.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 15.

.....

______________________________

و ما يقال: من أنّ قوله عليه السلام: «ارتماسة واحدة».

ينافي التدريجية مدفوع أولا: بأنّه لا يستفاد منه أزيد من سقوط الترتيب.

و ثانيا: أنّ المراد الوحدة العرفية غير المنافية للتدريج، كما يقال: قراءة الحمد- مثلا- عمل واحد، و صوم يوم الجمعة عمل واحد، و الوقوف بعرفات واحد إلى غير ذلك من الوحدات العرفية التي لا تنافي التدرج الوجودي. هذا كلّه في الغسل الارتماسي و الارتماس المصدري. و أما إن لوحظ بمعنى اسم المصدر.

فالظاهر عدم تصور التدرج فيه و لكنه ليس مورد التكليف كما لا يخفي.

ثمَّ إنّ الارتماس في الماء، و الانغماس فيه من المبينات اللغوية، و العرفية لا موضوع لبحث الفقيه فيه، فما نسب إلى المشهور من أنّه توالي غمس الأعضاء في الماء بلا تراخ عرفي ليس شيئا زائدا على المعنى المتعارف.

نعم، اعتبار عدم التراخي العرفي، إنما هو لقوله عليه السلام فيما تقدم:

«ارتماسة واحدة» بناء على صدق الارتماس على ما إذا ارتمس متراخيا، و إلا فالوحدة معتبرة في صدق المعنى العرفي أيضا.

فروع- (الأول): تعتبر الموالاة في الغسل الارتماسي، لاعتبار الوحدة العرفية فيه.

(الثاني): لا ريب في كون نفس الغسل متقوما بالقصد، و أما الترتيبية و الارتماسية، فلا دليل على كونهما قصديان و حينئذ، فلو كان غافلا عن استيلاء الماء على تمام بدنه و قصد الغسل يجزي إن تحقق الاستيلاء واقعا و كذا لو غسل رقبته أولا، ثمَّ الأيمن ثمَّ الأيسر قاصدا للغسل يجزي، و لو كان جاهلا بالترتيب، أو غافلا عنه.

(الثالث): يجوز أن يغسل بعض الأعضاء بالارتماس في الماء و البعض الآخر بصب الماء عليه في الخارج، لإطلاق الأدلة و أنّ المقصود كلّه وصول الماء إلى البشرة بأي وجه اتفق.

(الرابع): لا يعتبر في الغسل الارتماسي أن يكون الارتماس في الماء بالعمد و الاختيار، فلو القي في الماء بلا اختيار و قصد الغسل حين الإلقاء صح و كفي.

ص: 72

واحدة عرفية (27)، و اللازم أن يكون تمام البدن تحت الماء في آن واحد (28) و إن كان غمسه على التدريج (29)، فلو خرج بعض بدنه قبل أن ينغمس البعض الآخر لم يكف (30) كما إذا خرجت رجله، أو دخلت في الطين قبل أن يدخل رأسه في الماء، أو بالعكس، بأن خرج رأسه

______________________________

(الخامس): لا يعتبر فيه أن يكون الارتماس من الغاسل، فلو جرى عليه الماء أو من المطر أو الدوش بحيث صار مرتمسا فيه و قصد الغسل أجزأ. كما لا يعتبر فيه وحدة الماء، فلو كان واقفا في الماء إلى وسطه و جرى عليه من فوقه بحيث استولى عليه الماء و نوى الغسل صح و أجزأ أيضا.

(السادس): لو كان داخلا في الماء و خرج منه و كان الماء باقيا على تمام بدنه يصح منه الغسل الترتيبي بأن يدلك ذلك الماء الباقي على رأسه و رقبته ثمَّ الأيمن، ثمَّ الأيسر و هل يصح منه الغسل الارتماسي، لفرض استيلاء الماء على تمام البدن؟ وجهان.

(السابع): لو لم يكن الماء مباحا حين الارتماس و رضي صاحبه بعد الدخول في الماء يصح قصد الغسل بعد الدخول و يجزي و لو كان بالعكس، فلا يصح إلا إذا قصد الغسل بنفس الارتماس.

(الثامن): لا يعتبر الاستقرار حين الغسل مطلقا، فيصح الغسل حال المشي و عدم الاستقرار ترتيبا أو ارتماسا.

(27) لأنّها المنساق من الأدلة المنزلة على العرفيات لا الدقيقات العقلية.

(28) بلا إشكال فيه إذا قصد الغسل الآنيّ الحصول. و أما لو قصد الغسل التدريجي، فهو حينئذ يكون- كنفس الارتماس- تدريجيا.

(29) المراد بالتدريج التدريج المتعارف، لما مر من تنزل الأدلة عليه لأنّ للتدريج مراتب متفاوتة جدا و لا بد أن يراد العرفي منها.

(30) لعدم تحقق ارتماس تمام البدن في الماء لا بنحو التدريج و لا في آن واحد، فلا وجه للأجزاء.

ص: 73

من الماء قبل أن تدخل رجله. و لا يلزم أن يكون تمام بدنه أو معظمه خارج الماء بل لو كان بعضه خارجا فارتمس كفي (31)، بل لو كان تمام بدنه تحت الماء، فنوى الغسل و حرك بدنه كفي على الأقوى (32)، و لو

______________________________

(31) للأصل، و الإطلاقات، مع عدم إشارة إلى اعتبار ذلك في هذا الأمر العام البلوى، بل ظاهر قوله عليه السلام: «الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه» (1).

و قوله عليه السلام: «ما جرى عليه الماء فقد طهر» (2).

و قوله عليه السلام: «كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته» (3). أنّ المناط كلّه وصول الماء إلى الجسد بأيّ وجه اتفق و الرمس و الغمس و نحو ذلك من طرق الإيصال لا أن يكون له موضوعية خاصة، فما نسب إلى المشهور من اعتباره لا دليل عليه.

(32) للأصل، و الإطلاق. و استدل على وجوب التحريك تارة: بأنّ الغسل أمر وجوديّ، فما لم يصدر شي ء من الغاسل لا يصدق عليه الغسل.

و فيه: أنّ البقاء تحت الماء بقصد الغسل أمر وجودي يصح صدقه عليه شرعا و عرفا. و اخرى: بأنّ الجريان معتبر في مفهوم الغسل، فتجب الحركة مقدمة له. و فيه: أنّ المناط كلّه استيلاء الماء على البدن جري أو لا، مع أنّ سطوح الماء تتحرك بمجرد الدخول فيه إلى أن يخرج منه، و على فرض اعتباره لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك. و ثالثة: بقول أبي جعفر عليه السلام: «ما جرى عليه الماء فقد طهر».

و فيه: أنّه من باب المثال لا الخصوصية، لإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ ما أمسسته الماء فقد أنقيته» و قوله عليه السلام: «يكفيك من الغسل و الاستنجاء ما بلت (ملئت) يمينك» (4).

______________________________

ص: 74


1- تقدم في صفحة: 71 و في الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.
2- تقدم في صفحة: 71 و في الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.
3- تقدم في صفحة: 71 و في الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 5.

تيقن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه وجبت الإعادة (33)، و لا يكفي غسل ذلك الجزء فقط (34) و يجب تخليل الشعر إذا شك في وصول الماء إلى البشرة التي تحته (35).

و لا فرق في كيفية الغسل بأحد النحوين بين غسل الجنابة و غيره.

من سائر الأغسال الواجبة و المندوبة (36). نعم، في غسل الجنابة لا

______________________________

و قوله عليه السلام: «إنّما يكفيك مثل الدهن (1)، و لو اكتفي القائل باعتبار الجريان بمثل ذلك أيضا، فلا نزاع في البين.

فتلخص: أنّه لو كان في داخل الماء و نوى الغسل، لصح و كفي. و لا يعتبر الخروج و الحركة.

(33) لوجوب غسل تمام البدن و المفروض عدم تحققه، فلا وجه للصحة.

(34) لظهور أدلة الغسل الارتماسي في كونه عملا واحدا و غسل واحدا لا تعدد فيه سواء كان آنيا أو تدريجيا. و عن القواعد و المستند الاكتفاء بغسل ذلك الجزء فقط مطلقا، لإطلاق قوله عليه السلام: «ما جرى عليه الماء فقد أجزأه» (2)، و لصحيح زرارة: «قلت له: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل جنابته، فقال عليه السلام: إذا شك و كانت به بلّة و هو في صلاته مسح بها عليه و إن كان استيقن رجع، فأعاد عليها ما لم يصب بلة» (3). و فيه: أنّ الأول ليس في مقام بيان هذه الجهة و الثاني محمول على الغسل الترتيبي.

(35) لإطلاق أدلة وجوب غسل البشرة، و لقاعدة الاشتغال. و هذا الوجوب مقدمي لتحصيل العلم بالفراغ.

(36) للإجماع، و قاعدة إلحاق كلّ مندوب بالواجب ما لم يدل دليل على

______________________________

ص: 75


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الجنابة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الجنابة حديث: 2
3- الوسائل باب: 41 من أبواب غسل الجنابة حديث: 3.

يجب الوضوء، بل لا يشرع، بخلاف سائر الأغسال كما سيأتي إن شاء اللّه.

مسألة 1: الغسل الترتيبي أفضل

(مسألة 1): الغسل الترتيبي أفضل من الارتماسي (37).

مسألة 2: قد يتعيّن الارتماسي

(مسألة 2): قد يتعيّن الارتماسي كما إذا ضاق الوقت عن الترتيبي، و قد يتعيّن الترتيبي كما في يوم الصوم الواجب و حال الإحرام (38)، و كذا إذا كان الماء للغير و لم يرض بالارتماس فيه (39).

مسألة 3: يجوز في الترتيبي أن يغسل كلّ عضو من أعضائه الثلاثة بنحو الارتماس

(مسألة 3): يجوز في الترتيبي أن يغسل كلّ عضو من أعضائه الثلاثة بنحو الارتماس، بل لو ارتمس في الماء ثلاث مرات- مرة بقصد غسل الرأس، و مرة بقصد غسل الأيمن و مرة بقصد الأيسر- كفى.

و كذا لو حرك بدنه تحت الماء ثلاث مرات، أو قصد بالارتماس غسل الرأس و حرك بدنه تحت الماء بقصد الأيمن و خرج بقصد الأيسر.

و يجوز غسل واحد من الأعضاء بالارتماس و البقية بالترتيب، بل يجوز

______________________________

الخلاف. و يأتي في [مسألة 25] من أحكام الحائض و في الأغسال الفعلية [مسألة 4] حكم بقية المسألة.

(37) لأنّ الاهتمام في الترتيبي بالعمل أكثر من الاهتمام به في الارتماسي و اقتداء بعليّ عليه السلام أنّه كان لا يرد عليه أمران فيهما رضاء اللّه تعالى الا و اختار أشدهما على نفسه (1) و في المرسل: «أفضل الأعمال أحمزها». و إن كان الكل قابلا للخدشة، و لكن يكفي للاستحباب مسامحة.

(38) لتعين أحد فردي التخيير بعد عدم التمكن من الفرد الآخر.

(39) لحرمة الارتماسي حينئذ، لأنّه تصرف في مال الغير بغير إذنه، فيبطل الغسل. و قد يتعيّن الارتماسي كما لو اذن في الارتماسي و لم يرض بالترتيبي.

______________________________

ص: 76


1- الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الجنابة حديث: 12.

غسل بعض كلّ عضو بالارتماس و بعضه الآخر بإمرار اليد (40).

مسألة 4: الغسل الارتماسي يتصوّر على وجهين

(مسألة 4): الغسل الارتماسي يتصوّر على وجهين (41).

(أحدهما): أن يقصد الغسل بأول جزء دخل في الماء و هكذا إلى الآخر، فيكون حاصلا على وجه التدريج.

(الثاني): أن يقصد الغسل حين استيعاب الماء تمام بدنه، و حينئذ يكون آنيا. و كلاهما صحيح، و يختلف باعتبار القصد (42)، و لو لم يقصد أحد الوجهين صح أيضا و انصرف إلى التدريجي (43).

مسألة 5: يشترط في كلّ عضو أن يكون طاهرا حين غسله

(مسألة 5): يشترط في كلّ عضو أن يكون طاهرا حين غسله (44)، فلو كان نجسا طهّره أولا، و لا يكفي غسل واحد لرفع

______________________________

(40) كلّ ذلك، لإطلاق الأدلة، و أنّ المناط كلّه إصابة الماء و البلة إلى الجسد بأي وجه اتفق.

(41) تقدم أنه على أربعة أوجه و الكلّ صحيح، لإطلاق دليل الارتماس الصادق على الجميع.

(42) و لا يعتبر قصد الارتماسية و الترتيبية، بل يكفي مجرد قصد الغسل فإذا قصد أصل الغسل فبأيّ وجه تحقق الارتماس عن قصد أو غيره يصح و يجزي.

(43) لأنّ الظاهر أنّ الارتماسات الخارجية تدريجية الا أن يقصد الخلاف، فهذا الانصراف ليس من قبيل الانصراف اللفظي، بل هو من قبيل ظاهر حال الغاسل.

(44) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الأصل. و أخرى: من الاستظهار. و ثالثة: من جهة الإجماع و الأخبار.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم اعتبار هذا الشرط سواء كان الوجوب نفسيا أو غيريا، لأنّ المرجع في كلّ منهما البراءة بعد فقد الدليل، كما ثبت في الأصول بلا فرق بين كون الواجب نفس الأفعال أو الأثر الحاصل منها، لأنّ الأثر مطلوب

ص: 77

.....

______________________________

بتعلق التكليف به بحسب ما وصل إلينا من الأدلة لا من حيث إنّه مبهم و مجمل إذ التكليف بالمبهم و المجمل قبيح.

و أما الثاني: فغاية ما قيل فيه: أنّ الغسل بقصد رفع الحدث و الخبث من التداخل و الأصل عدمه. و أنّ الماء بمجرد وصوله إلى المحل المتنجس ينفعل فلا يرفع به الحدث و كلاهما ممنوعان.

أما الأول، فلأنّ رفع الخبث ليس قصديا، بل هو وضعي قصد و التفت إليه الشخص أولا، بل لو قصد العدم يحصل الرفع أيضا مضافا إلى إطلاق أدلة غسل الأخباث الشامل لما إذا قصد به رفع الحدث أيضا.

و أما الثاني، فلا مانع في العقل و الشرع في أن يرد الماء على المحل المتنجس و يزيل الخبث و يحصل به رفع الحدث أيضا و يكون الماء متنجسا بعد الانفصال عن البدن و تقدم في الغسالة و الوضوء ما ينفع المقام.

و أما الأخير، فعن الغنية الإجماع على اعتبار طهارة المحل قبل إجراء ماء الغسل عليه. و فيه: عدم اعتباره، لأنّ المسألة ذات أقول مع أنهم يعللون الإجماع بعلل اجتهادية.

و أما الأخبار، ففي صحيح زرارة: «ثمَّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف» (1).

و قوله عليه السلام: «ثمَّ تفرغ بيمينك على شمالك، فتغسل فرجك و مرافقك ثمَّ تمضمض و استنشق ثمَّ تغسل جسدك» (2).

و في صحيح البزنطي: «ثمَّ اغسل ما أصابك منه ثمَّ أفض على رأسك و جسدك»(3).

و في صحيح الحكم: «ثمَّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثمَّ اغسل فرجك و أفض على رأسك و جسدك فاغتسل» (4).

______________________________

ص: 78


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 7.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 7.

الخبث و الحدث، كما مر في الوضوء و لا يلزم طهارة جميع الأعضاء.

______________________________

إلى غير ذلك مما وقع فيه مثل هذه التعبيرات.

و فيها أولا: أنّه لو بنى على العمل بظاهرها، لوجب غسل الجسد من الأذى أولا ثمَّ غسل الفرج- كما في صحيح الحكم- و هو خلاف الإجماع.

و ثانيا: أنّها في مقام بيان رفع عين النجاسة عن الجسد و المحل و لا كلام فيه عند أحد و هو يجزي في كلّ عضو عند إرادة غسله.

و ثالثا: أنّ ذكر ذلك في عداد المندوبات أمارة الندب، فيستحب قبل الشروع في الغسل المضمضة، و الاستنشاق، و غسل اليدين، و رفع الموانع و لا كلام فيه من أحد. فلم يتم دليل معتبر على غسل النجاسة الحكمية عن كلّ عضو قبل الشروع في غسله، فكيف بوجوب إزالة النجاسة عن العضو اللاحق قبل الشروع في غسل العضو السابق، فلو كانت النجاسة الحكمية مما يكفي في رفعها إجزاء الماء مرة يجزي إجراء الماء على العضو بقصد الغسل و تزول النجاسة قهرا قصد ذلك أو لا. نعم، لو كان لها عين وجبت إزالة العين قبل الشروع في الغسل، و لكن الأحوط ما ذكر في المتن مطلقا و لا يترك.

و قد يستدل على اعتبار التطهير قبل الشروع في الغسل، بما ورد من أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة (1).

و فيه: ما مر من انّ المماثلة إنّما هي من جهة أصل الوجوب، و أما سائر الخصوصيات فلا يستفاد منه، مع أنّ المنساق منها أنّ أحكام غسل الجنابة ثابتة لغسل الميت دون العكس.

______________________________

ص: 79


1- تقدم في صفحة 65.

قبل الشروع في الغسل (45) و إن كان أحوط (46).

مسألة 6: يجب اليقين بوصول الماء إلى جميع الأعضاء

(مسألة 6): يجب اليقين بوصول الماء إلى جميع الأعضاء (47) فلو كان حائل وجب رفعه، و يجب اليقين بزواله مع سبق وجوده (48) و مع عدم سبق وجوده يكفي الاطمئنان بعدمه (49) بعد الفحص.

مسألة 7: إذا شك في شي ء أنّه من الظاهر أو الباطن

(مسألة 7): إذا شك في شي ء أنّه من الظاهر أو الباطن يجب

______________________________

(45) لأصالة البراءة بعد قصور ما ذكر من الأدلة عن إثباته، و تشهد له المرتكزات العرفية إذ لا يرى الناس بفطرتهم إزالة القذارة عن الرجل- مثلا- شرطا لصحة التنظيف و لا يرونه مطلوبا نفسيا حين غسل الرأس و في الصحيح الوارد في كيفية غسل الجنابة: «فإن كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك، و إن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك» (1). و هو كالصريح في عدم اعتبار طهارة الرجل حين غسل بقية الأعضاء.

(46) خروجا عن خلاف من أوجبه، و ادعى الإجماع عليه. و لكن عن الحليّ أنّ ذلك من الآداب و السنن بغير خلاف، و عن كشف اللثام أنّه من باب الاولى قطعا.

(47) إجماعا، و نصّا فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «تحت كلّ شعرة جنابة» (2).

و لقاعدة الاشتغال.

(48) لقاعدة الاشتغال مقدمة لوصول الماء إلى البشرة.

(49) لأنه من العلم العادي و تقدم في [مسألة 8] و ما بعدها من (فصل أفعال الوضوء): ما ينفع المقام.

______________________________

ص: 80


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل: باب 27 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 3.

غسله (50)، على خلاف ما مر في غسل النجاسات (51) حيث قلنا بعدم وجوب غسله. و الفرق أنّ هناك الشك يرجع إلى الشك في تنجسه بخلافه هنا حيث إنّ التكليف بالغسل معلوم، فيجب تحصيل اليقين بالفراغ. نعم، لو كان ذلك الشي ء باطنا سابقا و شك في أنّه صار ظاهرا أم لا فلسبقه بعدم الوجوب لا يجب غسله عملا بالاستصحاب (52).

______________________________

(50) إن كان الوجوب، لأجل التمسك بالعمومات، و الإطلاقات، فهو من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية إذ الواجب غسل الظاهر دون غيره. و إن كان لأجل قاعدة الاشتغال، فالمقام من الأقل و الأكثر المتسالم فيه الرجوع إلى البراءة دون الاحتياط- كما ثبت في محله. و ان كان لأجل أنّ وجوب تحصيل الطهارة معلوم و الشك في المحصّل، فوجب الغسل. ففيه: أنّ الطهارة المعلومة تحصيلها ما كانت مستفادة من الأدلة البيانية لا بنحو الإهمال و الإجمال إذ لا معنى للتكليف بالمجمل عقلا و لا يستفاد منها إلا غسل الظاهر فقط، فيرجع في غيره إلى البراءة، فلا وجه للجزم بالوجوب و قد احتاط رحمه اللّه في الوضوء مع اتحاد المدرك فيهما.

(51) راجع العاشر من المطهرات.

(52) يعني استصحاب عدم وجوب غسل هذا المحلّ الخاص، فلا يكون مثبتا. نعم، لو توقف على إثبات كونه باطنا، فهو مثبت و لا اعتبار به، كما لا اعتبار بالاستصحاب في الشبهة المفهومية، لأنه من الاستصحاب في المفهوم المردد و قد ثبت عدم الاعتبار به و لا بأس بجريان الاستصحاب التعليقي كما لا بأس بجريان أصالة البراءة. لكونه من مصاديق الأقل و الأكثر فإنّ غسل بقية الأعضاء معلوم الوجوب و الشك إنما هو في خصوص هذا الجزء.

و أما قاعدة الاشتغال فلا فرق فيها بين المقام و بين ما إذا شك في شي ء أنه من الظاهر أو الباطن، و تقدم عدم كون المقام من موارد جريانها. الا أن يقال:

إنّ عدم إيجاب الاحتياط في مثل المقام يفضي إلى التسامح و التساهل فيما يكون واجبا، فيجب الاحتياط من هذه الجهة. و فيه تأمل.

ص: 81

مسألة 8: ما مر من أنه لا يعتبر الموالاة في الغسل الترتيبي إنّما هو فيما عدا غسل المستحاضة، و المسلوس، و المبطون

(مسألة 8): ما مر من أنه لا يعتبر الموالاة في الغسل الترتيبي إنّما هو فيما عدا غسل المستحاضة، و المسلوس، و المبطون، فإنّه يجب فيه المبادرة إليه و إلى الصلاة بعده من جهة خروج الحدث (53).

مسألة 9: يجوز الغسل تحت المطر و تحت الميزاب ترتيبا لا ارتماسا

(مسألة 9): يجوز الغسل تحت المطر و تحت الميزاب ترتيبا لا ارتماسا (54). نعم، إذا كان نهر كبير جاريا من فوق على نحو الميزاب

______________________________

(53) لأنّ ما تقدم إنّما هو بحسب نفس حكم الموالاة في الغسل من حيث هو مع قطع النظر عن جهة أخرى و الا فقد يجب.

ثمَّ إنّ هذا مع وجود الفترة الواسعة للصلاة و أما مع استمرار الحدث مطلقا، فلا وجه لوجوب الموالاة. إلا أن يستأنس ذلك ما ورد في المستحاضة من الجمع بين الصلاتين و قد تقدم في المسلوس و المبطون بعض الكلام و يأتي في المستحاضة ما ينفع المقام.

(54) أما جواز الغسل ترتيبا، فلعلّه من الضروريات، إذ المقصود إيصال الماء إلى الجسد مع الترتيب، و لا ريب في إمكان ذلك بالمطر و ما يسمى في هذه الأعصار ب (دوش). و أما جواز الارتماس و عدمه، فالظاهر أنّ النزاع فيه صغرويّ، فإن كان المطر غزيرا بحيث صدق استيلاء الماء على البدن دفعة واحدة عرفية، فيجوز و الا فلا، و كذا النهر الجاري من الفوق و الدوش.

و أما صحيح ابن جعفر: «عن الرجل تصيبه الجنابة و لا يقدر على الماء، فيصيبه المطر، أ يجزيه ذلك أو عليه التيمم؟ فقال عليه السلام: إن غسله أجزأه و الا تيمم» (1).

و نحوه غيره، فلا يمكن الأخذ بإطلاقه، لعدم كونه واردا مورد البيان من هذه الجهة، بل يكون مفاده رفع الحظر عن الاغتسال بالمطر و لا يستفاد منه أكثر من ذلك و حينئذ فمع غزارة المطر بحيث يصدق استيلاء الماء دفعة واحدة يصح ارتماسا و الا فيصح ترتيبا قطعا.

______________________________

ص: 82


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 11.

لا يبعد جواز الارتماس تحته أيضا إذا استوعب الماء جميع بدنه على نحو كونه تحت الماء.

مسألة 10: يجوز العدول عن الترتيب إلى الارتماس في الأثناء

(مسألة 10): يجوز العدول عن الترتيب إلى الارتماس في الأثناء، و بالعكس، لكن بمعنى رفع اليد عنه و الاستئناف على النحو الآخر (55).

مسألة 11: إذا كان حوض أقل من الكر يجوز الاغتسال فيه بالارتماس مع طهارة البدن

(مسألة 11): إذا كان حوض أقل من الكر يجوز الاغتسال فيه بالارتماس مع طهارة البدن (56)، لكن بعده يكون من المستعمل في رفع الحدث الأكبر (57)، فبناء على الإشكال فيه يشكل الوضوء و الغسل منه بعد ذلك، و كذا إذا قام فيه و اغتسل بنحو الترتيب بحيث رجع ماء

______________________________

(55) رفع اليد عن الارتماسي و الإتيان بالترتيبي لا محذور فيه، لعدم تحقق الغسل الارتماسي إلا باستيلاء الماء على تمام أجزاء البدن و بعد رفع اليد عنه في الأثناء و الإتيان بالترتيبي لا يتحقق موضوع الارتماس أصلا.

و أما في الترتيبي، فإن قلنا بأنّ رفع اليد عنه يوجب بطلان ما أتى به، و لغويته، أو قلنا بأنّ الغسل الارتماسي الذي هو في مقابل الترتيبي لا يجب أن يكون بالنسبة إلى تمام الأعضاء، بل يجزي إلى غير المغسول سواء كان تمامها أو بعضها، فيصح و لا إشكال فيه أيضا، و إلا فهو مشكل و طريق الاحتياط أنّه إن كان بعد الفراغ عن غسل الرأس و الرقبة أن يرتمس مرتين بعنوان التكليف الواقعي و إن كان بعد الفراغ عن الطرف الأيمن فمرة كذلك و يأتي نظير المقام في [مسألة 12] من الفصل اللاحق.

(56) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة لا محالة.

(57) لأنّه عبارة عن كلّ ماء استعمل في رفع الجنابة و نحوها بلا فرق بين ورود الجنب عليه و الاغتسال فيه و خروجه منه و بين ورود الماء على بدن الجنب بعنوان الغسل و انفصاله عنه

ص: 83

الغسل فيه (58)، و أما إذا كان كرّا أو أزيد فليس كذلك. نعم، لا يبعد صدق المستعمل عليه إذا كان بقدر الكر لا أزيد و اغتسل فيه مرارا عديدة، لكن الأقوى كما مر جواز الاغتسال و الوضوء من المستعمل.

مسألة 12: يشترط في صحة الغسل ما مر من الشرائط في الوضوء

(مسألة 12): يشترط في صحة الغسل ما مر من الشرائط في الوضوء (59): من النية، و استدامتها إلى الفراغ، و إطلاق الماء

______________________________

(58) بشرط الانفصال عن البدن، و عدم الاستهلاك، و الا فلا يكون من المستعمل- كما أنه لا بد من تقييد قوله رحمه اللّه: «لا يبعد صدق المستعمل عليه» بما إذا نقص عن الكريّة بالاغتسال فيه و الا فلا يكون من المستعمل ما دام اعتصامه بالكريّة- و قد تقدم في (فصل الماء المستعمل) تمام الكلام، فراجع.

(59) أما النية و استدامتها، فلاعتبارهما في كلّ عبادة و الغسل عبادة إجماعا.

و أما إطلاق الماء و طهارته، فبضرورة المذهب في هذه الأعصار و ما قاربها، مضافا إلى ما تقدم في الوضوء غير المختص به.

و أما عدم كونه ماء الغسالة فتقدم في (فصل الماء المستعمل).

و أما عدم الضرر في استعماله، فيأتي في الرابع من (مسوغات التيمم).

و أما إباحة الظرف و عدم كونه من الذهب أو الفضة، فلأن استعمال المغصوب و آنية الذهب و الفضة حرام، و النهي في العبادة يوجب الفساد على تفصيل تقدم في الوضوء (1)- كما أنّه تقدم وجه اشتراط طهارة البدن- و يأتي في السابع من مسوغات التيمم اعتبار عدم ضيق الوقت للطهارة المائية.

و أما اعتبار عدم حرمة الارتماس في الارتماسي، فلأنه مع حرمته يكون منهيّا عنه، و النهي في العبادة يوجب الفساد، و يأتي في السابع من المفطرات في كتاب الصوم الفروع المتعلقة بالمقام

______________________________

ص: 84


1- راجع ج: 2 صفحة 419.

و طهارته، و عدم كونه ماء الغسالة، و عدم الضرر في استعماله، و إباحته، و إباحة ظرفه، و عدم كونه من الذهب و الفضة، و إباحة مكان الغسل، و مصب مائه، و طهارة البدن، و عدم ضيق الوقت، و الترتيب في الترتيبي، و عدم حرمة الارتماس في الارتماسي منه- كيوم الصوم، و في حال الإحرام- و المباشرة في حال الاختيار. و ما عدا الإباحة و عدم كون الظرف من الذهب و الفضة، و عدم حرمة الارتماس من الشرائط واقعي لا فرق فيها بين العمد، و العلم (60)، و الجهل، و النسيان، بخلاف المذكورات، فإنّ شرطيتها مقصورة على حال العمد و العلم (61).

______________________________

و أما اعتبار المباشرة في حال الاختيار، فلظهور الإجماع مضافا إلى ظهور الأدلة و يجري فيه ما تقدم في الشرط التاسع من (فصل شرائط الوضوء)، لظهور الإجماع على اتحاد الوضوء، و الغسل في جميع الشرائط إلا ما خرج بالدليل.

فرع: الظاهر كفاية نية الغسل و لو لم يقصد الجنابة، لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن اعتبار هذا القيد و يأتي في مسألة تداخل الأغسال ما ينفع المقام.

(60) لأنّ مقتضى تقيد شي ء جزءا أو شرطا أن يكون واقعيا الا ما خرج بالدليل، و قد جعل من القواعد العقلية قولهم: «المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه» و «المشروط ينتفي بانتفاء شرطه» و مقتضى الشرطية الواقعية عدم الفرق بين العلم و الجهل و العمد و العذر و غيرها، فيبطل المشروط بانتفاء الشرط في الجميع.

(61) لأنّ الشرطية فيها منتزعة من التكليف النفسي المستقل الذي لا تنجز له الا في صورة العلم و العمد، فلا موضوع لانتزاع الشرطية في غيرها و الظاهر أن الضرر أيضا كذلك- كما تقدم في [مسألة 32] من (فصل أحكام الجبائر)، و يأتي في [مسألة 91] من فصل التيمم فراجع.

ص: 85

مسألة 13: إذا خرج من بيته بقصد الحمام و الغسل فيه فاغتسل بالداعي الأول

(مسألة 13): إذا خرج من بيته بقصد الحمام و الغسل فيه فاغتسل بالداعي الأول، لكن كان بحيث لو قيل له حين الغمس في الماء: ما تفعل؟ يقول: أغتسل، فغسله صحيح، و أما إذا كان غافلا بالمرة بحيث لو قيل له: ما تفعل؟ يبقى متحيّرا فغسله ليس بصحيح (62).

مسألة 14: إذا ذهب إلى الحمام ليغتسل و بعد ما خرج شك في أنّه اغتسل أم لا؟

(مسألة 14): إذا ذهب إلى الحمام ليغتسل و بعد ما خرج شك في أنّه اغتسل أم لا؟ يبني على العدم، و لو علم أنّه اغتسل لكن شك في أنّه على الوجه الصحيح أم لا؟ يبني على الصحة (63).

مسألة 15: إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت، فتبيّن ضيقه

(مسألة 15): إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت، فتبيّن ضيقه و أنّ وظيفته كانت هي التيمم، فإن كان على وجه الداعي يكون صحيحا (64)، و إن كان على وجه التقييد يكون باطلا، و لو تيمم باعتقاد

______________________________

و يشترط في الغسل أيضا أن لا يكون في المسجد، لما تقدم من حرمة دخول الجنب في المسجدين و حرمة مكثه في سائر المساجد و هذا الشرط أيضا مختص بحال العلم و العمد.

(62) أما الصحة في الأول، فلوجود الداعي الواقعي. و لا دليل على اعتبار الالتفات الفعلي إليه، بل مقتضى الأصل عدمه. و أما عدم الصحة في الأخير، فلفقد الداعي، و لكن الظاهر أنّه يختلف باختلاف الحالات، إذ ربما يكون أصل الداعي موجودا و لكن عروض عارض يكون موجبا للتحير عن الجواب عند السؤال عنه.

(63) لأصالة العدم في الأول إلا إذا حصل الاطمئنان بالإتيان من القرائن.

و لقاعدة الفراغ في الثاني إلا إذا حصل الاطمئنان بالبطلان من القرائن.

(64) إن كان مراده بالداعي قصد الأمر الفعلي مع الخطأ في التطبيق.

فالصحة مطابقة للقاعدة، لوجود الأمر الفعلي الندبي بالنسبة إلى ذات الغسل و إن كان المراد قصد الأمر الوجوبي القولي، فلا وجه للصحة مطلقا سواء كان بنحو

ص: 86

الضيق، فتبيّن سعته ففي صحته و صحة صلاته إشكال (65).

مسألة 16: إذا كان من قصده عدم إعطاء الأجرة للحمامي، فغسله باطل

(مسألة 16): إذا كان من قصده عدم إعطاء الأجرة للحمامي، فغسله باطل (66)، و كذا إذا كان بناؤه على النسيئة من غير إحراز رضى الحمامي بذلك و إن استرضاه بعد الغسل (67)، و لو كان بناؤهما على

______________________________

الداعي أو غيره، لعدم الأمر الوجوبي بالنسبة إلى الغسل حتى يصح بعنوان الداعي دون غيره. إلا أن يقال: إنّ قصد الأمر الوجوبي الفعلي لا ينفك عن قصد ذات الغسل و المفروض أنّ الذات مندوب، فيكون مقصودا في الجملة

(65) بل منع- كما يأتي منه رحمه اللّه في [مسألة 34] من فصل التيمم- و لا وجه للصحة إلا احتمال أن يكون من مسوغات التيمم ضيق الوقت و لو اعتقادا، و لا وجه له أصلا.

(66) بلا إشكال فيه بناء على تقيد الرضاء المعاوضي بإعطاء العوض خارجا إذ لا رضاء مع عدم الإعطاء حينئذ، فيبطل قهرا. و أما إن كان قوام المعارضة بمجرد الربط بين الالتزامين و كان إعطاء العوض خارجا عن ذاتها، فحيث إنه قد وقع الربط بينهما، فيصح و ان اشتغلت الذمة بالعوض هذا. و لكن الظاهر أنّ المتعارف بين الناس في المعاوضات هو القسم الأول فنزل الأدلة عليه أيضا.

(67) أما البطلان في صورة عدم إحراز الرضاء، فلحرمة التصرف في مال الغير مع عدم إحراز رضاه. و أما البطلان حتى لو استرضاه بعد الغسل، فمبني على جريان الفضولية فيما يتعلق بالعبادات و عدمه، فيبطل على الأخير دون الأول و استدل على عدم الجريان بعدم تحقق قصد القربة و انطباق عنوان المبعدية عليه، و إطلاق قوله صلى اللّه عليه و آله: «لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه» (1).

______________________________

ص: 87


1- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1

النسيئة و لكن كان بانيا على عدم إعطاء الأجرة أو على إعطاء الفلوس.

الحرام ففي صحته إشكال (68).

مسألة 17: إذا كان ماء الحمام مباحا لكن سخن بالحطب المغصوب لا مانع من الغسل فيه

(مسألة 17): إذا كان ماء الحمام مباحا لكن سخن بالحطب المغصوب لا مانع من الغسل فيه، لأنّ صاحب الحطب يستحق عوض حطبه، و لا يصير شريكا في الماء، و لا صاحب حق فيه (69).

______________________________

و بأنّ الشي ء لا يتغير عما وقع عليه.

و الكل مخدوش، لفرض حصول قصد القربة و تحقق سائر الشرائط و انطباق عنوان المبعدية ما دامية لا دائمية فيزول بحصول الإجازة، و الإطلاق لا يشمل صورة لحوق الإجازة، و الإجماع غير متحقق، و الأخير ليس من القواعد المعتبرة، و على فرض كونه كذلك، فمورده الحقائق الأصلية دون الاعتباريات التي تدور مدار الرضا مقارنا كان أو لا حقا، و يشهد للجريان سيرة المتشرعة من أنّه من لم يؤد منهم حقوقه المتعلقة بعين المال كالزكاة، و الخمس، و سهم المبارك حتى بلغ إلى أواخر عمره، ثمَّ وفق لأداء حقوقه و تصفيتها مع الحاكم الشرعي لا يقضي ما صلاه في الثياب و الأمكنة التي اشتراه بعين ما تعلق به الحق، و لا يفتي فقيه بذلك مع ذهاب المشهور إلى الشركة العينية، فلو لم يكن الأداء اللاحق كافيا في الصحة، لاشتهرت الفتوى بالقضاء، مع أنهم لم يتعرضوا لهذه المسألة أبدا.

(68) من تحقق المعاملة ظاهرا، و استقرار العوض في الذمة، فيصح التصرف مع اشتغال الذمة بالعوض. و من إمكان دعوى: عدم ثبوت الرضاء المعاملي واقعا فيما إذا كان الطرف بانيا على عدم الأداء، و المدار على الواقع، مع أنّ الشك في الرضا يكفي في عدم صحة التصرف ما لم يكن أمارة معتبرة على الخلاف.

(69) لأصالة عدم حصول شركة مالية، و لا ثبوت حق له فيه، و إشعال الحطب إتلاف له عرفا و الحرارة من الأثر المحض، فلا توجب الشركة و لا الحق.

نعم، لو كانت مثل الصبغ من الأثر المشوب بالعينية توجب الشركة في المالية.

ص: 88

مسألة 18: الغسل في حوض المدرسة لغير أهله مشكل

(مسألة 18): الغسل في حوض المدرسة لغير أهله مشكل بل غير صحيح، بل و كذا لأهله، إلا إذا علم عموم الوقفية أو الإباحة (70).

مسألة 19: الماء الذي يسبّلونه يشكل الوضوء و الغسل منه الا مع العلم بعموم الإذن

(مسألة 19): الماء الذي يسبّلونه يشكل الوضوء و الغسل منه الا مع العلم بعموم الإذن (71).

مسألة 20: الغسل بالمئزر الغصبي باطل

(مسألة 20): الغسل بالمئزر الغصبي باطل (72).

مسألة 21: ماء غسل المرأة من الجنابة، و الحيض، و النفاس،- و كذا أجرة تسخينه إذا احتاج إليه- على زوجها على الأظهر

(مسألة 21): ماء غسل المرأة من الجنابة، و الحيض، و النفاس،- و كذا أجرة تسخينه إذا احتاج إليه- على زوجها على الأظهر، لأنه يعدّ جزءا من نفقتها (73).

______________________________

و لكنّها ليست كذلك، لأنّ الصبغ إتلاف له في الثوب و إشعال الحطب إتلاف له في نفسه و يستلزم ذلك حرارة الماء.

(70) لأصالة عدم صحة التصرف الا مع القرينة المعتبرة عليها، و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد. و تقدم في [مسألة 8] من (فصل شرائط الوضوء) ما ينفع المقام، فراجع.

(71) ظهر وجه ذلك ما تقدم.

(72) مع استلزام التصرف بأفعال الغسل و لو بالتسبيب. و أما مع عدمه، كما إذا دخل في الماء و صبر قليلا حتّى تسكن حركة الماء ثمَّ اغتسل، يصح غسله.

(73) لأنّ المرجع في النفقة هو المتعارف بين الناس و هم يعدونه من النفقات، بل هو أولى بكونه منها من بعض فضول المعاش التي استقرت السيرة على كونه من النفقات الواجبة. و التفصيل بين ما يرجع إلى المعاش فيكون منها و ما يرجع إلى المعاد، فلا يكون منها، بلا دليل بل المدار على المتعارف لقوله

ص: 89

مسألة 22: إذا اغتسل المجنب في شهر رمضان أو صوم غيره أو في حال الإحرام ارتماسا نسيانا لا يبطل صومه و لا غسله

(مسألة 22): إذا اغتسل المجنب في شهر رمضان أو صوم غيره أو في حال الإحرام ارتماسا نسيانا لا يبطل صومه و لا غسله (74)، و إن كان متعمدا بطلا معا (75)، و لكن لا يبطل إحرامه (76) و إن كان آثما.

و ربما يقال: لو نوى الغسل حال الخروج من الماء صح غسله. و هو في صوم رمضان مشكل لحرمة إتيان المفطر بعد البطلان أيضا (77)، فخروجه من الماء أيضا حرام كمكثه تحت الماء، بل يمكن أن.

______________________________

تعالى وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) معاشيا كان أو معاديا. و يمكن أن تعد جملة من هذه التطهيرات من لوازم الأمور المعاشية، و مع الشك، فالمرجع أصالة البراءة بعد عدم جواز التمسك بالأدلة في الشبهات الموضوعية. و كذا الكلام في ماء الوضوء و مثل السبحة و التربة.

(74) لعدم فعلية النهي من جهة النسيان، فيصح الغسل قهرا، و حيث إنّه يعتبر في مفطرية المفطرات التعمد و لا تعمد في النسيان، فيصح الصوم لا محالة.

(75) لفعلية النهي، فيكون الارتماس حراما، و النهي في العبادة يوجب البطلان، فيبطل الغسل قهرا، و حيث إنّه يكون عن عمد يتحقق المفطر العمدي فيبطل الصوم أيضا.

(76) لما يأتي في محلّه من أنّ تروك الإحرام تكليفات مستقلة و ليست شروطا في صحة الإحرام بخلاف الصوم، فيصح الإحرام. نعم، يأثم، لمخالفة التكليف النفسي المنجز عليه.

(77) الظاهر أنّ الحرمة بعد الإفطار فيه، لأجل انطباق عنوان هتك شهر رمضان عليه. و في انطباق عنوان الهتك على الخروج إشكال، بل منع، و كذا

______________________________

ص: 90


1- سورة النساء: 19.

يقال (78): إنّ الارتماس فعل واحد مركب من الغمس و الخروج، فكله حرام، و عليه يشكل في غير شهر رمضان أيضا. نعم، لو تاب ثمَّ خرج بقصد الغسل صح (79).

______________________________

على المكث مع الإشراف على الخروج. و مع الشك في الصدق فالمرجع أصالة البراءة عن الحرمة.

(78) و لكنّه ضعيف، لكونه خلاف معنى الارتماس لغة، و عرفا و قد علل رحمه اللّه البطلان في [مسألة 44] من كتاب الصوم بغير ذلك فراجع.

(79) لسقوط النهي حينئذ خطابا و ملاكا، فيصح لا محالة و لا وجه للبطلان.

ص: 91

فصل في مستحبات غسل الجنابة
اشارة

(فصل في مستحبات غسل الجنابة) و هي أمور:

أحدها الاستبراء من المنيّ بالبول قبل الغسل

(أحدها) الاستبراء من المنيّ بالبول قبل الغسل (1) (فصل في مستحبات غسل الجنابة)

______________________________

(1) على المشهور بين المتأخرين و نسبه العلامة إلى أكثر علمائنا، و يشهد له- مضافا إلى أصالة البراءة عن الوجوب شرطيا كان أو نفسيا- النبوي: «من ترك البول على أثر الجنابة أو شك أن يردد بقية الماء في بدنه فيورث الداء الذي لا دواء له» (1).

و إن كان الاستدلال به على استحباب البول قبل الغسل مشكلا، لتحقق الحكمة و لو بال بعد الغسل. و عن الغنية وجوبه، و ادعى الإجماع عليه، و نسبه إلى معظم الأصحاب.

و قد يستدل عليه بمضمر ابن هلال: «سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول فكتب: إنّ الغسل بعد البول، الا أن يكون ناسيا فلا يعيد منه الغسل» (2).

و عن البزنطي: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن غسل الجنابة، فقال عليه السلام: تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك و تبول إن قدرت على البول- الحديث-» (3).

______________________________

ص: 92


1- ذكره صاحب المستند و قد ورد مضمونه في مستدرك الوسائل باب: 35 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 12.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 6.
الثاني: غسل اليدين ثلاثا

(الثاني): غسل اليدين (2) ثلاثا إلى المرفقين أو إلى نصف

______________________________

و فيه: أنّ الإجماع موهون، مع أنّ المتيقن منه إعادة الغسل إن خرجت الرطوبة المشتبهة بعد الغسل و قبل البول و هو مما لا كلام فيه- كما يأتي-، و الخبر الأول ضعيف، و مضمر. و الثاني سياقه الندب، فلا وجه للوجوب.

ثمَّ انّ المنساق من الأدلة الاختصاص بالجنابة بالإنزال. و أما في الجنابة بمجرد الإيلاج، فلا وجه للاستحباب. نعم، لو احتمل خروج المنيّ عن محلّه و بقاءه في المجرى، فله وجه.

(2) لصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها الإناء؟ قال عليه السلام: واحدة من حدث البول و اثنتان من الغائط و ثلاث من الجنابة» (1).

و عن أبي الحسن عليه السلام: «يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين» (2).

و في خبر يونس الوارد في غسل الميت: «يغسل يده ثلاث مرات كما يغسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع» (3).

و عن الصادق عليه السلام: «تبدأ بكفيك فتغسلهما» (4).

و هذه الأخبار محمولة على الندب، و على مراتب الفضل إجماعا. و ظاهر الأصحاب- كما هو المتفاهم من الأخبار عرفا- اختصاص الاستحباب بصورة احتمال القذارة، و أما مع العلم بالطهارة فيشكل الاستحباب، إلا أن يكون ذلك من مندوبات الغسل شرعا- كما عن صاحب الجواهر- مثل المضمضة، و الاستنشاق، و هو بعيد. و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الارتماسي، و الترتيبي و إن كان ظاهر صحيح الحلبي الاختصاص بالثاني لكن يمكن أن يكون

______________________________

ص: 93


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب الجنابة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب الجنابة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 1.

الذراع، أو إلى الزندين من غير فرق بين الارتماس و الترتيب.

الثالث: المضمضة و الاستنشاق

(الثالث): المضمضة و الاستنشاق بعد غسل اليدين ثلاث مرات و يكفي مرة أيضا (3).

الرابع: أن يكون ماؤه في الترتيبي بمقدار صاع

(الرابع): أن يكون ماؤه في الترتيبي بمقدار صاع (4) و هو ستمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال.

الخامس: إمرار اليد على الأعضاء

(الخامس): إمرار اليد (5) على الأعضاء لزيادة الاستظهار.

______________________________

ذكر الإناء من باب المثال الا الاختصاص و لكن الجزم بالتعميم بالنسبة إلى المعتصم مشكل، لأنّ المنساق من الأدلة، إنّما هو دفع احتمال القذارة، و التحفظ على عدم انفعال الماء و لا يجري ذلك في المعتصم.

(3) لقول الصادق عليه السلام: «ثمَّ تفرغ بيمينك على شمالك- إلى أن قال- ثمَّ تمضمض و استنشق» (1).

و عنه عليه السلام أيضا: «إن شئت تتمضمض، و تستنشق، فافعل، و ليس بواجب، لأنّ الغسل على ما ظهر» (2) و في الرضوي: «و يروى أن يتمضمض و يستنشق ثلاثا و روي مرة تجزيه» (3).

(4) نصا، و إجماعا، و عن أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يتوضأ بمد و يغتسل بصاع» (4).

و يصير ثلاث كيلوات تقريبا.

(5) لما عن الكاظم عليه السلام في الغسل بالمطر: «و يمر يده على ما نالت من جسده» (5).

______________________________

(1)

(2)

(3)

(4)

(5)

ص: 94


1- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الجنابة حديث: 8.
3- مستدرك الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 50 من أبواب الجنابة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة حديث: 11.
السادس: تخليل الحاجب غير المانع لزيادة الاستظهار

(السادس): تخليل الحاجب غير المانع لزيادة الاستظهار (6).

السابع: غسل كلّ من الأعضاء الثلاثة ثلاثا

(السابع): غسل كلّ من الأعضاء الثلاثة ثلاثا (7).

______________________________

و في خبر عمار: «تمر يدها على جسدها كلّه» (1).

المحمول على الندب إجماعا، و المنساق من الأخبار عرفا أنّ حكمة ذلك، إنّما هي الاستظهار، و هي جارية في الترتيبي و الارتماسي. و إن كان مورد الأخبار هو الأول. هذا إذا لم يتوقف إيصال الماء إلى البشرة عليه، و إلا وجب.

(6) علل الاستحباب بزيادة الاستظهار و فيه: أنّه مناف لقول جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام: «كنّ نساء النبي صلى اللّه عليه و آله إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب على أجسادهنّ و ذلك أنّ النبيّ أمرهنّ أن يصببن الماء صبّا على أجسادهنّ» (2).

و خبر ابن أبي محمود: «قلت للرضا عليه السلام: الرجل يجنب، فيصيب جسده، و رأسه الخلوق، و الطيب، و الشي ء اللكد- مثل علك الروم- و الظرب و ما أشبهه، فيغتسل، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق و الطيب و غيره. قال: لا بأس» (3).

إلى غير ذلك مما يستفاد منها عدم الإشارة إلى الاستظهار مع كونها في مقام البيان.

و أما قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «فأما النساء الآن فقد ينبغي لهنّ أن يبالغن في الماء» (4) و قوله عليه السلام في خبر جميل: «يبالغن في الغسل» (5) فهو أعم من الاستظهار، و لكن يكفي في الاستحباب دعوى الإجماع عن جمع منهم الشيخ و العلامة و ما تقدم من جعل الحكمة في إمرار اليد.

(7) كما عن جمع الفتوى به، لما في بعض النصوص من الصب على الرأس

______________________________

ص: 95


1- الوسائل باب: 38 من أبواب الجنابة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الجنابة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الجنابة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب الجنابة حديث: 1.
5- الوسائل باب: 38 من أبواب الجنابة حديث: 2.
الثامن: التسمية

(الثامن): التسمية (8)، بأن يقول: بسم اللّه. و الأولى أن يقول: بسم اللّه الرحمن الرحيم.

التاسع: الدعاء المأثور في حال الاشتغال

(التاسع): الدعاء المأثور (9) في حال الاشتغال، و هو: اللهم

______________________________

ثلاثا، أو ثلاث مرات مل ء كفيه، أو ثلاث أكف (1)بدعوى: أنّ ذكر الرأس من باب المثال لا الاختصاص و أنّ المراد بالنصب الغسل و أما ما ورد من المرتين في الجانبين (2)، فهو من باب الاكتفاء بما هو أقل فضلا.

فروع- (الأول): مقتضى إطلاق كلماتهم هنا، و في المستحب الثاني أنّ اليدين تغسلان ست مرات.

(الثاني): مقتضى الإطلاق جواز جعل إحدى الغسلات الغسل الواجب، و قصد الوجوب بإحداها سواء كانت هي الأولى، أو الوسطى، أو الأخيرة.

(الثالث): الظاهر عدم الفرق بينهما إذا اغتسل بالقليل أو بالغمس في الكثير، و إن كان ظاهر الدليل هو الأول، بل لا يبعد الشمول للغسل الارتماسي أيضا.

(8) لما في الرضوي: «و تذكر اللّه فإنّه من ذكر اللّه على غسله و عند وضوئه، فقد طهر جسده كلّه» (3).

و في النبوي: «إذا اغتسلتم فقولوا: بسم اللّه اللهم استرنا بسترك»(4) و المنساق من ذكر اللّه عند المتشرعة التسمية المعهودة، و يمكن استفادته من قول الصادق عليه السلام في الصحيح: «إذا وضعت يدك في الماء، فقل: بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلني من التّوابين و اجعلني من المتطهرين»(5)

(9) ففي موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «إذا اغتسلت من الجنابة،

______________________________

ص: 96


1- راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.
2- راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.
3- مستدرك الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الوضوء حديث: 2.

طهر قلبي و تقبّل سعيي و اجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين، و اجعلني من المتطهرين.

أو يقول (10): اللهم طهّر قلبي و اشرح صدري و أجر على لساني مدحتك و الثناء عليك، اللهم اجعله لي طهورا و شفاء و نورا، إنّك على كلّ شي ء قدير.

و لو قرأ هذا الدعاء بعد الفراغ أيضا كان أولى (11).

العاشر: الموالاة و الابتداء بالأعلى

(العاشر): الموالاة و الابتداء بالأعلى في كلّ من الأعضاء في الترتيبي (12).

______________________________

فقل: اللهم ..» (1).

و هو محتمل للدعاء حين الاغتسال و بعد الفراغ و لكن مرسل ابن الحكم ظاهر في الأول: «تقول في غسل الجنابة اللهم طهّر قلبي، و زك عملي و تقبّل سعيي، و اجعل ما عندك خيرا لي» (2).

(10) ذكر ذلك في النفلية بتغيير يسير.

(11) لأنّه جمع بين ما تقدم من الاحتمالين في موثق عمار.

(12) أما الموالاة، فلفتوى جمع باستحبابها، و عموم آيات المسارعة إلى الخير، و كراهة الكون على الجنابة. و أما الابتداء بالأعلى، فلما يمكن أن يستفاد من الأمر بالصب على الرأس، و المنكبين، فتأمل و لا يجبان إجماعا.

______________________________

ص: 97


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الجنابة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب الجنابة حديث: 1.
فصل
اشارة

(فصل)

مسألة 1: يكره الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة

(مسألة 1): يكره الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة، على ما مر في الوضوء (1).

مسألة 2: الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطا في صحته

(مسألة 2): الاستبراء بالبول قبل الغسل ليس شرطا في صحته (2)، و إنّما فائدته عدم وجوب الغسل إذا خرج منه رطوبة مشتبهة (فصل)

______________________________

(1) لخبر الوشاء عن الرضا عليه السلام «في قوله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً. و ها أنا أتوضأ للصلاة و هي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد» (1).

فإنّه شامل لجميع العبادات. هذا مع التمكن من المباشرة، و إلا فتجب الاستعانة على ما تقدم في الوضوء.

(2) للأصل، و ظهور الإجماع، و مرتكزات المتشرعة خلفا عن سلف في هذا الأمر العام البلوى، و صحيح ابن مسلم قال أبو جعفر عليه السلام: «من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول: ثمَّ وجد بللا، فقد انتقض غسله و إن كان بال ثمَّ اغتسل ثمَّ وجد بللا، فليس ينقض غسله، و لكن عليه الوضوء، لانّ البول لم يدع شيئا» (2).

______________________________

ص: 98


1- الوسائل باب: 47 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 7

بالمني (3)، فلو لم يستبرئ و اغتسل و صلّى، ثمَّ خرج منه المنيّ، أو

______________________________

و أما صحيحة الآخر عن الصادق عليه السلام: «عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي ء قال: يغتسل و يعيد الصلاة، إلا أن يكون قد بال قبل أن يغتسل، فإنه لا يعيد غسله» (1).

فمحمول على إعادة الصلاة التي صلاها بعد الخروج جمعا بينه و بين غيره، فما عن الحلبي و المنتهى- من وجوب الإعادة مطلقا- ضعيف.

(3) لظهور أنّ البول قد أنقى المجرى من بقايا المنيّ و لم يدع منها شيئا، و قد وردت أخبار دالة على اعتبار هذا الظاهر.

منها: ما تقدم من قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم.

و منها: صحيح الحلبي: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يغتسل ثمَّ يجد بعد ذلك بللا و قد بال قبل أن يغتسل؟ قال عليه السلام: يتوضأ و إن لم يكن قد بال قبل الغسل فليعد الغسل» (2). و مثله موثق سماعة.

و منها: صحيح ابن خالد عنه عليه السلام أيضا: «سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي ء؟ قال: يعيد الغسل. قلت: فالمرأة يخرج منها شي ء بعد الغسل؟ قال: لا تعيد. قلت: فما الفرق فيما بينهما؟ قال عليه السلام: لأنّ ما يخرج من المرأة إنّما هو من ماء الرجل» (3).

و نحوها غيرها. و بإزاء هذه الأخبار ما تدل على عدم وجوب الغسل مع عدم البول كخبر ابن دراج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة، فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمَّ يرى بعد الغسل شيئا أ يغتسل أيضا؟ قال عليه السلام: لا، قد تعصرت و تنزل من الحبائل» (4).

و عن أحمد بن هلال قال: «سألته عن رجل اغتسل قبل أن يبول، فكتب

______________________________

ص: 99


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 11.

الرطوبة المشتبهة لا تبطل صلاته (4)، و يجب عليه الغسل، لما سيأتي.

مسألة 3: إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال ثمَّ خرج منه رطوبة مشتبهة

(مسألة 3): إذا اغتسل بعد الجنابة بالإنزال ثمَّ خرج منه رطوبة مشتبهة بين البول و المنيّ فمع عدم الاستبراء قبل الغسل بالبول يحكم عليها بأنّها منيّ (5)، فيجب الغسل، و مع الاستبراء بالبول و عدم

______________________________

إنّ الغسل بعد البول، إلا أن يكون ناسيا، فلا يعيد منه الغسل» (1) و عن زيد الشحام عن الصادق عليه السلام: «سألته عن رجل أجنب ثمَّ اغتسل قبل أن يبول ثمَّ رأى شيئا؟ قال عليه السلام: «لا يعيد الغسل ليس ذلك الذي رأى شيئا» (2).

و الكل مخدوش بضعف السند، و إعراض الأصحاب، و إمكان الحمل على غير ما نحن فيه من البلل المردد بين المذي- مثلا- و غيره و لو وجب الغسل لكل شبهة أوجب الوسواس في هذا الأمر العام البلوى لجميع الناس.

(4) لحدوث الطهارة بغسل الجنابة. و مجرد بقاء المنيّ في المجرى ما لم يخرج إلى الخارج لا ينقض الغسل، و قد مر عدم اشتراط صحة الغسل بالاستبراء، فلا وجه لبطلان الغسل حينئذ، فتصح الصلاة قهرا.

(5) الأقسام سبعة: (الأول): التردد بين البول و المني فقط مع تحقق الاستبراء بالبول، و الخرطات سواء كان قبل الغسل أو بعده، و مقتضى العلم الإجمالي الجمع بين الغسل و الوضوء لو لم يكن أصل موضوعي غير معارض في البين كما إذا استبرأ بالبول و و الخرطات قبل الغسل، فاغتسل، ثمَّ حدث منه الحديث الأصغر ثمَّ خرجت منه الرطوبة المرددة فإنّ مقتضى أصالة بقاء الحدث الأصغر و عدم حدوث موجب الغسل جواز الاكتفاء بالوضوء فقط، و لا يشمله ما تقدم من الأخبار، لانصرافها عن المقام، مع أنّ ما فيها من «أنّ البول لم يدع

______________________________

ص: 100


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 12.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 14.

.....

______________________________

شيئا من المنيّ»(1) يدل على سقوط احتمال الجنابة، و كذا الكلام بعينه فيما إذا استبرأ قبل الغسل بالبول فقط.

(الثاني): التردد بين البول و المنيّ فقط مع عدم البول لا قبل الغسل و لا بعده، و مقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بينهما أيضا، لكن إطلاق ما تقدم من الأخبار يدل على كفاية الغسل فقط عملا بمقتضى الظاهر، و لكن الاكتفاء بهذا الإطلاق مشكل، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة.

(الثالث): العلم بأنّها بول و الشك في أنّه هل خرج معه المنيّ أو لا؟

و مقتضى العمومات وجوب الوضوء، كما أنّ مقتضى الأصل عدم وجوب الغسل مع سبق الجنابة و الغسل عنها، و الظاهر عدم شمول الأخبار المتقدمة لهذا القسم.

(الرابع): التردد في أنّها إما منيّ، أو بول، أو شي ء آخر مما لا حكم له من حيث الحدثية و الخبثية، فإن كان في البين أصل موضوعي يرجع إليه و الا، فمقتضى الأصل الحكمي عدم وجوب شي ء عليه.

(الخامس): التردد بين البول و المنيّ مع سبق الاستبراء أو عدمه و لكن مع كون منشأ التردد الوسواس و كثرة الشك، و الظاهر عدم شمول الأخبار له، فيرجع إلى الأصل الموضوعي و مع عدمه، فإلى الحكمي.

(السادس): الرطوبة الخارجة بدوا المرددة بين البول و المنيّ فقط من غير سبق جنابة أصلا، و مقتضى العلم الإجمالي الجمع بين الغسل و الوضوء بعد عدم شمول الأخبار المتقدمة له، لأنّها في صورة سبق الجنابة، و لكن لو كان مسبوقا بالحدث الأصغر لم يجب الغسل، لأصالة بقاء الحدث الأصغر بلا معارض كما تقدم في القسم الأول.

(السابع): التردد بين البول و المنيّ و شي ء آخر لا حكم له- مثل المذي مع عدم سبق الجنابة- و حكمه حكم القسم الرابع، فمع وجود الأصل الموضوعي يرجع إليه، و الا فلا شي ء عليه.

______________________________

ص: 101


1- تقدم في صفحة: 98.

الاستبراء بالخرطات بعده يحكم بأنّه بول (6) فيوجب الوضوء، و مع عدم الأمرين يجب الاحتياط (7) بالجمع بين الغسل و الوضوء إن لم يحتمل غيرهما و ان احتمل كونها مذيا مثلا- بأن يدور الأمر بين البول و المنيّ و المذي- فلا يجب عليه شي ء (8)، و كذا حال الرطوبة الخارجة بدوا من غير سبق جنابة، فإنّها مع دورانها بين المنيّ و البول يجب الاحتياط (9) بالوضوء و الغسل و مع دورانها بين الثلاثة أو بين كونها منيّا أو مذيا، أو بولا، أو مذيا لا شي ء عليه (10).

مسألة 4: إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل و شك في أنّه استبرأ بالبول أم لا

(مسألة 4): إذا خرجت منه رطوبة مشتبهة بعد الغسل و شك في أنّه استبرأ بالبول أم لا بنى على عدمه (11)، فيجب عليه الغسل، و الأحوط ضم الوضوء أيضا (12).

لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة

(مسألة 5): لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص و الاختبار أو لأجل عدم إمكان الاختبار من

______________________________

(6) لأن البول لم يدع شيئا من المني كما مر. و مقتضى الظاهر بعد عدم الاستبراء بالخرطات أن يكون بولا.

(7) لما تقدم في القسم الأول، و لا بد من تقييده بما إذا لم يكن قبل خروج البلل محدثا بالأصغر، و الا يكفي الوضوء فقط.

(8) لما تقدم في القسم الرابع.

(9) لما تقدم في القسم السادس، لا بد من التقييد بعدم سبق الحدث الأصغر. و الا فيكفي الوضوء فقط.

(10) لما مر في القسم الرابع، فراجع.

(11) لأصالة عدم الاستبراء، فيشمله ما دل على وجوب الغسل، مما تقدم من الأخبار، و مع كون الحالة السابقة الحدث الأصغر يكفي الوضوء كما مر.

(12) لأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال خصوصا في المقام.

ص: 102

جهة العمى أو الظلمة أو نحو ذلك (13).

مسألة 6: الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها

(مسألة 6): الرطوبة المشتبهة الخارجة من المرأة لا حكم لها و إن كانت قبل استبرائها، فيحكم عليها بعدم الناقضية و عدم النجاسة (14) إلا إذا علم أنها إما بول أو منيّ (15).

مسألة 7: لا فرق في ناقضية الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل البول بين أن يكون مستبرئا بالخرطات أم لا

(مسألة 7): لا فرق في ناقضية الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل البول بين أن يكون مستبرئا بالخرطات أم لا (16). و ربما يقال: إذا لم يمكنه البول تقوم الخرطات مقامه و هو ضعيف (17).

______________________________

(13) لإطلاق الدليل الشامل للجميع.

(14) للأصل فيهما بعد اختصاص دليل البلل المشتبه بالرجل و عدم أثر لاستبرائها، لاختلاف المخرجين فيها، فلا مورد لجريان قاعدة الاشتراك في هذا الحكم أصلا و قد تقدم في (فصل الاستبراء) ما ينفع المقام.

(15) لأنّ العلم الإجمالي بكونها إما بول، أو منيّ موجب للعلم التفصيلي بالنجاسة و النقض، فمع الجهل بالحالة السابقة، أو كونها الطهارة تجمع بين الغسل و الوضوء، لقاعدة الاشتغال و مع كونها الحدث الأصغر يكفيها الوضوء، لأصالة بقائه و الشك في حدوث موجب الغسل. هذا إذا علمت بأنّها- لو كانت منيا- يكون منها و أما إن احتملت بأنّه منيّ الرجل قد خرج منها، فلا ريب في النجاسة، و أما من حيث الحدثية، فإن كانت الحالة السابقة معلومة تعمل بها طهارة كانت أو حدثا، أصغر كان أو أكبر. و مع الجهل بها وجب الوضوء لقاعدة الاشتغال و لا يجب الغسل، للأصل.

(16) لإطلاق ما تقدم من الأخبار الشامل لكلتا الحالتين (1).

(17) أما القائل فجمع من الفقهاء- منهم الشهيد، و المحقق الثاني،

______________________________

ص: 103


1- تقدم في صفحة: 99.
مسألة 8: إذا أحدث بالأصغر في أثناء غسل الجنابة الأقوى عدم بطلانه

(مسألة 8): إذا أحدث بالأصغر في أثناء غسل الجنابة الأقوى عدم بطلانه (18). نعم، يجب عليه الوضوء

______________________________

و نسباه إلى الأصحاب أيضا- مستندين في ذلك إلى أنه جمع بين ما مر من القسمين من الأخبار.

و أما وجه الضعف، فلأنّه جمع بلا شاهد. نعم، لو حصل القطع من الخرطات بخروج بقايا المني، فيتبع القطع لا محالة، إذ المناط كلّه إحراز خروج بقايا المنيّ سواء كان بالبول أو بغيره، و لعل ذلك مرادهم (قدّست أسرارهم) فلا نزاع في البين و حينئذ، فيقوم مقام الاستبراء البولي كلما أفاد فائدته كطول المدة، أو الحركة العنيفة، أو الإخراج بالآلات الحدثية المعدة لذلك.

فروع- (الأول): لو علم الأجل عروض عارض عليه أنّه لا أثر للبول في إخراج بقايا المنيّ، يسقط اعتبار الاستبراء البولي، فلا بد في إحراز خروجها حينئذ من إعمال طريق آخر يعلم به الخروج.

(الثاني): لا يعتبر في الاستبراء البولي رؤية بقايا المنيّ في البول لإطلاق الدليل، و لأنّ الظاهر أنّها مستهلكة فيه.

(الثالث): لو أجنب بالإنزال و بال و لم يدر المقدم منهما، ثمَّ رأى الرطوبة المرددة، فمقتضى قاعدة الاشتغال الجمع بين الغسل و الوضوء لعدم جواز التمسك بالأخبار في الاكتفاء بالغسل، لانّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

(الرابع): لا فرق في البول بين كون خروجه بالاختيار أو بدونه كما في النوم- مثلا- (الخامس): إذا أجنب بالإنزال و لم يبل و اغتسل، فخرجت منه الرطوبة المرددة بين البول و المني، يجري عليه جميع أحكام الجنب.

(18) لإطلاق الأدلة البيانية، و إطلاق ما دل على عدم اعتبار الموالاة في الغسل، و جواز التأخير بين أجزائه بنصف يوم أو أكثر، مضافا إلى أصالة الصحة، و عدم الانتقاض.

ص: 104

بعده (19) لكن الأحوط (20) إعادة الغسل بعد إتمامه، و الوضوء بعده أو الاستئناف و الوضوء بعده. و كذا إذا أحدث في سائر

______________________________

(19) لما دل على إيجاب الحدث الأصغر للوضوء، و قصور ما دل على كفاية غسل الجنابة عن الوضوء عن شمول مثل هذا الغسل، و لقاعدة الاشتغال.

و عن جمع صحة الغسل و عدم الاحتياج إلى الوضوء لما دل على كفاية غسل الجنابة عن الوضوء.

و فيه: ما مرد من قصور شموله للغرض لا أقل من الشك، فلا يصح التمسك به.

و عن آخرين: البطلان و وجوب الاستئناف، لاستصحاب بقاء الحدث، و لأنّه لو وقع الحدث بعد الغسل لأبطل إباحته للصلاة و كذا في الأثناء، و بالرضوي: «إن أحدثت حدثا من بول أو غائط، أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله» (1).

و بما في عرض المجالس للصدوق عن الصادق عليه السلام: «فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط، أو ريح، أو مني بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك، فأعد الغسل من أوله» (2).

و الكل مخدوش، لأنّ العمومات، و الإطلاقات، و أصالة الصحة، و عدم الانتقاض حاكمة على استصحاب بقاء الحدث، و الحدث بعد الغسل لا يوجب بطلانه، بل يوجب الوضوء، فكذا إن وقع في الأثناء، و الخبران قاصران سندا مع عدم الجابر لهما.

(20) يفعل ذلك بعنوان الرجاء. و في صورة الاستئناف بقصد ما عليه في الواقع من التمام، و الإتمام.

______________________________

ص: 105


1- مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الجنابة حديث: 4.

الأغسال (21). و لا فرق بين أن يكون الغسل ترتيبا أو ارتماسيا إذا كان على وجه التدريج (22)، و أما إذا كان على وجه الآنية فلا يتصوّر فيه حدوث الحدث في أثنائه (23).

______________________________

(21) لأنّ الصحة موافقة للإطلاقات، و العمومات، و الأصل، فتجري في الجميع بلا فرق بينهما.

(22) لصدق وقوع الحدث في الأثناء حينئذ في كلّ منها.

(23) و لكن يتصوّر فيه المقارنة، و البحث فيه عين البحث فيما إذا صدر في الأثناء و إن لم يصح التمسك بالحرج.

فروع- (الأول): لو أحدث مقارنا للجزء الأخير من الغسل الترتيبي فهو مثل ما إذا أحدث مقارنا للارتماس الآني، فيصح الغسل، و يجب عليه الوضوء لما مر.

(الثاني): لا ريب في صحة الوضوء بعد تمام الغسل، و الظاهر الصحة في أثناء الترتيبي، لاختلاف الحدثين و لو بالمرتبة، فيرتفع أحدهما برافعه و يبقى الآخر، و يأتي في [مسألة 25] من (فصل أحكام الحائض) ما ينفع المقام.

(الثالث): لو شك في حدوث الحدث بنى على العدم، للأصل. و لو شك في أنه كان في الأثناء، أو بعد الغسل، يجب الوضوء عليه بناء على صحة الغسل، و أما بناء على البطلان، فمقتضى قاعدة الاشتغال إعادة الغسل مع الوضوء أيضا.

(الرابع): لو اغتسل للجنابة ثمَّ أحدث بالأصغر، فتوضأ ثمَّ علم إجمالا ببطلان الغسل أو الوضوء يصح جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الغسل بلا معارض، للعلم التفصيلي بعدم الأثر للوضوء، فيجب الوضوء فقط.

(الخامس): لو اغتسل للجنابة و اغتسل لها ثانيا، فعلم بوقوع حدث في أثناء أحد الغسلين و الوضوء بعده و لا يدري أنّه الأول أو الأخير لا شي ء عليه، و لو علم بصدور حدث منه في أثناء كلّ واحد من الغسلين و بوضوء واحد منه و لا يدري

ص: 106

مسألة 9: إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل

(مسألة 9): إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل، فان كان مماثلا للحدث السابق- كالجنابة في أثناء غسلها أو المس في أثناء غسله- فلا إشكال في وجوب الاستئناف (24)، و إن كان مخالفا له، فالأقوى عدم بطلانه (25) فيتمه و يأتي بالآخر و يجوز الاستئناف بغسل واحد لهما (26).

و يجب الوضوء بعده إن كانا غير الجنابة (27)، أو كان السابق هو الجنابة

______________________________

أنّه توضأ للأول أو للأخير، فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الوضوء عليه فعلا.

و لو اغتسل للجنابة و علم بصدور حدث منه و لا يدري أنّه صدر قبل الغسل أو في أثنائه أو بعده، فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الوضوء عليه.

(24) إجماعا، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة، فلا وجه حينئذ لاستصحاب الصحة، لتقدم الاتفاق و الارتكاز عليها.

(25) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن الإعادة، و أصالة عدم المانعية.

و ما عن بعضهم من دعوى: الإجماع على بطلان غسل الجنابة بتخلل الحدث الأكبر في أثنائه. عهدتها على مدعيها، مع أنّ المتيقن منه تخلل الجنابة في أثناء غسل الجنابة لا غير. كما أنّ ما تقدم من خبر عرض المجالس (1) من أنّ تخلل صدور المنيّ في أثناء الغسل يوجب البطلان و يكون ذكر المنيّ مثالا لمطلق الحدث الأكبر- مخدوش، لقصور السند و عدم الجابر المعتبر.

(26) لما يأتي في [مسألة 15] من هذا الفصل.

(27) لما يأتي في [مسألة 25] من (فصل أحكام الحائض) و يذكر فيها وجه إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء أيضا، و أما الاحتياج إلى الوضوء لو كان السابق هو الجنابة و أتم الغسل الجنابة ثمَّ اغتسل للحدث الآخر، فلإمكان دعوى انصراف ما دل على كفاية غسل الجنابة عن الوضوء عن مثل هذا الغسل الذي يكون المغتسل باقيا على الحدث الأكبر بعده.

______________________________

ص: 107


1- تقدم في صفحة: 105.

حتّى لو استأنف و جمعهما بنية واحدة على الأحوط (28)، و إن كان اللاحق جنابة فلا حاجة إلى الوضوء، سواء أتمه و أتى للجنابة بعده أو استأنف و جمعهما بنية واحدة (29).

______________________________

(28) بدعوى: اختصاص ما دل على كفاية غسل الجنابة عن الوضوء بما إذا لم يحدث في أثناء غسله حدث أكبر آخر من غير الجنابة، و لا ينافي الاحتياط الوجوبي منه في المقام، و ما يأتي منه رحمه اللّه من الفتوى بعدم الاحتياج إلى الوضوء قبله أو بعده في [مسألة 15] من هذا الفصل، لأنّ ما يأتي إنما هو فيما إذا كان حدوث الحدث الأكبر الآخر قبل الشروع في غسل الجنابة، و المقام إنّما هو فيما إذا كان بعد الشروع فيه.

(29) لإطلاق ما دل على كفاية غسل الجنابة عن الوضوء، و أنّ الجنابة اللاحقة تجعل الحدث السابق تبعا محضا، فيكون الحكم لغسل الجنابة و يصير شمول ما دل على كفاية غسل الجنابة عن الوضوء لهذه الصورة أبين من العكس و لكنه خلاف الجمود على إطلاق ما دل على الكفاية، فإنّه شامل لكلتا الصورتين.

فتخلص: أنّ حدوث الحدث في أثناء رافع الحدث على أقسام خمسة:

الأول: الحدث الأصغر في أثناء الوضوء.

الثاني: حدوث الحدث الأكبر فيه و لا ريب في البطلان و لزوم الاستئناف.

الثالث: حدوث الحدث الأصغر في أثناء رافع الأكبر، و تقدم في [مسألة 8] أنّه لا يوجب البطلان.

الرابع: حدوث الحدث الأكبر في أثناء الرافع من مثله- كعروض الجنابة في أثناء غسل الجنابة- و تقدم في هذه المسألة وجوب الاستئناف.

الخامس: حدوث الأكبر في أثناء رافع الأكبر مع اختلافهما، و تقدم عدم البطلان.

ص: 108

مسألة 10: الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبة أيضا لا يكون مبطلا لها

(مسألة 10): الحدث الأصغر في أثناء الأغسال المستحبة أيضا لا يكون مبطلا لها (30). نعم، في الأغسال المستحبة لإتيان فعل- كغسل الزيارة و الإحرام- لا يبعد البطلان، كما أنّ حدوثه بعده و قبل الإتيان بذلك الفعل كذلك كما سيأتي (31).

______________________________

(30) لإطلاق أدلتها، و أصالة الصحة. و ما عن المصابيح من دعوى:

الإجماع «على أنّه لا يعاد شي ء منها بالحدث و لو أعاد شرع»، فإنّ إطلاقه يشمل الحدث في الأثناء أيضا. و يمكن أن يقال: إنّ عدم البطلان بالحدث بعد الغسل يستلزم عرفا عدمه بالحدث في الأثناء هذا في الغسل الزماني، أو الغسل لأجل ما فعله. و أما حكم الغسل لما يريد أن يفعله، فيأتي حكمه. و هذه المسألة مكررة في الكتاب في موارد ثلاثة هنا، و في فصل الأغسال المندوبة، و في مقدمات الإحرام.

(31) أما البطلان بحدوث الحدث في الأثناء، فيمكن استفادته مما دل على البطلان بحدوثه بعد الغسل بالأولى.

و أما البطلان بحدوثه بعده، فهو المشهور و نسب إلى الأصحاب و لم يعرف الخلاف الا من الحليّ، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة في الجملة، فإنّهم يتحفظون على عدم صدور حدث منهم بعد هذه الأغسال، و يمكن أن يكون موافقا للقاعدة إن كان المقصود من هذه الأغسال حصول مرتبة من الطهارة. و في صحيح ابن الحجاج قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام: عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثمَّ ينام قبل أن يدخل، أ يجزيه ذلك أو يعيده؟ قال عليه السلام: «لا يجزيه- الحديث-»(1).

و في صحيح ابن سويد عن الحسن عليه السلام: «عن رجل يغتسل للإحرام ثمَّ ينام قبل أن يحرم قال عليه السلام: عليه إعادة الغسل» (2).

______________________________

ص: 109


1- الوسائل باب: 6 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الإحرام حديث: 1.
مسألة 11: إذا شك في غسل عضو من الأعضاء الثلاثة، أو في شرطه

(مسألة 11): إذا شك في غسل عضو من الأعضاء الثلاثة، أو في شرطه قبل الدخول في العضو الآخر رجع و أتى به (32) و إن كان بعد الدخول فيه لم يعتن به و يبني على الإتيان على الأقوى (33).

______________________________

و الظاهر أنّ ذكر النوم من باب المثال- لا الخصوصية- بقرينة موثق ابن عمار الوارد في غسل الزيارة: «يغتسل الرجل بالليل و يزور بالليل بغسل واحد أ يجزئه ذلك؟ قال عليه السلام: يجزئه ما لم يحدث ما يوجب وضوءا، فإن أحدث فليعد غسله بالليل»(1).

و أما صحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثمَّ ينام قبل أن يحرم قال عليه السلام: ليس عليه غسل» (2).

فمحمول على نفي الوجوب جمعا.

و أما إن كان المقصود من هذه الأغسال حصول مرتبة من النظافة الظاهرية، فلا يتصور فيها النقض، فيحمل ما دل على عدم الإجزاء على الإعادة من باب تعدد المطلوب لا النقض الحقيقي، و يأتي في الأغسال المندوبة ما ينفع المقام.

(32) لأصالة عدم الإتيان. و قاعدة الاشتغال، و مقتضى أصالة عدم السهو و الغفلة و البقاء على الإرادة الأولية و إن كان هو الإتيان، فتكون مقدمة على البراءة و الاشتغال، الا أنّ ظاهرهم الإجماع على عدم العمل بها، فلا وجه لجريانها مع هذا الإجماع.

(33) لقاعدة التجاوز من غير ما يوجب تخصيصها بالمقام، و إن خصصت بالوضوء كما تقدم في [مسألة 45] من (فصل شرائط الوضوء) و دعوى: أنّ التخصيص بالوضوء ليس لخصوصية فيه، بل لأجل أنّ

______________________________

ص: 110


1- الوسائل باب: 3 من أبواب زيارة البيت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الإحرام حديث: 3.

.....

______________________________

الطهارة الحدثية مطلقا بسيطة لا جزء لها و الأجزاء إنّما هي في سببها لا في نفسها.

و مجرى القاعدة لا بد و أن يكون من ذوات الأجزاء، فتكون الطهارة الحدثية مطلقا خارجة عنها تخصصا لا تخصيصا. ممنوعة: بأنّه إن لوحظت البساطة بالنسبة إلى الأثر، فالصلاة أيضا كذلك، مع اتفاق النص و الفتوى على جريانها فيها و إن لوحظت بالنسبة إلى العمل الخارجي فلا ريب في التركيب في الجميع، فعموم:

«كلّ ما شككت فيه مما قد مضى، فامضه كما هو» (1).

محكم، الا مع التنصيص بالتخصيص و لا مخصص له في المقام، مع مساعدة أصالة عدم السهو، و الغفلة، و البقاء على الإرادة الأولية للجريان في الجميع. نعم، احتمال أن الوضوء من باب مجرد المثال- للمطلق الغسلات المائية- حسن ثبوتا، و إن لم يساعده دليل إثباتا. و حيث جرى ذكر قاعدة التجاوز فلا بأس بالإشارة إليها، لكونها من القواعد المعتبرة الفقهية المعمول بها.

و البحث فيها من جهات:

الأولى: في الأخبار الواردة فيها و هي كثيرة:

منها: قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن أبي يعفور: «إنما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه» (2).

و في صحيح ابن يسار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أستتم قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال: بلى قد ركعت، فامض في صلاتك، فإنّما ذلك من الشيطان» (3).

و عن أبي جعفر عليه السلام: «كلّ شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره، فليمض عليه» (4).

و مثله عن الصادق عليه السلام في رواية ابن مسلم (5) إلى غير ذلك من

______________________________

ص: 111


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل (كتاب الصلاة) حديث: 3.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 2.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الركع حديث: 3.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب الركع حديث: 4.
5- الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 6 و غيره.

.....

______________________________

الأخبار التي نتعرض لها في محالّها في الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

الثانية: هل تكون القاعدة من القواعد العقلائية قررها الشارع- كقاعدتي الاحترام و السلطنة و نحوها- أو هي تعبدية محضة؟ الظاهر هو الأول، لأصالة عدم عروض الغفلة و السهو، و أصالة البقاء على الإرادة الأولية الارتكازية عند الإتيان بالعمل المتدرج الوجود، فهي قاعدة ارتكازية كشف عنها الشارع، و قررها. و مع الشك تجري أصالة عدم التعبد مستقلا في مقابل البقاء على الإرادة الأولية.

و أصالة عدم عروض الغفلة و السهو. و طريق الاحتياط العمل بما يستفاد من الأدلة.

الثالثة: هل هي أصل أو أمارة؟ قيل في الثمرة بينهما: إنّه على الأول لا تعتبر مثبتاته بخلاف الأخير.

و فيه: أنّه لا دليل على أنّ كل مثبت في كلّ أمارة معتبر- كما لا دليل على عدم اعتباره في كلّ أصل- بل يختلف ذلك بحسب اختلاف الجهات، و الخصوصيات، فلا ثمرة في هذا النزاع من هذه الجهة، مع أنّ الشك في أنها أصل، أو أمارة يكفي في عدم اعتبار المثبت بعد عدم قيام دليل معتبر على واحد منهما، إذ الشك في الحجية يكفي في عدمها كما هو واضح. هذا بالنسبة إلى المثبتات و كذا بالنسبة إلى تقدمها على الاستصحاب إذ لا ريب فيه على كلّ تقدير. و يمكن استظهار كونها أقرب إلى الأصل بناء على ما تعرضنا له من كونها من صغريات أصالة عدم السهو و الغفلة، و الروايات وردت تقريرا للأصل.

الرابعة: لا ريب في أنّ المدار على التجاوز عن محلّ المشكوك لانفسه لانّه مع الشك فيه كيف يعقل التجاوز عنه، فالإضافة إليه تكون من باب الوصف بحال المتعلق لا الذات و حينئذ، فإن كانت القاعدة من صغريات أصالة البقاء على الإرادة الأولية، و أصالة عدم عروض السهو و الغفلة، فلا وجه لاعتبار الدخول في الغير. و إن كانت تعبدية، فقالوا باعتبار الدخول فيه جمودا على ظاهر بعض الروايات منطوقا، و مفهوما، مثل صحيح زرارة: «رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة- إلى أن قال-: شك في الركوع و قد سجد قال عليه السلام: يمضي

ص: 112

.....

______________________________

على صلاته ثمَّ قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمَّ دخلت في غيره، فشكك ليس بشي ء» (1).

إلى غير ذلك مما يأتي.

و فيه: أنّ الدخول في الغير يعتبر تارة: بنحو الموضوعية و القيدية المحضة. و أخرى: بنحو الكشف عن مضيّ محل المشكوك.

و يمكن تقريب الأخير:

أولا: بإطلاق ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الشك من الشيطان (2) فلا بد من إرغام أنفه بأيّ وجه كان، ما لم ترد فيه وظيفة منصوصة معتبرة.

و ثانيا: أنّ العامل تارة يكون بانيا على الإتيان بالجزء اللاحق. و أخرى:

يكون بانيا على عدمه. و ثالثة: يكون مترددا فيه، لأجل تردده في الجزء السابق، و نفس البناء على الإتيان بالجزء اللاحق يجزي، فيكون كاشفا عن الإتيان بالجزء السابق و بقائه على إرادته الارتكازية فلا وجه لاعتبار الدخول في الغير حينئذ، إذ مع وجود العلة و صحة الاستناد إليها لا وجه للاستناد إلى المعلول.

و أما في الأخيرين، فيشكل التمسك بالأصول العقلائية فيهما، لأنّ المتيقن من بناء العقلاء غيرهما، كما لا يصح التمسك بإطلاق الأخبار المتضمن للدخول في الغير إذ المنساق منها صورة بقاء الإرادة الارتكازية على الدخول في الغير في النفس عرفا.

فتحصل مما قلنا: أنه يكفي في عدم الاعتناء وجدان نفسه بانيا على تهيئة الدخول في الغير، و الإشراف عليه.

الخامسة: بناء على الاعتبار الدخول في الغير هل يعتبر أن يكون من الأجزاء المستقلة، أو يكفي مطلق الغير، و لو كان جزء الجزء قولان؟ و لا وقع لهذا النزاع بناء على ما قلناه و مع صرف النظر عنه، مقتضى الجمود على لفظ (الغير) كفاية مطلق الغيرية و لو كان من جزء الجزء، و ما ذكر في الأخبار من الأجزاء المستقلة

______________________________

ص: 113


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الخلل حديث: 1.

و إن كان الأحوط الاعتناء ما دام في الأثناء و لم يفرغ من الغسل

______________________________

من باب المثال لا التخصيص، مع أنّ إطلاق قوله: «دخل في الإقامة» يشمل جزء الجزء أيضا.

السادسة: عدم الرجوع، و التدارك في مورد القاعدة نحو ترخيص و تسهيل، فيجوز الرجوع، و التدارك ما لم يستلزم محذورا من زيادة الركن، أو نحوها و كونه من العزيمة يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

السابعة: لا تجري القاعدة فيما إذا كان منشأ الشك وجود دهشة، أو اضطراب خاطر، أو احتمال تعمد ترك، أو نحو ذلك من سائر الجهات الخارجة عن المتعارف، للشك في شمول الأدلة، و أن المتيقن من أصالة عدم السهو و الغفلة غير ذلك.

الثامنة: قاعدة التجاوز مقدمة على استصحاب عدم الإتيان، و قاعدة الاشتغال، و تكون أصالة عدم الغفلة و السهو، و البقاء على الإرادة الأولية مقدمة عليهما أيضا، لأنّها من الأصول الموضوعية بالنسبة إليهما، و كل أصل موضوعي مقدم على غيره من الأصول، لما أثبتناه في محله (1).

التاسعة: بناء على كونها من صغريات أصالة عدم السهو و الغفلة، و البقاء على الإرادة الأولية لا اختصاص لها بمورد دون آخر الا ما خرج بالدليل، و أما بناء على كونها تعبدية فهل تختص بخصوص الصلاة، لورود الأدلة فيها، أو تجري في غيرها أيضا، لكونها من باب المورد لا التخصيص؟ مضافا إلى أن ما في بعض الأخبار: «من أنّ الشك من الشيطان»(2) و قولهم عليهم السلام: «كلّ ما شككت في شي ء و دخلت في غيره، فشكك ليس بشي ء» (3)- قاعدة كلية امتنانية غير قابلة للتخصيص بمورد السؤال فألحق بناء عليه، التعميم أيضا. و طريق الاحتياط واضح. و هناك أمور أخرى نتعرض لها في محالّها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

ص: 114


1- راجع تهذيب الأصول ج: 2 صفحة: 162 ط بيروت.
2- تقدم في صفحة 113.
3- تقدم في صفحة 113.

كما في الوضوء (34). نعم، لو شك في غسل الأيسر أتى به و إن طال الزمان، لعدم تحقق الفراغ حينئذ (35)، لعدم اعتبار الموالاة فيه، و إن كان يحتمل عدم الاعتناء إذا كان معتاد الموالاة.

مسألة 12: إذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل، ثمَّ شك في أنّه كان ناويا للغسل الارتماسي حتّى يكون فارغا

(مسألة 12): إذا ارتمس في الماء بعنوان الغسل، ثمَّ شك في أنّه كان ناويا للغسل الارتماسي حتّى يكون فارغا، أو لغسل الرأس و الرقبة في الترتيبي حتّى يكون في الأثناء، و يجب عليه الإتيان بالطرفين يجب عليه الاستئناف (36). نعم، يكفيه غسل الطرفين بقصد

______________________________

(34) لما تقدم من احتمال كون الوضوء من باب المثال.

(35) الفراغ عن الشي ء إما واقعي حقيقي من تمام الجهات، أو وجداني بأن يرى الشخص نفسه فارغا عن العمل، أو عادي ناشئ عن الملازمة و المداومة على أمر شرعي كالمداومة على الموالاة في المقام- مثلا- أو عادي ناشئ عن أمر عرفي- كما إذا جرت عادته بعد الفراغ من الوضوء على شرب الماء- مثلا- فيرى نفسه شاربا للماء و شك في شي ء من الوضوء، و مقتضى بعض إطلاقات أدلة القاعدة الموافق لأصالة عدم السهو و الغفلة و البقاء على الإرادة الأولية و عدم الصارف عنها، و كونها في مقام الامتنان و التسهيل، و بناء الشريعة المقدسة على اليسر و السهولة، شمولها لجميع الأقسام إلا الأخير، للشك في شمولها له و هو يكفي في عدم الشمول، فتجري قاعدة الاشتغال حينئذ بلا مزاحم (1).

ثمَّ إنّ حق عنوان المسألة أن يكون هكذا: (إذا شك في شي ء من الغسل جزءا أو شرطا فإن كان بعد الفراغ لا يلتفت إليه و إن كان في الأثناء و كان قبل الدخول في الغير رجع و أتى به .. إلخ)، ليتضمن حكم الشك بعد الفراغ و يشمل حكم غسل الأجزاء في الارتماسي التدريجي أيضا.

(36) أما أصل وجوب الإتيان ثانيا فلا إشكال فيه، لقاعدة الاشتغال و إنّما الكلام في طريق الإتيان، فتارة: يستأنف الغسل رأسا بنحو الارتماس المقابل

______________________________

ص: 115


1- و لكن تقدم في ج: 2 صفحة: 203 ما ينفع المقام فراجع.

الترتيبي، لأنه إن كان بارتماسه قاصدا للغسل الارتماسي فقد فرغ، و إن كان قاصدا للرأس و الرقبة فبإتيان غسل الطرفين يتم الغسل الترتيبي.

مسألة 13: إذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسي ثمَّ تبيّن له بقاء جزء من بدنه غير منغسل

(مسألة 13): إذا انغمس في الماء بقصد الغسل الارتماسي ثمَّ تبيّن له بقاء جزء من بدنه غير منغسل يجب عليه الإعادة (37) ترتيبا أو ارتماسا، و لا يكفيه جعل ذلك الارتماس للرأس و الرقبة إن كان الجزء غير المنغسل في الطرفين فيأتي بالطرفين الآخرين، لانّه قصد به تمام الغسل ارتماسا لا خصوص الرأس و الرقبة و لا تكفي نيتهما في ضمن المجموع (38)

______________________________

للترتيبي، و صحته مبنية على كفاية الارتماسي بقصد أصل غسل الجنابة و تمامه بالنسبة إلى بعض الأعضاء لإتمامها، و شمول دليل الارتماس له مشكل كما تقدم في [مسألة 10] من الفصل السابق.

و أخرى: يستأنفه بعنوان الترتيبي، فيغسل الرأس و الرقبة ثمَّ الأيمن ثمَّ الأيسر، و الظاهر صحته، لأنّ لغوية غسل الرأس و الرقبة لا يؤثر في بطلان غسل بقية الأعضاء بعد استجماعها للشرائط.

و ثالثة: بما ذكره بقوله رحمه اللّه: «نعم يكفيه .. إلخ» و لا إشكال فيه أبدا، لما ذكره «قدس سرّه».

(37) لقاعدة الاشتغال من دون حاكم عليها.

(38) بلا إشكال فيه إن كان قصد الارتماس بعنوان التقييد، لأنّ ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد. و أما إن كان قصد الارتماس طريقا إلى قصد أصل الغسل من حيث إنّه غسل، فلا وجه لعدم الكفاية، لأنّ وجوب غسل الرأس و الرقبة ضمنيّ على كلّ تقدير و تقدم أنه لا يعتبر في الغسل الارتماسي و لا الترتيبي قصد الارتماسية و الترتيبية، بل يكفي قصد الغسل فقط، و حينئذ فقد وقع الفراغ عن امتثال التكليف بغسل الرأس و الرقبة، فيكفي غسل الطرفين.

ص: 116

مسألة 14: إذا صلّى ثمَّ شك في أنّه اغتسل للجنابة أم لا

(مسألة 14): إذا صلّى ثمَّ شك في أنّه اغتسل للجنابة أم لا يبني على صحة صلاته و لكن يجب عليه الغسل للأعمال الآتية. و لو كان الشك في أثناء الصلاة بطلت لكن الأحوط إتمامها ثمَّ الإعادة (39).

مسألة 15: إذا اجتمع عليه أغسال متعددة

(مسألة 15): إذا اجتمع عليه أغسال متعددة فإما أن يكون جميعها واجبا أو يكون جميعها مستحبا أو يكون بعضها واجبا و بعضها مستحبا، ثمَّ إما أن ينوي الجميع أو البعض، فإن نوى الجميع بغسل واحد صح في الجميع (40).

______________________________

و يمكن جعل النزاع لفظيا بأنّ المراد بعدم إجزاء نيتهما في ضمن المجموع ما إذا قصد الارتماس بعنوان التقييد فقط و مورد الإجزاء ما إذا قصد أصل الغسل من حيث إنّه غسل، و حيث أنّ الغالب في الأغسال الارتماسية هو الأول- فيجعل قصد النوع الخاص مقيدا للغسل- أطلق رحمه اللّه عدم الإجزاء. ثمَّ لا يخفى أنّ في العبارة غلقا في الجملة.

(39) أما الصحة، فلقاعدة الفراغ. و أما وجوب الغسل للأعمال الآتية، فلقاعدة الاشتغال. و أما الاحتياط في الإتمام إن حصل الشك في الأثناء، فلاحتمال شمول قاعدة التجاوز لمثل هذا الشرط الذي يكون محل تحصيله قبل الشروع في الصلاة، و لكنّه مشكل، كما يأتي في كتاب الصلاة إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّه لو أحدث بالأصغر بعد ما أتى به من الصلاة وجب عليه الغسل و الوضوء و إعادة ما صلاه، فإنّه إذا اغتسل بعد صدور الحدث الأصغر و صلّى بلا وضوء يعلم إجمالا إما ببطلان صلاته التي صلاها فعلا لو كان متطهرا حين إتيان الصلاة الأولى، أو صحة هذه الصلاة و بطلان الصلاة الأولى من جهة الجنابة، فمقتضى العلم الإجمالي هو وجوب الغسل و الوضوء و إعادة الصلاة الأولى.

(40) لإطلاق النصوص الواردة في المقام كما سيأتي.

ثمَّ إنّه قد أطيل القول في مسألة التداخل في الأصول و الفقه و لا بأس

ص: 117

.....

______________________________

بتلخيص المقال فيها و البحث فيها تارة: بحسب الأصل العملي. و أخرى:

بحسب الأصل اللفظي. و ثالثة: بحسب الكلمات. و رابعة: بحسب الأخبار.

أما الأول: فمع الشك في تعدد السبب و عدمه بحسب التكليف الواقعي يكون من موارد الأقل و الأكثر تجري البراءة العقلية، و النقلية بالنسبة إلى الأكثر و يكون المفاد متحدا مع تداخل الأسباب لو ثبت ذلك. و مع إحراز تعدده و الشك في أنّ المسبب الواحد يجزي عن أسباب متعددة أم لا؟ مقتضى قاعدة الاشتغال عدم الإجزاء، و تكون النتيجة متحدة مع عدم تداخل المسبب لو ثبت، و إن شك فيهما معا، فتجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر المشكوك، و يتحد مع تداخل الأسباب.

و أما الثاني: فمقتضى ظهور تعدد السبب تعدد حدوث التكليف بالمسبب عند كلّ سبب إلا مع دليل معتبر على الخلاف سواء كانت الأسباب من صنف واحد أو لا، مع قبول المحل لتعدد المسبب و لو بالاشتداد و التضعيف نعم، لو لم يكن المحلّ قابلا له مطلقا، فهو خارج عن مورد البحث تكوينا.

و ما يمكن أن يقال في الدليل على الخلاف أمور:

منها: أنّ تعدد المسبب بتعدد السبب يوجب اجتماع المثلين بالنسبة إلى ذات المسبب و طبيعته و هو محال.

و فيه: مضافا إلى ما تقدم مكررا- من أنّ اجتماع المثلين المحال إنّما هو في الأمور الخارجية، و الأحكام أمور اعتبارية ليست من الخارجيات- أنّ تعدد الجهة يرفع المحذور لو كان محذورا في الواقع.

و منها: أنّ ظهور إطلاق دليل المسبب يقتضي الاكتفاء بمسبب واحد، لأنّ المستفاد منه أنّ المطلوب إنّما هو صرف الوجود حتى مع تعدد السبب.

و فيه: أنه كذلك لو لم تكن قرينة على الخلاف و ظهور تعدد السبب يصلح للقرينة على الخلاف، مع أنّه يقتضي مطلوبية صرف الوجود بالنسبة إلى طلب كل سبب فقط مع قطع النظر إلى المسبب.

و منها: أنّ الجملة الشرطية عند تعدد الشرط لا تدل على حدوث المسبب عند حدوث كلّ سبب، بل تدل على مجرد الثبوت فقط، و هو أعم من الحدوث

ص: 118

.....

______________________________

الحاصل بالسبب الأول و البقاء الكاشف عن الثاني، فأصل الحدوث يحصل بالسبب الأول و الباقي كاشف عنه، لا أن تكون من العلة المحدثة في شي ء.

و فيه: أنّه من مجرد الدعوى بلا شاهد، و يلزم أن تكون جملة شرطية واحدة بالنسبة إلى شخص من العلية المحدثة و بالنسبة إلى آخر من العلية الكاشفة، بل يلزم ذلك بالنسبة إلى حالات شخص واحد أيضا، و هو غريب.

و منها: أنّ المسبب واحد واقعا و إن كان متعددا صورة، فيكون من تداخل المسبب كقوله: أكرم عالما، و أكرم عادلا، و أكرم هاشميا، فلو أكرم مجمع هذه الصفات، فقد أطاع و امتثل.

و فيه: أنّه يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و المثال إنّما هو فيما إذا كان بين العناوين المنطبقة عموم من وجه، و المقام يكون المسبب شيئا واحدا قابلا للتكرار بذاته.

و منها: أنّ المسبب يحدث مع كلّ سبب تأكيدا لا تأسيسا.

و فيه: أنّه خلاف الظاهر.

و منها: أنّ الأسباب الشرعية معرفات لا أن تكون عللا حقيقة، فالسبب في الواقع واحد و المسبب يكون كذلك.

و فيه: أنه لا فرق بين الأسباب الشرعية و غيرها في أنّها قد تكون معرفات و قد تكون حقيقية، و مع عدم القرينة تحمل على الثانية مطلقا، فمقتضى الأصل اللفظي- و هو أصالة الإطلاق- تعدد المسبب بتعدد السبب بلا فرق بين ما إذا كانت الأسباب من صنف واحد أو لا. نعم، يمكن أن يقال: إنّ أهل العرف- في الأسباب المتعددة من صنف واحد مع عدم تخلل ارتفاع المسبب- يحكمون بأنّ جميع تلك الأسباب كسبب واحد و الأدلة الشرعية منزلة على المتعارف.

أما الثالث: فنسب إلى المشهور تعدد المسبب بتعدد السبب مطلقا ما لم يدل دليل على الخلاف. و إلى جمع القول. بكفاية مسبب واحد. و إلى بعض التفصيل بين اتحاد الجنس و تعدده. و الكلّ اجتهاد، و استظهار بنظرهم، لا أنّه قد وصل إليهم ما لم يصل إلينا.

ص: 119

.....

______________________________

أما الرابع: فقد وردت أخبار كثيرة دالة على إجزاء الغسل واحد عند تعدد الأسباب و اعتمد المشهور عليها.

منها: قول أبي جعفر عليه السلام: في صحيح زرارة الذي ورد لبيان قاعدة كلية: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة، و الجمعة، و عرفة، و النحر، و الحلق، و الذبح، و الزيارة، فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها، و إحرامها، و جمعتها، و غسلها من حيضها، و عيدها» (1).

و قوله عليه السلام في المستفيضة الدالة على الإجزاء للمرأة عن الحيض، و الجنابة بغسل واحد: «إذا حاضت المرأة و هي جنب أجزأها غسل واحد» (2).

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأه عنه ذلك الغسل من كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم» (3).

و منها: رواية زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: ميت مات و هو جنب كيف يغسل؟ و ما يجزيه من الماء؟ قال عليه السلام: يغسل غسلا واحدا يجزي ذلك للجنابة و لغسل الميت، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة» (4).

إلى غير ذلك من الأخبار (5). و لا بد من بيان أمور يسهل بها استفادة حكم المسألة:

الأول: الغسل- بالضم- شي ء واحد لغة و عرفا، لا تختلف خصوصياته بحسب اختلاف أسبابه. و الوضوء أيضا كذلك، فلا يختلف باختلاف أسبابه، بل الطهارة الخبثية لا تختلف باختلاف المناشئ، و الأسباب، فيصح أن يقال بقول مطلق: إنّ الطهارة الحدثية، و الخبثية لا تختلف حقيقتهما باختلاف الأسباب.

______________________________

ص: 120


1- الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 4.
3- الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 2.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
5- راجع الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت و باب: 23 من أبواب الحيض و باب 43 من أبواب الجنابة.

.....

______________________________

و المناشئ. نعم، قد يدل الدليل على اعتبار خصوصية خاصة في بعضها دون بعض كاعتبار السدر و الكافور، في غسل الميت، و اعتبار التعدد في غسل البول، و ذلك لا يوجب الاختلاف في أصل الحقيقة، كما أنّ الاختلاف من حيث الإضافة إلى الأسباب، أو الاختلاف من حيث المرتبة لا يوجب ذلك.

الثاني: مقتضى إطلاقات الأدلة و أصالة البراءة كفاية قصد الغسل فقط، لأنّ اعتبار قصد الإضافة إلى السبب، أو قصد المرتبة مشكوك، يرجع فيه إلى الإطلاق، و البراءة- كما في سائر القيود المشكوكة- و قد تقدم في [مسألة 4] من (فصل الوضوءات المستحبة) ما ينفع المقام فراجع و على فرض الاعتبار يكفي القصد الإجمالي، فيكون قصد الغسل عند الالتفات إلى أسبابه في الجملة قصدا لها أيضا، و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا القصد، بل مقتضى الأصل عدمه هذا في الأغسال الرافعة للحدث.

و أما الأغسال المندوبة أو المجتمعة منها و من الواجبة، فيدل على عدم اعتبار قصد الأسباب فيها- مضافا إلى أصالة البراءة- إطلاق قوله عليه السلام:

«إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد» (1).

الذي سيق مساق القاعدة الكلية في مثل هذا الأمر العام البلوى و قريب منه غيره من الروايات.

و دعوى: أنه ليس في مقام البيان، أو أنّه مختص بالواجبة، لعدم شمول الحق للمندوب. مردودة لكون سياقها بيان القاعدة الكلية، فلا بد و أن تكون في مقام البيان، و قد أطلق (الحق) في الأخبار على المندوبات كثيرا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «للمسلم على أخيه ثلاثون حقا» (2).

مع أنّ جملة من تلك الحقوق من الآداب و المندوبات- مع أنه قد أطلق الحق في الصحيح على الأغسال المندوبة، كما تقدم- فالمراد بالحق مطلق ما أثبته الله تعالى واجبا كان أو مندوبا، فمقتضى إطلاق مثل هذه الأخبار كفاية قصد

______________________________

ص: 121


1- تقدم في صفحة: 120.
2- راجع الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة.

.....

______________________________

مجرد الغسل فقط عند الاجتماع مطلقا.

الثالث: يمكن أن يقال: إنّ الأحداث الموجبة للغسل متحدة في أصل الحدثية و مختلفة من حيث المرتبة كاختلاف مراتب الظلمة، و الغسل يرفع تلك الظلمة بمراتبها، فيكون الداخل حينئذ عزيمة إذ لا يبقي موضوع للغسل مع الإتيان بغسل واحد جامع للشرائط، و يحتمل أن يكون رافعا للحدث في الجملة، و لكن الشارع اكتفى به. هذا في الأغسال الرافعة للحدث.

و أما المندوبة، فمنشأها إما حصول النشاط، أو الاهتمام بالزمان، أو المكان، أو العمل، أو حصول مرتبة من الطهارة، و الجميع يحصل بإتيان الغسل الرافع للحدث أيضا، فالتسهيل الذي بنيت عليه الشريعة المقدسة يقتضي التداخل فيها بعضها مع بعض و مع الأغسال الرافعة للحدث أيضا.

الرابع: قد تقدم أن مقتضى إطلاق دليل المسبب كفاية غسل واحد عند تعدد الأسباب، و أنه مع تحقق الإطلاقين يمكن تقديم إطلاق دليل المسبب و مع عدم الجزم به يسقط إطلاق دليل السبب، لاحتفاف الكلام بما يوجب الإجمال، فيرجع إلى أصالة البراءة. و أخبار المقام إما وردت مطابقة، لأصالة الإطلاق في المسبب بناء على تقديمها على إطلاق السبب، أو مطابقة لأصالة البراءة بناء على سقوط الإطلاقين، و لكن مع وجودها لا بد من العمل بها سواء طابقت مع الإطلاق أو لا، و وافقت أصالة البراءة أو لا.

الخامس: الأغسال المتداخلة تارة: واجبة و يقصد الجميع و لو إجمالا.

و أخرى: واجبة و يقصد خصوص غسل الجنابة فقط، و لا إشكال في ظهور الإطلاق، و الاتفاق في صفحة الاكتفاء بغسل واحد في الصورتين، و حصول الامتثال بالنسبة إلى الجميع في الصورة الأولى و الأداء بالنسبة إلى الجميع، و الامتثال بالنسبة إلى خصوص المقصود في الصورة الأخيرة بناء على أنّ الامتثال متوقف على قصد الأمر، و فيه بحيث تعرضنا له في الأصول.

و ثالثة: تكون مختلفة في الوجوب، و الندب مع كون المنوي غسل الجنابة و المشهور فيه الصحة و الإجزاء عن الجميع، للإطلاق الوارد لبيان القاعدة الكلية.

ص: 122

و حصل امتثال أمر الجميع. و كذا إن نوى رفع الحدث أو الاستباحة (41) إذا كان جميعها أو بعضها لرفع الحدث و الاستباحة، و كذا لو نوى القربة (42) و حينئذ فإن كان فيها غسل الجنابة لا حاجة إلى الوضوء (43) بعده أو قبله، و الا وجب الوضوء و إن نوى واحدا منها و كان

______________________________

و عن بعض عدم الإجزاء، لعدم شمول الإطلاق لهذه الصورة. و فيه: أنّه من مجرد الدعوى، فالحق مع المشهور، لما تقدم.

و رابعة: تكون واجبة مع قصد غير الجنابة من الأغسال الواجبة.

و خامسة: تكون مختلفة مع قصد غير الجنابة.

و سادسة: تكون مختلفة مع قصد بعض الأغسال المندوبة، و مقتضى الإطلاق الوارد لتأسيس القاعدة الكلية- غير القابل للخدشة- الصحة و الإجزاء في الجميع. و من استشكل في الإجزاء لا منشأ له، الا أصالة عدم التداخل بعد الخدشة في الإطلاق.

و فيه: أنه لو أمكنت الخدشة في مثل هذا الإطلاق الوارد لتأسيس القاعدة لاختل التمسك بالإطلاقات مطلقا، فالإطلاق محكم و الأصل لا مورد له مع الإطلاق إلا إذا ثبت إجماع معتبر على الخلاف و ثبوته مشكل، بل ممنوع و يأتي في وجوب سجدتي السهو، و كفارة الصوم، و الإحرام، و الحدود ما ينفع المقام.

(41) لأنّ قصد رفع الحدث أو الاستباحة عنوان لقصد الغسل الخاص المأمور به و لا فرق في كفاية قصد المأمور به بين أن يكون بنفسه أو بعنوانه المشير إليه.

(42) لأنّ قصد القربة من العناوين المشيرة إلى الجميع، فقصدها قصد للجميع.

(43) للإطلاقات الدالة على كفاية غسل الجنابة عن الوضوء الشاملة لما إذا صاحبه حدث آخر أو لا و كذا إطلاقات معاقد الإجماعات الدالة على كفايته عن

ص: 123

واجبا كفى عن الجميع أيضا على الأقوى (44) و إن كان ذلك الواجب غير غسل الجنابة و كان من جملتها، لكن على هذا يكون امتثالا بالنسبة إلى ما نوى و أداء بالنسبة إلى البقية و لا حاجة إلى الوضوء إذا كان فيها الجنابة، و إن كان الأحوط مع كون أحدها الجنابة أن ينوي غسل الجنابة (45)

______________________________

الوضوء الشاملة لهما و يظهر من إطلاق الآية الكريمة وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (1)أنّ غسل الجنابة طهارة مطلقة، و مع تحقق الطهارة المطلقة لا وجه لبقاء الحدث أكبر كان أو أصغر.

و دعوى: اختصاص الأدلة بما إذا كان غسل الجنابة منويا بالخصوص، فلا يشمل ما إذا كان منويا في ضمن غيره من الأغسال أو بعنوان العموم كمطلق رفع الحدث و الاستباحة، و قصد القربة. بلا شاهد: لأنّ ظاهر الأدلة ترتيب الأثر على مطلق غسل الجنابة و يأتي في (مسألة 25) من (فصل أحكام الحائض) ما يتعلق بالمقام.

(44) لإطلاق ما تقدم من قول أبي جعفر: «إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد» (2).

فإنّه شامل لجميع تلك الصور.

(45) للإجماع على الإجزاء حينئذ مضافا إلى الإطلاقات. و أما في غير غسل الجنابة، فالإجزاء هو مقتضى الإطلاقات أيضا، و لكن وقع الخلاف فيه، و منشأه دعوى: انصرافها إلى الجنابة، و أنّ الحكم مخالف للأصل، و لا بد و أن يقتصر على المعلوم.

و فيه: أنّ دعوى الانصراف لا وجه لها بعد ظهور كون جعل الحكم لأجل القاعدة الكلية، و التسهيل، و التيسير على الأمة و حينئذ لا وجه للتمسك بالأصل، بل ظاهر الإطلاق محكم.

______________________________

ص: 124


1- سورة المائدة: 6.
2- تقدم في صفحة: 120.

و إن نوى بعض المستحبات كفى أيضا (46) عن غيره من المستحبات و أما كفايته عن الواجب ففيه إشكال و إن كان غير بعيد (47) لكن لا يترك الاحتياط (48).

مسألة 16: الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض

(مسألة 16): الأقوى صحة غسل الجمعة من الجنب و الحائض، بل لا يبعد إجزاؤه عن غسل الجنابة، بل عن غسل الحيض إذا كان بعد انقطاع الدم (49).

مسألة 17: إذا كان يعلم إجمالا أنّ عليه أغسالا لكن لا يعلم بعضها بعينه

(مسألة 17): إذا كان يعلم إجمالا أنّ عليه أغسالا لكن لا يعلم بعضها بعينه، يكفيه أن يقصد جميع ما عليه كما يكفيه أن يقصد البعض.

المعيّن (50) و يكفي عن غير المعيّن، بل إذا نوى غسلا معيّنا و لا يعلم-

______________________________

(46) لإطلاق قوله عليه السلام: فيما تقدم: «يكفيك غسل واحد» الشامل لجميع الصور.

(47) أخذا بإطلاق الدليل و يشهد له مرسل الفقيه: «من جامع في أول شهر رمضان ثمَّ نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان إنّ عليه أن يغتسل، و يقضي صلاته و صومه الا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنّه يقضي صلاته و صيامه إلى ذلك اليوم و لا يقضي ما بعد ذلك»(1).

(48) لما نسب إلى المشهور من عدم الإجزاء، و عدم العمل بالمرسل.

(49) أما الأول، فلإطلاقات أدلة غسل الجمعة غير المشروطة بالخلو من الحدث مطلقا. و أما الأخير فقد مر الوجه فيه آنفا.

(50) أما الأول فلا إشكال فيه و هو القسم الأول من الأقسام الماضية في المسألة السابقة. و أما الأخير فيجري فيه التفصيل السابق من كونه غسل الجنابة، أو غيره واجبا أو مندوبا.

______________________________

ص: 125


1- الوسائل باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

و لو إجمالا- غيره و كان عليه في الواقع كفى عنه أيضا (51) و إن لم يحصل امتثال أمره. نعم، إذا نوى بعض الأغسال و نوى عدم تحقق الآخر ففي كفايته عنه إشكال (52)، بل صحته أيضا لا تخلو عن إشكال بعد كون حقيقة الأغسال واحدة (53)، و من هذا يشكل البناء على عدم التداخل (54) بأن يأتي بأغسال متعددة كلّ واحد بنية واحد منها، لكن لا إشكال إذا أتى فيما عدا الأول برجاء الصحة و المطلوبية.

______________________________

(51) بدعوى: أنّ الإجزاء قهري التفت إليه المكلّف أو لا، كما تقدم في رفع الحدث الأصغر، فيكون المناط كلّه القصد إلى نفس الغسل كان ملتفتا إلى السبب أو لا، و يقتضيه التسهيل في هذا الأمر العام البلوى.

(52) وجه الإشكال: إما دعوى انصراف الأخبار عن هذه الصورة، أو أنّ حقيقة الأغسال واحدة، فيرجع ذلك إلى قصد عدم الغسل في الواقع.

و فيه: أنّ الانصراف بدوي، و التكليف جهتي، فعدم قصد الغسل من جهة لا ينافي ثبوته من جهة أخرى.

(53) نسب ذلك إلى الأكثر و لا ريب في تعدد الإضافة في الغسل من حيث الجنابة، و الحيض، و النفاس، و نحو ذلك. إنّما البحث في أنّ هذه الإضافات مقومة له أو لا، مقتضى ما ارتكز في الأذهان من أنّ الإضافات خارجة عن حقيقة الشي ء مطلقا كونها هنا كذلك أيضا. و يمكن جعل النزاع لفظيا، فالوحدة بلحاظ ذات الحقيقة، و التعدد بلحاظ الإضافة و التعدد في الإضافة لا ينافي وحدة الذات و الحقيقة.

(54) لا إشكال من هذه الجهة، لفرض تعدد الإضافة، فيصح الإتيان بلحاظها. و إنّما الإشكال احتمال كون التداخل قهريا لا قصديا كما هو ظاهر ما تقدم من مرسل الفقيه.

ص: 126

.....

______________________________

تنبيه المستفاد من الأدلة عدم اختصاص الجنابة بقسميها بالمسلمين، فيعم الكفار، و الصبيان، و المجانين، لأنّ الظاهر منها أنّ الجنابة من الأسباب و الوضعيات التي لا تختص بأحد. قال في الجواهر:

«و لعل التأمل في الأدلة يشرف الفقيه على القطع بكونه من قبيل الأسباب سيما في مثل الإنزال من المجنون و كيف مع ورود قوله عليه السلام: «إنّما الماء من الماء».

و قوله عليه السلام: «فأما المنيّ فهو الذي يسترخي له العظام و يفتر منه الجسد و فيه الغسل».

و قوله عليه السلام بالنسبة إلى الوطي في دبر المرأة: «هو أحد المأتيين فيه الغسل».

و قوله عليه السلام: «إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل».

و نحو ذلك. نعم، لا تكليف بالنسبة إلى الصبي، و المجنون فعلا بالغسل و عدم التكليف لمانع، أو لعدم المقتضي أعم من عدم السبب، كما هو معلوم، فلا وجه لاستصحاب عدم حدوث الجنابة بالنسبة إلى الصبي الداخل في أحد المأتيين، أو المدخول فيه، و كذا المجنون، لأنّ ظواهر الأدلة معتبرة و هي مقدمة على الأصل، فتحقق أصل الجنابة بالنسبة إليهم مسلّم كما تقدم و لكن لا يجب الغسل بالنسبة إلى الصبي، و المجنون، لرفع القلم عنهما.

و أما الكافر، فالمشهور وجوبه عليه، لقاعدة الاشتراك التي تقدمت الإشارة إليها(1)، و على غيرهم ترتب آثار الجنابة عليهم. و البحث فيه من جهتين:

الأولى: في إثبات أصل القاعدة. و الثانية: في خصوص غسل الجنابة.

أما الأولى، فالمشهور بل لا خلاف بين العامة، و الخاصة أنّ الكفار مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالأصول. و نسب الخلاف إلى أبي حنيفة من العامة،

______________________________

ص: 127


1- سبق في ج 2: 191.

.....

______________________________

و إلى المحدّث الكاشاني و الحدائق و بعض آخر من الخاصة. و استدل على عدم تكليفهم بالفروع بأمور:

الأول: عدم الدليل عليه. و فيه: أنّ الإجماع، و عمومات أدلة التكاليف الفرعية، و ما يثبت العقاب على تركه شاملة لهم أيضا خصوصا مثل قوله تعالى:

فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ (1).

و قوله تعالى وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ(2).

و المستقلات العقلية التي قررها الشارع- كحرمة الظلم، و الزنا، و السرقة، و وجوب رد الوديعة، و حرمة الكذب، و الغيبة، و الخيانة و غير ذلك مما هو كثير- و كذا الأصول الضرورية الإسلامية. و بالجملة الكفار لا يرون أنفسهم كالبهائم بالنسبة إلى دين الإسلام، لأجل كفرهم. بل يرون أنفسهم تاركين لأصوله و فروعه، و مخالفين له فيهما.

الثاني: أنّ تكليف الكفار بالفروع من التكليف بما لا يطاق.

و فيه: ما لا يخفى، لأنّه إن أريد بتكليفهم بها بقيد الكفر، فهو مما لا يقول به عاقل فضلا عن الحكيم تعالى، و إن أريد بشرط الإسلام، فهو ممكن بلا ريب.

الثالث: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- «و من لم يؤمن باللّه و برسوله و لم يتبعه، و لم يصدقه و يعرف حقهما فكيف تجب عليه معرفة الإمام و هو لا يؤمن باللّه و رسوله- الحديث-» (3).

و فيه: أنّ غاية ما يستفاد منه أن معرفة الإمام متأخرة رتبة عن معرفة اللّه و رسوله و هو كذلك واقعا و لا يدل على عدم تكليف الكافر بالفروع بل هو مكلّف بها بشرط الإيمان بالله كتكليف المسلمين بالصلاة بشرط الطهارة، و لا يتوهم أحد أنّ من لم يتطهر ليس بمكلّف بالصلاة. نعم، الفرق بين شرط الصلاة بالطهارة،

______________________________

ص: 128


1- سورة الحجر: 92.
2- سورة فصلت: 6.
3- الوافي ج: 2 باب: معرفة الإمام حديث: 3 صفحة: 20.

.....

______________________________

و التكاليف الفرعية بالأيمان: أنّ الطهارة واجبة غيرية، و الإيمان واجب نفسي.

و لا إشكال في كون واجب نفسي شرطا لواجب نفسي آخر، كصلاة الظهر بالنسبة إلى العصر.

الرابع: الآيات و الأخبار المتكفّلة لبيان التكاليف المشتملة على المؤمنين أو المسلمين، أو نحو ذلك مما هو ظاهر الاختصاص بالمسلم و لا يشمل الكافر.

و فيه: أنّ الخطاب تشريفي لا أن يكون اختصاصيا، كما في وصية لقمان لابنه (1)، و وصية النبي صلى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام (2) و وصيته للحسن عليه السلام (3)، و لمالك الأشتر (4) إلى غير ذلك مما هو كثير و لا يتوهم متوهم اختصاصها بموردها خصوصا في الأحكام الكلية، و القوانين العامة.

و أما ما ورد من جواز بيع الميتة من استحل الميتة (5)، أو جواز أخذ ثمن الخمر و الخنزير منهم (6) فلا يدل على عدم تكليفهم بالفروع، بل هو تقرير و لا ربط لها بالمقام.

هذا، و يدل على تكليفهم بالفروع صريح صحيح محمد بن مسلم قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صدقات أهل الذمة و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتتهم. قال: عليهم الجزية في أموالهم تؤخذ من ثمن لحم الخنزير، أو خمر فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوزر ذلك عليهم و ثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم» (7) إن قلت: هل يتعدد عقاب الكفار على ترك الإيمان؟

و ترك التكاليف أو يتحد؟

______________________________

ص: 129


1- الوافي ج: 14 باب: 22 من أبواب المواعظ. صفحة: 84.
2- الوافي ج: 14 باب: 14 من أبواب المواعظ صفحة: 46.
3- نهج البلاغة: 38 من أبواب حكمه عليه السلام ج: 3 صفحة: 160.
4- نهج البلاغة: 53 من أبواب الكتب ج: 3 صفحة: 92
5- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب ما يكتسب به.
6- الوسائل باب: 60 من أبواب ما يكتسب به.
7- الوسائل باب: 70 من أبواب جهاد العدو.

.....

______________________________

قلت: يمكن التعدد بنحو الاشتداد و اللّه تعالى أعلم بما يفعل بهم. و يأتي في قاعدة الجب بعض ما ينفع المقام.

الجهة الثانية: و هو وجوب غسل الجنابة على الكافر، فتدل عليه العمومات و الإطلاقات، مضافا إلى قاعدة الاشتراك على ما تقدم. و نوقش في وجوب غسل الجنابة عليه:

أولا: أنّه متوقف على قصد القربة، و هو لا يحصل منه، فيكون التكليف باطلا.

و فيه: مضافا- إلى أنه يمكن قصد القربة من الكفار الذين يعتقدون بالخالق- أنّه مشروط بالنسبة إليه بإسلامه كاشتراطه بطهارة الماء و إباحته. و سائر الشرائط، فلا محذور في البين من هذه الجهة.

و ثانيا: بأنّه نجس، فلا يصح منه الغسل، لاعتبار طهارة محالة، فيكون التكليف بغير المقدور. و هو قبيح و باطل بالضرورة، بل محال بالنسبة إليه تعالى، لاستحالة صدور القبيح منه عز و جل كما ثبت في محلّه.

و فيه أولا: أنّه يمكن الاغتسال بالمعتصم و لا بأس به.

و ثانيا: أنّه مشروط بالنسبة إليه بالإسلام و يمكنه تحصيل الشرط بلا محذور في البين.

و ثالثا: بأنّه لم يعهد من النبيّ صلى اللّه عليه و آله أمر من أسلم بغسل الجنابة.

و فيه: مضافا- إلى أنّ العرب كانوا يغتسلون من الجنابة كما ورد في الأخبار (1) و قررهم النبي صلى اللّه عليه و آله على ذلك لمصالح كثيرة- أنّه يلزمهم عقلهم بتعلّم الأحكام و قد بين اللّه تعالى وجوب الغسل في الكتاب، فلا وجه بعد ذلك لتكليف النبي، مع أنّه روي أنّه صلى اللّه عليه و آله أمر بعض من أسلم بالغسل (2)، و أنّ الغسل عند إرادة الإسلام كان معروفا عند المسلمين، و يمكن أن

______________________________

ص: 130


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الجنابة حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب الأغسال المسنونة حديث: 4 و 5.

.....

______________________________

يكون هذا إحدى حكم استحباب غسل التوبة الشامل للتوبة عن الكفر أيضا.

فروع- (الأول): الظاهر أنّ استحقاق العقاب من حين حصول المعصية، لعلية العصيان للاستحقاق. و يمكن القول بأنه من حين ترك المقدمة بانيا عليه و على ترك ذي المقدمة، لأنّ ذلك علّة لتحقق العصيان عرفا أيضا فيرى العرف الكافر مع بنائه على البقاء على كفره قبل الظهر- مثلا- عاصيا لصلاة الظهر من حيث تلبسه بالكفر عند العصيان و بناؤه عليه، كمن جعل نفسه فاقدا للطهورين عمدا قبل الوقت.

(الثاني): يجري جميع ما قلناه في الكافرة بالنسبة إلى جنابتها، و حيضها، و نفاسها، و استحاضتها.

(الثالث): لو ارتد شخص ثمَّ عاد و قلنا بقبول توبته، كما مر (1) فهو مسلم يجري عليه أحكام الإسلام، و إن قلنا بعدم قبول توبته، فالظاهر عدم تكليفه بالفروع، لأنّه يصح فيما إذا أمكنه الخروج عن عهدته، و المفروض عدم الإمكان مع عدم قبول التوبة. لأنّه حينئذ تكليف بغير المقدور قطعا.

(الرابع): لو اغتسل من الجنابة ثمَّ ارتد يصح غسله و لا يبطل بارتداده فلو عاد إلى الإسلام يجوز له أن يصلي بذلك الغسل ما لم يحدث. و كذا الكلام في الوضوء و التيمم.

(الخامس): لو اغتسل الكافر في حال كفره و حصل منه قصد القربة، يظهر من المشهور عدم الصحة و لا دليل لهم عليه إلا بعض الآيات (2) و الروايات (3).

و فيه: أنّ دلالتها على عدم القبول مسلمة. و أمام عدم الصحة، فمشكل.

(السادس): لو اغتسل المخالف ثمَّ استبصر لا يجب عليه إعادة الغسل، للإجماع، و صحيح ابن خالد: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمَّ من اللّه عليه و عرّفه الولاية، فإنّه يؤجر عليه- الحديث-» (4).

______________________________

ص: 131


1- ج: 1 صفحة: 355.
2- سورة التوبة: 54.
3- راجع الوسائل باب: 29 من أبواب مقدمة العبادة.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادة.
فصل في الحيض
اشارة

(فصل في الحيض)

فصل في صفاته و شرائطه
اشارة

فصل في صفاته و شرائطه و هو دم خلقه اللّه- تعالى- في الرحم لمصالح (1)، و هو في الغالب (2) أسود أو أحمر، غليظ، طري، حار يخرج بقوة و حرقة (3).

(فصل في الحيض)

______________________________

الحيض: حالة طبيعية للنساء تعرضهنّ غالبا في كلّ شهر، يوجب خروج الدم من الرحم في حد مخصوص من السن بين البلوغ و اليأس، و له عوارض تكوينية كثيرة، و أحكام شرعية. و كثرة عوارضه التكوينية أوجبت كثرة أحكامه الشرعية.

(1) عمدتها ترجع إلى مصلحة الجنين- كما تشهد بذلك الأخبار (1) و الآثار- فما دام الجنين في الرحم يصرف الدم في نموه، و إذا خرج يبدل اللّه- تعالى- صورة الدم إلى اللبن، فيصرف في غذائه و مع فراغ المرأة عن الجنين، و الرضيع، يقذف الرحم الدم إلى الخارج.

(2) الظاهر عدم إمكان التحديد الحقيقي له، لاختلافه اختلافا فاحشا بحسب الأمزجة، و الصحة، و المرض، و الأغذية، حتّى الفصول و الحالات و مراتب السن و غير ذلك مما لا يحصى، فالصفات المذكورة لا محالة تكون غالبية و هي ليست تعبدية شرعية، بل تكوينية تعرفها جميع النساء قررها شرع الإسلام، كما تقدم في صفات المنيّ، و نحوه من موضوعات الأحكام.

(3) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح حفص: «إنّ دم الحيض

______________________________

ص: 132


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 13 و 14.

كما أنّ دم الاستحاضة بعكس ذلك، و يشترط أن يكون بعد البلوغ و قبل اليأس (4)، فما كان قبل البلوغ أو بعد اليأس ليس بحيض

______________________________

حار عبيط أسود له دفع و حرارة، و دم الاستحاضة أصفر بارد» (1).

و قوله عليه السلام أيضا: «إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي و ان كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء» (2).

و قوله عليه السلام: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش» (3)و المراد من العبيط هو الطري. و أما الغلظة فليس منها في الأخبار عين و لا أثر. و إنّما ذكرها جمع، و لعلهم استفادوها مما ورد في دم الاستحاضة من أنّه دم رقيق، فالمقابلة- بين دم الحيض و دم الاستحاضة- تقتضي الغلظة في دم الحيض. و لا يخفى أنّ للغلظة و الرقة مراتب كثيرة متفاوتة، لأنّهما من الأمور الإضافية. و المراد بالقوة هو الدفع الذي ذكر في صحيح حفص. و تقدم أنّ هذه الأمارات ليست تعبدية، بل هي من اللوازم التكوينية الغالبية لدم الحيض عند جميع النساء و هن أعرف بعروض تلك الحالة من غيرهنّ، و لذا قال الصادق عليه السلام: «إنّ دم الحيض أسود يعرف» (4)، فأوكله إلى معروفيته لدى النساء و في خبر آخر: «دم الحيض ليس به خفاء» (5).

إلى غير ذلك من الأخبار التي يأتي بعضها.

(4) نصا و إجماعا قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن الحجاج:

«ثلاث يتزوجن على كلّ حال. و عد منها التي لم تحض و مثلها لا تحيض- قال:

قلت: و ما حدها؟ قال عليه السلام: إذا أتى لها أقل من تسع سنين- و التي لم

______________________________

ص: 133


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 16.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 2.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

و إن كان بصفاته. و البلوغ يحصل بإكمال تسع سنين (5). و اليأس ببلوغ ستين سنة في القرشية، و خمسين في غيرها (6)، و القريشة: من انتسبت إلى نضر بن كنانة (7) و من شك في كونها قرشية يلحقها حكم

______________________________

يدخل بها، و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض. قال: قلت: و ما حدها؟ قال عليه السلام: إذا كان لها خمسون سنة» (1).

و هذا أيضا من اللوازم التكوينية التي قررها الشارع. و لا يخفى قصور العبارة فإنّها تشمل الدم المقارن للبلوغ، و أنّه ليس بحيض مع ظهور التسالم على أنّه حيض.

(5) إجماعا، و نصا كما تقدم في صحيح ابن الحجاج.

(6) على المشهور، بل نسب إلى الأصحاب، لقول أبي عبد اللّه عليه السلام فيما تقدم من صحيح ابن الحجاج و في خبر ابن أبي عمير: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش» (2).

و عنه عليه السلام أيضا في خبر الحجاج: «إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من الحيض و مثلها لا تحيض»(3).

المحمول على القرشية جمعا بينهما، لشهادة المرسل المقبول: «أنّ القرشية من النساء و النبطية تريان الدم إلى ستين سنة» (4).

(7) أرسل ذلك إرسال المسلّمات في الفقه، و اللغة، و عن بعض أنّ قريش هو فهر بن مالك، و عن آخر أنّه قصي. و يمكن الجمع بين الكلمات بأنّ أصل الانتساب حديث من زمان نضر، و الاشتهار و الشيوع حدث من زمان الأخيرين، و في بعض المجامع أنّ قصي جمع شمل قريش و كانت له رئاستهم و سيادتهم، و يظهر منه أنّهم كانوا قبله قبائل متفرقة جمعهم قصي كما يظهر من بعض التواريخ

______________________________

ص: 134


1- الوسائل باب: 2 من أبواب العدد حديث: 4.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 2.
3- الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 8.
4- الوسائل باب: 31 من أبواب الحيض حديث: 9.

غيرها (8). و المشكوك البلوغ محكوم بعدمه، و المشكوك يأسها كذلك (9).

مسألة 1: إذا خرج ممن شك في بلوغها دم و كان بصفات الحيض يحكم بكونه حيضا

(مسألة 1): إذا خرج ممن شك في بلوغها دم و كان بصفات الحيض يحكم بكونه حيضا، و يجعل علامة على البلوغ بخلاف ما إذا كان بصفات الحيض و خرج ممن علم عدم بلوغها فإنّه لا يحكم بحيضيته و هذا هو المراد من شرطية البلوغ (10).

______________________________

و لا اثر لهذا النزاع في هذه الأزمان، بل و ما قبلها إذ لا يعرف من القرشية إلا الهاشمية فقط كما هو معلوم.

و عن جمع منهم المفيد إلحاق النبطية بالقرشية و نسب إلى المشهور أيضا و لا مدرك لهم إلا ما تقدم من المرسل معتضدا بإطلاق الستين فيما مر من خبر الحجاج، و لكن المرسل قاصر سندا، و الشهرة غير متحققة و إطلاق الستين مقيد بخبر ابن أبي عمير ثمَّ إنّه قد ذكر في نهاية الأرب: «أنّ أهل عمان عرب استنبطوا، و أهل بحرين نبط استعربوا» و لكن اعتبار قوله يحتاج إلى دليل.

(8) لأصالة عدم الانتساب التي هي من الأصول العقلائية، فإنّهم لا يرتبون آثار الانتساب إلى قبيلة عند الشك فيه إلا إذا ثبت الانتساب إليها بطريق معتبر و لا ملزم لإرجاعها إلى الاستصحاب حتّى يقال: إنّه ليس لها حالة سابقة إلا بناء على جريان الأصل في الأعدام الأزلية و هو محلّ البحث و ذلك لأنّ أصالة عدم الانتساب في نفسها أصل مستقل معتبر كأصالة الاحترام في العرض، و المال، هذا مع أنّه قد حقق في محلّه صحة الاستصحاب في العدم الأزلي أيضا.

(9) للأصل فيهما، فلا يكون الدم الخارج منها حيضا في الأول، بخلاف الثاني.

(10) إن علم عدم البلوغ فلا وجه لجعل الحيض علامة له، لأنّ العلامة تتبع في مورد التردد، و كذا إن علم البلوغ. نعم، لو كان البلوغ مشكوكا و كان الدم واجدا لصفات الحيض، فيكون أمارة عليه إجماعا.

ص: 135

.....

______________________________

و عن بعض: إنّ الحيض بنفسه بلوغ، و لو علم بعدم إكمال تسع سنين، فيكون دم الحيض بالنسبة إلى الصبية كخروج المنيّ بالنسبة إلى الصبيّ، لإجماع الغنية، و مرسل الفقيه: «على الصبي إذا احتلم الصيام، و على المرأة إذا حاضت الصيام» (1).

و خبر يونس بن يعقوب: «لا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار» (2).

و موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال عليه السلام: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة فان احتلم قبل ذلك، فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم. و الجارية مثل ذلك إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك، فقد وجبت عليها الصلاة و جرى عليها القلم» (3).

و الكل مخدوش، لأنّ الأول موهون بكثرة المخالف، و معلومية مدركه و الثاني مضافا- إلى قصور سنده- مقيّد بما دل على أنّه لا حيض قبل إكمال تسع سنين و كذا خبر يونس. و الأخير مطروح، لاشتماله على ما لا يقول به أحد.

و بالجملة: ما يدل على أنّه لا حيض قبل إكمال تسع سنين (4) حاكم على جميع ما ذكر على فرض الاعتبار و الدلالة.

و أما الإشكال عليه بالدور، لأنّ الحيض متوقف على البلوغ توقف المشروط على شرطه، و البلوغ متوقف عليه توقف المكشوف على كاشفة، و هو دور.

ففيه أولا: إمكان كون كلّ من البلوغ، و الحيض معلولا لعلة أخرى و لم يكن بينهما معلولية أبدا.

و ثانيا: أنّ الحيضية متوقفة على البلوغ توقف المعلول على علته، و البلوغ متوقف على الحيض توقف المكشوف على كاشفة، فالتوقف من طرف الحيض

______________________________

ص: 136


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب لباس المصلي حديث: 4.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 12.
4- الوسائل باب: 44 من أبواب الوصايا حديث: 12.
مسألة 2: لا فرق في كون اليأس بالستين أو الخمسين بين الحرة و الأمة

(مسألة 2): لا فرق في كون اليأس بالستين أو الخمسين بين الحرة و الأمة، و حار المزاج و باردة، و أهل مكان و مكان (11)

مسألة 3: لا إشكال في أنّ الحيض يجتمع مع الإرضاع و في اجتماعه مع الحمل قولان

(مسألة 3): لا إشكال في أنّ الحيض يجتمع مع الإرضاع و في اجتماعه مع الحمل قولان، الأقوى أنه يجتمع معه (12) سواء كان قبل

______________________________

ثبوتي و من طرف البلوغ و إثباتي و تختلف جهة التوقف، فلا دور في البين، فيكون تقرير أصل الدور جوابا عنه أيضا.

فتلخص مما تقدم: أنه لا يحكم بحيضية دم خرج مع العلم بعدم البلوغ، أو العلم باليأس، و يشهد لما قلناه ما أثبتوه في حالات النساء في التشريحات الحديثة من تحديد معيّن لزمان خروجه حدوثا و بقاء.

(11) لإطلاق الأدلة الشامل للجميل.

(12) المرأة إما خالية عن الإرضاع و الحمل، أو متصفة بهما معا، أو بالأول دون الأخير، أو بالعكس، و مقتضى الوقوع الخارجي أنّها في جميع تلك الحالات قد ترى الحيض نادرا، و تكون أندر إن اتصفت بهما معا، و يدل على اجتماع الحيض مع جميع تلك الحالات، إطلاق أدلة الصفات و العادات.

و أما الأخبار الخاصة فهي أقسام:

منها: الصحاح الكثيرة المعمول بها عند المشهور الدالة على اجتماع الحيض مع الحمل، كصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الحبلى ترى الدم أ تترك الصلاة؟ فقال عليه السلام: نعم، إنّ الحبلى ربما قذفت بالدم» (1).

و إطلاقها يشمل ما إذا كان الحمل مع الإرضاع أيضا.

و منها: ما يظهر منه عدم اجتماع الحيض مع الحمل، كصحيح ابن المثنى: «سألت أبا الحسن الأول عن الحبلى ترى الدفقة و الدفقتين من الدم في

______________________________

ص: 137


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 1.

.....

______________________________

الأيام و في الشهر و الشهرين فقال عليه السلام: تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة»(1).

و فيه: أنّ ظاهر الدفقة و الدفقتين عدم كونهما مستمرة إلى ثلاثة أيام، فليست بحيض، لعدم استجماعهما لشرائط الحيض، فيكون مورد الصحيح من التخصيص لا التخصيص، و كخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «قال النبي صلى اللّه عليه و آله: ما كان اللّه ليجعل حيضا مع حبل.

يعني: إذا رأت الدم و هي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق و رأت الدم ترك الصلاة» (2).

و فيه: مضافا إلى قصور سنده و وهنه بالإعراض يمكن حمله على الغالي، و على ما إذا كان الدم فاقدا للصفات و الأمارات.

و استدل أيضا بما دل على استبراء الجواري و السبايا بحيضة (3) و لو أمكن الاجتماع لا وجه للاستبراء، و بالإجماع على صحة طلاق الحامل، مع بطلان طلاق الحائض.

و يرد الأول: بأنه حكم الظاهري جعل تسهيلا على الناس و يترتب أثر الحمل بعد تبيّن الخلاف كما في جميع موارد تبيّن الخلاف في الأحكام الظاهرية.

و الثاني: بأنّه لو لم يكن تخصيصا لما دل على بطلان طلاق الحائض، فلا وجه للاستناد إلى هذه الوجوه في مقابل ما تقدم من الصحاح المحكمة، بل الوقوع الخارجي في الجملة.

و منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض من الدم قال: تلك الهراقة من الدم إن كان دما أحمر كثيرا، فلا تصلي و إن كان قليلا أصفر، فليس عليها إلا الوضوء» (4) و استند إليه الشيخ رحمه اللّه في الجمع بين القسم الأول من الأخبار

______________________________

ص: 138


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 8.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 12.
3- راجع الوسائل باب: 10 و 17 من أبواب نكاح العبد و الإماء.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 16.

.....

______________________________

بحملها على ما بعد الاستبانة، و القسم الثاني بحملها على ما قبلها و فيه: أنّ الاستبانة مذكورة في كلام السائل و المعروف في المحاورات أنّ مورد السؤال لا يكون مخصصا، لإطلاق الجواب إلا مع وجود دليل عليه من الخارج و هو مفقود، فيكون هذا الجمع من الجمع التبرعي.

و منها: صحيح الصحاف: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ أم ولدي ترى الدم و هي حامل، كيف تصنع بالصلاة؟ فقال عليه السلام لي: إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فإنّ ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث، فلتتوضأ و تحتشي بكرسف و تصلي، و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر فإنّه من الحيض، فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها، فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك فلتغسل و لتصلّ» (1).

و قد عمل به الشيخ رحمه اللّه في النهاية و كتابي الحديث، فأفتى بأنّ ما تراه بعد العادة بعشرين يوما ليس بحيض.

و فيه: أنّه ليس في مقام بين الحكم الواقعي في مقابل ما تقدم من الصحاح المحكمات، و ليس لعدد العشرين موضوعية قطعا و إنّما هو من القرائن الاستظهارية لنفي الحيضية، كما أنّ ما ذكره عليه السلام بقوله: «و إذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت- الحديث» كذلك أيضا.

فالصحيح من أوله إلى آخره في مقام بيان القرائن التي يستظهر منها الحيضية و ما يستظهر منها عدمها بحسب العادة المتعارفة بين النساء.

و منها: موثق عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم و اليومين؟ قال عليه السلام: إن كان دما عبيطا فلا تصلّ

______________________________

ص: 139


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 3.

الاستبانة أو بعدها (13)، و سواء كان في العادة أو قبلها أو بعدها.

نعم، فيما كان بعد العادة بعشرين يوما الأحوط الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة (14).

مسألة 4: إذا انصب الدم من الرحم إلى فضاء الفرج و خرج منه شي ء في الخارج

(مسألة 4): إذا انصب الدم من الرحم إلى فضاء الفرج و خرج منه شي ء في الخارج و لو بمقدار رأس إبرة لا إشكال في جريان أحكام الحيض (15)، و أما إذا انصب و لم يخرج بعد- و إن كان يمكن إخراجه

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 3، ص: 140

______________________________

ذينك اليومين، و إن كان صفرة، فلتغتسل عند كل صلاتين» (1).

و قريب منه غيره (2)، و حكي عن الفقيه الاعتماد عليه، فحكم بحيضة واجد الصفة دون فاقدها، و له وجه عند التردد و التحير بحيث سقطت أمارية العادة عن الاعتماد عليها لديهن من جهة غلبة عدم رؤية الحامل للدم، و اختلال العادة في زمان الحمل.

و الباب القول: أنّ الحيض للحامل واقع خارجا و اختلال العادة، بل الأمارات حاصل، و لذا اختلفت الروايات فيه، فما يثبته فإنّما هو باعتبار أصل وقوعه في الجملة، و ما ينفيه، فباعتبار الجهات الخارجية لانّه تخرج العادة و الأمارات عن الانضباط مع وجود الحمل غالبا. و تشهد بذلك التشريحات الحديثة لدماء النساء كما لا يخفي على من راجع الكتب المعدة لذلك.

(13) لإطلاق القسم الأول من الأخبار الصحيحة المعمول بها عند الأصحاب.

(14) إن حصل لها الاطمئنان بأحدهما من الجهات الخارجية، تعمل بما تطمئن به، و إن حصل لها العلم الإجمالي بتردد الدم بين الحيض و الاستحاضة، فالاحتياط موافق للقاعدة و إلا فمنشأه ما تقدم من صحيح الصحاف.

(15) لتحقق الموضوع، فيشمله الدليل قهرا سواء كان الخروج بالطبع أو

______________________________

ص: 140


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 16

بإدخال قطنة أو إصبع- ففي جريان أحكام الحيض إشكال (16)، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أحكام الطاهر و الحائض (17) و لا فرق بين أن يخرج من المخرج الأصلي أو العارضي (18).

مسألة 5: إذا شكت في أنّ الخارج دم أو غيره دم

(مسألة 5): إذا شكت في أنّ الخارج دم أو غيره دم أو رأت دما في ثوبها و شكت في أنّه من الرحم أو من غيره- لا تجري أحكام الحيض (19). و إن علمت بكونه دما و اشتبه عليها، فإما أن يشتبه بدم الاستحاضة أو بدم البكارة أو بدم القرحة (20)، فإن اشتبه بدم

______________________________

(1) باستعمال شي ء يوجب خروج الدم من دواء، أو إبرة، أو غيرهما، للإطلاق الشامل لهما.

(16) من الأصل و إنّ أحكام الحدث- أصغر كان أو أكبر- إنّما تترتب على ما إذا خرج إلى خارج الجسد لا على مجرد الانتقال من محل إلى آخر، فلا موضوع لجريان أحكام الحيض. و من أنّ فضاء الفرج خارج بالنسبة إلى الرحم، مع الاتفاق نصّا، و فتوى على أنّه لو انقطع الدم من الخارج، و شكت في البقاء في الفضاء و عدمه تستبرئ على ما يأتي من التفصيل في [مسألة 23] فيمكن أن يستفاد منه أنّ فضاء الفرج خارج بالنسبة إلى الدم الذي يخرج من الرحم مطلقا من حيث الحدوث و الانقطاع، و لكن استفادة هذه الكلية مشكلة في مقابل الأصل.

(17) للعلم الإجمالي المردد بينهما.

(18) لإطلاق الأدلة الشامل لهما، و قد تقدم التفصيل في الجنابة و التخلي.

(19) لأصالة الطهارة عن حدث الحيض في الموردين، و أصالة عدم الخروج من الرحم في الأخير، و لكنّه نجس على كلّ حال.

(20) الدماء التي تخرج من الفرج ستة: لأنها إما دم حيض، أو استحاضة، أو عذرة، أو قرحة، أو نفاس، أو مخاض و حيث إنّ الأخيرين لا يعرض فيهما الاشتباه تعرضوا لموارد الاشتباه بالثلاث.

ص: 141

الاستحاضة يرجع إلى الصفات (21) فإن كان بصفة الحيض يحكم بأنّه

______________________________

(21) على تفصيل يأتي في [مسألة 23]، و ما يذكر في حكم تجاوز الدم عن العشرة، و يدل على اعتبار أصل الصفات مضافا- إلى النص، و الإجماع- أنّ التميز بالصفات عند التردد، و الاشتباه من الفطريات البشرية في كل شي ء، و لا يختص بمورد خاص و شي ء مخصوص، فالإجماع، و النص يرشدان إلى حكم الفطرة لا أن يكون تعبدا شرعيا.

ثمَّ إنّ الحيض من الأمور الطبيعية للنساء في جميع الأعصار و الأزمان و كلّ مذهب و ملة و مقتضى سلامة مزاجهنّ خروجه في دور خاص، و بكمية معينة، و كيفية مخصوصة و مع الاختلال في السلامة يختل ذلك أيضا إما في تمام الجهات، أو في بعضها، فيثبت الاشتباه و يتحقق موضوع التميز و الرجوع إلى الصفات حينئذ. و صفات كل من الحيض، و الاستحاضة معروفة لديهنّ- كمعروفية صفات المنيّ عند الرجال- و يشهد له قول الصادق عليه السلام: «دم الحيض ليس به خفاء» (1).

و عنه عليه السلام أيضا في خبر البختري (2): «دخلت امرأة على أبي عبد اللّه عليه السلام فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره؟ فقال عليه السلام: إنّ دم الحيض حار- إلى أن بيّن عليه السلام لها صفات الدم- فخرجت و هي تقول: و اللّه أن لو كان امرأة ما زاد على هذا» و في موثق ابن جرير: «فالتفتت إلى مولاتها فقالت؟ أ تراه كان امرأة مرة؟» (3).

إلى غير ذلك مما يدل على كون الصفات معروفة لديهنّ و من المعلوم أنهنّ أعرف بسلامة مزاجهنّ و فساده من جهة الدم، فيعرفن صفات دم الاستحاضة عند فساد المزاج أيضا و هذا بالنسبة إلى من رأت منهنّ الدم مرات لا إشكال فيه.

______________________________

ص: 142


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

.....

______________________________

و أما من كان أول رؤيتها له، فإن حصل لها التردد، فترجع طبعا إلى غيرها في معرفة الصفات، من أمها، و أختها، و نحوهما، و هذه أيضا سيرة متعارفة بينهنّ، و حيث إنّ الشارع بيّن تلك الصفات الواقعية، و اللوازم الطبيعية تسهيلا على النساء و دفعا للوسوسة عنهنّ، و نحن نلخّص جملة منها في ضمن أمور- تكون كالقواعد الكلية في دماء النساء- و نتعرّض لجملة أخرى منها في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى.

الأول: نسب إلى المشهور أنّه لا يستفاد مما ورد في التمييز بين دم الحيض، و الاستحاضة قاعدة كلية، لأنها ليست في مقام التشريع، و لأنّ موردها مستمرة الدم، أو المبتدئة فلا تعم جميع الموارد.

و فيه: أنّه لا إشكال في كونها في مقام التشريع و لو إمضاء، و الأصل في بيانات الشارع أن تكون في مقام التشريع الا مع الدليل على الخلاف و كون موردها مستمرة الدم، أو المبتدئة لا ينافي استفادة الكلية منها، لأنّ المورد لا يكون مخصصا- كما هو المعروف- و ذكر المستمرة، و المضطربة، و نحوهما من باب المثال لمطلق الاشتباه لا لخصوصية فيها، مع أنّ عموم البلوى بها للنساء و بناء الشارع على الاهتمام بالبيان في مثل هذه الأمور يقتضي أن يبيّن ضابطة كلية يرجع إليها عند الشك و الاشتباه.

الثاني: قد تقدمت صفات الحيض في أول الفصل. و أما صفات الاستحاضة فهي بخلافها نصّا و فتوى كما يأتي في (فصل الاستحاضة) و قد يذكر الرائحة أيضا من المميزات، فذو الرائحة الكريهة حيض و فاقدها استحاضة و ليس لها أثر في الأخبار و إن كان يشهد لها التجربة، و الاعتبار فتصلح للتميز خصوصا لو حصل الاطمئنان.

الثالث: قال في الجواهر: «قد يحصل الاطمئنان في الحيضية من ملاحظة لوازمه العرفية في بعض الأوقات و لا بأس بالاعتماد عليه و إن لم ينص عليها بالخصوص». و ما أحسن ما قاله رحمه اللّه، لأنّ ما ورد في النصوص ليس من التعبد في شي ء، بل من باب الطريق الغالبي لكشف الواقع، فيصح بكلّ ما كشف ذلك.

ص: 143

.....

______________________________

الرابع: لا اعتبار بالصفات العارضية، فلو أوجد صفات دم الحيض في دم الاستحاضة، أو بالعكس، بالأدوية الحديثة لا أثر له، بل المدار حينئذ على الواقع، لظهور الأدلة في الصفات الذاتية النفسية.

الخامس: مورد التردد بين دم الحيض و الاستحاضة الدم الخارج من الرحم، فلو فرض سد الرحم، أو قلعه بالوسائل الحديثة، فلا مورد لهذا الفرع.

السادس: من المسلّمات عند الفقهاء أنّ كلّ دم كان متصفا بأوصاف الحيض فهو حيض، و كلّما ليس كذلك فهو استحاضة، و جعل ذلك أصلا معتبرا فيهما، فالأصل الأولي في دماء النساء الحيضية، و الأصل بعد عدم الحيضية في دمائهنّ الاستحاضة، و يأتي تفصيل الأصلين إن شاء اللّه تعالى.

السابع: لا ريب أنّ للرحم أحوالا متفاوتة، و إعراضا كثيرة، و للدم الخارج منها إقبال و إدبار، و شدة و ضعف، عبّر عن حالة إقبال الدم في الأخبار بالحيض و عن حالة إدباره بالاستحاضة، و هو الموافق للاعتبار أيضا.

الثامن: علامات الحيض ليست في عرض واحد شرعا و عرفا و اعتبارا بل بعضها مقدمة على الأخرى، فالعادة أقوى الأمارات متقدمة على غيرها، كما يأتي في [مسألة 15].

التاسع: علامات الدماء الستة الخارجة عن المحل ليست تعبدية شرعية بل هي تكوينية دلت عليها التجربة و العلوم الحديثة. و لكن النساء، بل الناس يغفلون عن تعرف الموضوع فضلا عن الحكم، و لمعرفة الموضوع أهل خبرة لا بد من الرجوع إليهم إن لم يكن الشخص عارفا به.

العاشر: أنّه ورد في صحيح ابن حماد الفرق بين دم الحيض و العذرة و نبيّن بعض كلماته. قال خلف بن حماد: «دخلت على موسى بن جعفر عليه السلام بمنى فقلت له: إنّ رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام و إنّ القوابل اختلفن في ذلك، فقال بعضهنّ: دم الحيض. و قال بعضهنّ: دم العذرة- الحديث-» (1)

______________________________

ص: 144


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 1

.....

______________________________

جارية معصرة: أي أشرفت على الحيض. و العذرة: غشاء البكارة و الجمع عذر، كغرفة و غرف. و امرأة عذراء كحمراء: أي البكر، و الجمع عذارى كسكارى قال الصادق عليه السلام: «دفن في الحجر مما يلي الركن الثالث عذارى بنات إسماعيل» (1)و في حديث بنت يزدجرد «دخلت المدينة فأشرف لها عذارى المدينة و أشرق المسجد بضوئها».

الحادي عشر: أقسام النساء بالنسبة إلى دم الحيض ثمانية: 1- المبتدئة.

2- ذات العادة الوقتية و العددية معا. 3- ذات العادة الوقتية فقط. 4- ذات العادة العددية فقط. 5- الناسية للوقت و العدد معا. 6- الناسية للعدد فقط.

7- الناسية للوقت فقط. 8- المضطربة و هي التي رأت الدم مكررا و لم تستقر لها عادة، و قد تطلق المضطربة على المبتدئة و الناسية هذه أصول الأقسام، و لا ثمرة في التقسيم الموضوعي قلّ أو كثر، تداخل بعض الأقسام أو لا، بعد استفادة أحكامها من القواعد و الأخبار على ما يأتي من التفصيل ان شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّه قال الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله سنّ في الحيض ثلاث سنن بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي- الحديث-» (2).

و لا بد و أن يكون كذلك لاهتمامه صلى اللّه عليه و آله بما يختص بنساء أمته خصوصا فيما يعرضهنّ في كلّ شهر، و السنن التي سنّها صلى اللّه عليه و آله مذكورة في مرسل يونس- كما سيجي ء، و شرحها أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام شرحا عرفيا وافيا. و أصل القضية مذكور في صحاح العامة أيضا كالبخارى و غيره (3) و خبر يونس مذكور بتمامه في الكافي و التهذيب و ذكره كذلك في الوافي و شرحه في الجملة، فيا ليت الفقهاء جعلوه أصلا من الأصول و جعلوا سائر الأخبار كالشرح بالنسبة إليه.

______________________________

ص: 145


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الطواف حديث: 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 1.
3- راجع البخاري ج: 1 كتاب الحيض: باب الاستحاضة و ما بعده.

حيض و إلا فإن كان في أيام العادة، فكذلك و إلا فيحكم بأنه استحاضة (22) و إن اشتبه بدم البكارة تختبر بإدخال قطنة في الفرج و الصبر قليلا ثمَّ إخراجها، فإن كانت مطوفة بالدم فهو بكارة، و إن كانت منغمسة به فهو حيض (23)، و الاختبار المذكور واجب فلو صلّت

______________________________

(22) يأتي تفصيل هذا الإجمال في المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى.

(23) نصا، و إجماعا فيهما، و يشهد له الاعتبار أيضا، فإنّ غشاء البكارة ملصقة بأطراف داخل الفرج من تمام الجوانب، فمع زوالها تتلطخ القطنة لا محالة. و أما دم الحيض فيخرج من الرحم، فيثقب فيها قهرا قال أبو الحسن عليه السلام في صحيح خلف: «تستدخل القطنة ثمَّ تدعها مليا ثمَّ تخرجها إخراجا رقيقا، فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة، و إن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض- الحديث-» (1).

و قريب منه صحيح ابن سوقة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم، فإنّه من العذرة، تغتسل و تمسك معها قطنة و تصلي، فإن خرج الكرسف منغمسا بالدم فهو من الطمث- الحديث-» (2) فروع- (الأول): كيفية إدخال القطنة للاختبار موكولة إلى المتعارف، و الظاهر اختلافها باختلاف قلة الدم و كثرته، و سائر الجهات- كما أن مقدار المكث، و كيفية الإخراج أيضا مختلفة- بحسب الحالات و العوارض.

(الثاني): يكفي صرف وجود التطويق، و الاستنقاع، للإطلاق الشامل له.

(الثالث): لو لم يعلم في المرة الأولى لزم التكرار حتى يحصل له الاطمئنان.

______________________________

ص: 146


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 2.

بدونه بطلت و إن تبيّن بعد ذلك عدم كونه حيضا إلا إذا حصل منها قصد القربة بأن كانت جاهلة، أو عالمة أيضا إذا فرض حصول قصد القربة مع العلم أيضا (24) و إذا تعذر الاختبار يرجع إلى الحالة السابقة من طهر أو حيض (25)

______________________________

(الرابع): لو أمكن الاختبار بالأجهزة الحديثة مع كونها موجبة للاطمئنان بأحدهما يجري عليه الحكم، لأنّ إدخال القطنة لا موضوعية فيه بل هو طريق محض لتعرف الحال.

(24) احتمال الوجوب النفسي، و الغيري في الاختبار، منفي بالأصل و تشهد له المرتكزات أيضا من أنّ التفحص و الاختبار طريق محض، لإحراز إتيان العمل مستجمعا للشرائط لا أن يكون واجبا نفسيا، أو شرطا لصحة العمل و حينئذ، فالمناط كلّه كون العمل جامعا للشرائط في الواقع، فمع اجتماع الشرائط يصح و لو بدون الاختبار و مع عدمه لا يصلح و لو معه، فلو تركت الاختبار و حصل منها قصد القربة و سائر الشرائط يصح العمل و لو لم تختبر، و لو فقد قصد القربة أو بعض الشرائط الأخر لا يصح و لو اختبرت، و هذا لباب ما يستفاد من الأدلة، و فتاوى فقهاء الملة، و مرتكزات المتشرعة نعم، لو قلنا بعدم جواز الامتثال الاحتمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي، أو قلنا بحرمة الصلاة ذاتا على الحائض مع تغليب جانب الحرمة عند التردد، و استحقاق المتجرى للعقوبة، لكان لبطلان الصلاة مع عدم الاختبار وجه.

و لكن الكل باطل، كما تقدم بعضه في مباحث الاجتهاد و التقليد، و يأتي بعضه الآخر في المواضع المناسبة له إن شاء اللّه تعالى.

(25) للاستصحاب المعتبر عند الجميع، و اختصاص ما دل على وجوب الاختبار بحال الإمكان، كما هو المفروض في الأذهان.

ص: 147

و إلا فتبني على الطهارة (26) لكن مراعاة الاحتياط أولى (27) و لا يلحق بالبكارة في الحكم المذكور غيرها كالقرحة المحيطة بأطراف الفرج (28). و إن اشتبه بدم القرحة فالمشهور أنّ الدم إن كان يخرج من الطرف الأيسر فحيض و الا فمن القرحة (29)، الا أن يعلم أنّ القرحة في

______________________________

(26) لأصالة عدم حرمة المحرّمات الحيضية بالنسبة إليها، و أصالة بقاء أحكام الطاهرة الثابتة قبل خروج الدم- كما في جميع موارد الشك في حدوث الحدث أصغر كان أو أكبر- و لا وجه لاحتمال تبدل الموضوع، لأنّ الموضوع هو الشخص الموجود في الحالتين. و لا يصح التمسك بالعمومات، و الإطلاقات لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية.

و أما الأصول الموضوعية- فأصالة عدم كون الدم الخارج حيضا- لا تجري، لعدم الحالة السابقة و أصالة عدم خروج الدم من الرحم لا تثبت كون الدم من غير الحيض الا بناء على الأصل المثبت الا أن يدعى خفاء الواسطة، كما أنّ إثبات حيضية الدم، بقاعدة الإمكان لا وجه له، لأن القاعدة تجري فيما إذا علم بخروج الدم من الرحم لا فيما إذا شك فيه، فلا أصل في المقام يصح الاعتماد عليه، الا أصالة بقاء الطهارة الثابتة قبل خروج الدم، و أصالة عدم حدوث خصوص الحدث الأكبر، و لا يعارض بأصالة عدم حدوث دم العذرة، إذا لا أثر له بالنسبة إلى الحدثية و بالنسبة إلى النجاسة الخبثية فلا وجه لجريان الأصل، لأنّها معلومة تفصيلا. نعم، لو فرض وجود أثر شرعي لخصوص العذرة أيضا يجري الأصل فيه أيضا و يسقطان بالمعارضة.

(27) لأنه حسن على كلّ حال خصوصا في دماء النساء.

(28) بناء على كون الحكم تعبديا محضا. و أما بناء على ما قلناه من الاعتبار، فلا بأس بالإلحاق، و لو شككنا في أنّه تعبدي أو لا، فالتعبدية قيد مشكوك يرجع فيه إلى الأصل.

(29) لخبر أبان عن الصادق عليه السلام على ما في التهذيب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: فتاة منّا بها قرحة في فرجها و الدم السائل لا تدري من دم

ص: 148

.....

______________________________

الحيض أو من دم القرحة؟ فقال عليه السلام: مرها فلتستلق على ظهرها ثمَّ ترفع رجليها و تستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر، فهو من الحيض، و إن خرج من الجانب الأيمن، فهو من القرحة» (1).

و مثله الفقه الرضوي (2) و في الكافي نقل الحديث بعينه سندا و متنا، لكن مع التعبير بالأيمن في الأول، و الأيسر في الأخير (3)، فاختلف الأنظار، فعن جمع منهم المحقق في المعتبر طرح الحديث، لقصور السند، و اضطراب المتن، و المخالفة للاعتبار، لاحتمال كون القرحة في كلّ واحد من الجانبين. و عن المشهور، بل نسب إلى الأصحاب العمل بالحديث عند اشتباه دم الحيض بالقرحة، بل ظاهر جمع و صريح آخرين أنّ من علامات دم الحيض مطلقا خروجه من الطرف الأيسر. و خلاصة الكلام تقتضي الإشارة إلى جهات:

الأولى: المشهور نقلا، و تحصيلا، بل في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب التمييز بالطرف عند اشتباه دم الحيض بالقرحة، فإن كان من الأيسر، فحيض، و إن كان من الأيمن، فقرحة و قد اشتهر في علم الأبدان أيضا أنّ منابع الدم الطبيعي في الحيوان مطلقا من الطرف الأيسر، و إن كان يمكن الإشكال فيه بأنّه في الدم الذي به قوام حياة الإنسان، لا ما تقذفه الطبيعة إلى الخارج، و قد شهدت جمع من النساء بذلك أيضا، و قد عمل بخبر التهذيب جمع من نقاد الحديث و خبرائه الذين يستبعد عنهم العمل بغير الحجة المعتبرة، فلا مجال لطرحه، و الرجوع إلى الإطلاقات و الأصول.

الثانية: لا إشكال في أنّ الترجيح مع نسخة التهذيب، للشهرة، و ما تقدم في الجهة الأولى. سواء كان المقام من اشتباه الحجة بغيرها أو من قبيل المتعارضين، إذ لم يعمل بما في نسخة الكافي إلا ابن الجنيد، و تقديم نسخة الكافي على غيره من الكتب الأربعة لكونه أضبط من غيره- حتى قال في الجواهر في مدح الكافي: «و حسن ضبطه على ما يشاهد من كتابه الذي لم يوجد مثله،

______________________________

ص: 149


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 2.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض حديث: 2.

.....

______________________________

عكس الشيخ بأنه قد عثر له على كثير من الخلل»- إنّما هو فيما إذا لم تستقر الشهرة على خلاف النسخة، و الأضبطية لا تقاوم الشهرة المحققة على الخلاف خصوصا إذا أيدت بشواهد أخرى كما في المقام.

إن قلت: نقل عن ابن طاوس اتفاق جملة من نسخ التهذيب مع نسخة الكافي، فلا وجه للتقديم حينئذ.

قلت أولا: إنّه معارض بما نقل عن جملة من المحققين من اتفاق نسخ التهذيب على ما هو المشهور و ثانيا: يمكن أن يكون الاتفاق، لأجل عرضها على الكافي و تصحيحها معه، لما كان مسلما في الجملة من أضبطية الكافي، فكانوا يعرضون سائر الكتب عليه.

الثالثة: هل يكون الخروج من الطرف الأيسر من مميزات الحيض مطلقا و لو عند عدم الاشتباه بدم القرحة، فلو لم تكن قرحة في البين و خرج الدم من الأيمن و كان واجدا لصفات الحيض لا يحكم بحيضيته، أو يختص التمييز بالطرف بصورة وجود القرحة؟ ظاهر المحقق في الشرائع و صريح غيره هو الأول و جعله الأولى في الجواهر، أخذا بظاهر الحديث و أنّ مورد السؤال لا يقتضي الاختصاص.

و فيه: أنّ اعتبار الحديث إنّما هو لأجل عمل المشهور و لم يعملوا به في غير مورد الاشتباه بدم القرحة، فيكون الاستناد إليه حينئذ في كون الأيسر علامة للحيض من الاستناد إلى غير الحجة المعتبرة أن يستند إلى ما في علم التشريح من أن تكون الدم من الطرف الأيسر، و هو محتاج إلى مزيد تتبع و تأمل الرابعة: تارة: يعلم بأصل وجود القرحة و يشك في محلّها من أنه الأيمن، و الأيسر. و هذا هو مورد فتوى المشهور بالاختبار بالطرف.

و أخرى: يعلم بأنّها في الطرف الأيسر و لا أثر للاختبار حينئذ أصلا، بل لا بد من الرجوع إلى الصفات.

و ثالثة: يشك في أصل وجود القرحة، و لا بد من الرجوع إلى الأصول و الصفات و حينئذ، إذ لا يصح التمسك بالحديث لانّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، لأنّ مورده العلم بوجود القرحة.

ص: 150

الطرف الأيسر. لكن الحكم المذكور مشكل فلا يترك الاحتياط (30) بالجمع بين أعمال الطاهرة و الحائض. و لو اشتبه بدم آخر حكم عليه بعدم الحيضية إلا أن يكون الحالة السابقة هي الحيضية (31)

مسألة 6: أقل الحيض ثلاثة أيام

(مسألة 6): أقل الحيض ثلاثة أيام، و أكثره عشرة (32) فإذا رأت

______________________________

(30) لأنّ الجزم بفتوى المشهور مع ذلك كلّه مشكل، لما تقدم من المناقشات، كما أنّ الجزم بعدمه أشكل، فلا وجه للرجوع إلى الاستصحاب من هذه الجهة.

(31) أما الأول، فلإصابة عدم حدوث حدث الحيض، و أصالة عدم حدوث أحكام الحائض و أما الثاني فلأصالة بقاء الحالة السابقة، و مع عدم العلم بالحالة السابقة فيجري الأصل الحكمي.

فروع- (الأول): الظاهر أنّه لا خصوصية لإدخال الإصبع، فيجري ما كان مثله كما أنّه لو علم- بالأجهزة الحديثة- كون الدم قرحة، أو حيضا لا يبقى موضوع للاختبار- كما تقدم- و كذا لو علم من جهات أخرى.

(الثاني): لا فرق بين كون القرحة في داخل الرحم، أو في فضاء المجرى ما دام يصدق على محلّها الجوف، للإطلاق الشامل لها أيضا.

(الثالث): الظاهر إلحاق الجرح بالقرح أيضا، و لكنّه مشكل فلا بد من الاحتياط بين أفعال الطاهرة و تروك الحائض.

(الرابع): لو كانت القرحة في ظاهر الجسد و نفذ دمها إلى داخل الفرج و اشتبه بدم الحيض، فلا بد من الاحتياط.

(32) للنصوص الكثيرة فيهما، و عن المعتبر: «إنّه مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام». قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن عمار: «أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام و أكثره ما يكون عشرة أيام» (1).

______________________________

ص: 151


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 1.

يوما أو يومين أو ثلاثة إلا ساعة- مثلا- لا يكون حيضا (33) كما أنّ أقلّ الطهر عشرة أيام و ليس لأكثره حد (34) و يكفي الثلاثة الملفقة (35)، فإذا

______________________________

و ما يظهر منه الخلاف محمول، أو مطروح، كموثق ابن عمار قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم و اليومين؟ قال عليه السلام: إن كان الدم عبيطا، فلا تصلي ذينك اليومين»(1).

و صحيح ابن سنان: «إنّ أكثر ما يكون من الحيض ثمان- الحديث-» (2).

و يمكن حمل الأخير على أكثر ما يقع في الخارج، و الأول على ما إذا جعل الاطمئنان بالبقاء إلى ثلاثة أيام.

(33) لأنّه مقتضى التحديد بالحد الخاص المعيّن مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(34) أما الأول، فلإجماع و النصوص قال أبو عبد اللّه عليه السلام:

«أدنى الطهر عشرة أيام» (3).

و قال عليه السلام أيضا: «لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام» (4).

و قال أبو جعفر في صحيح ابن مسلم: «لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد- الحديث-» (5).

و أما الثاني، فللأصل و لدعوى الإجماع عن جمع من الأعيان. و دعوى الوجدان عن جماعة من النساء، و إطلاق ما تقدم من قول أبي جعفر في صحيح ابن مسلم. و ما عن أبي الصلاح- من تحديده بثلاثة أشهر- محمول على الغالب و الا فلا دليل عليه.

(35) لعدم انضباط حدوث الدم و انقطاعه بحد خاص و وقت مخصوص بل

______________________________

ص: 152


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 13.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 14.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 2.
5- الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 1.

رأت في وسط اليوم الأول و استمر إلى وسط اليوم الرابع يكفي في الحكم بكونه حيضا. و المشهور اعتبروا التوالي (36) في الأيام الثلاثة.

______________________________

يختلفان اختلافا فاحشا، فلا بد إما من القول بعدم التحيض بمجرد رؤية الدم، و هو خلاف النص و الفتوى، بل خلاف وجدان النساء المتدينات. أو القول بكفاية التلفيق، لأنّ الأدلة الشرعية منزلة على ما في الخارج و هو المطلوب.

و المراد بالتلفيق العرفي الواقع في الخارج المنزلة عليه الأدلة الشرعية.

و في الجواهر: «أنّه يعده أهل العرف كالحقيقي» و أما احتمال أنّ المراد بثلاثة أيام ما يعادلها من الساعة، أو الزمان المطلق كيفما كانت و لو من الليل، فإن رجع إلى ما ذكر، و الا، فهو خلاف ظواهر الأدلة المنزلة على المتعارف.

و كذا الكلام في أيام الإقامة، و الاعتكاف و خيار الحيوان، و التأخير، و أيام الاستظهار، و نحوها بناء على جريان التلفيق فيها، فالمراد أنّ هذه الموضوعات قد تتفق في أول اليوم و قد تكون في الأثناء، و تشملهما الإطلاقات، و العمومات المنزلة على ما هو الواقع في الخارج، فيكون أعم من الحقيقي و التلفيقي.

(36) لأنه المنساق من إطلاقات أدلة الحيض، و ما دل على أنّ أقلّه ثلاثة أيام، و لأصالة عدم الحيضية مع عدم التوالي، و أصالة عدم خروج الحيض، و استصحاب أحكام الطاهرة، و دعوى عدم الخلاف من صاحب الجامع.

و يرد الأولان: بأن الانسباق بدوي، مع أنّهما مقيدان بدليل الخصم لو تمَّ، و الأصول كلّها محكومة بدليل الخصم، و دعوى عدم الخلاف من صاحب الجامع، موهونة بوجود الخلاف من النهاية و الاستبصار و ابن البراج، و جمع من متأخري المتأخرين منهم صاحب الحدائق، و كاشف اللثام، و غيرهم، مع أنّ الظاهر أنّ عدم الخلاف اجتهادي، لا أن يكون تعبديا.

و استدل من قال بعدم اعتبار التوالي: بإطلاقات الأدلة، و بأصالة البراءة عن العبادة، و بقاعدة الإمكان.

و فيه: أنّ الإطلاقات مجملة من هذه الجهة، و أصالة البراءة محكومة

ص: 153

.....

______________________________

باستصحاب وجوب العبادات عليها، و القاعدة موردها الشبهات الموضوعية دون الحكمية، كما يأتي إن شاء اللّه. و العمدة في استدلالهم مرسل يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السلام: «فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض و إن انقطع الدم بعد ما رأت يوما أو يومين اغتسلت و صلّت و انتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة من يوم رأت الدم يوما، أو يومين حتى يتم لها ثلاثة أيام، فذلك الذي رأت مع هذا الذي رأت بعد ذلك في العشرة، فهو من الحيض، و إن مرّ بها من يوم رأت عشرة أيام و لم تر الدم، فذلك اليوم، و اليومان الذي رأت لم يكن من الحيض- الحديث-» (1).

و ظهوره، بل نصوصيته في عدم اعتبار التوالي مما لا ينكر.

و أشكل عليه تارة: بالإرسال و أخرى: بأن في الطريق ابن مرار و هو غير موثق.

و ثالثة: بالوهن بإعراض المشهور.

و يرد الأول بما ادعي من الإجماع على أنّ مراسيل يونس معتمد عليها.

و الثاني: بأن اعتماد القميين عليه يدرجه في الثقات. و الثالث: بأنّ الإعراض اجتهادي لا أن يكون تعبديا بأن يكون قد وصل إليهم ما لم يصل إلينا، فحجيته تامة، و حكومته على جميع أدلة المشهور ثابتة، هذا و لكن فتوى أساطين الفقهاء- خصوصا مثل الشهيدين و المحققين، و الحلي، و العلامة و نظائرهم الذين هم خبراء الفن و نقاد الأحاديث- بخلاف المرسل، و عدم اعتنائهم به يوجب التردد فيه قهرا.

و يمكن حمله على ما إذا علم بالحيضية و كان عدم الاستمرار لعروض عارض فإنّ الظاهر الحكم بالتحيض حينئذ، بل يمكن أن يقال: إنّ المرسل ليس مخالفا للمشهور، إذ المشهور يعتبرون الاستمرار و التوالي الواقعي، و لا ريب في

______________________________

ص: 154


1- راجع الوافي ج: 4 باب: 3 من أبواب الحيض تجد الرواية بكاملها من غير تقطيع و أما صاحب الوسائل فقد ذكر جملة منها في باب: 14 و 16 و 12 و 4 و 5 و 11 من أبواب الحيض.

نعم، بعد توالي الثلاثة في الأول لا يلزم التوالي في البقية (37)، فلو رأت ثلاثة متفرقة في ضمن العشرة لا يكفي و هو محلّ إشكال، فلا يترك الاحتياط بالجمع بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض فيها (38) و كذا اعتبروا استمرار الدم في الثلاثة و لو في فضاء الفرج. و الأقوى كفاية الاستمرار العرفي (39) و عدم مضريّة الفترات اليسيرة في البين،

______________________________

كونه أعم من التوالي في الرؤية، و المرسل لا ينفي اعتبار التوالي الواقعي حتّى يتنافى مع ما هو المشهور هذا، مع أنّ التوالي في الثلاثة متعارف بين النساء بنحو لا يضر تخلل بعض الفترات، فيستشهد بهذا التوالي المتعارف بينهنّ على أنّ الأدلة منزلة عليه أيضا.

(37) قولا واحدا من الجميع.

(38) للعلم الإجمالي المردد بين كون الدم حيضا، أو استحاضة من غير ما يوجب الانحلال، و لكن قال في الجواهر:

«و لعل الظاهر من تفحص كلماتهم، و أخبار الباب الحكم بالاستحاضة بمجرد انتفاء الحيض و لم نعهد أحدا منهم عارض أصالة عدم الحيض بأصالة عدم الاستحاضة لا في مقام و لا في غيره، و من هنا تعرف أن الاستحاضة أصل بعد انتفاء الحيض».

و هو كلام حسن، و على هذا فتجري أصالة عدم الحيض في نظائر المقام بلا معارض، و يحكم بكون الدم استحاضة، لأنّ الاستحاضة من الأمور المترتبة على عدم الحيض و لو بالأصل، و لا تجري قاعدة الإمكان، لكون الشبهة حكمية.

(39) الاستمرار تارة: يكون إلى الخارج متصلا في ثلاثة أيام، و هو مما لا دليل عليه، بل هو مرض و لا بد لها من العلاج. و أخرى: يكون في فضاء الفرج كاستمرار بقاء ماء الفم فيه، و اعتباره منفي بالأصل و ثالثة: عبارة عن استمرار التكون في الرحم مع الترشح العرفي الاعتيادي إلى فضاء الفرج أو الخارج، و هو المتيقن من كلمات الأعيان، و المطابق لما هو المتعارف بين النسوان.

ص: 155

بشرط أن لا ينقص من ثلاثة، بأن كان بين أول الدم و آخره ثلاثة أيام و لو ملفقة، فلو لم تر في الأول مقدار نصف ساعة من أول النهار و مقدار نصف ساعة في آخر اليوم الثالث لا يحكم بحيضيته (40) لأنه يصير ثلاثة إلا ساعة مثلا. و الليالي المتوسطة داخلة (41) فيعتبر الاستمرار العرفي فيها أيضا، بخلاف ليلة اليوم الأول و ليلة اليوم الرابع (42)، فلو رأت من أول نهار اليوم الأول إلى آخر نهار اليوم الثالث كفى.

______________________________

(40) للإجماع، و لظاهر التحديد بالحد الخاص

(41) لأنّه المتبادر من اعتبار الاستمرار عرفا، كما في نظائر المقام من أيام الاعتكاف، و عشرة الإقامة و أيام خيار الحيوان و التأخير، و نحوها

(42) للأصل بعد عدم دليل على الدخول من حديث، أو إجماع، أو عرف معتبر.

فروع- (الأول): لو حدث الحيض و قطعتها بالأدوية العصرية لا يترتب عليها بعد القطع أحكام الحيض.

(الثاني): لو حدث أصل الحيض و أزيلت صفاته بالأدوية الصناعية يترتب عليه حكم الحيض، إذ المفروض أنّه حيض.

(الثالث): لو جعل الحيض يوم و يوم لا، فالأحوط الجمع بين أحكام الحائض و الطاهر.

(الرابع): لو حدث الحيض قبل الظهر- مثلا- و تركت الصلاة و انقطع عنها بعد المغرب، يجب عليها قضاء الظهرين، لكشف ما فعلت عن عدم كونه حيضا، لفرض كونه أقل من ثلاثة أيام.

(الخامس): يكفي في سقوط أحكام الحيض استعمال ما يوجب عدم البروز إلى المحل و إن كان موجودا في أصل الرحم.

(السادس): لو أدخل في الرحم آلة فجذبت الحيض ثمَّ أخرجتها بعد أيام، ففي جريان أحكام الحيض عليها إشكال.

ص: 156

مسألة 7: قد عرفت أنّ أقلّ الطهر عشرة

(مسألة 7): قد عرفت أنّ أقلّ الطهر عشرة، فلو رأت الدم يوم التاسع أو العاشر بعد الحيض السابق لا يحكم عليه بالحيضية، و أما إذا رأت يوم الحادي عشر بعد الحيض السابق فيحكم بحيضيته إذا لم يكن مانع آخر. و المشهور على اعتبار هذا الشرط- أي مضيّ عشرة من الحيض السابق في حيضية الدم اللاحق مطلقا- و لذا قالوا: لو رأت ثلاثة- مثلا- ثمَّ انقطع يوما أو أزيد ثمَّ رأت و انقطع على العشرة أنّ الطهر المتوسط أيضا حيض و إلا لزم كون الطهر أقل من عشرة. و ما ذكروه محلّ إشكال (43). بل المسلّم أنّه لا يكون بين الحيضين أقلّ من

______________________________

(43) استدل المشهور على أنّ النقاء المتخلل بين أيام الحيض حيض:

أولا: بالإجماع المدعى في جملة من الكتب، و ثانيا: بأصالة بقاء حدث الحيض بعد عدم جريان عمومات العبادة، لأنّها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و ثالثا: أنّ المتدينات من النساء لا يرين هذه الحالة لأنفسهنّ طهرا خصوصا إذا قصرت المدة. و رابعا: بجملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن مسلم: «لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد و أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» (1) و قريب منه غيره (2) و إطلاقها- كإطلاق معاقد الإجماعات- يشمل الطهر المتخلل بين الحيضتين، و ما يكون في أثناء الحيضة الواحدة أيضا، فيكون في مقام بيان نفي حقيقة الطهرية عن غير العشرة مطلقا.

و عن صاحب الحدائق جواز كون أقل الطهر أقل من عشرة أيام فيما بين الحيضة الواحدة، و أما فيما بين الحيضتين فلا تكون أقل منها، و استند إلى جملة من الأخبار:

منها: صحيح يونس بن يعقوب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المرأة

ص: 157


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الحيض حديث: 2.

.....

______________________________

ترى الدم ثلاثة أيام، أو أربعة؟ قال عليه السلام: تدع الصلاة، قلت: فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال: تصلي: قلت فإنّها ترى الدم ثلاثة أيام، أو أربعة؟ قال: تدع الصلاة قلت: فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة قال:

تصلي- الحديث-» (1).

و منها: قوله عليه السلام: أيضا في خبر أبي بصير: «إن رأت الدم لم تصل و إن رأت الطهر صلّت»(2).

و فيه: أنه لا بد من حملهما على المختلطة الفاقدة للعادة و التميز من كلّ جهة و لا ربط لهما بالمقام و الا يلزم كون أكثر الحيض أكثر من عشرة أيام، و هو مما لم يقل به أحد. و إيجاب الصلاة عليها حكم ظاهري اهتماما بها حتّى يعلم الحال، مع أنه لا بد من تقييدها بما تقدم من صحيح ابن مسلم، و الإجماعات.

هذا كلّه مضافا إلى و هنا بالإعراض.

و منها: جملتان من قوله عليه السلام أيضا في مرسلة يونس المتقدمة:

الأولى: «فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتّى يتم لها ثلاثة أيام، فذلك الدم الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض» (3).

و فيه: أنّها لا تدل على تخلل الطهر بين أيام رؤية الدم. و غاية ما يستفاد منه عدم استمرار الرؤية، و تقدم أنّه أعم من عدم تكون الدم في الرحم و لو بنحو الرشح و الترشح اليسير إلى فضاء الفرج، و بعبارة أخرى: عدم بروز الدم إلى ظاهر الجسد أعم من الترشح عن الرحم بحيث لو أدخلت القطنة و وصلت إلى الرحم لخرجت متلطخة و لو بالصفرة، و المدار في حدث الحيض هو الثاني دون الأول، مع أنه عليه السلام صرّح، بل كرر في المرسل، أنّه لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام فراجع، و إطلاقه يشمل ما بين أبعاض الحيضة الواحدة، و ما بين الحيضتين.

ص: 158


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 3.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.

.....

______________________________

الثانية: قوله عليه السلام: «و لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام فإذا حاضت المرأة و كان حيضها خمسة أيام ثمَّ انقطع الدم اغتسلت و صلّت، فإن رأت بعد ذلك الدم و لم يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام، فذلك من الحيض تدع الصلاة- الحديث-» (1).

و لا ينكر ظهورها في كون النقاء المتخلل طهرا.

و فيه: أنّ إثبات هذا الحكم المخالف للإطلاقات، و العمومات و الإجماع بمثل المرسل المضطرب المتن في غاية الإشكال، مع احتمال أن يكون المراد بالانقطاع الظاهري منه دون الواقعي، و الأمر بالاغتسال و الصلاة حينئذ ظاهري لإبقاء الاعتياد على الصلاة، و الاهتمام بها، و المخالفة على عدم حصول التساهل و المسامحة لهنّ، لأنهنّ يتسامحن في الصلاة بأدنى شي ء كما هو معلوم من حالهنّ.

و أما خبر داود: «إذا رأت الدم أمسكت و إذا رأت الطهر صلت» (2).

فهو محمول عليه أيضا، و يمكن أن يحمل على الحكم الواقعي بأن يراد بالدم أيام الدم بشروطها و بالطهر كذلك.

و منها: موثق ابن مسلم عن الصادق عليه السلام: «أقل ما يكون الحيض ثلاثة، و إذا رأت الدم قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى. و إن رأته بعد عشرة أيام، فهو من حيضة أخرى مستقلة» (3).

بدعوى: أنّ العشرة الأخيرة لا بد و أن تكون بعد انقطاع الدم و حصول الطهر، فيكون المراد بالعشرة الأولى أيضا كذلك، فالمعنى قبل عشرة أيام من انقطاع الدم و حصول الطهر، فيكون المراد بالعشرة الأولى أيضا كذلك أي قبل عشرة أيام من انقطاع الدم و هو عبارة أخرى عن الطهر.

و فيه: أنّ الحديث ليس في مقام بيان هذه الجهة مع أنّ النصوص،

______________________________

ص: 159


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الحيض حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 11.

عشرة، و أما بين أيام الحيض الواحد فلا، فالأحوط مراعاة الاحتياط بالجمع في الطهر بين أيام الحيض الواحد، كما في الفرض المذكور (44).

مسألة 8: الحائض إما ذات العادة أو غيرها

(مسألة 8): الحائض إما ذات العادة (45) أو غيرها. و الأولى إما وقتية و عددية أو وقتية فقط، أو عددية فقط. و الثانية إما مبتدئة و هي التي لم تر الدم سابقا و هذا الدم أول ما رأت، و إما مضطربة و هي التي رأت الدم مكررا، لكن لم تستقر لها عادة، و إما ناسية (46) و هي التي نسيت

______________________________

و الإجماعات الدالة على أنّ الطهر لا يكون أقل من عشرة أيام مطلقا مفسرة له، فلا وجه لهذا الاستظهار أصلا في مقابل ما أجمعوا عليه و قد استدل رحمه اللّه ببعض أخبار أخر(1)لا تبلغ في الظهور ما ذكرناه و على فرض الظهور موهونة بالإعراض عنها.

(44) لا ريب في حسن هذا الاحتياط. و أما وجوبه، فلا دليل عليه، لانحلال العلم الإجمالي بما تقدم من صحيح ابن مسلم و دعوى الإجماع على أنّه لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام مطلقا.

(45) العادة في الجملة من اللوازم الطبيعية لهذا الدم عند جميع النساء في تمام الأزمان و الملل و الأديان، و هي تختلف اختلافا كثيرا باختلاف الأمزجة و الحالات و البلدان، و ليست أمارية العادة للحيضية تعبدية، بل هي من قبيل أمارية اللازم للملزوم، و الكشف عنه، فاللازم الرجوع فيها إلى المتعارف منهنّ، فإن ورد من الشارع تقييد يؤخذ به و الا فالمتعارف هو المعوّل، لتنزل الأدلة عليه.

(46) يمكن تقرير الأقسام بالحصر العقلي. فإنّها إما ذات عادة أو لا، و الأولى إما وقتية فقط، أو عددية كذلك، أو هما معا. و الأخيرة إما في أول حيضها و هي المبتدئة أو لا، و الثانية إما أن تكون لها عادة فنسيتها و هي الناسية أو

______________________________

ص: 160


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض حديث: 11.

عادتها، و يطلق عليها المتحيرة أيضا و قد يطلق عليها المضطربة، و يطلق المبتدئة على الأعم ممن لم تر الدم سابقا و من لم تستقر لها عادة أي المضطربة بالمعنى الأول.

مسألة 9: تتحقق العادة برؤية الدم مرتين متماثلتين

(مسألة 9): تتحقق العادة برؤية الدم مرتين متماثلتين (47) فإن

______________________________

لم تستقر لها عادة أصلا و هي المضطربة، و هذه اصطلاحات من الفقهاء لأقسام دم الحيض تختلف أحكامها، و الموجود في الروايات بالنسبة إلى أصل العادة (أيامها) و (وقتا معلوما) و (خلقا معروفا) و (أيام أقرائها) (و عدتها و عادتها) و بالنسبة إلى المبتدئة (أول حيضها) و بالنسبة إلى المضطربة (المختلطة) (1).

و يأتي تفصيل أحكامها في المسائل الآتية- إن شاء اللّه تعالى- و تقدم أنّ تقسيم النساء بالنسبة إلى دم الحيض ثمانية أقسام.

فائدة: العادة إما شخصية، و هي ما اعتادتها المرأة سواء طابقت عادة الأقارب أو خالفتها و سواء طابقت الروايات أو لا. و إما صنفية، و هي التي عبّر عنها في الفقه بعادة الأقارب، أو نوعية، و هي التي عبّر عنها بالعدد و هو اختيار السبع في كلّ شهر. و يأتي التفصيل في (فصل تجاوز الدم عن العشرة) [مسألة 1] ثمَّ إنّهم قد أطالوا الكلام في أمثال المقام بذكر الأقوال النادرة و غيرها من الاحتمالات و نحن لم نذكرها مراعاة للأهم.

(47) نصا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه عليه السلام في موثق سماعة: «فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء، فتلك أيامها» (2).

و قال عليه السلام أيضا في مرسل يونس الطويل: «و إنّما جعل الوقت إن

ص: 161


1- راجع الوسائل باب: 17 من أبواب العدد حديث: 1 و باب: 6 و 4 من أبواب الحيض و باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 11.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الحيض حديث: 1.

كانتا متماثلتين في الوقت و العدد، فهي ذات العادة الوقتية و العددية، كأن رأت في أول شهر خمسة أيام و في أول الشهر الآخر أيضا خمسة أيام، و إن كانتا متماثلتين في الوقت دون العدد، فهي ذات العادة الوقتية، كما إذا رأت في أول الشهر خمسة و في أول الشهر الآخر ستة أو سبعة مثلا، و إن كانتا متماثلتين في العدد فقط، فهي ذات العادة العددية، كما إذا رأت في أول شهر خمسة و بعد عشرة أيام أو أزيد رأت خمسة أخرى (48).

______________________________

توالى عليها حيضتان، أو ثلاث لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله للتي تعرف أيامها: دعي الصلاة أيام أقرائك، فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنة فيقول لها: دعي الصلاة أيام قرئك و لكن سنّ لها الأقراء و أدناه حيضتان، فصاعدا» (1) و يمكن استظهار ذلك من العرف أيضا، فإنّه إذا تكرّر الدم مرتين متماثلتين يحكم العرف في المرء الثالثة المماثلة لهما أنها أمارة على التحيض الا مع أمارة أقوى على الخلاف، فيكون التكرر المتماثل في الجملة من الأمارات النوعية المعتبرة.

(48) كلّ ذلك، لإطلاق المرسل، و إطلاقات معاقد الإجماعات. و ذكر الأيام فيما تقدم من موثق سماعة من باب المثال لا التقييد- كما هو واضح- فالمناط كلّه تكرر الدم متماثلا في الجملة عددا، أو وقتا، أو هما معا.

فروع- (الأول): لا ريب في تحقق العادة إن كان خروج الدم و انقطاعه طبيعيا، و أما لو حصل ذلك باستعمال الأدوية و نحوها بحيث لو لم تستعملهما، لكان للخروج، و الانقطاع حدّا معينا طبعا، ففي ثبوت العادة بذلك إشكال.

(الثاني): لو كان أولها طبيعيا و جعلت آخرها اختياريا، أو بالعكس

ص: 162


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الحيض حديث: 2.
مسألة 10: صاحبة العادة إذا رأت الدم مرتين متماثلتين على خلاف العادة الأولى تنقلب عادتها إلى الثانية

(مسألة 10): صاحبة العادة إذا رأت الدم مرتين متماثلتين على خلاف العادة الأولى تنقلب عادتها إلى الثانية (49)، و إن رأت مرّتين على خلاف الأولى لكن غير متماثلين يبقى حكم الأولى (50). نعم، لو رأت على خلاف العادة الأولى مرات عديدة مختلفة تبطل عادتها و تلحق بالمضطربة.

مسألة 11: لا يبعد تحقق العادة المركبة

(مسألة 11): لا يبعد تحقق العادة المركبة (51) كما إذا رأت في

______________________________

فتتحقق العادة بالنسبة إلى ما كان طبيعيا، و يشكل تحققها بالنسبة إلى ما كان اختياريا.

(الثالث): لو تحققت لها عادة طبيعية ثمَّ فعلت لنفسها عادة اختيارية فتركت الثانية تترتب أحكام العادة الطبيعية على ما رأته بعد ذلك ما لم تعلم بالخلاف.

(49) للإجماع، و لانطباق الأدلة عليها قهرا بعد زوال الأولى عن الاعتبار.

(50) لصدق العادة على الأولى عرفا، فتشملها الإطلاقات، مضافا إلى استصحاب بقاء العادة و عدم زوالها. هذا مع عدم الاطمئنان بالزوال و إلا فلا مجرى للإطلاق- لكونه من التمسك بالدليل مع الشك في الموضوع- و الاستصحاب، لأنّه من الاستصحاب في المفهوم المردد و يلحق بالمضطربة كما يأتي في المتن.

فرع: يمكن فرض تحقق العادة في شهر واحد أيضا سواء كانت عددية فقط، أو وقتية كذلك، أو هما معا كما إذا رأت وقتا و عددا خاصا معا أو أحدهما فقط مرتين في شهر واحد مع تخلل عشرة الطهر في البين، و ذلك لشمول الإطلاقات، و العمومات له أيضا لصدق أنّ لها وقتا معينا أو عددا كذلك أو هما معا. نعم، تكون قليلة الوقوع. فما عن المحقق الثاني و تبعه في الجواهر- من عدم تحقق الوقتية في الشهر الواحد، مخدوش.

(51) لصدق معرفة الأيام- و خلقا معروفا، و أيام أقرائها، و العادة، و نحو

ص: 163

الشهر الأول ثلاثة و في الثاني أربعة و في الثالث ثلاثة و في الرابع أربعة، أو رأت شهرين متواليين ثلاثة، و شهرين متواليين أربعة، ثمَّ شهرين متواليين ثلاثة و شهرين متواليين أربعة، فتكون ذات عادة على النحو المزبور. لكن لا يخلو عن إشكال (52) خصوصا في مثل الفرض الثاني، حيث يمكن أن يقال: إنّ الشهرين المتواليين على خلاف السابقين يكونان ناسخين للعادة الأولى، فالعمل بالاحتياط أولى.

نعم، إذا تكررت الكيفية المذكورة مرارا عديدة بحيث يصدق في العرف أنّ هذه الكيفية عادتها و أيامها لا إشكال في اعتبارها فالإشكال إنما هو في ثبوت العادة الشرعية بذلك (53)، و هي الرؤية كذلك مرّتين.

______________________________

ذلك مما ورد في الروايات (1)- عليها أيضا.

و ما أشكل عليه رحمه اللّه: من احتمال كون اللاحقة ناسخة للأولى.

مخدوش، لأنّ النسخ مسلم فيما إذا لم تعد الأولى بالمرة و المفروض في المقام عودها ثانية. فما عن جمع منهم: العلامة و المحقق و الشهيد، من تحقق العادة المركبة وجيه و حسن بعد شمول الأدلة لها أيضا. نعم، لو كانت في البين قرينة شاهدة على الخلاف فلا تثبت، لانصراف الأدلة عن هذه الصورة.

(52) و هو كون اللاحقة ناسخة السابقة، و لكنّه مدفوع بأنّ النسخ يثبت مع الاستقرار لا مع الزوال و يمكن الجمع بين الكلمات: بأنّ من قال بالعادة المركبة أراد ما إذا لم تكن في البين قرينة على النسخ. و من قال بعدمها أراد ما إذا كانت قرينة على النسخ

(53) ليس للشارع تعبد خاص في عادة النساء حتّى تكون العادة قسمين- شرعية و عرفية- بل هي قسم واحد و هي العرفية فقط رتب الشارع أحكامه عليها أيضا- فإما أن يحكم العرف بتحققها، أو يحكم بالعدم، أو يشك في ذلك.

و حكم الأولين معلوم، و في الأخير تحتاط.

ص: 164


1- تقدم في صفحة: 161.
مسألة 12: قد تحصل العادة بالتمييز

(مسألة 12): قد تحصل العادة بالتمييز (54) كما في المرأة المستمرة الدم إذا رأت خمسة أيام- مثلا- بصفات الحيض في أول الشهر الأول، ثمَّ رأت بصفات الاستحاضة، و كذلك رأت في أول الشهر الثاني خمسة أيام بصفات الحيض ثمَّ رأت بصفات الاستحاضة، فحينئذ تصير ذات عادة عددية وقتية، و إذا رأت في أول الشهر الأول خمسة بصفات الحيض و في أول الشهر الثاني ستة أو سبعة- مثلا- فتصير حينئذ ذات عادة وقتية، و إذا رأت في أول الشهر الأول خمسة- مثلا- و في العاشر من الشهر الثاني- مثلا- خمسة بصفات الحيض فتصير ذات عادة عددية.

مسألة 13: إذا رأت حيضين متواليين متماثلين مشتملين على النقاء في البين

(مسألة 13): إذا رأت حيضين متواليين متماثلين مشتملين على النقاء في البين، فهل العادة أيام الدم فقط أو مع أيام النقاء أو خصوص ما قبل النقاء؟؟؟ الأظهر الأول (55). مثلا: إذا رأت أربعة أيام ثمَّ

______________________________

(54) للإطلاقات، و العمومات، و ظهور الاتفاق، فالعادة عبارة عن تكرر الدم متماثلا بحيث يوجب الاطمئنان العرفي بالحيضية سواء كان ذلك في مستمرة الدم أو في غيرها، و التماثل في المستمرة يكون في الصفة لا محالة، و يصح التمسك بإطلاق أدلة التمييز، و بقاعدة الإمكان أيضا، فالعادة تثبت فيما تكون في البين جهة وحدة انضباطية عرفية سواء كانت الوحدة في أول الدم، أو في وسطه، أو آخره، أو صفته، لصدق الخلق و التماثل و الاستواء في جميع ذلك، إذ ليس المراد بهذه صدقها من كلّ حيثية و جهة و الا قلّما توجد العادة، و ظاهرهم تحقق العادة بقاعدة الإمكان أيضا، و أما ما يأتي في (فصل حكم تجاوز الدم عن العشرة) من تقدم العادة على التمييز، فإنّما هو في مورد تزاحم العادة الثابتة مع التمييز، فلا يشمل صورة أصل حدوث العادة كما في المقام.

(55) بدعوى: أنّ المستفاد من الأدلة الدالة على اعتبار العادة ظهورا أو انصرافا إنّما هو أيام الدم فقط فلا يشمل النقاء.

ص: 165

طهرت في اليوم الخامس، ثمَّ رأت في السادس كذلك في الشهر الأول و الثاني، فعادتها خمسة أيام لا ستة و لا أربعة، فإذا تجاوز دمها رجعت إلى خمسة متوالية و تجعلها حيضا لا ستة، و لا بأن تجعل اليوم الخامس يوم النقاء و السادس أيضا حيضا و لا إلى الأربعة.

مسألة 14: يعتبر في تحقق العادة العددية تساوي الحيضتين

(مسألة 14): يعتبر في تحقق العادة العددية تساوي الحيضتين (56)، و عدم زيادة أحدهما على الأخرى و لو بنصف يوم أو

______________________________

و فيه: أنّ المتفاهم منها- بحسب ما هو المغروس في الأذهان- أيام جريان أحكام الحيض عليهنّ، و جلوسهنّ عن التكاليف المشروطة بالطهارة سواء كان الدم جاريا أم لا- إذ لا موضوعية للدم بما هو دم و إنّما هو طريق إلى ترتب الأحكام فالنقاء المتخلل ملحق بأيام الدم، و لا يكون خارجا عنها فتترتب أحكام الحيض عليه أيضا. نعم، لو قيل بأنّ النقاء طهر كان له وجه، و لكن تقدم ضعفه.

(56) أما أصل اعتبار التساوي في الجملة، فلظهور النص(1)و الإجماع فيه. و لكن التساوي بينهما إما دقيّ عقلي، أو دقيّ عرفيّ، أو عرفي مسامحيّ و لا دليل على اعتبار الأول، بل ظواهر الأدلة المنزلة على المتعارف بينهنّ عدمه، و كذا لا دليل على اعتبار الثاني، لأنّ الأدلة وردت على طبق ما هو الواقع في الخارج، و الواقع بينهنّ التسامح بمقدار ساعتين، بل ثلاث ساعات، بل الظاهر عدم التفاتهنّ إلى هذا المقدار من الفرق أصلا. و ربما تجعل المقدمات القريبة- لعروض الدم- من أيام العادة، فإن كانت أدلة العادة منزلة على المتعارف بينهنّ فقد جرت عادتهنّ على التسامح بساعتين، بلا ثلاث ساعات، و إن كانت محدودة بحد آخر، فلا أثر له في الأخبار، و مع الشك يرجع إلى الإطلاق بعد الصدق العرفي للعادة مع الاختلاف المذكور، و بناء الشارع على عدم التضييق عليهنّ في هذا الأمر العام البلوى بينهنّ.

ص: 166


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.

أقل، فلو رأت خمسة في الشهر الأول و خمسة و ثلث أو ربع يوم في الشهر الثاني لا تتحقق العادة من حيث العدد. نعم، لو كانت الزيادة يسيرة لا تضر. و كذا في العادة الوقتية تفاوت الوقت و لو بثلث أو ربع يوم يضر، و أما التفاوت اليسير فلا يضر لكن المسألة لا تخلو عن إشكال فالأولى مراعاة الاحتياط.

مسألة 15: صاحبة العادة الوقتية- سواء كانت عددية أيضا أم لا- تترك العبادة بمجرد رؤية الدم في العادة

(مسألة 15): صاحبة العادة الوقتية- سواء كانت عددية أيضا أم لا- تترك العبادة بمجرد رؤية الدم في العادة (57) أو مع تقدمه أو تأخره يوما أو يومين أو أزيد على وجه يصدق عليه تقدم العادة أو تأخرها (58) و لو

______________________________

(57) إجماعا، و نصوصا كثيرة، بل متواترة، ففي صحيح ابن مسلم:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيامها، فقال عليه السلام: لا تصلي حتّى تنقضي أيامها» (1).

مضافا إلى أنه لا معنى لأمارية العادة إلا هذا، فبتحقق الموضوع يترتب عليه الحكم قهرا، فنفس اعتبار العادة يغني في ترتب الأحكام عليها و لا نحتاج إلى إقامة دليل من الخارج.

(58) نصّا، و إجماعا في صورة التقدم قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح الصحاف: «فإنّه ربما تعجل بها الوقت»(2).

و في صحيح أبي بصير: «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض» (3).

و عن الصادق عليه السلام: «ما كان قبل الحيض فهو من الحيض و ما كان بعد الحيض فليس منه» (4).

ص: 167


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الحيض حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 2.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 5.

لم يكن الدم بالصفات (59)، و ترتب عليه جميع أحكام الحيض، فإن

______________________________

و تشهد له قاعدة الإمكان، و إطلاق أدلة العادة إذ المتعارف فيها التقدم، و التأخر في الجملة. و أما في صورة التأخر، فيدل عليه مضافا إلى إطلاق أدلة العادة- المنزلة على المتعارف بينهنّ من التأخر في الجملة، و قاعدة الإمكان- الإجماع القطعي- كما في المستند- فلا بد و أن يحمل قوله عليه السلام فيما تقدم: «و ما كان بعد الحيض فليس من الحيض».

على بعدية خاصة حكم الشارع فيها بعدم الحيضية لا البعدية في الجملة، و الا لكان مخالفا للإجماع، كما أنّ قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «و إن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت و صلّت» (1).

محمول على ما يكون مغايرا بحسب متعارفهنّ لأيامهنّ لا ما يكون من الأيام عرفا، جمعا و إجماعا.

و بالجملة: العادة إنّما هي عادتهنّ و قد جرت العادة بينهنّ على التقدم و التأخر في الجملة لعوارض شتّى لا تنضبط.

و بعبارة أخرى: للعادة اعتباران: الأول: العادة المحدودة بحد خاص.

و الثاني: الأعم من التقدم و التأخر في الجملة، و الأخير هو المتعارف بين النساء و المنزلة عليه الأدلة بقرينة الإجماع و النص، فقد يجب التحيض قبلها بيوم أو بيومين، و قد يتأخر الحيض عن أول الحيض بيوم أو بيومين و قد يتأخر عن آخرها بيوم أو يومين أو ثلاثة كما في أيام الاستظهار على ما يأتي في [مسألة 23].

(59) لأنّ المتقدم و المتأخر من العادة و لا اعتبار بالصفات في أيام العادة مضافا إلى ظهور الإجماع، و إطلاق النصوص في صورة التقدم هذا كلّه إذا كان التقدم أو التأخر بما هو المتعارف بينهنّ.

و أما إن كان على خلاف المتعارف، فلا تترتب أحكام الحيض بمجرد

ص: 168


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 1.

علمت بعد ذلك عدم كونه حيضا لانقطاعه قبل تمام ثلاثة أيام تقضي ما تركته من العبادات (60). و أما غير ذات العادة المذكورة- كذات العادة العددية فقط، و المبتدئة و المضطربة، و الناسية- فإنّها تترك العبادة و ترتب أحكام الحيض بمجرد رؤيته إذا كان بالصفات (61). و أما عدمها فتحتاط بالجمع (62) بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة إلى ثلاثة

______________________________

الرؤية ما لم يعلم بالحيضية من صفة أو جهة أخرى.

فرع: الوقت في الحيض من أقوى الأمارات عليه شرعا و عرفا، و مع وجوده لا وجه للرجوع إلى أيّة أمارة أخرى.

(60) لقاعدة الاشتغال بعد انكشاف الخلاف في العادة.

(61) لانحصار أمارة التحيض بها حينئذ، و لإطلاق أدلة الرجوع إلى الصفات. و احتمال اختصاصها بمستمرة الدم، أو بمورد السؤال خلاف المتفاهم منها، فراجع، مع أنّ مورد السؤال لا يكون مخصصا للحكم الوارد فيه في المحاورات.

فائدة: الإمارة في الحيض أقسام ثلاثة: إما تكون أمارة لمجرد الحدوث فقط كالوقت و الصفات. أو حدوثا و بقاء كالوقتية و العددية. أو بقاء خاصة كالعدد فقط.

(62) للعلم الإجمالي المردد بينهما- و ليس في البين ما يوجب انحلاله إلا قاعدة الإمكان، و قول الصادق عليه السلام في موثق سماعة- فيمن لا يكون طمثها في الشهر عدة أيام سواء- قال عليه السلام: «فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة- الحديث-» (1).

و إطلاق ما يدل على أنّ الصائمة تفطر بمجرد رؤية الدم (2)، و ما نسب إلى

______________________________

ص: 169


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض.

أيام فإن رأت ثلاثة أو أزيد تجعلها حيضا (63). نعم، لو علمت أنّه يستمر إلى ثلاثة أيام تركت العبادة بمجرد الرؤية و إن تبيّن الخلاف تقضي ما تركته.

______________________________

الوحيد البهبهاني رحمه اللّه من عدم القول بالفصل بين الواجد للصفات و فاقدها في التحيض، فيدل ذلك كلّه على التحيض، فينحل به العلم الإجمالي، فلا يجب الاحتياط، و الكل مخدوش:

أما الأول: فلأنّ عمدة دليله الإجماع. و لا إجماع في المقام لتحقق الخلاف.

و أما الخبران، فلا بد من تقييدهما بما دل على اعتبار الصفة.

و الأخير لا اعتبار به إذ المعتبر هو القول بعدم الفصل لا عدم القول بالفصل كما أنّ أصالة عدم وجوب أحكام الحائض عليها معارضة بأصالة عدم وجوب أحكام الاستحاضة، فلا محيض الا عن الاحتياط الا أن يتمسك بقول صاحب الجواهر المتقدم (1) فعلى هذا ففي جميع موارد الدوران بين الحيض و الاستحاضة يحكم بالثانية فتأمل.

(63) نصا و إجماعا ففي صحيح ابن يعقوب: «المرأة ترى الدم ثلاثة أيام، أو أربعة أيام قال: تدع الصلاة» (2).

و ظاهرهم الإجماع على الأخذ بعمومه و عدم تقييده بالصفات، بل في التذكرة أنه من القطعيات.

(قاعدة الإمكان) و هي مشهورة عند الفقهاء في الدماء يعني: أنّ كلّ ما أمكن أن يكون حيضا فهو حيض، و البحث فيها من جهات:

______________________________

ص: 170


1- تقدم في صفحة: 155.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 2.

.....

______________________________

الأولى: المراد بالإمكان: الإمكان بالنظر إلى الأدلة المعتبرة أي: الإمكان القياسي إذ لا بد و أن تثبت هذه القاعدة بحجة صحيحة معتبرة فقولهم: أمكن أن يكون حيضا أي أمكن إثبات حيضيته بالدليل المعتبر، و ليس المراد به الإمكان الذاتي، للإجماع على خلافه، و لا الوقوعي، و لا الاحتمالي، لعدم دليل عليه الا أن يرجعا إلى الإمكان القياسي.

الثانية: ظواهر كلماتهم اختصاصها بالشبهات الموضوعية- كما هو الغالب في جميع القواعد- فلا تجري عند الشك في الشبهة الحكمية، لأنّ عمدة مدركها الإجماعات و لم يعهد من المجمعين العمل بها في الشبهات الحكمية، و الأخبار التي يستأنس بها للقاعدة إنّما تكون في الشبهات الموضوعية فلو شككنا أنّ الصفرة و الكدرة في أيام العادة حيض أم لا؟ تجري القاعدة و أما لو شككنا في اعتبار الاتصال في أقلّ الحيض و عدمه لا تجري.

الثالثة: ظاهرهم الاتفاق على أنها بمنزلة الأصل الذي يتقدم عليه كل أمارة و لو كانت ضعيفة، مخالفة كانت أو موافقة.

الرابعة: يمكن تنقيح موضوع جريان القاعدة بالأصل الموضوعي، فتجري أصالة عدم البلوغ إلى سن اليأس- مثلا- و يتحقق بها موضوع القاعدة.

الخامسة: هي مقدمة على أصالة الاستحاضة في دم النساء الجارية بعد عدم الحيض، لأنّها كالأصل الموضوعي بالنسبة إلى أصالة الاستحاضة.

السادسة: استدلوا عليها بأمور:

منها: الإجماع المدعى في الخلاف، و المعتبر، و المنتهى. و أشكل عليه: بأنه اجتهادي لا أن يكون تعبديا و منها: ما مر في الأخبار (1) من أنّ ما تقدم على العادة بيوم أو يومين فهو من الحيض.

و فيه: ما تقدم من أنّ التقدم و التأخر في الجملة من لوازم العادة، فالتحيض

ص: 171


1- تقدم في صفحة: 168.

.....

______________________________

بهما لأجل أمارية العادة، لا لجهة أخرى.

و منها: الأخبار الدالة على التحيض بمجرد رؤية الدم كقوله عليه السلام:

«فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في حيضها»(1).

و فيه: أنّه لا بد من تقييدها إما بالصفات، أو بثلاثة أيام كما تقدم.

و منها: ما يأتي في أخبار الاستظهار من حكم الشارع بترك العبادة فيها تغليبا للحيضية (2).

و فيه: أنها تختص بسبق الحيضية فلا تشمل غيره. و يأتي في [مسألة 23] بعض الإشكالات عليها و الجواب عنها.

و منها: ما دل على أنّ ما تراه قبل تجاوز العشرة، فهو من الحيضة الأولى.

و فيه أولا: أنّ تعميمها لفاقد الصفات أول البحث.

و ثانيا: أنها تختص بسبق الحيض، فلا تشمل غيره.

و منها: ما دل على أنّ الصفرة، و الكدرة في أيام الحيض حيض (3).

و فيه: أنها لأجل أمارية العادة لا لقاعدة الإمكان.

و منها: ما دل على أنّ الحبلى ربما تقذف بالدم (4).

و فيه: أنها فيما إذا كان جامعا للصفات، بل ملاحظة مجموعها تقضي بخلاف القاعدة، كما اعترف به في الجواهر.

و منها: ما ورد في اشتباه دم العذرة بالحيض (5).

و فيه: أنّه عند دوران الدم بين العذرة و الحيض فمع عدم أمارة على العذرة

ص: 172


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 12.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض.
4- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض.
مسألة 16: صاحبة العادة المستقرة في الوقت و العدد إذا رأت العدد في غير وقتها

(مسألة 16): صاحبة العادة المستقرة في الوقت و العدد إذا رأت العدد في غير وقتها و لم تره في الوقت تجعله حيضا (64) سواء كان قبل

______________________________

يحكم بالحيض قهرا. نعم، لا بأس بالاستئناس بهذه الأخبار، و أما الاستدلال بها، فلا وجه له.

و منها: أنّ الحيض دم طبيعي، فهو مقتضى سلامة الطبيعة، و أصالة السلامة عند الشك فيها من الأصول المعتبرة المتعارفة بين الناس، فمرجع قاعدة الإمكان إلى أصالة السلامة الدائرة بين العقلاء المعتبرة لديهم، و الإجماع، و الأدلة الأخرى إرشاد إليها كما يقال: إنّ الأصل فيما يخرج من القبل هو البول، و ما يخرج من الفم هو البصاق، و ما يخرج من العين هو الدمع، و كذا الأصل فيما يخرج من الرحم هو الحيض، الا مع القرينة المعتبرة على الخلاف في جميع ذلك و هذا كان مغروسا في أذهان الفقهاء، فعبروا عنه بقاعدة الإمكان و الحق أنّ هذا حسن متين.

ثمَّ إنّه قال في الجواهر: «و من هنا يضعف الظن بإجماعه الذي ادعاه في الخلاف، لأنّ الظاهر أنّه حصله من الروايات بعد أن فهم منها ذلك، و الا فما وصل إلينا من كلام المتقدمين عليه من أهل الفتوى خال عن ذلك و لا نقله أحد ممن يتعاطى نقله، و لجميع ما ذكرنا توقف جماعة من متأخري المتأخرين كالمحقق الثاني و صاحب المدارك و غيرهما في هذه القاعدة و استوجه بعضهم الرجوع إلى الصفات في غير ما دل الدليل عليه، كالصفرة و الكدرة في أيام الحيض- إلى أن قال- و لكن الجرأة على خلاف ما عليه الأصحاب سيما بعد نقلهم الإجماع نقلا مستفيضا معتضدا بتتبع كثير من كلمات الأصحاب لا يخلو من إشكال خصوصا بعد ما سمعت من الإشارات المتقدمة في الروايات» و هو كلام متين لا بأس به.

فرع: الحيض يثبت بمجرد إمكانه. و أما الطهر فلا دليل على ثبوته بمجرد إمكانه، بل الدليل على عدمه.

(64) للإجماع، و لقاعدة الإمكان، و حينئذ، فمع وجدان الدم للصفات

ص: 173

الوقت أو بعده

مسألة 17: إذا رأت قبل العادة و فيها و لم يتجاوز المجموع عن العشرة جعلت المجموع حيضا

(مسألة 17): إذا رأت قبل العادة و فيها و لم يتجاوز المجموع عن العشرة جعلت المجموع حيضا و كذا إذا رأت في العادة و بعدها و لم يتجاوز عن العشرة، أو رأت قبلها و فيها و بعدها (65)، و إن تجاوز العشرة في الصور المذكورة فالحيض أيام العادة فقط و البقية استحاضة (66).

مسألة 18: إذا رأت ثلاثة أيام متواليات و انقطع ثمَّ رأت ثلاثة أيام أو أزيد

(مسألة 18): إذا رأت ثلاثة أيام متواليات و انقطع ثمَّ رأت ثلاثة أيام أو أزيد، فإن كان مجموع الدمين و النقاء المتخلل لا يزيد عن عشرة كان الطرفان حيضا و في النقاء المتخلل تحتاط بالجمع (67) بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة و إن تجاوز المجموع عن العشرة فإن كان أحدهما في أيام العادة دون الآخر جعلت ما في العادة حيضا (68) و إن لم يكن

______________________________

تنحيض بمجرد الرؤية، و مع فقده لها يجري فيه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة.

(65) كلّ ذلك للإجماع، و قاعدة الإمكان، مضافا إلى ما تقدم من أنّ العادة من الأمارات المعتبرة و يصح تقدم العادة و تأخرها في الجملة على ما مر.

(66) أما جعل العادة حيضا، فلأمارية العادة. و أما جعل البقية استحاضة، فلما يأتي في الفصل اللاحق، و لا تجري قاعدة الإمكان بالنسبة إلى ما بعد العادة إلى تمام العشرة، لاختصاص جريانها بما إذا لم تكن أمارة على خلافها، و التجاوز عن العشرة أمارة على خلافها، كما يأتي.

(67) تقدم أنّ النقاء المتخلل يكون من الحيض. فيكون مجموع العشرة حيضا، فلا يجب هذا الاحتياط، و إن كان حسنا.

(68) لأنّ العادة أقوى الأمارات على الحيضية، مضافا إلى الإجماع- كما في المستند- سواء كان الدم واجدا للصفات أو فاقدا لها، إذ لا اعتبار بالصفات في أيام العادة. و لا يجعل ما في غير أيام العادة حيضا و إن كان واجدا للصفات،

ص: 174

واحد منهما في العادة فتجعل الحيض ما كان منهما واجدا للصفات (69) و إن كانا متساويين في الصفات فالأحوط جعل أولهما حيضا (70)

______________________________

لتقدم العادة على جميع الأمارات عند التعارض، كما لا وجه لجريان قاعدة الإمكان في غير أيام العادة أيضا، لما تقدم من أنها بمنزلة الأصل الذي يقدم عليها أضعف الأمارات فكيف بالعادة التي هي أقواها، فإذا جعلت ما في العادة حيضا ينتفي موضوع قاعدة الإمكان قهرا.

(69) للأخبار الكثيرة الدالة على الرجوع إلى الصفات عند الاشتباه (1)، هذا إذا لم يكن مرجع آخر في البين، و الا فيأتي حكمه، كما أنّه لا بد من تقييده بما إذا كان النقاء المتخلل أقل من العشرة، و الا فيمكن أن يكون كلّ منهما حيضا مستقلا.

(70) المشهور التحيض بالأول، بعد الإجماع على وجوب التحيض في أحد الدمين، فيكون المورد من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير و الحكم فيه هو التخيير، لو لا محتمل الأهمية في البين. و فتوى المشهور يجعل الأول حيضا يصلح لاحتمال الأهمية لو لم يصلح لتعينها هذا ما يقتضيه الإجماع على وجوب التحيض في الجملة في أحد الدمين، و أما مع قطع النظر عنه، فإن علم إجمالا بكون أحد الدمين حيضا و الآخر استحاضة وجب الاحتياط، لعدم الفرق في تنجزه بين كون الأطراف دفعية أو تدريجية، كما أثبتناه في محلّه و إن لم يعلم ذلك، فلا موجب للتحيض أصلا في البين، لتعارض جريان أدلة الصفات، و قاعدة الإمكان في كل واحد من الدمين بجريانها في الآخر، فيرجع بعد التساقط إلى الأصل.

و ما يقال: من أنّ جريان قاعدة الإمكان بالنسبة إلى الدم الأول، و أدلة الرجوع إلى الصفات فيه، لا يبقيان موضوعا لجريانها في الدم الأخير قهرا، فلا موضوع للتعارض.

ص: 175


1- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض.

و إن كان الأقوى التخيير (71) إن كان بعض أحدهما في العادة دون الآخر جعلت ما بعضه في العادة حيضا (72) و إن كان بعض كلّ واحد منهما في العادة فإن كان ما في الطرف الأول من العادة ثلاثة أيام أو أزيد جعلت الطرفين من العادة حيضا و تحتاط في النقاء المتخلل (73)، و ما قبل الطرف الأول و ما بعد الطرف الثاني استحاضة (74) و إن كان ما في العادة في الطرف الأول أقل من ثلاثة تحتاط في جميع أيام الدمين و النقاء بالجمع بين الوظيفتين (75).

______________________________

مدفوع: بأنّ مناط التعارض في التدريجيات لحاظ صحة الجريان في الواقع في كل واحد من الطرفين و هو متحقق في كلّ واحد منهما واقعا، و الا فلا يبقى مورد لتنجز العلم الإجمالي في التدريجيات، و لكن لا وجه لذلك بعد الإجماع على وجوب التحيض في الجملة.

(71) لا وجه لأقوائية التخيير، مع احتمال الأهمية في تحيض الأول، لفتوى المشهور و غيره مما يوجب احتمالها

(72) لأنّ العادة من أقوى الأمارات على التحيض.

(73) أما جعل الطرفين من العادة حيضا، فلكون العادة أمارة عليه و أما وجوب الاحتياط في النقاء المتخلل فلا وجه له، لما تقدم من أنّ النقاء المتخلل حيض، فتجعل المجموع حيضا بلا فرق بين أيام الدماء و النقاء.

ثمَّ إنّه لا وجه لإعمال الاستحاضة، بل لا بد من الجمع بين تروك الحائض و أعمال الطاهر، لأن النقاء إما حيض، أو طهر.

(74) لما يأتي في الفصل اللاحق من أنّ الدم المتجاوز عن العشرة استحاضة.

(75) للعلم الإجمالي، و عدم طريق معتبر لانحلاله، لكن إن كان الطرف الآخر ثلاثة أو أزيد، فالظاهر صحة التمسك بكون العادة أمارة فلا يجب الاحتياط حينئذ.

ص: 176

.....

______________________________

ثمَّ إنّ الأقسام المذكورة في هذه المسألة ثمانية:

1- مجموع الدمين و النقاء المتخلل لا يزيد عن العشرة، و حكمه أنّ المجموع حيض.

2- التجاوز عن العشرة و كون أحدهما في العادة، و حكمه أنّ ما في العادة حيض بخلاف غيره.

3- التجاوز عن العشرة و عدم كون كلّ من الدمين في العادة، و حكمه الرجوع إلى التمييز، فواجد الصفات حيض بخلاف غيره.

4- التجاوز عن العشرة و التساوي في الصفات، و الأحوط جعل الأول حيضا 5- التجاوز عن العشرة و التساوي في الصفات مع كون بعض الدمين في العادة يجعل ما يكون بعضه في العادة حيضا، لكون العادة أمارة عليه.

6- التجاوز عن العشرة مع التمييز. و كون البعض في العادة تجعل ما بعضه في العادة حيضا، لكون أمارية العادة أقوى من الصفة.

7- التجاوز عن العشرة مع كون بعض كل منهما في العادة و كون ما في الطرف الأول ثلاثة، أو أزيد تجعل العادة حيضا و كذا النقاء المتخلل في البين و الزائد عليها استحاضة.

8- عين الصورة السابقة مع كون ما في الطرف الأول أقل من ثلاثة، تحتاط في جميع أيّام الدم بالجمع بين الوظيفتين الا مع كون الطرف الآخر ثلاثة أو أزيد، فتنطبق أمارية العادة عليه حينئذ، و لا يجب الاحتياط بالجمع.

فائدة: العادة و الصفات، أمارتان معتبران، و المتيقن من اعتبارهما إنّما هو في مفادهما المطابقي دون اللوازم و الملزومات. و ما اشتهر أنّ الأمارات حجة في مثبتاتها دون الأصول لا كلية له، بل يدور ذلك مدار إحراز مقدار دلالة دليل الاعتبار، فربما يدل على اعتبار المثبت في الأصل دون الأمارة و ربما يكون بالعكس، فإثبات الحيضية في دم بالعادة أو الصفات لا يدل على أنّ الدم الآخر استحاضة إلا بدليل خاص يدل عليه.

ص: 177

مسألة 19: إذا تعارض الوقت و العدد في ذات العادة الوقتية العددية يقدم الوقت

(مسألة 19): إذا تعارض الوقت و العدد في ذات العادة الوقتية العددية يقدم الوقت (76) كما إذا رأت في أيام العادة أقل أو أكثر من عدد العادة و دما آخر في غير أيام العادة بعددها، فتجعل ما في أيام العادة حيضا و إن كان متأخرا، و ربما يرجع الأسبق (77)، فالأولى فيما إذا كان الأسبق العدد في غير أيام العادة الاحتياط في الدمين بالجمع بين الوظيفتين.

مسألة 20: ذات العادة العددية إذا رأت أزيد من العدد و لم يتجاوز العشرة فالمجموع حيض

(مسألة 20): ذات العادة العددية إذا رأت أزيد من العدد و لم يتجاوز العشرة فالمجموع حيض، و كذا ذات الوقت إذا رأت أزيد من الوقت (78).

مسألة 21: إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرة

(مسألة 21): إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرة فرأت في شهر

______________________________

(76) لكونه أقوى من العدد، لكن قد يصدق تعجيل الوقت، كما في موثق سماعة: «ربما تعجل بها الوقت» (1) و إطلاق قوله عليه السلام: «ما كان قبل الحيض فهو حيض» (2).

فلا بد من مراعاة هذه الجهة أيضا.

(77) لانطباق الحيض عليه قهرا، و لكنه من مجرد الدعوى- كما لا يخفى- و لا بد في إثباته من الرجوع إلى قرائن أخرى و ليست مجرد الأسبقية قرينة معتبرة.

(78) لقاعدة الإمكان، و ظهور الإجماع، و قول الصادق عليه السلام في موثق سماعة: «ربما تعجل بها الوقت» و قوله عليه السلام: «ما كان قبل الحيض فهو حيض» و تقدم بعض الكلام في [مسألة 15] فراجع.

ص: 178


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 5.

مرتين مع فصل أقل الطهر و كانا بصفة الحيض، فكلاهما حيض (79)، سواء كانت ذات عادة وقتا أو عددا أو لا، و سواء كانا موافقين للعدد و الوقت (80) أو يكون أحدهما مخالفا.

مسألة 22: إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرة فرأت في شهر مرّتين مع فصل أقل الطهر

(مسألة 22): إذا كانت عادتها في كلّ شهر مرة فرأت في شهر مرّتين مع فصل أقل الطهر، فإن كانت إحداهما في العادة و الأخرى في غير وقت العادة و لم تكن الثانية بصفة الحيض تجعل ما في الوقت- و إن لم يكن بصفة الحيض- (81) حيضا و تحتاط في الأخرى (82). و إن كانتا معا في غير الوقت فمع كونهما واجدتين كلتاهما حيض (83) و مع كون إحداهما واجدة تجعلها حيضا و تحتاط في الأخرى و مع كونهما فاقدتين تجعل إحداهما حيضا (84)- و الأحوط كونها الأولى- و تحتاط في الأخرى

______________________________

(79) للإجماع، و لقاعدة الإمكان بعد وجود المقتضي و فقد المانع عن حيضية كليهما.

(80) أي: أنّ أحدهما موافق للعدد، و الآخر موافق للوقت، و الا فموافقة كلّ منهما للوقت في مفروض المسألة ممتنعة.

(81) لما تقدم من أنّ العادة من أقوى الأمارات على الحيضية.

(82) مقتضى قاعدة الإمكان جعل الأخرى أيضا حيضا. نعم، تتحيض في الأولى بمجرد رؤية الدم، و في الأخرى على تفصيل تقدم في غير ذات العادة في [مسألة 15] فراجع، الا أن يقال: إنّ المراد بالإمكان هو إمكان الوقوع بحسب الغالب في الخارج و حيض المرأة في شهر مرتين نادر، و الشك في جريان أدلتها لمثل المقام يكفي في عدم الجريان، و لا ريب في أنّ الاحتياط حسن في تمام الأحوال، و كذا الكلام في الفرع بعده

(83) لوجود المقتضي- لحيضية كلتيهما- و فقد المانع عنها.

(84) أما أصل التحيض في الجملة. فلعلمها العادي- بحسب حالها-

ص: 179

مسألة 23: إذا انقطع الدم قبل العشرة

(مسألة 23): إذا انقطع الدم قبل العشرة فإن علمت بالنقاء و عدم وجود الدم في الباطن اغتسلت و صلّت (85) و لا حاجة إلى الاستبراء (86). و إن احتملت بقاءه في الباطن وجب عليها الاستبراء (87)

______________________________

بحصول حيض في كلّ شهر لها.

و أما التخيير، فلعدم ترجيح في البين لو لم تكن الأسبقية مرجحة، و لا دليل على الترجيح بها.

(85) لفرض تحقق النقاء بالعلم الوجداني، فيترتب عليه الحكم لا محالة.

(86) لأنه واجب مقدمة لحصول العلم بالنقاء و مع العلم به لا معنى لوجوبه.

(87) إجماعا، و نصوصا كثيرة، و لأنّ ذلك من الطرق العرفية للاختبار قرّره الشارع. قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «إذا أرادت الحائض أن تغتسل، فلتستدخل قطنة، فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل و إن لم تر شيئا فلتغتسل» (1).

و لو لم يرد من الشارع في ذلك شي ء لاستعلمن حالهنّ بذلك بمقتضى فطرتهنّ. ثمَّ إنّ المراد بقوله: «و إن احتملت بقاءه» عدم العلم بالنقاء، فيشمل الظن الغير المعتبر.

ثمَّ إنّ الاستبراء قد ذكر في الفقه في موارد: منها: ما تقدم في أحكام الاستنجاء، و منها: المقام و منها: ما يأتي في استبراء الإماء حين التملك، و الأول اعتباره شرطي يعني: أنه شرط للحكم بطهارة الرطوبة المشتبهة كما مر في [مسألة 2] من (فصل الاستبراء) و في المقام طريقي محض لا أن يكون شرطيا و لا نفسيا، و في الإماء نفسي على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

ص: 180


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 1.

.....

______________________________

ثمَّ إنّه لا تصح عبادتها قبل الاستبراء ظاهرا، لأصالة بقاء الحيض، بل و لو قيل بعدم جريانها في التدريجيات، لا يصح أيضا، لإطلاق أدلة وجوب الاستبراء، و ينطبق على العمل حينئذ عنوان التجري، فتكون متقربة بالمبغوض نعم، لو لم ينطبق على العمل عنوان التجري، و صادف الواقع مستجمعا للشرائط يصح حينئذ، كما يأتي.

فروع- (الأول): كيفية الإدخال و الإخراج موكولة إلى المتعارف- بينهنّ- و ليس لها تعبد شرعي- فيصح بكلّ ما يوجب الاطمئنان بالنقاء كما تقدم. نعم، في مرسل يونس عن الصادق عليه السلام قال: «سئل عن امرأة انقطع عنها الدم فلا تدري أ طهرت أم لا؟، قال: تقوم قائما و تلزق بطنها بحائط و تستدخل قطنة بيضاء و ترفع رجلها اليمنى، فإن خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر، و إن لم يخرج فقد طهرت تغتسل و تصلي» (1).

و موثق سماعة عن الصادق عليه السلام قال: «قلت له: المرأة ترى الطهر و ترى الصفرة أو الشي ء، فلا تدري طهرت أم لا؟ قال: فإذا كان كذلك فلتقم فتلصق بطنها إلى حائط و ترفع رجلها على حائط كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول ثمَّ تستدخل الكرسف، فإذا كان ثمة من الدم مثل رأس الذباب خرج، فإن خرج دم فلم تطهر و إن لم يخرج فقط طهرت».

و مثله خبر الكندي: «تعمد برجلها اليسرى على الحائط و تستدخل الكرسف بيدها اليمنى فإن كان ثمَّ مثل رأس الذباب- الحديث-» (2).

و لكن الظاهر أنّ هذه الكيفية من باب أحد الطرق و لذا نسب إلى المشهور عدم وجوب خصوص هذه الكيفية و إن كان الأحوط العمل بما في موثق سماعة.

(الثاني): لو شكت في النقاء و استعملت دواء، أو آلة فعلمت بالنقاء بذلك لا تحتاج إلى الاستبراء حينئذ.

(الثالث): لا اختصاص لما يدخل بالقطنة، بل يصح بكلّ شي ء ناعم يتلون بالدم كما لا تعتبر فيه المباشرة، بل يجوز بإدخال الزوج أيضا.

ص: 181


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 3.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 4.

و استعلام الحال بإدخال قطنة و إخراجها بعد الصبر هنيئة، فإن خرجت نقية اغتسلت و صلّت (88) و إن خرجت ملطخة- و لو بصفرة (89)- صبرت حتى تنقى أو تنقضي عشرة أيام (90) إن لم تكن ذات عادة أو كانت

______________________________

(88) لتحقق النقاء مضافا إلى النص المتقدم و الإجماع.

(89) فإن كانت في أيام العادة، فهي أمارة على الحيضية و الصفرة في أيام الحيض حيض- كما في النص- و إن كانت غيرها و قبل التجاوز عن العشرة، فهي حيض أيضا، لقاعدة الإمكان الدالة على حيضية الصفرة.

و أما قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «فلتستدخل قطنة فإن خرج فيها شي ء من الدم فلا تغتسل و إن لم تر شيئا فلتغتسل و إن رأت بعد ذلك صفرة، فلتتوضأ و لتصلّ» (1). فالدم فيه مذكور من باب المثال- لبقاء حدث الحيض- فيشمل الصفرة أيضا. و أما الصفرة المذكورة في ذيله، فمحمولة على ما بعد تجاوز العشرة، كحمل ما ورد من أنّ الصفرة بعد أيام الحيض ليس من الحيض عليه أيضا.

و أما المرسل: «فإن خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط- الحديث-» (2).

فهو أيضا من باب المثال، فيشمل مطلق ما يكشف عن بقاء حديث الحيض و لا موضوعية لخصوص الدم العبيط، مع أنّ قصور سنده يوهن الاعتماد عليه.

(90) لأصالة بقاء الحيض حتّى تعلم بالنقاء أو بمضيّ آخر حد الحيض و هو عشرة أيام، فلا وجه للحكم بالحيضية بعد ذلك، لفرض العلم، أو الاطمئنان العادي بالنقاء، و هو حجة مقدمة على الاستصحاب، و كذا مضي عشرة أيام، فإنّه حجة شرعية على زوال الحيض.

______________________________

ص: 182


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 7.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الحيض حديث: 2 هذا على ما رواه الكليني في الكافي و في نسخة الوسائل كلمة «صفرة» محذوفة.

عادتها عشرة و إن كانت ذات عادة أقل من عشرة فكذلك، مع علمها بعدم التجاوز عن العشرة (91)، أما إذا احتملت التجاوز، فعليها الاستظهار (92)

______________________________

(91) أما الأول، فللإجماع، و لقاعدة الإمكان، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في الموثق: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام» (1) و في الموثق أيضا: «فلها أن تجلس و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة»- الحديث- (2).

و أما الثاني: فلأمارية العادة على الحيضية.

و أما الأخير، فلقاعدة الإمكان، و الإجماع، و عدم الموضوع للاستظهار، لأنّ موضوعه ما إذا احتملت التجاوز عن العشرة. و أما لو كانت أقل منها و علمت بعدم التجاوز عنها، أو كانت العادة عشرة فلا موضوع حينئذ للاستظهار، ففي خبر ابن المغيرة: «إذا كانت أيام المرأة عشرة لم تستظهر، فإذا كانت أقل استظهرت» (3).

و لا بد من تقييده بما إذا احتملت التجاوز عنها.

(92) لا كلام في أصل مشروعيته في الجملة بين الإمامية، و نصوصهم به مستفيضة، بل متواترة، و مقتضى الظاهر، و الأصل و قاعدة الإمكان، و مرتكزات النسوة ذلك أيضا، لكثرة وقوع الاختلاف في العادة، فأسقط الشارع أحكام الطهارة عنها بمجرد ختم العادة مع تجاوز الدم عنها ترجيحا للأصل و الظاهر حتّى يتبيّن الحال، و ذلك تسهيل من الشارع بالنسبة إليهنّ و مورد الاستظهار تجاوز الدم عن العادة المعتبرة، مع احتمال التجاوز عن العشرة أيضا، فلا استظهار مع العلم

ص: 183


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الحيض حديث: 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 2.

.....

______________________________

بعدم التجاوز عن العشرة و إن تجاوز عن العادة.

ثمَّ إنّ لباب القول يقتضي البحث عن جهات:

الأولى: تقدم أنّ مدرك الاستظهار: أخبار مستفيضة، و قاعدة الإمكان، و الأصل، و الظاهر و لا معارض لما ذكر إلا الأخبار الدالة على لزوم الاقتصار على العادة عند تجاوز الدم عنها و هي كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في الصحيح: «المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها و لا يقربها بعلها، فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر- الحديث» (1).

و مثله غيره. و فيه: أنّ أخبار الاستظهار حاكمة عليها، لأنّها تبيّن أنّ المراد بقوله عليه السلام- في أخبار الاستحاضة-: «تنظر أيامها فلا تصلي فيها- الحديث-». أعم من أيام العادة، و ما تستظهر فيها من الأيام كحكومة ما دل على أنّ العادة قد تتقدم بيوم. أو يومين، إلا أنّ الأخير حكومة واقعية، و الأول كذلك ما لم يتبيّن الخلاف، و إلا فتكون من الحكومة الظاهرية. هذا، مع أنّ بعض الأخبار التي توهم معارضتها مع أخبار الاستظهار وردت في مستمرة الدم، فلا ربط له بالمقام كخبر ابن جرير: «دخلت امرأة على أبي عبد اللّه عليه السلام- إلى أن قال- فقالت له: ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها، قال عليه السلام: إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثمَّ هي مستحاضة، قالت: فإنّ الدم يستمر بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال عليه السلام: تجلس أيام حيضها ثمَّ تغتسل لكلّ صلاتين» (2)الثانية: الموارد التي اختلفت فيها الأخبار- غاية الاختلاف- كثيرة في الفقه:

منها: منزوحات البئر، و حكم أخيرتي الرباعية، و أخيرة المغرب، و حكم السلام المخرج عن الصلاة، و أحاديث القصر، و ذبيحة الكتابي، و ما ورد في

ص: 184


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 3.

.....

______________________________

الرضاع إلى غير ذلك مما هو كثير و نتعرض لها في محالها إن شاء اللّه تعالى.

و منها: الأخبار التي وردت في أيام الاستظهار و هي على أقسام:

الأول: المطلقات الآمرة بالاستظهار، كقول الصادق عليه السلام: «إذا كانت أيام المرأة عشرة لم تستظهر فإذا كانت أقل استظهرت»(1).

الثاني: ما دل على الاستظهار بعشرة أيام يعني: بإتمام عشرة أيام و هو يشمل كلّ ما زاد عن العادة إلى العشرة، كقول الصادق عليه السلام في خبر ابن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: امرأة رأت الدم في حيضها حتّى تجاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلي؟ قال: تنتظر عدتها التي كانت تجلس، ثمَّ تستظهر بعشرة أيام- الحديث-» (2) الثالث: ما دل على الاستظهار بيوم، كقوله عليه السلام: «تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيام- الحديث-» (3).

و مثله قوله عليه السلام أيضا: «إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد» (4).

الرابع: الأخبار الدالة على الاستظهار بثلاثة أيام، كقول أبي الحسن الرضا عليه السلام: «ثمَّ تستظهر بثلاثة أيام ثمَّ هي مستحاضة» (5).

و كذلك موثق سماعة و غيرهما (6).

الخامس: الروايات الدالة على الاستظهار بيوم أو يومين و هي كقول أبي جعفر عليه السلام: «المستحاضة تقعد أيام قرئها، ثمَّ تحتاط بيوم أو يومين- الحديث» (7).

السادس: ما دلّ على الاستظهار بيومين، أو ثلاثة كقوله عليه السلام:

«تستظهر بعد أيامها بيومين أو ثلاثة أيام ثمَّ تصلي» (8).

ص: 185


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 12.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 4.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 3.
5- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 10.
6- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 1.
7- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 7.
8- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 8.

.....

______________________________

السابع: ما دل على اليوم، أو يومين: أو ثلاثة، كقول الرضا عليه السلام: «تستظهر بيوم، أو يومين، أو ثلاثة»(1).

الثامن: ما دل على اليومين كقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «تقعد بقدر حيضها، و تستظهر بيومين» (2).

و لعل الحكمة في هذا الاختلاف اختلاف عادات النساء، فإنّ الغالب كونها بين سبعة و تسعة.

ثمَّ إنّ ظهورها في التخيير- بعد رد بعضها إلى البعض- مما لا ينكر خصوصا قول أبي الحسن عليه السلام في صحيح البزنطي قال: «سألته عن الحائض كم تستظهر؟ فقال: تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة» (3).

و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في الموثق: «تستظهر بعشرة أيام».

و قوله عليه السلام أيضا: «إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة» (4).

و لا ريب في انسباق التخيير من المجموع بعد جعل بعضها قرينة على البعض الآخر. فلا وجه لما يقال: إنّ القدر المتيقن من الأخبار إنّما هو اليوم الواحد، فلا موضوع للتخيير حينئذ. إذ لا معنى للأخذ بالقدر المتيقن، مع ظهورها في التخيير بين اليوم، و اليومين، و الثلاثة. كما لا وجه للإشكال بأنّه لا يتصور التخيير بين الأقل و الأكثر. لما أجيب عنه في الأصول مفصلا.

الثالثة: قد ثبت في الأصول أنّ الجملة الخبرية الواردة في مقام الإنشاء تدل على الوجوب، فيكون الاستظهار واجبا للتعبير به بالجملة الخبرية في الأخبار مضافا إلى ما ورد من الاهتمام به في الأخبار المستفيضة كالاهتمام بالواجب.

و لا وجه لما عن المدارك من استحبابه، بل نسبه إلى عامة المتأخرين، و استدل عليه بأنّ كثرة اختلاف الأخبار في مقداره من أمارات الندب، و بأنّه

ص: 186


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 9.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الوسائل الحديث: 9.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب الوسائل الحديث: 11.

.....

______________________________

مقتضى الجمع بين ما دل على الأخذ بالعادة، و ما دل على الاستظهار، و بأن مرجع التخيير في أيام الاستظهار إلى التخيير في إتيان العبادة و تركها و هو باطل، و الكل فاسد:

أما الأول: فلأن الاختلاف في الأخبار من الأمور الشائعة و له نظائر كثيرة كما ذكرناه.

و أما الثاني: فبما تقدم من حكومة أدلة الاستظهار على أدلة الأخذ بالعادة.

و أما الأخير: فلأنّ التخيير موضوعي لا أن يكون حكميا كالتخيير بين الخبرين المتعارضين و تقليد المجتهدين المتساويين المختلفين في الفتوى.

كما لا وجه لما عن المعتبر من إباحة الاستظهار، لورود أخبارها مورد توهم الحظر، و لأصالة البراءة عن الوجوب و الاستحباب بعد معارضتها بأخبار الأخذ بالعادة.

لأنّ ورود هذه الأخبار الكثيرة مورد توهم الحظر مما يأباه المتفاهم العرفي و تقدم أنّه لا معارضة بين ما دل على الأخذ بالعادة و أخبار الاستظهار، لحكومة الأخيرة على الأولى.

الرابعة: الحكم بكون أيام الاستظهار حيضا مع عدم التجاوز عن العادة لا يدل على عدم الحيضية فيما تجاوز عنها من الأيام، لما تقدم في الفائدة(1)، و على فرض الكلية- في حجية مثبتات الأمارات- إنّما هو إذا لم يكن في البين دليل على الخلاف، و أخبار الاستظهار تصلح لأن تكون دليلا على الخلاف.

ثمَّ إنّه قد تعارض أخبار الاستظهار بما دل على لزوم الأخذ بالعادة و الاقتصار عليها و هي أخبار كثيرة:

منها: مرسلة يونس الطويلة: «ألا ترى أنّ أيامها لو كانت- إلى أن قال- فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما و هي مستحاضة» (2)

______________________________

ص: 187


1- تقدم في صفحة: 177.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

.....

______________________________

و منها: قوله عليه السلام: «المستحاضة تنظر أيامها، فلا تصلّي فيها و لا يقربها بعلها، فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت و صلّت» (1).

و منها: موثق مالك بن أعين: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال عليه السلام: ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها و حيضتها مستقيمة، فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك الشهر و يغشاها فيما سوى ذلك- الحديث-» (2).

و نحوها غيرها. و يجمع بينهما تارة: بحمل الأخبار الدالة على لزوم الأخذ بالعادة على مستمرة الدم، و الأخبار الدالة على الاستظهار على غيرها.

و فيه: أن إطلاقات كلّ منهما- الواردة في مقام جعل القاعدة- آبية عن هذا الحمل، و إن كان يشهد له ما تقدم من خبر ابن جرير إن حمل- الشهر و الشهرين، و الثلاثة فيه- على المثال لمطلق مستمرة الدم، و الا فيختص بمورده، فلا شهادة فيه على المقام.

و أخرى: بحمل الأولى على فاقد الصفة، و الأخيرة على واجدها.

و فيه: أنّه خلاف الإطلاقات جدّا، فكيف تقيد إطلاقات العادة، مع كونها من أقوى الأمارات؟ و كونها في مقابل أمارية الصفات، ثمَّ كيف تقيد إطلاقات أخبار الاستظهار بواجد الصفة، مع أنّ التأخر عن العادة يوجب ضعف الدم عن صفاته و في صحيح ابن يسار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تحيض ثمَّ تطهر و ربما رأت بعد ذلك الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال: تستظهر- الحديث» (3).

و ثالثة: بحمل الأولى على مستقيمة العادة و الثانية على المختلف عنها أحيانا، بقرينة قول الصادق عليه السلام في الموثق: «فإن كان قرؤها مستقيما

ص: 188


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 8.

بترك العبادة استحبابا (93) بيوم أو يومين أو إلى العشرة مخيرة بينها (94) فإن انقطع الدم على العشرة أو أقل، فالمجموع حيض في الجميع (95)، و إن تجاوز فسيجي ء حكمه.

______________________________

فلتأخذ به و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين و لتغتسل- الحديث-» (1).

و فيه: أنّ استقامة العادة من كلّ جهة نادر جدّا و هو حمل على الفرد النادر، و المراد بقوله عليه السلام: «فإن كان قرؤها مستقيما» الاستقامة بحسب الأدلة الشرعية التي لا تنافي التقدم و التأخر في الجملة، بل و كذا الاستظهار على ما تقدم.

و رابعة: بحمل أخبار الاستظهار على من ترجو الانقطاع إلى العشرة، و أخبار الأخذ بالعادة على من لا ترجو ذلك.

و فيه: أنه إن كان المراد برجاء الانقطاع احتماله، فهو مورد الاستظهار، و إن كان غير ذلك فلا دليل عليه أصلا فالحق: أنه لا وجه للمعارضة بين أخبار الاقتصار على العادة و أخبار الاستظهار، لحكومة الثانية على الأولى عرفا.

(93) تقدم أنّه على وجه الوجوب، لوجود المقتضي له و فقد المانع عنه.

(94) لما تقدم من ظهور مجموع الأخبار في التمييز بلا دليل على الخلاف.

(95) لأنّه لا أثر للاستظهار الا ذلك و هو المقطوع به عند كل من قال بالاستظهار.

فروع- (الأول): إذا تجاوز الدم عن العشرة تقضي ما تركته من العبادة في زمان الاستظهار على المشهور، للعمومات و الإطلاقات، و قاعدة الاشتغال.

(الثاني): لا فرق في التجاوز عن العشرة بين الكثير و القليل بعد صدق التجاوز عرفا.

ص: 189


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.
مسألة 24: إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة و علمت أنّه يتجاوز عن العشرة تعمل عمل الاستحاضة فيما زاد

(مسألة 24): إذا تجاوز الدم عن مقدار العادة و علمت أنّه يتجاوز عن العشرة تعمل عمل الاستحاضة فيما زاد و لا حاجة إلى الاستظهار (96).

مسألة 25: إذا انقطع الدم بالمرة وجب الغسل و الصلاة

(مسألة 25): إذا انقطع الدم بالمرة وجب الغسل و الصلاة و إن احتملت العود قبل العشرة، بل و إن ظنت (97)- بل و إن كانت معتادة

______________________________

(الثالث): إذا انقطع الدم و شك في التجاوز عن العشرة و عدمه فمقتضى الأصل عدمه.

(الرابع): لو لم تستظهر و عملت عمل المستحاضة فإن تجاوز الدم عن العشرة لا شي ء عليها بعد تحقق قصد القربة في عباداتها، و إن لم يتجاوز تقضي صومها إن صامت.

(الخامس): لو شرعت في الاستظهار، فاستعملت دواء و انقطع الدم به قبل العشرة، فمقتضى الأصل عدم وجوب قضاء العبادات التي تركتها في زمان الاستظهار.

(96) لأنّ موضوع الاستظهار احتمال التجاوز عن العشرة و عدمه، و مع العلم بالتجاوز يتحقق موضوع الاستحاضة و لا يبقى موضوع للاستظهار.

(97) أما في صورة إحراز القطع بالمرة فللنص (1)، و الإجماع، بل الضرورة الفقهية. و أما في صورة احتمال العود، فلإطلاق ما دل على وجوب الغسل و الصلاة بإحراز الطهر (2) الشامل لصورة الاحتمال أيضا مع أنّ هذا الاحتمال غالبي و مثل هذه الإطلاقات وردت مورد الغالب، و حيث إن الظن غير المعتبر كالاحتمال، فتشمله الإطلاقات أيضا، فما عن الشهيد من الاستظهار في صورة الظن، لا وجه له.

ص: 190


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الحيض حديث: 6 و غيره من الأحاديث.
2- الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 3 و غيره مما هو مذكور فيه.

بذلك على إشكال (98). نعم، لو علمت العود، فالأحوط مراعاة الاحتياط في أيام النقاء، لما مرّ من أنّ في النقاء المتخلل يجب الاحتياط (99).

مسألة 26: إذا تركت الاستبراء و صلّت بطلت

(مسألة 26): إذا تركت الاستبراء و صلّت بطلت و إن تبيّن بعد ذلك كونها طاهرة إلا إذا حصلت منها نية القربة (100).

مسألة 27: إذا لم يمكن الاستبراء لظلمة أو عمى

(مسألة 27): إذا لم يمكن الاستبراء لظلمة أو عمى، فالأحوط الغسل و الصلاة إلى زمان حصول العلم بالنقاء (101) فتعيد الغسل حينئذ

______________________________

(98) إن كانت العادة مما يوجب الاطمئنان بالعود، فالنقاء المتخلل حيض، و إلا فلا وجه لاعتباره أصلا، و قضية أنّ العادة مطردة لا أصل لها من عقل أو نقل. هذا إذا أحرزت أنّ الدم انقطع بالمرة و إلا فقد تقدم حكمه في [مسألة 23] فراجع.

(99) تقدم أنّ النقاء المتخلل حيض، فلا يجب الاحتياط و إن كان حسنا.

(100) لما مر من أنّ وجوب الاستبراء طريقي محض، لا أن يكون نفسيا، أو شرطا لصحة العمل، بل المدار في صحة العمل و فساده استجماعه لشرائط الصحة و عدمه، فعلى الأول يصح، استبرأت أم لا، و على الثاني لا يصح كذلك كما هو الحال في الفحص الذي يجب في جميع الموارد من الشبهات الموضوعية و الحكمية.

(101) مقتضى أصالة بقاء الحيض هو التحيض و لا حاكم عليها إلا أدلة الاستبراء، و يمكن دعوى: اختصاصها بحال التمكن منه، فلا تشمل صورة التعذر، فالمقتضي للتحيض موجود و المانع عنه مفقود.

ثمَّ إنّه لو قلنا بحرمة العبادات على الحائض تشريعا، فلا ريب في صحة الاحتياط و كذا لو قلنا بالحرمة الذاتية و ترجيح جانب الفعل لمصلحة بقاء التمرين العبادي و غيره من المصالح. و أما لو قلنا بالحرمة الذاتية و عدم ترجيح طرف

ص: 191

و عليها قضاء ما صامت (102) و الأولى تجديد الغسل في كلّ وقت تحتمل النقاء.

______________________________

الفعل، فيكون من موارد دوران الأمر بين المحذورين، فلا موضوع للاحتياط حينئذ، كما تقرر في محله. و يأتي التفصيل في (فصل أحكام الحائض).

(102) أما وجوب تجديد الغسل، فلفرض كونها محدثة بحدث الحيض و لم تغتسل عنه. و أما قضاء الصيام، فلوقوعه غير جامع للشرائط.

ص: 192

فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة
اشارة

(فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة)

مسألة 1: من تجاوز دمها عن العشرة

(مسألة 1): من تجاوز دمها عن العشرة سواء استمر إلى شهر أو أقل أو أزيد (1)- إما أن تكون ذات عادة أو مبتدئة أو مضطربة أو ناسية، أما ذات العادة، فتجعل عادتها حيضا (2) و إن لم تكن بصفات الحيض (3) و البقية استحاضة (4) و إن كانت بصفاته (5) إذا لم تكن العادة (فصل في حكم تجاوز الدم عن العشرة)

______________________________

(1) لصدق التجاوز في الجميع، فيشمله إطلاق الأدلة، مضافا إلى عدم الخلاف في تعميمه للجميع.

(2) إجماعا، و نصوصا كثيرة- تقدم بعضها (1) و يأتي بعضها الآخر- مضافا إلى أنّ العادة من أقوى الأمارات على الحيضية، فمع وجودها لا وجه للرجوع إلى غيرها.

(3) لإطلاق أدلة الرجوع إلى العادة من النص، و الإجماع الشامل لواجد الصفة و فاقدها.

(4) نصا، و إجماعا في غير أيام الاستظهار، و على المشهور، بل لعله لا خلاف فيه- كما في الجواهر- فيها، لأنّ الترخيص الظاهري في ترك العبادة مقيد بعدم التجاوز من العشرة فإذا تجاوز عنها يكشف ذلك عن أنّ الدم المتجاوز عن العادة كان استحاضة، لأنّ دم الحيض لا يتجاوز عن العشرة نصوصا، و إجماعا.

(5) للإطلاقات، و العمومات الدالة على أنّها- بعد تجاوز الدم عن

ص: 193


1- تقدم في صفحة: 167.

.....

______________________________

العشرة- تجعل العادة حيضا، و الباقي استحاضة، فتشمل الواجد لصفات الحيض و فاقدها، مضافا إلى المرسلة الطويلة المعمول بها قال عليه السلام فيها:

«لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم- إلى أن قال-: فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم و إدباره و تغير لونه» (1).

و قريب منها غيرها (2). فما عن الشيخ رحمه اللّه من العمل بالتميز، للإجماع، و إطلاق أدلة الصفات. مخدوش: إذ لا وجه للإجماع، مع ذهاب المشهور إلى الخلاف، كما لا وجه لإطلاق أدلة الصفات مع الأدلة الخاصة الدالة على جعل أيام العادة حيضا و هي أقوى من إطلاقات أدلة الصفات.

كما أنّ ما عن الوسيلة من التخيير- بزعم أنّه جمع بين الدليلين- لا وجه له، لأنّ التخيير إنما يكون مع عدم الترجيح بين الدليلين و المفروض أقوائية أمارية العادة حتى بين النساء، فلا يلتفتن معها إلى الصفات و لا فرق في ذلك بين كون التميز و العادة و كلاهما في ضمن العشرة، كما إذا كانت عادتها سبعة و تجاوز الدم عن العشرة و كانت الثلاثة بعد السبعة بصفة الحيض، أو تخلل أقلّ الطهر بين العادة و واجد الصفة بحيث أمكن الجمع بينهما في التحيض، كما إذا كانت العاد خمسة و استمر الدم إلى عشرين يوما و كانت الخمسة الأخيرة بصفة الحيض أو كان بحيث لا يمكن الجمع بينهما في التحيض، كما إذا كانت العادة خمسة و رأت الدم اثني عشر يوما و كانت الخمسة الأخيرة بصفات الحيض، ففي جميع هذه الصور تتحيض بأيام العادة و تجعل البقية استحاضة.

و ما عن الرياض من دعوى الإجماع على جعل واجد الصفة حيضا في الصورة الأولى، و ما عن المنتهى من الإجماع على التحيض بالعادة و بواجد الصفة في الصورة الثانية، مخدوش: بأنّه كيف يتحقق الإجماع مع الشهرة على الخلاف.

و طريق الاحتياط واضح.

ص: 194


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

حاصلة من التمييز (6) بأن يكون من العادة المتعارفة، و الا فلا يبعد ترجيح الصفات على العادة بجعل ما بالصفة حيضا دون ما في العادة الفاقدة (7)، و أما المبتدئة و المضطربة- بمعنى من لم تستقر لها عادة- فترجع إلى التميز فتجعل ما كان بصفة الحيض حيضا و ما كان بصفة الاستحاضة استحاضة (8) بشرط أن لا يكون أقل من ثلاثة و لا أزيد من

______________________________

(6) بدعوى: أنّ التمييز إذا كان أصلا للعادة، فتكون العادة حينئذ فرعا، فلا بد من تقديم الأصل على الفرع.

و فيه: أنّه مجرد استحسان لا يصلح لأن يكون مدركا للحكم الشرعي، مع أنّ مقتضى إطلاق الأدلة، و مرتكزات النساء تقديم العادة مطلقا، مضافا إلى أنّ دعوى كون التمييز أصلا للعادة أول الدعوى كما لا يخفي.

(7) مقتضي لإطلاق أدلة الرجوع إلى العادة، و المرتكز بينهنّ هو الأخذ بالعادة حتى في هذه الصورة أيضا.

(8) على المشهور، لأنّ تمييز المردد بين شيئين بالصفات من الأمور المتعارفة عند فقد الأمارة الخاصة، مضافا إلى نصوص كثيرة، بل مستفيضة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع، و حرارة. و دم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة، و دفع و سواد فلتدع الصلاة» (1).

إن قلت: نعم، و لكن ظاهر مرسل يونس المتقدم أنّ المبتدئة ترجع إلى الروايات إذ فيه: «و أما السنة الثالثة ففي التي ليس لها أيام متقدمة و لم تر الدم قط و رأت أول ما أدركت و استمر بها الدم- إلى أن قال عليه السلام- فقال:

تلجمي و تحيضي في كلّ شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة أيام ثمَّ اغتسلي غسلا- الحديث-»

______________________________

ص: 195


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

العشرة (9)، و أن لا يعارضه دم آخر (10) واجد للصفات، كما إذا رأت

______________________________

و يشهد له إطلاق بعض الأخبار أيضا.

قلت: أما الإطلاق فلا بد و أن يقيد بعدم أمارة على التحيض في البين و الصفة و العدد أمارة. و أما المرسلة، فمن يرجع إليها- من صدرها إلى ذيلها- يعلم أنها في مقام حصر تحيض المرأة في ثلاثة: العادة، و الصفة، و العدد. و لا تصل النوبة إلى كلّ لاحق مع وجود السابق، مع أنّه لا وجه للأخذ بها من هذه الجهة بعد إعراض المشهور و عدم عملهم بهذه الخصوصية على فرض دلالتها.

فما عن الحدائق من الإشكال في المبتدئة، للمرسلة، و ما عن ابن زهرة من عدم ذكر التمييز لها أصلا، بل جعل المدار على أكثر الحيض، و أقل الطهر، و ما عن أبي الصلاح من إرجاعها إلى عادة نسائها. مخدوشة كلّها، لما مر من أن الرجوع إلى التمييز عند التردد من الأمور المرتكزة في النفوس، يصلح لتقييد جميع الإطلاقات.

(9) لأنّ من مقوّمات الحيض عدم كونه أقل من ثلاثة و أكثر من عشرة، و اعتبار الصفات إنّما هو في مورد تحقق المقوّمات دون غيره، فلو كان ما بصفة الحيض أقل من ثلاثة، أو أكثر من عشرة تكون فاقدة التمييز، على المشهور، بل المجمع عليه، كما عن التذكرة و المعتبر، و الرجوع إلى التمييز إنّما هو فيما إذا كان كافيا لرفع التحيّر و لا يكون كذلك في الفرض بل يزيد في التحير، و القول:

بتتميم الناقص من دم الاستحاضة، أو تنقيص الزائد عن العشرة- كما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه- لا دليل عليه لو لم يكن على عدمه، لأنه جمع بين شيئين فرق الشارع بينهما، فلا دليل على الجمع.

(10) على المشهور، بل عن الرياض الإجماع عليه، لكنّهم عبّروا بأن لا يكون الدم الضعيف الواقع بين القويين أقل من العشرة.

و الصور المتصورة ثلاث:

الأولى: أن يتخلل بين الواجدين بصفة الحيض عشرة أيام بما يخالفهما، كتخلل عشرة أيام صفرة محضة بين أسودين كلّ منهما ثلاثة أيام، و مقتضى

ص: 196

.....

______________________________

العمومات، و قاعدة الإمكان، و ظهور التسالم كون كلّ واحد منهما حيضا مستقلا، و لا يشكل بما دل على أنّ الحيض في كلّ شهر مرة، لإمكان حمله على الغالب، مضافا إلى ترجيح أدلة التمييز بفهم الأصحاب، كما في الجواهر.

الثانية: أن يتخلل أقل من عشرة، مع إمكان جعل المجموع حيضا، كأربعة أيام صفرة بين سوادين كلّ منهما ثلاثة أيام، و اختلفت الأقوال: فعن الأكثر القول: بفقد التمييز، و الرجوع إلى نساء الأهل، أو الروايات، لأنّ التحيض بالمجموع مخالف لأدلة التمييز، و لما دل على أنّ الصفرة استحاضة، و بأحد الطرفين فقط ترجح بلا مرجح، و بهما معا مخالف على أنّ الطهر لا يكون أقل من العشرة، و التخيير بينهما يحتاج إلى دليل و هو مفقود. الا أن يقال: إنّه عقلي، كما مر في [مسألة 18] من الفصل السابق، فتكون فاقدة التمييز و ترجع حينئذ إلى الأهل أو الروايات على ما يأتي.

و فيه: أنّ وجود الصفة في الطرفين أمارة على الحيضية، فتكون الصفرة في الوسط من الصفرة في أيام الحيض المحكوم بكونها حيضا، و لا وجه للتمسك بمطلقات الاستحاضة لجعل الصفرة استحاضة، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لأنّ وجدان الطرفين- لصفة الحيض، و ما دل على أنّ الصفرة في أيام الحيض حيض- يوجب التردد في كونه استحاضة لا محالة، و لذا ذهب بعض إلى كون المجموع حيضا. و عن بعض أنّ الطرفين حيض و الوسط طهر، بناء على أنّ الطهر بين الحيضيتين يكون أقل من عشرة. و فيه: ما تقدم في [مسألة 7] من الفصل السابق، فراجع.

و عن بعض أنّ الأول حيض، لانطباق الحيض عليه قهرا و الوسط استحاضة، كذلك أيضا و أما اللاحق، فكونه حيضا متوقف على عدم كون ما تقدمته- من الصفرة- استحاضة، و إلا تكون فاقدة التمييز، لاختلاط الصفة حيضا و استحاضة، و عدم كونه استحاضة متوقف على كون الدم اللاحق حيضا و هذا دور، و لا يرد الدور بالنسبة إلى الدم الأول، لأنّ انطباق الحيضية عليه قهري، فتأمل.

الثالثة: هذه الصورة بعينها مع عدم إمكان كون المجموع حيضا، كما إذا

ص: 197

خمسة أيام- مثلا- دما أسود و خمسة أيام أصفر ثمَّ خمسة أيام أسود.

و مع فقد الشرطين أو كون الدم لونا واحدا ترجع إلى أقاربها (11) في عدد

______________________________

رأت أربعة أيام أسود، ثمَّ ثلاثة أصفر، ثمَّ إلى اليوم الرابع عشر أسود و الأكثر على أنّها فاقدة التمييز.

و خلاصة القول: إنّ الرجوع إلى التمييز إنّما هو فيما إذا صلح لرفع التحير و مع عدم الصلاحية، أو الشك فيه لا وجه للرجوع إليه، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الأمارة اللاحقة على ما يأتي تفصيلها.

فروع- (الأول): يمكن إرجاع التمييز إلى ما يحصل منه الاطمئنان بالحيضية سواء كان من الصفات المعهودة أو غيرها و سواء كان في العشرة في الجملة أو غيرها إذ ليس للفقهاء في ذلك كلام منقح- كما اعترف به في الجواهر- فالمرجع الاطمئنانات الحاصلة لهنّ.

(الثاني): لو تركت التمييز و أنت بالعبادات بحسب وظيفتها، لا شي ء عليها بناء على الحرمة التشريعية للصلاة إن قصدت الرجاء فيها. نعم، لو صامت شهر رمضان، تقتضي الصيام بمقدار التمييز لو علمت به، و إلا فالأقوى كفاية قضاء ثلاثة أيام، لأصالة عدم التمييز أكثر منها، بناء على ما تقدم من صاحب الجواهر، من أنّ أحدا لم يعارض أصالة عدم الحيض بأصالة عدم الاستحاضة- و إلا فالأحوط قضاء عشرة أيام.

(الثالث): لو لم تعمل لا بالتمييز و لا بأعمال المستحاضة- كما هو الغالب في نساء هذه الأعصار- وجب بعد التوبة قضاء الصلاة إلا المتيقن من التحيض، و قضاء الصوم كلّه.

(الرابع): تقدم في [مسألة 18] حكم صورة تعارض الصفات في الدم، و أنّ الأقوى التخيير في التحيض و إن كان الأحوط جعل الأول حيضا.

(11) نصا، و إجماعا و يقتضيه تقارب أمزجة الأقارب، فيحصل الاطمئنان بالحيضية من الرجوع إليهنّ، و في مضمر سماعة: «سألته عن جارية

ص: 198

الأيام بشرط اتفاقها (12) أو كون النادر كالمعدوم. و لا يعتبر اتحاد البلد (13). و مع عدم الأقارب، أو اختلافها ترجع إلى الروايات،

______________________________

حاضت أول حيضها، فدام دمها ثلاثة أشهر، و هي لا تعرف أيام أقرائها. فقال عليه السلام: أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كنّ نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقلّه ثلاثة» (1).

و المتفاهم منه عرفا صورة عدم التمييز و التخيير المطلق، و في معتبرة ابن مسلم: «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها، فتقتدي بأقرائها- الحديث-» (2).

و في معتبرة أبي بصير: «النفساء إذا كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت جلست بمثل أيام أمها، أو أختها، أو خالتها»(3) و ذكر المبتدئة في المضمرة- من باب المثال- لكلّ من لم يكن لها طريق للتحيض، كما يقتضيه إطلاق المعتبرتين الأخيرتين، و إطلاق كلمات الأصحاب، و بهما تقيد المرسلة الطويلة التي لم يذكر فيها الرجوع إلى الأقارب و اقتصرت على العادة و التمييز و العدد، مع إمكان أن يراد بقوله عليه السلام في المرسلة: «أيام معلومة، و أيامها الأعم» من أيام أقاربها، لتقاربها غالبا، فتكون المرسلة أيضا مشتملة على الرجوع إلى عادة الأقارب بالالتزام، و لكن الرجوع إليها لا بد و أن يقيد بفقد العادة الشخصية و فقد التمييز، لأدلة أخرى.

(12) لأنّ الرجوع إليهنّ إنّما هو لأجل حصول الاطمئنان النوعي بالتحيض من عادتهنّ، و مع الاختلاف لا يحصل الاطمئنان، إلا إذا كان النادر كالمعدوم بحيث لم يكن له حكم.

(13) لإطلاق الأدلة، و مجرد احتمال اختلاف الأمزجة باختلاف البلدان لو أثر لأثر سائر مناشئ الاختلاف- من الصحة، و المرض، و الأغذية و الحركة،

ص: 199


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 20.

مخيرة بين اختيار الثلاثة في كلّ شهر أو ستة أو سبعة (14). و أما الناسية

______________________________

و الاستراحة و نحوه- مما لو دخل في الجملة، و الظاهر عدم الاعتبار بها، لأنّ هذه الاختلافات دقيقة عقلية لا عرفية، و مناط الحكم على الأخيرة دون الأولى.

(14) إذا استقرت الحيرة من كلّ جهة لفقد التمييز، و فقد الأمارات لا بد للشارع الأقدس من تعيين تكليفها في التحيض، لأنّه أجل من أن يجعل النساء حيارى في هذا الحكم العام البلوى، كما أنّ إيجاب الاحتياط عليهنّ، مخالف لسهولة الشريعة و إن لم يكن حرجا، و الظاهر بل المقطوع به جريان غالب العادات و نوعها على مثل هذا الدم حينئذ، لدوران الأحكام الشرعية مدار النوع و الغالب، و حيث إنّ الغالب في عادات النساء هو السبعة. فتتحيض بها المبتدئة المتحيرة من كلّ جهة.

و خلاصة القول: ما أشرنا إليه من أنّ العادة إما شخصية، أو صنفية، أو نوعية. و الأولى هي العادة المعهودة، و الثانية عادة الأقارب التي ترجع إليها عند فقد التمييز، و الأخيرة هي المرجع بعد فقد القسمين الأوليين. هذا ما يقتضيه الاعتبار.

و أما الأخبار فأكمل خبر ورد في المقام مرسل يونس الطويل المعتمد عليه عند الفقهاء الوارد مورد البيان و التفصيل و سياقه يقتضي كونه مرجعا عند الشبهة و التحير الا ما خرج بدليل مخصوص، و فيه: «إنّ وقتها سبع و طهرها ثلاثة و عشرون».

و قد كرّر لفظ السبع فيه ثمان مرات. نعم، في صدره: «تحيضي في كلّ شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة أيام» (1).

و هذا الترديد مناف للفقرات الثمانية الدالة على التحيض بالسبع فقط و أنّ الطهر ثلاثة و عشرون. و ما يمكن أن يقال: في وجه الجمع أمور:

ص: 200


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.

.....

______________________________

منها: أنّ الترديد من الراوي لا من الإمام عليه السلام بقرينة الفقرات الثمانية و هو بعيد، إذ يمكن حمل الفقرات الثمانية على أنها وردت من باب الاكتفاء بذكر أحد فردي التخيير، كما هو معهود في المحاورات، خصوصا بقرينة قوله عليه السلام: «ثمَّ اغتسلي غسلا و صومي ثلاثة و عشرين يوما أو أربعة و عشرين».

فإنّ هذه الجملة ظاهرة في كونها من الإمام عليه السلام.

و منها: حمل الستة على الموارد التي تكون العادة النوعية ستة، و السبع على الموارد التي تكون العادة النوعية فيها سبعة.

و منها: حمل الستة على ما إذا حصل الاطمئنان بالانقطاع بها و السبعة على ما إذا لم يحصل ذلك، بل بقي الشك و التردد.

و الحق: أنّ حمل السبع على أنّه من باب ذكر أحد فردي التخيير بعيد عن سياق المرسل- الوارد لبيان الشرح و التفصيل الذي لا يناسبه الإجمال بوجه- فهو إما نص في التعيين، أو أظهر فيه من قوله عليه السلام: «ستة أو سبعة» في التخيير، لما تقدم من الاحتمالات فيه و النص أو الأظهر مقدم على الظاهر عند الدوران.

و من الأخبار موثق سماعة عن الصادق عليه السلام: «فأكثر جلوسها عشرة أيام و أقله ثلاثة أيام»(1).

و مثله خبر الخزاز عن الكاظم عليه السلام: «عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم و إذا رأت الصفرة و كم تدع الصلاة؟ فقال عليه السلام: «أقل الحيض ثلاثة و أكثره عشرة- الحديث» (2).

و الظاهر أنّه لا ربط لهما بمقدار التحيض، بل هما في مقام بيان أنّه لا بد و أن لا يكون التحيض أكثر من عشرة و أقل من ثلاثة. و أما وجوب التحيض بأحدهما فهما أجنبيان عنه.

ص: 201


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 4.

فترجع إلى التمييز (15).

______________________________

و أما موثقا ابن بكير: «المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام، ثمَّ تصلي عشرين يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام و صلّت سبعة و عشرين يوما» (1).

فيمكن أن يكون التحيض في الأول سبعة و الاستظهار إلى العشرة و لذا عبّر بقوله عليه السلام: «تركت الصلاة ثلاثة أيام».

و لم يعبر بلفظ (تحيضي)، و أما قوله عليه السلام: «فإن استمر بها الدم بعد ذلك .. إلخ»، فهو إرشاد إلى كثرة الاهتمام بالصلاة و عدم تركها بأدنى شبهة خصوصا بالنسبة إلى المرأة الشابة التي تتسامح في الصلاة غالبا، فهما في مقام بيان الاستظهار في أول رؤية الدم و الاهتمام بالصلاة في الشهور الأخر و الا فكيف يكون الحيض في سائر الشهور ثلاثة أيام مع كونه أكثر منه غالبا خصوصا في أوائل رؤية الدم و اعتدال المزاج، مع أنّ المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير إذ الأمر يدور بين تعيين السبعة- كما تقدم في الفقرات الثمانية في مرسلة يونس- أو التخيير بين الستة و السبعة- كما في صدرها- أو بين الثلاثة و العشرة- كما في موثقي ابن بكير و موثق سماعة بناء على دلالتها عليه، أو بين السبعة و الثلاثة- بناء على أخذ السبعة من مرسلة يونس و الثلاثة من غيرها- و بين العشرة و السبعة- بناء على أخذ العشرة من موثقي ابن بكير و السبعة من مرسلة يونس- و ذلك كلّه لاختلاف الأخبار، و إمكان الحمل على التخيير، و حيث إنّ المشهور التحيض بالسبعة فيتعيّن ذلك، خصوصا بعد ما مر من القرائن على التعيين.

هذا خلاصة الكلام. و أما الأقوال: فربما تبلغ أربعة عشر، فلتراجع المطولات و ليس كلّها مستندة إلى دليل قانع و برهان قاطع.

(15) نصا، و إجماعا، و لأنه أقوى الأمارات بعد فقد العادة قال أبو عبد اللّه عليه السلام في مرسل يونس الطويل: «و أما سنة التي قد كانت لها أيام- إلى أن

ص: 202


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 6 و 5.

و مع عدمه إلى الروايات (16)، و لا ترجع إلى أقاربها (17)، و الأحوط أن تختار السبع (18).

مسألة 2: المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم إلى ثلاثين يوما

(مسألة 2): المراد من الشهر ابتداء رؤية الدم إلى ثلاثين يوما (19) و إن كان في أواسط الشهر الهلالي أو أواخره.

______________________________

قال عليه السلام-: حتّى أغفلت عددها و موضعها من الشهر- إلى أن قال عليه السلام-: احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم و إدباره و تغير لونه- الحديث-» (1).

و المراد بإقبال الدم وجدانه لصفات الحيض، و المراد بالإدبار فقدانه لها.

(16) إجماعا في أصل الرجوع إليها، و لانحصار التحيض في الرجوع إليها بعد عدم صحة الرجوع إلى الأقارب، كما يأتي. و إنّما اختلفوا في عدد الأيام بحسب أنظارهم في الاستفادة من الروايات و ربما تبلغ أقوالهم: أكثر من عشرة و من شاء العثور عليها، فليراجع المطولات.

(17) لأنّ الرجوع إليها إنّما كان لأجل جعل أصل العادة. و أما من كانت لها عادة، فنسيتها، فلا موضوع للرجوع. نعم، لو اطمأنت من حالها أنّ عادتها كعادة الأقارب يصح الرجوع حينئذ، كما ذكرنا ذلك في الرجوع إلى عادة الأقارب من مرسل يونس.

(18) لاختصاص موثقي سماعة و ابن بكير (2) على فرض صحة الدلالة بالمبتدئة، و يبقى المرسل، و تقدم استظهار السبع منه. هذا في ناسية الوقت و العدد معا، و يأتي حكم بقية الأقسام.

(19) على المشهور، بل ظاهرهم الإجماع عليه، لأنّ ظاهر قوله عليه السلام في مرسل يونس: «فوقتها سبع و طهرها ثلاث و عشرون-

ص: 203


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 4.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2.
مسألة 3: الأحوط أن تختار العدد في أول رؤية الدم

(مسألة 3): الأحوط أن تختار العدد في أول رؤية الدم (20) إلا إذا كان مرجع لغير الأول.

مسألة 4: يجب الموافقة بين الشهور

(مسألة 4): يجب الموافقة بين الشهور فلو اختارت في الشهر الأول أوله ففي الشهر الثاني أيضا كذلك، و هكذا (21).

______________________________

الحديث-» (1). أنّ المراد بالشهر- في المقام- الثلاثون يوما دون غيره، و ظهور الإجماع على أنّ المراد به الثلاثون يصلح لتعيين ذلك.

(20) على المشهور، لانّه المتفاهم من النصوص، و لأنّ المقام من دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و المشهور فيه الأول، و لصحة دعوى الانطباق القهري، و ذلك كلّه يصلح للاحتياط.

(21) لما تقدم في المسألة السابقة بعينه، فلا وجه للجزم بالفتوى هنا و الاحتياط هناك.

فروع- (الأول): يمكن أن يكون التحيض بعادة الأقارب، أو بالعدد انطباقيا قهريا، فلو كانت جاهلة بالمسألة بالمرة و تركت الصلاة في تمام الشهر عصيانا لا تعاقب على مقدار عادة الأقارب، أو العدد، بل و بمقدار التمييز أيضا إن لم تتوجه إلى شي ء من ذلك أصلا.

(الثاني): لو اختارت العدد في أول رؤية الدم، فقد تقدم لزوم الموافقة إلا مع الترجيح في عدمها. و هل يكون منع الزوج عن التحيض في الوقت الخاص مرجحا أو لا؟ وجهان لا يبعد الأول، و كذا لو حجت و لم تقدر مع ما اختارت على الطواف، فلا يبعد صحة التغيير.

(الثالث): لو شهد ذوو الخبرة بدماء النساء أنّ حيضها أكثر من عادة الأقارب أو العدد أو أقل تعمل بقولهم، مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد و العدالة.

ص: 204


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 3.
مسألة 5: إذا تبين بعد ذلك أنّ زمان الحيض غير ما اختارته وجب عليها قضاء ما فات منها من الصلوات

(مسألة 5): إذا تبين بعد ذلك أنّ زمان الحيض غير ما اختارته وجب عليها قضاء ما فات منها من الصلوات و كذا إذا تبينت الزيادة أو النقيصة (22).

مسألة 6: صاحبة العادة الوقتية إذا تجاوز دمها العشرة

(مسألة 6): صاحبة العادة الوقتية إذا تجاوز دمها العشرة في العدد حالها حال المبتدئة في الرجوع إلى الأقارب و الرجوع إلى التخيير المذكور مع فقدهم أو اختلافهم (23). و إذا علمت كونه أزيد من الثلاثة ليس لها أن تختارها كما أنّها لو علمت أنّه أقل من السبعة ليس لها اختيارها (24).

______________________________

(22) كلّ ذلك لعمومات أدلة العبادة، و أصالة الاشتغال في موارد تبيّن الخلاف.

(23) لما تقدم من أنّ عادة الأقارب عادة صنفية و السبع عادة نوعية و الرجوع إليها عند التحير من الفطريات في الجملة قررها الشارع، فيكون ذلك مقتضى القاعدة إلا ما خرج بالدليل على الخلاف في المقام.

(24) كلّ ذلك، لأنّ الأمارات يرجع إليها عند الشك و التحير، و لا موضوع للرجوع إليها مع العلم بالخلاف، كما هو أوضح من أن يخفى.

فائدة: الناسية تارة تكون ناسية للوقت و العدد معا، و قد تقدم حكمها في [مسألة 1] عند قوله رحمه اللّه: «و أما الناسية فترجع إلى التميز». و أخرى:

ناسية للوقت فقط، و يأتي حكمها في المسألة التالية. و ثالثة: ناسية للعدد فقط و لها أقسام:

1- أن تعلم أول وقتها في الجملة، فتجعله حيضا مع تتميمه إلى السبعة.

2- أن تعلم آخر وقتها في الجملة، فيكون مع يومين قبله حيضا، و تتحيض فيما قبلها بأربعة أيام استكمالا للسبعة.

3- أن تعلم بالوسط في الجملة، فتحفه بثلاثة أيام من قبله، و مثلها مما

ص: 205

مسألة 7: صاحبة العادة العددية ترجع في العدد إلى عادتها

(مسألة 7): صاحبة العادة العددية ترجع في العدد إلى عادتها و أما في الزمان فتأخذ بما فيه الصفة، و مع فقد التمييز تجعل العدد في الأول على الأحوط (25)، و إن كان الأقوى التخيير (26)، و إن كان هناك تمييز لكن لم يكن موافقا للعدد فتأخذه و تزيد مع النقصان و تنقص مع الزيادة (27).

مسألة 8: لا فرق في الوصف بين الأسود و الأحمر

(مسألة 8): لا فرق في الوصف بين الأسود و الأحمر (28) فلو رأت ثلاثة أيام أسود و ثلاثة أحمر ثمَّ بصفة الاستحاضة تتحيّض بستة.

______________________________

بعده إتماما للسبعة، كلّ ذلك عملا بالعادة مهما أمكن، و بإطلاق المرسل الطويل الوارد في مقام البيان و الحصر الشامل لجميع هذه الصور.

4- أن تعلم بيوم حيض في الجملة من غير العلم بأنّها الأول أو الوسط أو الآخر، و حكمها الرجوع إلى التمييز، و مع فقده إلى الأقارب و مع فقدها تختار السبع و قد تقدم وجه ذلك في حكم المبتدئة في المسألة الأولى من هذا الفصل، فراجع و لعلّ عدم ذكره للرجوع إلى التمييز هنا، كما ذكره (قدّس سرّه) فيما تقدم من باب الاكتفاء بذكر بعض الكلام عن تمامه، لقرينة معهودة.

(25) أما الرجوع إلى العادة في العدد، فلأنّها أقوى الأمارات لا يرجع إلى غيرها مع وجودها. و أما الأخذ بالصفة في الزمان، فلأنّها أيضا أقوى الأمارات بعد فقد العادة و المفروض فقدها بالنسبة إلى الزمان و أما جعل العدد في الأول، فلأنّه من موارد الدوران بين التعيين و التخيير، و المشهور فيه التعيين، و تقدم في [مسألة 3] ما ينفع المقام، فراجع.

(26) هذا مسلّم لو لم يكن مرجح أو محتمل الترجيح في البين، و ما تقدم يصلح لترجيح الأول، فلا وجه للأقوائية.

(27) للجمع بين دليل التمييز و الأخذ بالعادة مهما أمكن.

(28) لذكر كلّ منهما في صفات الحيض في النصوص، و قد تقدم في أول

ص: 206

مسألة 9: لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيام، ثمَّ ثلاثة أيام بصفة الاستحاضة

(مسألة 9): لو رأت بصفة الحيض ثلاثة أيام، ثمَّ ثلاثة أيام بصفة الاستحاضة، ثمَّ بصفة الحيض خمسة أيام أو أزيد تجعل الحيض الثلاثة الأولى (29)، و أما لو رأت بعد الستة الأولى ثلاثة أيام أو أربعة بصفة الحيض تجعل الدمين الأول و الأخير، و تحتاط في البين (30) مما

______________________________

(فصل الحيض): و مقتضى الإطلاقات عدم الفرق بين صورة اختلاط دم الحيض بغيره و عدمه. و ما عن جمع من ترجيح الأقوى على القوي- فلا أثر للأحمر مع وجود الأسود- إنّما هو فيما إذا لم يمكن التحيض بالجميع بخلاف مثل المقام الذي يمكن ذلك.

فائدة: تقدم أنّ الصفات المنصوصة لدم الحيض، إنّما هي السواد، و الحمرة، و الغلظة، و الطراوة، و الحرارة، و الحرقة، و الخروج بالقوة و للاستحاضة الصفرة، و الرقة، و الفساد على ما يأتي. و عن جمع من الفقهاء كالمحققين و الشهيدين رحمهم اللّه التعدي من المنصوصة إلى غيرها و حصروا كليات الصفات في ثلاث: اللون، و الرائحة، و الثخانة، و جعلوا لكلّ منها مراتب متفاوتة، و تعدوا من المرتبة القوية إلى المرتبة الضعيفة و من واجد الوصفين إلى الواحد.

أقول: إن كان ذلك مما يوجب الاطمئنان الصحيح بحيضية المتعدي إليه، فلا إشكال فيه، لاعتبار الاطمئنان عند العقلاء، و إلا فلا وجه للتعدي، إلا قاعدة الإمكان و شمولها للمقام- الذي يكون مورد الخلاف بين الأعيان- ممنوع.

(29) لوجود الصفة و عدم إمكان الجمع في التحيض بينها و بين الأخيرة من جهة الزيادة على العشرة. و أما اختيار خصوص الأولى، فلما تقدم في [مسألة 3 و 7]. و لكن مقتضى ما تقدم في أول الفصل- من أنّ الرجوع إلى التمييز مشروط بأن لا يعارضه دم آخر واجد للصفات- هو أنّ التكليف حينئذ الرجوع إلى الأقارب، و مع فقدها فإلى العدد، كما عن الأكثر. و الأحوط الجمع بين أفعال المستحاضة و تروك الحائض بعد الثلاثة الأولى إلى العشرة.

(30) أما التحيض بالطرفين، فلإمكان الجمع بينهما في الحيض. و أما

ص: 207

هو بصفة الاستحاضة، لانّه كالنقاء المتخلل بين الدمين.

مسألة 10: إذا تخلل بين المتصفين بصفة الحيض عشرة أيام بصفة الاستحاضة، جعلتهما حيضين

(مسألة 10): إذا تخلل بين المتصفين بصفة الحيض عشرة أيام بصفة الاستحاضة، جعلتهما حيضين (31) إذا لم يكن كلّ واحد منهما أقل من ثلاثة (32).

مسألة 11: إذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرقة في ضمن عشرة

(مسألة 11): إذا كان ما بصفة الحيض ثلاثة متفرقة في ضمن عشرة تحتاط في جميع العشرة (33).

مسألة 12: لا بد في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة

(مسألة 12): لا بد في التمييز أن يكون بعضها بصفة الاستحاضة، و بعضها بصفة الحيض (34)، فإذا كانت مختلفة في صفات الحيض، فلا تمييز بالشدة و الضعف أو غيرهما، كما إذا كان في أحدهما وصفان و في الآخر وصف واحد، بل مثل هذا فاقد

______________________________

النقاء المتخلل بينهما فقد مرّ مكررا أنه بحكم الحيض، فلا يجب الاحتياط بل تجعل الجميع حيضا.

(31) لوجود المقتضي و فقد المانع، و تقدم في أول الفصل ما ينفع المقام.

(32) لأنه لا يمكن جعله حيضا حينئذ، لكونها أقلّ من ثلاثة، و تقدم اشتراط أن لا يكون أقل منها.

(33) هذه المسألة من فروع ما تقدم في [مسألة 6] من أول فصل الحيض فبناء على المشهور من اعتبارهم التوالي في أقل الحيض تكون فاقدة التمييز فترجع إلى الأقارب، و مع عدمها فإلى العدد. و بناء على الاحتياط الوجوبي فيها تحتاط هنا أيضا، و تقدم التفصيل فراجع.

(34) لأنّ موضوع التمييز هنا إنّما هو اختلاط دم الحيض بالاستحاضة فلا بد من وجود علاماتهما فعلا، و إلا فلا موضوع للتمييز بينهما

ص: 208

التمييز. و لا يعتبر اجتماع صفات الحيض، بل تكفي واحدة منها (35).

مسألة 13: ذكر بعض العلماء الرجوع إلى الأقران مع فقد الأقارب

(مسألة 13): ذكر بعض العلماء (36) الرجوع إلى الأقران مع فقد الأقارب، ثمَّ الرجوع إلى التخيير بين الأعداد و لا دليل عليه فترجع إلى التخيير بعد فقد الأقارب.

مسألة 14: المراد من الأقارب أعمّ من الأبويني و الأبي و الأمي فقط

(مسألة 14): المراد من الأقارب أعمّ من الأبويني و الأبي و الأمي فقط، و لا يلزم في الرجوع إليهم حياتهم (37).

______________________________

(35) أما عدم التمييز بالشدة و الضعف فقد تعرضنا له في الفائدة (1) و أما كفاية الصفة الواحدة، فلأنّ المتفاهم من الأدلة أنّ نسبة صفة الحيض إلى الاستحاضة نسبة الأمارة إلى الأصل، فمهما وجدت صفة من صفات الحيض تنتفي الاستحاضة مطلقا.

(36) نسب ذلك إلى المشهور، و عن ظاهر السرائر الإجماع عليه.

و استدل له تارة: بغلبة اتفاق مزاج الأقران. و أخرى: بأنّ لفظ «نسائها» الوارد في موثق سماعة (2) شامل لها أيضا. و ثالثة: بموثق زرارة: «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرانها ثمَّ تستظهر على ذلك بيوم» (3).

بناء على قراءة الأقران بالنون. و الكل مخدوش: لأنّ الأول من مجرد الاستحسان، و موثق سماعة ظاهر في خصوص الأقارب. و لأنّ الصحيح في الأخير الهمزة دون النون بقرينة خبر يونس و بعض النسخ الصحيحة. فلا دليل على ما نسب إلى المشهور إلا مع إفادة الاطمئنان. و لعل مرادهم خصوص هذه الصورة فقط، و لا بأس به حينئذ.

(37) كلّ ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

ص: 209


1- تقدم في صفحة: 207.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الحيض حديث: 1.
مسألة 15: في الموارد التي تتخير بين جعل الحيض أول الشهر أو غيره

(مسألة 15): في الموارد التي تتخير بين جعل الحيض أول الشهر أو غيره، إذا عارضها زوجها و كان مختارها منافيا لحقه وجب عليها مراعاة حقه (38). و كذا في الأمة مع السيد. و إذا أرادت الاحتياط الاستحبابي فمنعها زوجها أو سيدها يجب تقديم حقهما. نعم، ليس لهما منعها عن الاحتياط الوجوبي (39).

مسألة 16: في كلّ مورد تحيضت من أخذ عادة أو تمييز

(مسألة 16): في كلّ مورد تحيضت من أخذ عادة أو تمييز، أو رجوع إلى الأقارب، أو إلى التخيير بين الأعداد المذكورة، فتبيّن بعد ذلك كونه خلاف الواقع يلزم عليها التدارك بالقضاء أو الإعادة (40)

______________________________

(38) لأنّ التخيير إنّما هو فيما إذا لم يكن أهم أو محتمل الأهمية في البين و مراعاة حق الزوج أو السيد أهم، فلا موضوع للتخيير حينئذ و منه يعلم حكم موارد الاحتياط الاستحبابي. و لو خالفت و تحيضت تترتب الأحكام، لأنّ النهي لا يوجب الفساد في أمثال المقام.

(39) لانّه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

(40) لأنّ الأمارات مطلقا معتبرة ما لم ينكشف الخلاف، و معه يبقى الواقع على تنجزه إلا أن يدل دليل على سقوطه، و لا دليل عليه في المقام.

تنبيه: حيث إنّ المرسلة الطويلة ليونس كثيرة الابتلاء في مسائل الحيض و الاستحاضة لا بد من التعرض لها و بعض ما يتعلق بها و هي:

روي في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن غير واحد: «سألوا أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحيض و السنة في وقته فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سنّ في الحيض ثلاث سنن- بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها و فهمها حتّى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي.

ص: 210


1- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 7.

.....

______________________________

أما إحدى السنن فالحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها، ثمَّ استحاضت و استمر بها الدم و هي في ذلك تعرف أيامها و مبلغ عددها، فإنّ امرأة يقال لها: فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت و استمر بها الدم فأتت أم سلمة، فسألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك فقال صلّى اللّه عليه و آله:

تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها و قال: إنّما هو عزف و أمرها أن تغتسل و تستقر بثوب و تصلي.

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: هذه سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله في التي تعرف أيام أقرائها لم تختلط عليها ألا ترى أنّها لم يسألها كم يوم هي؟ و لم يقل إذا زادت على كذا يوما فأنت مستحاضة، و إنّما سنّ لها أياما معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها و كذلك أفتى أبي عليه السلام. و سئل عن المستحاضة، فقال: إنما ذلك عرق عابر أو ركضة من الشيطان، فلتدع الصلاة أيام أقرائها، ثمَّ تغتسل و تتوضأ لكل صلاة قيل: و إن سال قال: و إن سال مثل المثعب؟

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: هذا تفسير حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو موافق له فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها لا وقت لها إلا أيامها قلّت أو كثرت.

و أما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ثمَّ اختلط عليها من طول الدم فزادت و نقصت حتى أغفلت عددها و موضعها من الشهر فإنّ سنتها غير ذلك، و ذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالت: إني أستحاض فلا أطهر فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ليس ذلك بحيض إنّما هو عزف، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة و إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم و صلي» و كانت تغتسل في كلّ صلاة و كانت تجلس في مركن لأختها و كانت صفرة الدم تعلو الماء.

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: أما تسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر هذه بغير ما أمر به تلك؟ ألا تراه لم يقل لها دعي الصلاة أيام أقرائك؟ و لكن قال لها: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة و إذا أدبرت فاغتسلي و صلي فهذا يبين أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها لم تعرف عددها و لا وقتها ألا تسمعها تقول: إني

ص: 211

.....

______________________________

أستحاض و لا أطهر؟ و كان أبي يقول: إنّها استحيضت سبع سنين ففي أقل من هذا تكون الربية و الاختلاط إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره، و تغير لونه من السواد إلى غيره، و ذلك انّ دم الحيض أسود يعرف، و لو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم لأنّ السنة في الحيض أن تكون الصفرة و الكدرة فما فوقها في أيام الحيض إذا عرفت حيضا كلّه إن كان الدم أسود أو غير ذلك، فهذا يبيّن لك أنّ قليل الدم و كثيره أيام الحيض حيض كلّه إذا كانت الأيام معلومة، فإذا جهلت الأيام و عددها احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم و إدباره و تغير لونه، ثمَّ تدع الصلاة على قدر ذلك، و لا أرى النبي صلى اللّه عليه و آله قال لها:

اجلسي كذا و كذا يوما فما زادت فأنت مستحاضة كما لم يأمر الأولى بذلك، و كذلك أبي عليه السلام أفتى في مثل هذا و ذلك أنّ امرأة من أهلها استحاضت فسألت أبي عليه السلام عن ذلك فقال: «إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة، و إذا رأيت الطهر و لو ساعة من نهار فاغتسلي و صلي».

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: و أرى جواب أبي ها هنا غير جوابه في المستحاضة الأولى ألا ترى أنه قال: تدع الصلاة أيام أقرائها، لأنّه نظر إلى عدد الأيام و قال ها هنا: إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة، و أمرها ها هنا أن تنظر إلى الدم إذا أقبل و أدبر و تغيّر، و قوله: «البحراني» شبه معنى قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ دم الحيض أسود يعرف» و إنّما سماه أبي بحرانيا لكثرة و لونه فهذه سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله في التي اختلط عليها أيامها حتّى لا تعرفها و إنّما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيام و كثيره.

قال: و أما السنة الثالثة ففي التي ليس لها أيام متقدمة و لم تر الدم قط و رأت أول ما أدركت و استمر بها، فإنّ سنة هذه غير سنة الأولى و الثانية، و ذلك أنّ امرأة يقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت: إني استحضت حيضة شديدة فقال: «احتشي كرسفا» فقالت: إنّه أشد من ذلك إني أثجه ثجا، فقال: «تلجمي و تحيضي في كلّ شهر في علم اللّه ستة أيام أو سبعة أيام ثمَّ اغتسلي غسلا، و صومي ثلاثة و عشرين يوما أو أربعة و عشرين، و اغتسلي للفجر غسلا».

ص: 212

.....

______________________________

قال أبو عبد اللّه عليه السلام: فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الأولى و الثانية، و ذلك لأنّ أمرها مخالف لأمر تينك، ألا ترى أنّ أيامها لو كانت أقل من سبع و كانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها: تحيضي سبعا، فيكون قد أمرها يترك الصلاة أياما و هي مستحاضة غير حائض، و كذلك لو كان حيضها أكثر من سبع كانت أيامها عشرا أو أكثر لم يأمرها بالصلاة و هي حائض، ثمَّ مما يزيد هذا بيانا قوله لها: تحيضي، و ليس يكون التحيض إلا للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض إلا تراه لم يقل لها أياما معلومة تحيضي أيام حيضك.

و مما يبيّن هذا قوله لها: في علم اللّه، لأنه قد كان لها و إن كانت الأشياء كلها في علم اللّه تعالى، فهذا بيّن واضح و إنّ هذه لم تكن لها أيام قبل ذلك قط و هذه سنة التي استمر الدم أول ما تراه، أقصى وقتها سبع، و أقصى طهرها ثلاث و عشرون حتى يصير لها أيام معلومة فتنتقل إليها، فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو من واحدة منهنّ إن كانت لها أيام معلومة من قليل أو كثير فهي على أيامها و خلقها الذي جرت عليها، ليس فيها عدد معلوم موقت غير أيامها. و إن اختلطت الأيام عليها و تقدمت و تأخرت و تغيّر عليها الدم ألوانا، فسنتها إقبال الدم و إدباره و تغير حالاته.

و إن لم تكن لها أيام قبل ذلك و استحاضت أول ما رأت فوقتها سبع و طهرها ثلاث و عشرون، فإن استمر بها الدم أشهرا فعلت في كلّ شهر كما قال لها، فإن انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر، فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر و تصلي، فلا تزال كذلك حتّى تنظر ما يكون في الشهر الثاني، فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء حتّى توالى عليها حيضتان أو ثلاث فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا و خلقا معروفا، تعمل عليه، و تدع ما سواه و تكون سنتها فيما تستقبل إن استحاضت قد صارت سنة إلى أن تجلس أقراؤها، و إنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث، لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للتي تعرف أيامها:

«دعي الصلاة أيام أقرائك»، فعلمنا أنّه لم يجعل القرء الواحد سنة لها، فيقول لها: دعي الصلاة أيام قرئك و لكن سنّ لها الأقراء، و أدناه حيضتان فصاعدا. و إن اختلط عليها أيامها و زادت و نقصت حتّى لا تقف منها على حد و لا من الدم على لون عملت بإقبال الدم و إدباره و ليس لها سنة غير هذا، لقوله صلّى اللّه عليه و آله:

ص: 213

.....

______________________________

«إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة و إذا أدبرت فاغتسلي».

و لقوله عليه السلام: «إنّ دم الحيض أسود يعرف، كقول أبي: إذا رأيت الدم البحراني». فإن لم يكن الأمر كذلك و لكن الدم أطبق عليها، فلم تزل الاستحاضة دارّة و كان الدم على لون واحد و حالة واحدة، فسنتها السبع، و الثلاث و العشرون، لأنّ قصتها كقصة حمنة حين قالت: إني أثجه ثجا»(1) و الكلام في هذه المرسلة يقع في جهات:

(الأولى): في سندها، لا إشكال في اعتبار سندها، و محمد بن عيسى ثقة و يعبر عنه بالعبيدي أيضا و تسميتها بالمرسلة مسامحة، لأنّ التعبير ب (عن غير واحد) يدل على أنّها كانت معروفة بين الرواة في زمان الصادق عليه السلام فرواها يونس عنهم، و على فرض صدق الإرسال الاصطلاحي لا يوجب القصور في السند:

أما أولا: لأنّ يونس من أصحاب الإجماع- و مراسيله معتمد عليها كما تقدم و هم بالنسبة إلى أصحاب أبي إبراهيم، و أبي الحسن الرضا عليهما السلام ستة: يونس بن عبد الرحمن، و صفوان بن يحيى بياع السابري، و محمد بن أبي عمير، و عبد اللّه بن المغيرة، و حسن بن محبوب، و أحمد بن محمد بن أبي نصر.

و قال بعضهم مكان حسن بن محبوب: حسن بن علي بن فضال، و فضالة بن أيوب.

و قال بعضهم مكان ابن فضال: عثمان بن عيسى. و اتفق الكل على أنّ أوثق هؤلاء يونس بن عبد الرحمن، و صفوان بن يحيى مع أنّ كتاب يونس عرض على العسكري عليه السلام فأقره.

هذا و فقهاء أصحاب الباقرين أيضا ستة على ما فصّل في محله. و أما ثانيا:

ص: 214


1- الوافي ج: 4 صفحة: 70 و في الوسائل راجع أبواب الحيض باب: 5 حديث: 1 و باب: 3 حديث: 4 و باب: 8 حديث: 3 و باب: 7 حديث: 2 ثمَّ باب: 8 حديث: 3.

.....

______________________________

فلأنّ اعتماد الفقهاء و المحدثين عليها في كلّ طبقة- فتوى و ضبطا- من أهم ما يوجب الوثوق بالصدور.

و ثالثا: فلأنّ متنها يشهد بصحة صدورها عن المعصوم عليه السلام كما هو معلوم لكل من كان له أهلية تصحيح الأسانيد بالمتون لا العكس الذي فيه متعبة مع أنّها لا تتجاوز الظن.

الثانية: معنى كون الشخص من أصحاب الإجماع أن المجمع عليه لا ينقل إلا ممن يعتمد بصدقه سواء كان المنقول عنه عادلا أو لا، و سواء كان ثقة من كلّ جهة أو لا، إذ ربّ فاسق قد يصدق و ربّ عادل قد يكذب. و المناط كلّه في نقل الرواية إنّما هو إحراز الصدق بوجه معتبر سواء كان المنقول عنه إماميا أو عاميا، بل و لو كان كافرا بعد إحراز صدقه بوجه معتبر، لأنّ الكافر قد يصدق أيضا.

و بعبارة أخرى: العدالة أو الوثاقة المعتبرة في الراوي طريقية محضة لإحراز الصدق، و لا موضوعية لهما فيه بوجه. نعم، لو فرض إرادة الاقتداء به في الصلاة، أو القضاء عنده، أو أخذ الفتوى منه لأن يعمل به يكون لاعتبار العدالة موضوعية حينئذ. ثمَّ إنّ لإحراز الصدق طرقا كثيرة تكون العدالة و الوثاقة من إحدى طرقها، و نتعرض لتلك الطرق إن شاء اللّه تعالى.

الثالثة: حيث إنّ المرسل الطويل ليونس مشروح و مفصّل- و كالشرح للمتن الوارد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و الشرح من الصادق عليه السلام- فله نحو حكومة لأنّه شارح بالنسبة إلى جملة من أخبار الباب فتقدم على ما ورد في دمي الحيض و الاستحاضة إلا ما ثبت تقدمه عليه.

الرابعة: في شرح ما يحتاج إلى شرح ألفاظ المرسل إجمالا قوله عليه السلام: «يبين فيها كلّ مشكل لمن سمعها».

هذا التعميم إضافي و بالنسبة إلى مهمات الحيض، و إلا فمشاكل الحيض أكثر من ذلك بينها سائر الأخبار. و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنّما هو عزف» بالعين و الزاء المعجمة يستعمل هذا اللفظ بمعنى اللهو و اللعب، و بمعنى الكراهة أي إنّ الشيطان يلعب بها ليعطلها عن الصلاة، و يشهد له ما يأتي من قوله عليه السلام: «ركضة من الشيطان»، و يصح أن يكون بمعنى الكراهية أيضا،

ص: 215

.....

______________________________

216 لكراهتها عن هذه الحالة و كراهة زوجها عنها و في بعض النسخ «عرق» بالمهملتين و القاف أي عرق خاص قد يرشح بالدم ثمَّ يقطع، و يشهد له ما يأتي من قوله عليه السلام: «عرق عابر» و يمكن أن يراد بعرق عابر أي يعبر في حين دون حين و المراد بالعبور الظهور تارة، و الخفاء أخرى.

قوله عليه السلام: «أو ركضة من الشيطان» المراد بالركضة تحريك الشيطان لها و إيجاد ما يوجب اضطرابها في عباداتها و هذا مثل ما ورد: «إنّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتّى يخيل إليه أنّه قد خرج منه ريح» (1).

قوله عليه السلام: «و إن سال مثل المثعب» بفتح الميم و هو المسيل، كناية عن الكثرة.

قوله عليه السلام: «فاطمة بنت أبي حبيش» اختلفت النسخ في ضبط والد فاطمة هذه، ففي بعض النسخ أبي جحش، و في بعضها حبيش، و في بعض كتب العامة أبي الحسن، و ظاهرهم أنّ اسمه تميم بن عمرو و قد ذكره الفرزدق في بعض إشعاره.

قوله عليه السلام: «أقبلت الدم» المراد به أول الدم الجامع للصفات غالبا و المراد بالإدبار آخر الذي تضعف فيه الصفات.

قوله عليه السلام: «الدم البحراني» الشديد الحمرة. و «المركن» الطشت. و «الثج» السيلان هذا بعض ما يتعلق بمرسل يونس الطويل.

و أما مرسلة القصير فلا إشكال في سنده إلا من جهة الإرسال، و تقدم دعوى الإجماع على اعتبار مراسيله و لكن فيه اضطراب المتن- و هجر المشهور لبعض جمله.

ص: 216


1- الوسائل باب: 1 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.
فصل في أحكام الحيض
اشارة

(فصل في أحكام الحيض) و هي أمور:

أحدها: يحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة

(أحدها): يحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة، كالصلاة، و الصوم، و الطواف، و الاعتكاف (1).

(فصل في أحكام الحيض)

______________________________

(1) لنصوص مستفيضة تأتي في محالّها، بل بالضرورة، و يدل على حرمة الاعتكاف، و الطواف ما يدل على حرمة الاجتياز في المسجدين و المكث في سائر المساجد (1)، و اختلفوا في أنّ حرمة الصلاة عليها ذاتية أو تشريعية، و تنقيح الكلام يقتضي الإشارة إلى أمور:

الأول: مقتضى الأصل، و العمومات، و الإطلاقات حليّة جميع العبادات مطلقا عليها إلا ما خرج بالدليل- و هو الصلاة، و الصوم، و الطواف، و الاعتكاف- كما أن مقتضى الأصل عدم حرمة العبادات الفاقدة للشرط إلا بقصد التشريع، فمن صلّى مع عدم الطهارة أو مستدبر القبلة، أو كاشف العورة، أو مع الميتة أو في ما لا يؤكل لحمه، و في المغصوب، ثمَّ أتى بصلاة صحيحة مفرغة للذمة لم يفعل حراما، للأصل ما لم يتم دليل على الحرمة الذاتية.

و استدل على الحرمة في المقام بقول الصادق عليه السلام: في خبر مسعدة

ص: 217


1- تقدم في صفحة 33- 34.

.....

______________________________

في من صلّى تقية بلا وضوء ثمَّ أعادها «سبحان اللّه أ فما يخاف من يصلي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا؟!» (1).

و بموثق ابن مهران عن الصادق عليه السلام قال: «اقعد رجل من الأخبار في قبره، فقيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّه عز و جل، فقال: لا أطيقها، فلم يزالوا به حتّى انتهوا إلى جلدة واحدة، فقال: لا أطيقها، فقالوا:

ليس منها بد، فقال: فيما تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك صلّيت يوما بغير وضوء- الحديث-» (2).

و يرد على الأول: أنّ الإمام عليه السلام في مقام بيان الترغيب إلى الصلاة معهم بنحو الصلاة في جماعتنا مع أنّه لم يعمل به في مورده.

و على الثاني: بأنّ العذاب فيه على ترك الصلاة، لأنّ الظاهر منه أنّه صلّى بغير وضوء و اكتفى بها و لم يصل ثانيا.

و أما الإجماعات المدعاة على الحرمة فالمتيقن منها الحرمة التشريعية فقط.

الثاني: لا ثمرة مهمة في كون الحرمة ذاتية أو تشريعية إلا فيما قيل في موردين: أولهما: حرمة الصلاة ذاتا، بناء على الأولى بخلاف الثانية، فإنّ الحرمة حينئذ تدور مدار قصد الأمر.

و فيه: أنّ الحرمة الذاتية تتعلق بالعبادة، و لا عبادة الا مع قصد الأمر، و لا وجه لحرمتها بدون قصد الأمر كما لا وجه لحرمتها بلا سجود و لا ركوع- مثلا- و مع قصد الأمر تتمحض الحرمة في التشريعية فقط، فلا وجه للحرمة الذاتية. إلا أن يقال: إنّ الحرمة التشريعية موضوع للحرمة الذاتية فيكون كلّ محرم تشريعي محرما ذاتا كسائر المحرمات الذاتية التي تعرض للأشياء عند تحقق موضوعها و لكنه بعيد عن مساق الكلمات و معه يسقط هذا النزاع الذي طال التشاجر فيه بينهم، كما لا يخفى على من راجع المطولات.

ص: 218


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوضوء حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوضوء حديث: 2.

.....

______________________________

ثانيهما: إمكان الاحتياط بناء على التشريعية دون الذاتية لدوران الأمر حينئذ بين المحذورين و لا يمكن الاحتياط فيه، كما ثبت في محلّه.

و فيه: أنّ الحرمة الذاتية على قسمين:

الأول: تكون لأجل مفسدة ذاتية في المتعلق، و لا يجزي فيه الاحتياط و هذا هو المراد بدوران الأمر بين المحذورين.

الثاني: ما لم تكن كذلك، بل لأجل أنّ الحالة الخاصة لا تليق بالوقوف بين يدي المولى و القيام لديه، و الحرمة الذاتية في المقام من الأخير، دون الأول، و إذا كان بعنوان الرجاء و الانقياد و احتمال القبول، فلا مانع من الاحتياط حينئذ. و لو شككنا في حرمة ذاتية أنّها من الأول أو الأخير فالمتيقن هو الأخير، إلا أن يدل دليل على الأول، و مقتضى مرتكزات المتشرعة في الصلاة مع عدم الطهارة، أو فقد سائر الشرائط- هو الأخير أيضا، فلا ثمرة في هذا البحث حتّى يضيع الوقت في تطويله، و لعل القدماء من الفقهاء (قدس سرهم) توجهوا إلى هذه الجهة فأجملوا القول فيه و الحق معهم رحمهم اللّه.

و أما ما يقال: من أنّ هذا البحث ساقط من أصله، لأنّ العبادة متوقفة على الأمر بها و لا وجه له مع النهي عنها، فمردود: بأنّ العبادية في مورد النهي عنها تعليقية شأنية، لا أن تكون فعلية من كلّ جهة.

الثالث: ما يمكن أن يستفاد منه الحرمة الذاتية- مضافا إلى ما مر- أمور كلّها مخدوشة:

منها: سوق الصلاة في سياق سائر المحرمات على الحائض.

و فيه: أنّ ذلك من مجرد الاستحسان، مع أنّ فيها ما ليس بمحرم ذاتي كالطلاق.

و منها: اشتمال النصوص على قولهم: «لا تحل لها الصلاة، أو تحرم عليها الصلاة» (1).

ص: 219


1- الوسائل باب: 51 و باب: 39 من أبواب الحيض.

.....

______________________________

و فيه: أنّ هذه التعبيرات أعم من الحرمة الذاتية و إرشاد إلى البطلان و قد وقع التعبير بلفظ: «لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه». «و في وبر الأرانب» (1).

و لا أظنهم يلتزمون بالحرمة الذاتية للصلاة فيهما.

و منها: تعليل سقوط الصلاة عنها بقوله عليه السلام: «لأنّها في حد نجاسة فأحب اللّه أن لا يعبد إلا طاهرا» (2).

و قول الكاظم عليه السلام: «فلتتق اللّه فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة» (3).

و فيه: أنّ هذه التعبيرات أعم من الحرمة الذاتية بلا إشكال بل لفظ الاتقاء يستعمل في مطلق التنزه، كقوله صلّى اللّه عليه و آله: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه» (4).

و قوله عليه السلام: «من لم يتق الشبهات وقع في الحرام و هو لا يعرفه» (5).

و منها: أخبار الاستظهار الدالة على ترك الصلاة(6) إذ لو كانت الحرمة تشريعية لكان الاحتياط في الفعل لا الترك.

و فيه: أنّ الترك لمجرد الإرفاق و التسهيل و المسامحة بالنسبة إليها و هو يناسب الحرمة التشريعية أيضا.

و بالجملة إنّه لا يوجد فيما ذكر دليلا للحرمة الذاتية ما لا تخلو عن الشبهة، مع أنه لم يقل أحد بالحرمة الذاتية في سائر العبادات بالنسبة إليها و يستأنس حكم الصلاة منها أيضا. فالحرمة التشريعية هي المتيقن إلا أن يدل دليل على الذاتية و هو مفقود.

ص: 220


1- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلي حديث: 7 و باب: 7 منها حديث: 3.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الحيض حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض حديث: 1.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب صفات القاضي حديث: 25.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب صفات القاضي حديث: 25.
6- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض.
الثاني: يحرم عليها مس اسم اللّه، و صفاته الخاصة

(الثاني): يحرم عليها مس اسم اللّه، و صفاته الخاصة، بل غيرها أيضا إذا كان المراد بها هو اللّه، و كذا مس أسماء الأنبياء و الأئمة على الأحوط. و كذا مس كتابة القرآن على التفصيل الذي مرّ في الوضوء (2).

الثالث: قراءة آيات السجدة

(الثالث): قراءة آيات السجدة بل سورها على الأحوط (3).

الرابع: اللبث في المساجد

(الرابع): اللبث في المساجد (4).

الخامس: وضع شي ء فيها

(الخامس): وضع شي ء فيها إذا استلزم الدخول (5).

السادس: الاجتياز من المسجدين
اشارة

(السادس): الاجتياز من المسجدين (6) و المشاهد المشرفة

______________________________

(2) لقاعدة اشتراك الحائض مع الجنب في الأحكام إلا ما خرج بالدليل، و مدرك هذه القاعدة الإجماع المعتبر، و إرسال الحكم في كلّ طبقة إرسال المسلّمات الفقهية من غير اعتناء بمخالفة الشاذ النادر، بل يمكن أن تكون بالأولى، لما في بعض الأخبار (1)«أنّ الحيض أعظم من الجنابة» و قد ادعى جمع الإجماع على حرمة مسها لكتابة القرآن

(3) راجع الخامس مما يحرم على الجنب.

(4) لقوله عليه السلام في الصحيح: «الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين» (2)، و للإجماع المدعى في المعتبر و المنتهى.

(5) بل مطلقا راجع الرابع مما يحرم على الجنب. و قد أفتى رحمه اللّه بالإطلاق فيه مع وحدة الدليل في المقامين.

(6) نصا و إجماعا، فعن أبي جعفر عليه السلام في خبر ابن مسلم في الجنب و الحائض: «و لا يقربان المسجدين الحرمين» (3).

ص: 221


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الجنابة حديث: 2.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب الجنابة حديث: 17.

كسائر المساجد، دون الرواق (7) منها، و إن كان الأحوط إلحاقه بها.

هذا مع عدم الهتك، و إلا حرم (8). و إذا حاضت في المسجدين تتيمم و تخرج إلا إذا كان زمان الخروج أقلّ من زمان التيمم أو مساويا (9).

مسألة 1: إذا حاضت في أثناء الصلاة

(مسألة 1): إذا حاضت في أثناء الصلاة و لو قبل السلام بطلت، و إن شكت في ذلك صحت، فإن تبيّن بعد ذلك ينكشف بطلانها. و لا يجب عليها الفحص (10). و كذا الكلام في سائر مبطلات الصلاة.

______________________________

فرع: لو وقفت خارج المسجد و أدخلت يدها، أو رأسها، أو رجلها في المسجد هل يحرم ذلك أو لا؟ مقتضى الأصل هو الأخير بعد الشك في شمول الأدلة، و إن كان الأحوط الترك خصوصا في المسجدين، و كذا الكلام في الجنب

(7) أما الأول فقد مر ما يصلح للاستناد إليه في الثالث مما يحرم على الجنب بعد ظهور الإجماع على أنّ ما يحرم عليه يحرم عليها أيضا إلا ما خرج بالدليل. و أما الرواق فلأنّ مورد الأدلة في الجنب الذي هو الأصل للحكم بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام عليه السلام، و المنساق منها على فرض تمامية الدلالة خصوص الحرم الشريف، فيبقى غيره على أصالة الإباحة، فيجوز لها أن تقف في الرواق في مقابل الضريح المقدس، و تزور و إن كان خلاف الاحتياط إلا مع الضرورة.

(8) قولا واحدا من الإمامية.

(9) راجع [مسألة 1] من فصل ما يحرم على الجنب فيجري جميع ما ذكر فيها في المقام أيضا، فلا وجه للإعادة

(10) أما الأول: فلتحقق القاطع فلا يعقل الصحة.

و أما الثاني: فلأصالة الصحة، و قاعدة الفراغ إن كان الشك بعدها.

و أما الثالث: فلتبين وقوع الصلاة مع المانع. و أما الأخير فلظهور الإجماع

ص: 222

مسألة 2: يجوز للحائض سجدة الشكر و يجب عليها سجدة التلاوة إذا استمعت

(مسألة 2): يجوز للحائض سجدة الشكر (11) و يجب عليها سجدة التلاوة إذا استمعت، بل أو سمعت (12) آيتها.

______________________________

على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية إلا في موارد خاصة، و مقتضى الإطلاق و العموم جريان جميع ما ذكر في جميع المبطلات مطلقا من غير اختصاص بأحدها.

(11) للأصل و الاتفاق و إطلاق أدلة استحبابها من غير تقييد.

(12) لجملة من الأخبار. قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا قرئ شي ء من العزائم الأربع و سمعتها فاسجد، و إن كنت على غير وضوء و إن كنت جنبا و إن كانت المرأة لا تصلي- الحديث-» (1).

و في صحيح الحذاء عن الباقر عليه السلام: «عن الطامث تسمع السجدة، فقال عليه السلام: إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها»(2).

فإذا وجبت مع السماع تجب مع الاستماع بالأولى، مضافا إلى ظهور الاتفاق فيه، و يقتضيه الأصل و الإطلاق أيضا.

و في صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام: «عن رجل سمع السجدة تقرأ، قال عليه السلام: لا يسجد إلا أن يكون منصتا لقرائته مستمعا لها أو يصلي بصلاته، فأما أن يكون في ناحية و أنت في أخرى فلا تسجد لما سمعت» (3)و مقتضى قاعدة الاشتراك عدم الفرق بين الرجل و المرأة و جميع حالاتها و يمكن حمل السماع في ذيله على سماع مجرد الهمهمة دون الألفاظ لئلا ينافي ما تقدم من الأخبار المؤيد بالاعتبار الدال على عدم الفرق بين السماع و الاستماع، مع أنّ ظهور ذيله في خصوص المصلي يوجب التشكيك في إطلاق صدره أيضا فلا يصح طرح إطلاق ما تقدم من الأخبار لهذا الصحيح المجمل.

ص: 223


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الجنابة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 43 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

و يجوز لها اجتياز غير المسجدين، لكن يكره. و كذا يجوز لها اجتياز سائر المشاهد المشرفة (13).

مسألة 3: لا يجوز لها دخول المساجد بغير الاجتياز

(مسألة 3): لا يجوز لها دخول المساجد بغير الاجتياز (14) بل

______________________________

و أما قول الصادق عليه السلام في خبر غياث: «لا تقضي الحائض الصلاة، و لا تسجد إذا سمعت السجدة» (1).

و صحيح البصري «عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال عليه السلام: (لا تقرأ) و لا تسجد» (2). فمخالف للمشهور و موافق للجمهور، و يمكن حمله على السجدات المندوبة جمعا بين الأدلة، مع إمكان حمل الأخير على التعجب. و من ذلك يظهر أنه لا وجه لحمل الأخبار الظاهرة في الوجوب على الندب جمعا بين الأخبار، و ذلك لسقوط المعارض عن الاعتبار بموافقة العامة و إعراض المشهور.

(13) أما الأول فللنص و الإجماع. قال عليه السلام في الصحيح:

«الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين» (3).

و أما الثاني فلخبر دعائم الإسلام: «و لا يقربن مسجدا، و لا يقرأن قرآنا» (4).

و عن بعض دعوى الإجماع عليها أيضا. و أما الأخير فلما مر من أنّها مثل المساجد فيلحقها حكمها جوازا و منعا و كراهة.

(14) لما تقدم في الثالث مما يحرم على الجنب، و مقتضى اشتراكهما في الحكم جواز الاجتياز لها أيضا.

ص: 224


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الحيض حديث: 5.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الحيض حديث: 4.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب الجنابة حديث: 2.
4- مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض.

معه أيضا في صورة استلزامه تلويثها (15).

السابع: وطؤها في القبل
اشارة

(السابع): وطؤها في القبل (16) حتى بإدخال الحشفة من غير إنزال، بل بعضها على الأحوط (17). و يحرم عليها أيضا (18) و يجوز الاستمتاع بغير الوطء من التقبيل و التفخيذ و الضم (19) نعم، يكره

______________________________

(15) لحرمة تنجيس المسجد مطلقا و تقدم دليلها في [مسألة 3] من (فصل يشترط في صحة الصلاة) (1).

(16) للكتاب المبين، و المتواتر من نصوص المعصومين، و إجماع علماء الدين قال تعالى وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ (2).

و عن أبي جعفر عليه السلام: «المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال:

ينظر الأيام التي كانت تحيض فيها و حيضتها مستقيمة فلا يقربها في عدة تلك الأيام من ذلك الشهر- الحديث» (3).

(17) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، مضافا إلى قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم» (4).

و نحوه غيره و هو يشمل إدخال بعض الحشفة أيضا. و احتمال الانصراف إلى خصوص الوطي المعهود المحدود شرعا بإدخال الحشفة مشكل و إن أمكن.

(18) لإجماع الغنية، و مرتكزات المتشرعات من النساء، و قول أبي جعفر عليه السلام في خبر ابن مسلم: «لا تمكّن من نفسها حتّى تطهر من الدم» (5).

(19) لأصالة البراءة، و إطلاق ما دل على جميع الاستمتاعات بالحليلة

ص: 225


1- راجع ج: 1 صفحة: 466.
2- سورة البقرة: 222.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 5.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب العدد حديث: 1.

الاستمتاع بما بين السرة و الركبة منها بالمباشرة، و أما فوق اللباس فلا بأس (20). و أما الوطء في دبرها فجوازه محل إشكال (21). و إذا خرج دمها من غير الفرج فوجوب الاجتناب عنه غير معلوم، بل الأقوى

______________________________

و إجماع علماء الملة، و جملة من الأخبار الخاصة، كخبر عبد الملك عن الصادق عليه السلام: «ما لصاحب المرأة الحائض منها، فقال: كلّ شي ء ما عدى القبل منها بعينه» (1).

و موثق هشام عنه عليه السلام: «في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج و هي حائض قال: لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع» (2).

(20) على المشهور، لصحيح الحلبي: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض و ما يحل لزوجها منها؟ قال عليه السلام: تتزر بإزار إلى الركبتين و تخرج سرّتها، ثمَّ له ما فوق الإزار» (3).

المحمول على الكراهة جمعا، مع ظهوره في الإرشاد إلى فعل ما لا يتنفر الزوج منها، كما لا يخفى.

(21) إن كان الإشكال لأجل صدق الفرج عليه فهو مردود بما تقدم في خبر عبد الملك. و إن كان لخبر عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام: «ما للرجل من الحائض؟ قال عليه السلام: ما بين إليتيها و لا يوقب» (4). بدعوى شمول الإيقاب للطرفين، فهو مقيد بقوله عليه السلام في خبر ابن بكير: «حيث شاء ما اتقى موضع الدم» (5). و حينئذ فمقتضى الأصل و الإطلاقات الجواز، و لا ريب في حسن الاحتياط هذا بناء على جواز الوطي في الدبر مطلقا على كراهة، كما يأتي في النكاح. و أما بناء على حرمته فلا فرق فيه بين حالة الحيض و غيرها.

ص: 226


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 6.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب الحيض حديث: 1.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 8.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب الحيض حديث: 5.

عدمه (22) إذا كان من غير الدبر. نعم، لا يجوز الوطء في فرجها الخالي عن الدم حينئذ (23).

______________________________

(22) لأنّ المذكور في الأدلة «الفرج، و القبل بعينه، و موضع الدم، و ذلك الموضع» و المتفاهم من الأخيرين القبل أيضا، و على فرض الإطلاق لا بد من تقييدهما به.

(23) لصدق وطي الحائض فيشملها إطلاق الأدلة.

فروع- (الأول): لو كان خروج الحيض من غير القبل عاديا و أمكن بالوطي فيه وصول النطفة إلى الرحم، فالظاهر الحرمة.

(الثاني): هل يحرم تزريق النطفة في الرحم في حال الحيض أو لا؟

وجهان: أحوطهما الأول.

(الثالث): لو غيّر مخرج الحيض إلى غير القبل، لا يجوز الوطي في فرجها الخالي عن الدم، لما تقدم.

(الرابع): لا فرق في حرمة وطئها بين أيام النقاء المتخلل التي هي بحكم الحيض و بين أيام خروج الدم.

(الخامس): الظاهر عدم الفرق في حرمة وطئها بين استعمال شي ء لا يمس به الذكر بشرة الفرج و بين عدمه، للإطلاقات.

(السادس): لو طلب منها الزوج تغير عادتها، أو تقليل أيامها بالأدوية الحديثة، لأجل زيادة استمتاعه منها، فالظاهر وجوب إطاعته، لأنّ ذلك من التمكين الواجب عليها، و كذا لو طلب منها استعمال دواء لا تحيض مع عدم الضرر بها و بولادتها.

(الثامن): لو استعملت دواء عمدا تزيد أيام حيضها، مع منع الزوج عنه، فالظاهر تحقق النشوز به، فتجري عليها أحكام الناشزة.

ص: 227

مسألة 4: إذا أخبرت بأنها حائض يسمع منها

(مسألة 4): إذا أخبرت بأنها حائض يسمع منها، كما لو أخبرت بأنّها طاهرة (24).

مسألة 5: لا فرق في حرمة وطي الحائض بين الزوجة الدائمة و المتعة

(مسألة 5): لا فرق في حرمة وطي الحائض بين الزوجة الدائمة و المتعة، و الحرة و الأمة، و الأجنبية و المملوكة، كما لا فرق بين أن يكون الحيض قطعيا وجدانيا أو كان بالرجوع إلى التمييز أو نحوه. بل يحرم أيضا في زمان الاستظهار إذا تحيضت. و إذا حاضت في حال المقاربة تجب المبادرة بالإخراج (25).

الثامن: وجوب الكفارة بوطئها
اشارة

(الثامن): وجوب الكفارة بوطئها (26). و هي دينار في أول

______________________________

(24) نصا و إجماعا، لحجية قول كلّ من استولى على شي ء بالنسبة إلى ما استولى عليه. و في صحيح زرارة: «العدة و الحيض للنساء إذا ادعت صدقت» (1).

و المراد بالحيض أعم من الحدوث و الانقضاء، فيشمل الإخبار بالطهارة أيضا. و لو كانت متهمة فلا بد من التفحص و عليه تحمل معتبرة السكوني الدالة على التفحص: «في امرأة ادعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال:

«كلّفوا نسوة من بطانتها أنّ حيضها كان فيما مضى على ما ادعت، فإن شهدن صدقت و إلا فهي كاذبة» (2).

فرع: لو أخبرت بأني استعملت دواء، فانقطع الحيض، يقبل قولها، لكونها كالإخبار بالطهر، و لكن الأحوط التفحص.

(25) كلّ ذلك لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك. لأنّ أيام الاستظهار حيض حقيقي إلا مع الدليل على الخلاف و لا دليل كذلك.

(26) على المشهور بين المتقدمين مدعيا عليه الإجماع مستندا إلى جملة من الأخبار منها: قول الصادق عليه السلام في خبر ابن فرقد: «في كفارة

ص: 228


1- الوسائل باب: 47 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب الحيض حديث: 3.

.....

______________________________

الطمث أنّه يتصدق إذا كان في أوله بدينار، و في وسطه نصف دينار، و في آخره ربع دينار قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفر، قال عليه السلام: فليتصدق على مسكين، و الا استغفر اللّه و لا يعود، فإنّ الاستغفار توبة و كفارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفارة» (1).

و منها: معتبرة محمد بن مسلم عنه عليه السلام أيضا: «سألته عمن أتى امرأته و هي طامث قال: يتصدق بدينار و يستغفر اللّه تعالى» (2).

و منها: موثق أبي بصير: «من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به» (3).

و في صحيح الحلبي: «في الرجل يقع على امرأته و هي حائض ما عليه؟

قال عليه السلام: يتصدق على مسكين بقدر شبعه» (4).

إلى غير ذلك من الأخبار، التي تكون ظاهرة في الوجوب الاصطلاحي، لأجل أنّ لفظ الكفارة ظاهر فيه، و لأنّ لفظ الوجوب في بعضها ظاهر في الوجوب المعهود، و لأنّ الجملة الخبرية ظاهرة في الوجوب أيضا، كما ثبت في الأصول.

و أشكل على الأول بأنّ الكفارة أعم من الوجوب المعهود و تستعمل في الآداب و المندوبات أيضا. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «كفارة الطيرة التوكل» (5).

و قال عليّ عليه السلام: «البزاق في المسجد خطيئة و كفارته دفنه» (6).

و قال الصادق عليه السلام: «كفارة الضحك اللهم لا تمقتني» (7) و قال عليه السلام أيضا: كفارة المجالس أن تقول عند قيامك منها: سبحان ربّك ربّ العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين»(8).

ص: 229


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 3.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 4.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 5.
5- الوسائل باب: 35 من أبواب الكفارات.
6- الوسائل باب: 19 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.
7- الوسائل باب: 34 من أبواب الكفارات.
8- الوسائل باب: 37 من أبواب الكفارات.

الحيض، و نصفه في وسطه، و ربعه في آخره (27)، إذا كانت زوجة،

______________________________

و فيه: أنّ سياق الأدلة في المقام تدل على وجوبها لتحقق العصيان بالوطي بلا إشكال فيرفع الإثم بالكفارة، كما يرفع بالاستغفار إن لم يتمكن منها.

و على الثاني بأنّ لفظ الوجوب أعم من الوجوب الاصطلاحي، بل يستعمل في مطلق الثبوت الشرعي الشامل للندب أيضا.

و على الأخير: بأنّها معارضة بما هو ظاهر في عدم الوجوب فتحمل على الندب جمعا، مثل صحيح العيص قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل واقع امرأته و هي طامث، قال عليه السلام: لا يلتمس فعل ذلك قد نهى اللّه أن يقربها. قلت: فإن فعل ذلك أ عليه كفارة؟ قال عليه السلام: لا أعلم فيه شيئا يستغفر اللّه»(1).

و في موثق زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «عن الحائض يأتيها زوجها، قال عليه السلام ليس عليه شي ء، يستغفر اللّه و لا يعود» (2).

و في موثق ليث: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقوع الرجل على امرأته و هي طامث خطأ، قال: ليس عليه شي ء و قد عصى ربه» (3).

و هجر القدماء القسم الثاني من الأخبار و دعواهم الإجماع على وجوب الكفارة لا يوجب السقوط، لقوة احتمال أنّ ذلك لما حصل لهم من اجتهاداتهم الشريفة في تقديم الطائفة الأولى من الأخبار على الأخيرة، لا أن يستند ذلك إلى ما وصل إليهم و لم يصل إلينا، و لكن الجزم بعدم الوجوب مع ذهاب كبراء الأصحاب إليه و فيهم من لا يعمل الا بالقطعيات، مع إمكان حمل ما ظاهره عدم الوجوب على التقية مشكل جدا.

(27) على المشهور، لما تقدم من خبر ابن فرقد (4)بعد حمل سائر الأخبار عليه، أو على صورة التعذر. و أما خبر الحلبي: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام

ص: 230


1- الوسائل باب: 29 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الحيض حديث: 2.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب الحيض حديث: 3.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 1. و تقدم في صفحة: 228.

من غير فرق بين الحرة و الأمة و الدائمة و المنقطعة (28). و إذا كانت مملوكة للواطئ فكفارته ثلاثة أمداد من طعام، يتصدّق بها على ثلاثة مساكين لكلّ مسكين مد (29) من غير فرق بين كونها قنة أو مدبرة أو مكاتبة أو أم ولد (30). نعم، في المبعضة و المشتركة و المزوجة

______________________________

عن رجل واقع امرأته و هي حائض، فقال عليه السلام: إن كان واقعها في استقبال الدم فليستغفر اللّه و ليتصدق على سبعة نفر من المؤمنين يقوت كلّ رجل منهم ليومه و لا يعد- الحديث» (1).

فمردود إلى أهله، لعدم وجدان العامل به.

(28) أما اعتبار كونها زوجة، فلأنها المتفاهم من الأدلة. و أما عدم الفرق بين أقسامها فللإطلاق الشامل للجميع.

(29) لإجماع الانتصار، و نفي الخلاف في السرائر، و الرضوي: «و إن جامعت أمتك و هي حائض، فعليك أن تتصدق بثلاثة أمداد من طعام- الحديث-» (2).

و لكن في كفاية دعوى الإجماع، و الرضوي للوجوب إشكال خصوصا بعد خبر عبد الملك: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن رجل أتى جاريته و هي طامث، قال عليه السلام: يستغفر اللّه تعالى ربّه. قال: فإنّ الناس يقولون عليه نصف دينار أو دينار، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: فليتصدق على عشرة مساكين» (3).

و لذا ذهب جمع الى الندب. ثمَّ إنّ الدليل على أنّ لكلّ مسكين مدا إنّما هو الإجماع و الا فالرضوي خال عنه.

(30) لإطلاق الكلمات الشامل لجميع ذلك.

ص: 231


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الكفارات حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض حديث: 1.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الحيض حديث: 2.

و المحلّلة إذا وطئها مالكها إشكال (31)، و لا يبعد إلحاقها بالزوجة في لزوم الدينار، أو نصفه، أو ربعة (32). و الأحوط الجمع بين الدينار و الأمداد. و لا كفارة على المرأة و إن كانت مطاوعة (33) و يشترط في وجوبها العلم، و العمد، و البلوغ، و العقل (34) فلا كفارة على الصبيّ و لا المجنون و لا الناسي و لا الجاهل بكونها في الحيض، بل إذا كان جاهلا بالحكم أيضا و هو الحرمة و إن كان أحوط (35). نعم، مع الجهل بوجوب الكفارة بعد العلم بالحرمة لا إشكال في الثبوت (36).

مسألة 6: المراد بأول الحيض ثلثه الأول

(مسألة 6): المراد بأول الحيض ثلثه الأول، و بواسطة ثلثه الثاني، و بآخره الثلث الأخير (37)، فإن كانت أيام حيضها ستة فكلّ ثلث يومان، و إن كانت سبعة، فكلّ ثلث يومان و ثلث يوم، و هكذا.

______________________________

(31) لصحة دعوى أنّ المتيقن من الإجماع المدعى- الذي هو عمدة دليل وجوب الكفارة فيها- غير هنّ فيرجع فيها إلى الأصل.

(32) بدعوى: أنّ كفارة الوطي في حال الحيض هي تلك مطلقا خرجت خصوص المملوكة بالدليل و بقي الباقي. و لكنّها مشكلة.

(33) للأصل، و الإجماع، و اختصاص الأدلة بالرجل، و لا مجرى لقاعدة الاشتراك في المقام.

(34) لأنّ وجوب الكفارة تكليف، و لا تكليف بالنسبة إلى الصبيّ و المجنون، و من كان معذورا كالناسي و الجاهل بالموضوع.

(35) مقتضي إطلاق جملة من الكلمات بل ظهور الإجماع- أنّ المقصر كالعامد- هو التفصيل بينه و بين القاصر، فيجب في الأول دون الأخير.

(36) لتحقق موضوع الكفارة و هو العصيان، فيشمله إطلاق الدليل قهرا.

(37) على المشهور بين الفقهاء، لانّه المنساق من الأدلة عرفا.

ص: 232

مسألة 7: وجوب الكفارة في الوطء في دبر الحائض غير معلوم

(مسألة 7): وجوب الكفارة في الوطء في دبر الحائض غير معلوم (38) لكنّه أحوط.

مسألة 8: إذا زنى بحائض أو وطئها شبهة فالأحوط التكفير

(مسألة 8): إذا زنى بحائض أو وطئها شبهة فالأحوط التكفير، بل لا يخلو عن قوة (39).

مسألة 9: إذا خرج حيضها من غير الفرج فوطئها في الفرج الخالي من الدم

(مسألة 9): إذا خرج حيضها من غير الفرج فوطئها في الفرج الخالي من الدم فالظاهر وجوب الكفارة بخلاف وطئها في محل الخروج (40).

مسألة 10: لا فرق في وجوب الكفارة بين كون المرأة حية أو ميتة

(مسألة 10): لا فرق في وجوب الكفارة بين كون المرأة حية أو ميتة (41).

______________________________

(38) بل مقتضى الأصل عدمه بعد عدم شمول الأدلة له، أو الشك في الشمول، و تقدم في [مسألة 3] بعض الكلام فراجع.

(39) المذكور في جملة من الأخبار «امرأته» و «جاريته» و «يأتيها زوجها»، و في بعض الأخبار: «من أتى حائضا» (1)، و يمكن حمله على سائر الأخبار، و لكنه مشكل، فلا يترك الاحتياط.

(40) أما الأول فلصدق وطي الحائض. و أما الأخير فلعدم صدق الوطي و لا يحرم مطلق الإدخال في أيّ ثقبة منها و لو خرج منها الدم، للأصل.

(41) للإطلاق الشامل لهما، و مع الشك في شمول الإطلاق للميتة، فالظاهر عدم جريان الاستصحاب لتبدل الموضوع عرفا، و أنّ بالموت يقف الدم عن الجريان خصوصا إذا كان بعد مضيّ مدة من الموت، فيكون الموت من موجبات انقطاع دم الحيض تكوينا. نعم، يبقى حدث الحيضية إلى أن تغسل غسل الميت.

ص: 233


1- راجع جميعها في الوسائل و باب: 28 من أبواب الحيض.
مسألة 11: إدخال بعض الحشفة كاف في ثبوت الكفارة

(مسألة 11): إدخال بعض الحشفة كاف في ثبوت الكفارة على الأحوط (42).

مسألة 12: إذا وطئها بتخيل أنها أمته فبانت زوجته

(مسألة 12): إذا وطئها بتخيل أنها أمته فبانت زوجته، عليه كفارة دينار، و بالعكس كفارة الأمداد. كما أنه إذا اعتقد كونها في أول الحيض فبان الوسط أو الآخر أو العكس فالمناط الواقع (43).

مسألة 13: إذا وطئها بتخيل أنّها في الحيض فبان الخلاف

(مسألة 13): إذا وطئها بتخيل أنّها في الحيض فبان الخلاف لا شي ء عليه (44).

مسألة 14: لا تسقط الكفارة بالعجز عنها

(مسألة 14): لا تسقط الكفارة بالعجز عنها (45) فمتى تيسرت

______________________________

(42) جمودا على صدق الإتيان لو لم نقل بانصراف الأدلة إلى ما يوجب الجنابة و هو إدخال تمام الحشفة.

(43) لأنّ الأدلة منزلة على الواقعيات مطلقا إلا إذا دل دليل على أنّ لخصوص الاعتقاد موضوعية خاصة، و لا دليل كذلك في المقام.

(44) إذ ليس في البين واقع منجز حتّى يتعلق به التكليف و الأدلة منزلة على الواقعيات كما تقدم في المسألة السابقة.

(45) لأنّ ثبوت الكفارة بعد تنجز التكليف بالحرمة من الوضعيات التي لا تدور مدار القدرة الفعلية، و الظاهر عدم الفرق فيه بين العجز الحاصل حين الوطي أو العارض بعده.

و أما ما تقدم في ذيل خبر ابن فرقد من أنّه مع العجز: «يتصدق على مسكين، و الا استغفر اللّه» (1). فموهون بقصور سنده و اعراض المشهور عن ذيله.

ص: 234


1- تقدم في صفحة: 229.

وجبت. و الأحوط الاستغفار مع العجز بدلا عنها ما دام العجز (46).

مسألة 15: إذا اتفق حيضها حال المقاربة

(مسألة 15): إذا اتفق حيضها حال المقاربة و تعمد في عدم الإخراج وجبت الكفارة (47).

مسألة 16: إذا أخبرت بالحيض أو عدمه يسمع قولها

(مسألة 16): إذا أخبرت بالحيض أو عدمه يسمع قولها فإذا وطئها بعد إخبارها بالحيض وجبت الكفارة إلا إذا علم كذبها، بل لا يبعد سماع قولها في كونه أوله أو وسطه أو آخره (48).

مسألة 17: يجوز إعطاء قيمة الدينار

(مسألة 17): يجوز إعطاء قيمة الدينار و المناط قيمة وقت الأدلة (49).

______________________________

(46) لأصالة بقاء وجوبها و العجز مسقط للإثم لا الوجوب و الأحوط العمل بذيل خبر ابن فرقد (1) الصالح للاحتياط و إن لم يصلح للاستدلال به. نعم، قال الصادق عليه السلام: «إنّ الاستغفار توبة، و كفارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفارة» (2).

(47) للإطلاق الشامل للحدوث و الاستدامة، و البدلية ما دامية لا دائمية و يأتي في الكفارات تمام الكلام.

(48) لأنّها المستولية على نفسها و حالاتها، و يعتبر قول كلّ من استولى على شي ء بالنسبة إلى ما استولى عليه لدى العقلاء، و لم يردع عنه الشارع بل أقره بمثل قوله عليه السلام: «العدة و الحيض إليهنّ» (3)و إطلاقه يشمل الأخبار بالأول و الوسط و الآخر.

(49) الدينار فيما ورد من الأخبار عبارة عن الذهب المسكوك الذي هو المثقال الشرعي و قدره ثماني عشرة حمصة- أي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي

ص: 235


1- تقدم في صفحة: 228.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الكفارات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 47 من أبواب الحيض.
مسألة 18: الأحوط إعطاء كفارة الأمداد لثلاثة مساكين

(مسألة 18): الأحوط إعطاء كفارة الأمداد لثلاثة مساكين و أما كفارة الدينار فيجوز إعطاؤها لمسكين واحد، و الأحوط صرفها على ستة أو سبعة مساكين (50).

______________________________

الذي قدره اربع و عشرون حمصة (1)- و حيث أنّ الجمود على نفس الذهب المسكوك المخصوص الموجود حين صدور النصوص إلى الأبد يكون من المتعذر، بل من التكليف بما لا يطاق فيما يتغيّر تغيرا فاحشا بحسب الأعصار بل الأمصار في عصر التشريع فكيف بسائر الأعصار، فلا بد و أن يراد به مقدار المالية خصوصا في مثل المقام المشتمل على النصف و الرابع و لا يقاس ذلك بالكفارات مثل الحنطة و الكسوة و نحوهما، فإنّه قياس و مع الفارق، كما هو واضح.

و أما كون المدار على وقت الأداء فلأنّه المتعارف في التقويمات المتعارفة بين الناس، فتنزل الأدلة عليه و إن كان مقتضى الأصل هو الأقل عند التفاوت، لأنّ المسألة من صغريات الأقل و الأكثر بناء على اشتغال الذمة بأصل المالية، و يأتي تفصيل المقال في كتاب البيع إن شاء اللّه تعالى.

(50) أما الأول فلإجماع الانتصار القاصر عن الجزم بالفتوى و الصالح لإيجاب الاحتياط. و أما الثاني فلإطلاق الدليل و عدم ظهور الخلاف.

و أما الاحتياط في الصرف على ستة فلم يظهر له مستند الا التضعيف بالنسبة إلى الأمة المملوكة للواطي، كما مر. و لكنّه بعيد.

و أما الأخير، فلخبر الحلبي: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل واقع امرأته و هي حائض، فقال: إن كان واقعها في استقبال الدم فليستغفر اللّه و ليتصدق على سبعة نفر من المؤمنين»(2).

و في خبر عبد الملك عنه عليه السلام: «فليتصدق على عشرة مساكين» (3).

ص: 236


1- و المثقال الصيرفي: 600، 4 غرام كما عن بعض أهل الخبرة.
2- مر ذكرهما في صفحة: 230.
3- مر ذكرهما في صفحة: 231.
مسألة 19: إذا وطئها في الثلث الأول و الثاني و الثالث فعليه الدينار و نصفه و ربعه

(مسألة 19): إذا وطئها في الثلث الأول و الثاني و الثالث فعليه الدينار و نصفه و ربعه (51)، و إذا كرر الوطء في كلّ ثلث فإن كان بعد التكفير وجب التكرار، و الا فكذلك أيضا على الأحوط (52).

مسألة 20: ألحق بعضهم النفساء بالحائض في وجوب الكفارة

(مسألة 20): ألحق بعضهم النفساء بالحائض في وجوب الكفارة، و لا دليل عليه. نعم، لا إشكال في حرمة وطئها (53)

______________________________

(51) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(52) لظهور الأدلة في إيجاب كلّ وطي للكفارة إلا إذا دل دليل على الخلاف، و هو مفقود بلا فرق فيه بين تخلل التكفير و عدمه الا دعوى الانصراف عن الأخير و هو كما ترى.

إن قلت: هذا إذا كان السبب كلّ فرد خارجي من حيث هو فرد متحقق خارجا، و أما إن كان السبب صرف الوجود المحض الصادق على الواحد و المتعدد صدقا حقيقيا فلا موجب لتعدد المسبب، لأنّ المسبب واحد و هو صرف الوجود و التعدد إنّما هو في لوازمه و عوارضه.

قلت: هذا الاحتمال حسن ثبوتا. و أما إثباتا فالمنساق من الأدلة هو سببية الفرد من حيث هو. نعم، لو كان هناك دليل على أنّ السبب صرف الوجود المنطبق على الواحد و المتعدد لكفى مسبب واحد، كما في الحدث المتكرر مع عدم تخلل الطهارة حيث تسالموا على كفاية طهارة واحدة حينئذ و تقدم في بيان قاعدة التداخل بعض الكلام(1) فراجع.

(53) أما حرمة وطئها فلظهور تسالمهم عليها، و لخبر مالك: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها و هي في نفاسها من الدم قال عليه السلام: نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها، ثمَّ تستظهر بيوم فلا بأس- الحديث-» (2).

ص: 237


1- راجع صفحة: 118.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب النفاس حديث: 1.

.....

______________________________

و أما الكفارة فالمعروف وجوبها أيضا و استندوا تارة: إلى عموم النص و الفتوى، و لم نظفر على نص في المقام إلا صحيح زرارة في الحائض: «تصنع مثل النفساء سواء» (1).

و فيه: أنّ المنساق منه بقرينة غيره أنّ النفساء تعمل أعمال المستحاضة، فالحائض تعمل مثلها في بعض الموارد، مع أنّ المطلوب أنّ النفساء مثل الحائض لا العكس، و ظاهر الحديث هو الأخير.

هذا حال نصهم الذي اعتمدوا عليه. و أما الفتوى فبلوغه إلى مرتبة الإجماع مشكل- و على فرضه- فهو حاصل من الاجتهاد في الأدلة، لا أن يكون تعبديا يصلح للاعتماد عليه.

و أخرى: بما أرسل إرسال المسلّمات: «إنّ النفاس حيض محتبس».

و عن عليّ عليه السلام حيث سئل عن رزق الولد في بطن أمه، فقال عليه السلام: «إنّ اللّه تعالى حبس عليه الحيضة فجعلها رزقه في بطن أمه» (2).

و فيه: أنّ الحديث في مقام بيان الأمور التكوينية لا الأحكام الشرعية، و ما أرسل إرسال المسلمات إن كان مستندا إلى هذا الحديث فهو مثله، و إن استندوا إلى غيره من دليل آخر فهو من الإحالة على المجهول.

و ثالثة: بما أرسل إرسال المسلّمات من أصالة التساوي بين الحيض و النفاس إلا ما خرج بالدليل.

و فيه: أنّ المتيقن منه نفس ما يتعلق بالحدثين لا ما يترتب عليهما من الكفارة، و يشهد للعدم عدم الإشارة إليها في خبر من الأخبار أصلا. فتأمل، فإنّ التساوي بينهما في الموضوع يمكن أن يكون كاشفا عن التساوي الحكمي أيضا.

فروع- (الأول): الوطي في حال الحيض معصية صغيرة لا أن يكون كبيرة، للأصل و عدم ورود توعيد عليه في الكتاب.

ص: 238


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.
2- راجع الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 13 و 14.
التاسع: بطلان طلاقها و ظهارها
اشارة

(التاسع): بطلان طلاقها و ظهارها (54) إذا كانت مدخولا بها (55)

______________________________

(الثاني): يحد الواطي ربع حد الزاني على ما يأتي في الحدود إن شاء اللّه تعالى.

(الثالث): لا يجب على الزوج التفحص على أنّ الزوجة حائض أو لا، للأصل.

(الرابع): يجب عليها إطلاق الزوج إن كانت حائضا و لم يعلم به الزوج، لأنّ في تركه إعانة على الإثم.

(الخامس): يجزي التكفير عن الاستغفار، للأصل، و إطلاق الأخبار.

(السادس): الوطي في حال الحيض يوجب حدوث أمور منها رداءة في الولد، كما في الأخبار (1).

(54) نصّا و إجماعا فيهما. قال أبو جعفر عليه السلام: «لا طلاق إلا على طهر» (2).

و في صحيح زرارة عنه عليه السلام أيضا: «كيف الظهار؟ فقال عليه السلام: يقول الرجل لامرأته و هي طاهر من غير جماع- الحديث-» (3).

(55) لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح الجعفي: «خمس يطلقن على كلّ حال: الحامل المتبين حملها، و التي لم يدخل بها زوجها، و الغائب عنها زوجها، و التي لم تحض، و التي قد جلست من المحيض»(4) و هذا الصحيح في مقام بيان القاعدة الكلية، فيكون حاكما على غيره من الأدلة، و أما كفاية الدخول في الدبر فلأنّه أحد المأتيين، كما تقدم في الجنابة

ص: 239


1- راجع الوسائل باب: 24 من أبواب الحيض حديث: 3 و 4.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمات الطلاق حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الظهار حديث: 2.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب مقدمات الطلاق حديث: 1.

و لو دبرا (56)، و كان زوجها حاضرا أو في حكم الحاضر، و لم تكن حاملا (57) فلو لم تكن مدخولا بها أو كان زوجها غائبا أو في حكم الغائب بأن لم يكن متمكنا من استعلام حالها أو كانت حاملا يصح طلاقها (58). و المراد بكونه في حكم الحاضر أن يكون مع غيبته متمكنا من استعلام حالها (59).

______________________________

(56) لأنّ الدبر أحد المأتيين، كما تقدم في الجنابة و يأتي في أحكام العدد و الحدود و غيرهما ما ينفع المقام و تسالمهم على تساوي القبل و الدبر في جملة من الأحكام، فأصالة التساوي جارية إلا ما خرج بالدليل.

(57) لما تقدم في صحيح الجعفي، و حيث إنّ المتفاهم عرفا من قوله عليه السلام: «و الغائب عنها زوجها» أنّ الغيبة طريق لعدم إمكان الاطلاع على حال المرأة كما كانت كذلك في الأزمنة القديمة، فمع إمكان الاطلاع عليها بنحو المتعارف يجري عليها حكم الحضور عرفا، فيكون المدار على إمكان الاستعلام و عدمه. و يدل عليه- مضافا إلى ذلك- صحيح ابن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تزوج امرأة سرّا من أهلها و هي في منزل أهلها و قد أراد أن يطلّقها و ليس يصل إليها فيعلم طمثها إذا طمثت و لا يعلم بطهرها إذا طهرت. قال عليه السلام: هذا مثل الغائب عن أهله يطلق بالأهلة و الشهور» (1).

(58) إجماعا، و نصّا كما تقدم و يأتي التفصيل في الطلاق إن شاء اللّه تعالى.

(59) لما مر من أنّه لا موضوعية للغيبة من حيث هي، بل المناط كلّه إمكان الاستعلام و عدمه، و الظاهر أنّ الحكم المترتب على الغيبة في العرف أيضا كذلك.

ص: 240


1- الوسائل باب: 28 من أبواب مقدمات الطلاق حديث: 1.
مسألة 21: إذا كان الزوج غائبا و وكل حاضرا متمكنا من استعلام حالها

(مسألة 21): إذا كان الزوج غائبا و وكل حاضرا متمكنا من استعلام حالها لا يجوز له طلاقها في حال الحيض (60).

مسألة 22: لو طلقها باعتقاد أنّها طاهرة فبانت حائضا

(مسألة 22): لو طلقها باعتقاد أنّها طاهرة فبانت حائضا بطل و بالعكس صح (61).

مسألة 23: لا فرق في بطلان طلاق الحائض بين أن يكون حيضها وجدانيا أو بالرجوع إلى التمييز

(مسألة 23): لا فرق في بطلان طلاق الحائض بين أن يكون حيضها وجدانيا أو بالرجوع إلى التمييز، أو التخيير بين الأعداد المذكورة سابقا (62). و لو طلقها في صورة تخييرها قبل اختيارها فاختارت التحيّض بطل، و لو اختارت عدمه صح، و لو ماتت قبل الاختيار بطل أيضا (63).

______________________________

فرع: الوسائل الحديثة العصرية من التلفون و التلغراف، بل و البريد و سائر وسائل الإعلام و الاستعلام من طرق العلم بالطهر إلا إذا كان في البين محذور من الاستعلام بها، فمعه يجري حكم الغائب و مع الشك يجري الأصل في المانع وجودا أو عدما، و مع عدم الحالة تجري أصالة بقاء الزوجية ما لم يحرز عدم إمكان الاستعلام.

(60) لإمكان الاستعلام فلا يشمله دليل الغالب، و الظاهر عدم الفرق بين الوكيل المفوّض و غيره بعد وجوب التفحص عليهما عن خصوصيات صحة الطلاق.

(61) لأنّ المدار على الواقع، و العلم و الاعتقاد طريق إليه و لا بد في صورة العكس من تحقق قصد إنشاء الطلاق، و إلا لبطل من هذه الجهة.

(62) لأنّ المناط في بطلان طلاق الحائض حكم الشارع بكون المرأة حائضا، و هو متحقق في جميع الصور، و لأنّ هذا هو معنى تنزيل الحيض غير الوجداني منزلة الحيض الوجداني.

(63) كلّ ذلك لاعتبار اختيارها شرعا فترتب عليه الأحكام قهرا، و يجري في الأخير استصحاب بقاء الزوجية بعد الشك في تأثير مثل هذا الطلاق.

ص: 241

مسألة 24: بطلان الطلاق و الظهار و حرمة الوطي و وجوب الكفارة مختصة بحال الحيض

(مسألة 24): بطلان الطلاق و الظهار و حرمة الوطي و وجوب الكفارة مختصة بحال الحيض (64)، فلو طهرت و لم تغتسل لا تترتب هذه الأحكام فيصح طلاقها و ظهارها و يجوز وطيها، و لا كفارة فيه. و أما الأحكام الأخر المذكورة فهي ثابتة ما لم تغتسل (65).

العاشر: وجوب الغسل بعد انقطاع الحيض للأعمال الواجبة المشروطة بالطهارة
اشارة

(العاشر): وجوب الغسل (66) بعد انقطاع الحيض للأعمال الواجبة المشروطة بالطهارة، كالصلاة و الطواف و الصوم. و استحبابه للأعمال التي يستحب لها الطهارة (67)، و شرطيته للأعمال الغير الواجبة التي يشترط فيها الطهارة (68).

مسألة 25: غسل الحيض كغسل الجنابة مستحب

(مسألة 25): غسل الحيض كغسل الجنابة مستحب

______________________________

(64) لانسباق ذلك من الأدلة، مضافا إلى الإجماع- كما عن المسالك- و يأتي في [مسألة 28] جواز الوطي بعد انقطاع الدم و يتبعه سقوط الكفارة أيضا.

(65) للاستصحاب و الإجماع المدعى عن المسالك، و لأنّ هذه الأحكام مترتبة على حدث الحيض بقرينة ذكر الحائض مع الجنب في الأدلة، و ما لم يغتسل لا يرتفع الحدث.

(66) بضرورة من المذهب، بل الدين، و نصوص متواترة منها: قول الصادق عليه السلام: «غسل الحيض واجب»(1).

(67) كصلاة الأموات، و زيارة القبور، و مناسك الحج ما عدى الصلاة و الطواف و غير ذلك مما هو كثير جدا.

(68) كلّ ذلك إجماعا، و نصوصا، و يأتي التعرض في محالّها من كتاب الصلاة، و الصوم، و الحج.

ص: 242


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الحيض حديث: 2.

نفسي (69)، و كيفيته مثل غسل الجنابة في الترتيب و الارتماس و غيرهما مما مر (70). و الفرق أنّ غسل الجنابة لا يحتاج إلى الوضوء (71)

______________________________

(69) لأنّه طهارة فيدل عليه كلّ ما دل على مطلوبية الطهارة من الكتاب و السنة، و لا فرق فيه بين كونه سببا توليديا للطهارة، أو كان لأجل الكون عليها.

و أما استحباب نفس الغسلات من حيث هي مع قطع النظر عن الطهارة و مع عدم شرط تحققها فلم يقل به أحد، و قد تقدم في غسل الجنابة ما ينفع المقام، فراجع. و ظاهرهم الإجماع على عدم كونه واجبا نفسيا

(70) نصا و إجماعا. قال أبو عبد اللّه عليه السلام في موثق الحلبي:

«غسل الجنابة و الحيض واحد» (1).

و يظهر من الكلمات إمكان التفرقة بينهما بوجوه:

منها: كفاية غسل الجنابة عن الوضوء، بخلاف غسل الحيض. و هو مبنيّ على عدم كفاية كلّ غسل عن الوضوء.

و منها: ما عن المنتهى من وجوب الترتيبي في غسل الحيض، و نسبه إلى مذهب علمائنا أجمع. فإن أراد الوجوب التخييري بينه و بين الارتماسي فلا نزاع فيه، و إن أراد التعيني فلا دليل عليه، لفتوى العلماء بالتخيير فيه أيضا.

و منها: ما عن النهاية من أنّها تغتسل بتسعة أرطال من الماء و إن زادت كان أفضل، و حكم بجواز الزيادة في غسل الجنابة. فإن أراد بالجواز الأفضلية ينتفي الفرق بينهما، و إلا يتحقق الفرق.

و منها: بناء على عدم كفاية غسل الحيض عن الوضوء، فلا يقدح حينئذ تخلل الحدث الأصغر في أثنائه و بناء على الكفاية تجري فيه الأقوال المتقدمة في غسل الجنابة فراجع و اللّه تعالى هو العالم بحقائق الأحكام.

(71) نصوصا كثيرة، و إجماعا، ففي صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن

ص: 243


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض حديث: 1

.....

______________________________

عليه السلام قال: «سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرائيل؟- إلى أن قال عليه السلام:- و لا وضوء عليه» (1).

و في صحيح البزنطي: «و لا وضوء فيه» (2).

و في موثق حكم بن حكيم: «و أي وضوء أنقى من الغسل و أبلغ» (3).

و في خبر ابن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ أهل الكوفة يروون عن عليّ عليه السلام أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة قال:

كذبوا على عليّ عليه السلام ما وجدوا ذلك في كتاب عليّ- الحديث-» (4) و في صحيح زرارة: «ليس قبله و لا بعده وضوء» (5).

و يستفاد منها أنّ ما ورد من كون الوضوء مع الغسل بدعة يراد به غسل الجنابة فقط لا مطلق الغسل، و يشهد له الفقه الرضوي: «الوضوء في كلّ غسل ما خلا غسل الجنابة، لأنّ غسل الجنابة فريضة تجزية عن الفرض الثاني و لا تجزيه سائر الأغسال عن الوضوء، لأنّ الغسل سنة و الوضوء فريضة و لا تجزي سنة عن فرض، و غسل الجنابة و الوضوء فريضتان فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما- الحديث-» (6).

و في عوالي اللئالي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «كلّ غسل لا بد فيه من الوضوء إلا مع الجنابة» (7).

و أما خبر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال: اغسل كفك و فرجك، و توضأ وضوء الصلاة ثمَّ اغتسل» (8).

فلا بد من حمله على التقية بقرينة غيره من الأخبار

ص: 244


1- الوسائل باب: 34 من أبواب غسل الجنابة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 34 من أبواب غسل الجنابة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 34 من أبواب غسل الجنابة حديث: 4.
4- الوسائل باب: 34 من أبواب غسل الجنابة حديث: 5.
5- الوسائل باب: 34 من أبواب غسل الجنابة حديث: 2.
6- مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 1.
7- مستدرك الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام الجنابة حديث: 3.
8- الوسائل باب: 34 من أبواب غسل الجنابة حديث: 6.

بخلافه، فإنّه يجب معه الوضوء (72) قبله أو بعده، أو

______________________________

(72) على المشهور شهرة عظيمة، للأدلة الدالة على اعتبار الطهارة في الغايات المشروطة بها و لقاعدة الاشتغال، و لاستصحاب بقاء الحدث و ذهب جمع إلى كفاية مطلق الغسل عن الوضوء. و استدل لها بأمور كلّها مخدوشة:

منها: أنّ الغسل رافع لذات الحدث مطلقا أكبرها و أصغرها. و فيه: أنّه عين الدعوى.

و منها: أنّ الأحداث طبيعة واحدة مشككة فما يرفع أكبرها يرفع أصغرها بالأولى و فيه: أنّه حسن ثبوتا و لا دليل عليه إثباتا إلا في غسل الجنابة الذي يجزي عن الوضوء إجماعا.

و منها: عدم التعرض للوضوء في الأغسال واجبة كانت أو مندوبة في الأخبار خصوصا «في غسل الحيض و الاستحاضة المشتملة على قوله عليه السلام:

اغتسلت وصلت». و فيه: أنّ ارتكاز المتشرعة بوجوب الوضوء للأحداث يغني عن التعرض لها في الأخبار، و هذا كالقرينة المتصلة المانعة عن الأخذ بالإطلاق على فرض صحة دعوى كون الإطلاق واردا مورد البيان حتّى من هذه الجهة.

و منها: عدم التعرض للوضوء فيما ورد لبيان أحكام التداخل في الأغسال (1)، و ما ورد في حكم بدلية التيمم عن الغسل (2) و فيه: أنّها ليست في مقام البيان من تمام هذه الجهات، بل وردت لبيان حكم التداخل، أو بدلية التيمم عن الغسل و ليس بناء الفقهاء على الأخذ بإطلاق مثل هذه الأخبار في سائر الموارد أيضا.

و منها: إطلاق ما دل على أنّ غسل الحيض مثل غسل الجنابة (3). و فيه:

أنّ المنساق منه التشبيه في كيفية إيجاد الغسل لا الجهات الخارجية

ص: 245


1- تقدم في صفحة: 121.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب التيمم.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض.

.....

______________________________

و منها: ما ورد مستفيضا أنّ الوضوء بعد الغسل بدعة (1)الوسائل باب: 33 من أبواب غسل الجنابة حديث: 5.(2). و فيه: أنّ المراد به غسل الجنابة، لأنّه الذي نسب العامة إلى علي عليه السلام أنّ فيه الوضوء، و قال الإمام عليه السلام: إنّهم كذبوا على عليّ عليه السلام (3)، و إلا فرجحان الوضوء مع الغسل و مشروعيته معه مما أجمعوا عليه.

و منها الأخبار- و هي العمدة- و هي على قسمين:

الأول: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «الغسل يجزي عن الوضوء، و أي وضوء أطهر من الغسل» (4).

و قول أبي الحسن عليه السلام: «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة، و لا غيره» (5).

و قول الصادق عليه السلام: «أيّ وضوء أطهر من الغسل» (6).

و عن الصادق عليه السلام في موثق عمار: «عن الرجل إذا اغتسل من جنابة، أو يوم جمعة، أو يوم عيد، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال عليه السلام: لا ليس عليه قبل و لا بعد قد أجزأه الغسل، و المرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض، أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد قد أجزأها الغسل» (7).

إلى غير ذلك من الأخبار.

و فيه أولا: أنّ المطلقات إشارة إلى غسل الجنابة، لأنّه الشائع المتعارف بين المسلمين.

و ثانيا: أنّه لو كان إجزاء كلّ غسل عن الوضوء من الحكم الواقعي لاشتهر و بان في هذا الأمر العام البلوى مع بناء الشرع على التسهيل و التيسير خصوصا

ص: 246


1-
2-
3- الوسائل باب: 34 من أبواب الجنابة حديث: 5.
4- الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 1
5- الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 2.
6- الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 4.
7- الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 3.

.....

______________________________

بالنسبة إلى النساء و خصوصا بالنسبة إلى الأعصار القديمة التي قلّت المياه فيها، كيف و قد اشتهر الخلاف.

و ثالثا: يمكن أن يراد من نفي الوضوء في هذه الأخبار عدم كونه من آداب الغسل كما يفعله العامة (1) فيكون المعنى أنّ الوضوء الصلاتي ليس شرطا لصحة الغسل و لا من آدابه.

و رابعا: أنّها موهونة بإعراض الأصحاب عنها، و عن الصدوق «إنّ من دين الإمامية احتياج كلّ غسل إلى الوضوء، عدى غسل الجنابة» فكيف يعتمد عليها مع ذلك.

و خامسا: معارضته بالقسم الثاني من الأخبار كخبر ابن أبي عمير: «كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة» (2).

و قريب منه خبره الآخر. و عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في خبر ابن يقطين: «إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ ثمَّ اغتسل» (3).

و بضميمة عدم الفصل بينه و بين سائر الأغسال يتم المطلوب، و في الفقه الرضوي: «و الوضوء في كلّ غسل ما خلا غسل الجنابة، لأنّ غسل الجنابة فريضة يجزيه عن الفرض الثاني و لا يجزيه سائر الأغسال لأنّ الغسل سنة و الوضوء فريضة و لا يجزي سنة عن فرض- إلى أن قال:- فإذا اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثمَّ اغتسل و لا يجزي الغسل عن الوضوء» (4) و المراد بقوله: «غسل الجنابة فريضة» أي تبت وجوبه بالقرآن دون سائر الأغسال.

و أشكل على الأول بالإرسال. و فيه: أنّ مراسيل ابن أبي عمير معتبرة- كما تقدم- خصوصا مع اعتماد المشهور عليها.

ص: 247


1- راجع البخاري ج: 1 كتاب الغسل باب: الوضوء قبل الغسل.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب الجنابة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب الجنابة حديث: 3.
4- مستدرك الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام الجنابة.

بينه (73) إذا كان ترتيبا، و الأفضل في جميع الأغسال جعل الوضوء قبلها (74).

______________________________

و على الأخير بأنّ ظاهره وجوب الوضوء قبل الغسل، و المشهور لا يقولون به و فيه: أنّ التفكيك في أجزاء الرواية الواحدة بالعمل ببعضها و ترك العمل بالبعض الآخر لقرينة دالة عليه شائع في الفقه، فلا محيص عن العمل بما هو المشهور، و فهم الأساطين، كالشيخين و المحققين، و الشهيدين، و غيرهم من خبراء الفقه الذين لا يخفي عليهم المناقشات الحادثة في أذهان متأخري المتأخرين و يدل عليه الإطلاقات و العمومات الدالة على وجوب الوضوء، و أصالة بقاء الحدث بعد قصور المعارض عن إثبات الخلاف و قاعدة الاشتغال المرتكزة في النفوس.

(73) لأصالة عدم الاشتراط بمحل خاص، و للإطلاقات و العمومات.

و أما الأخبار فمنها: ما تقدم من مرسل ابن أبي عمير. و فيه ما عن السرائر من دعوى عدم الخلاف في عدم وجوب التقديم.

و منها قوله عليه السلام: «الوضوء بعد الغسل بدعة» (1). و فيه: ظهور تسالمهم على مشروعيته في الجملة، بل رجحانه لأنّ: «الطهر على الطهر عشر حسنات» (2) فلا بد و أن يحمل على ما إذا كان بعنوان التشريع و كان بعد غسل الجنابة.

و منها: مرسل نوادر الحكمة: «الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة» (3).

و إرساله و هجر الأصحاب له أسقطاه عن الاعتبار.

(74) لما تقدم من مرسل ابن أبي عمير بعد حمله على الندب إجماعا و هذا وضوء يجتمع مع الحدث الأكبر لأجل النص، و الظاهر اعتبار المقارنة العرفية مع الغسل، و لو تخلل الفصل بينهما يشكل الاكتفاء به.

ص: 248


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الحيض.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الوضوء حديث: 3.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب الجنابة حديث: 5.
مسألة 26: إذا اغتسلت جاز لها كلّ ما حرم عليها بسبب الحيض و إن لم تتوضأ

(مسألة 26): إذا اغتسلت جاز لها كلّ ما حرم عليها بسبب الحيض و إن لم تتوضأ، فالوضوء ليس شرطا في صحة الغسل، بل يجب لما يشترط به كالصلاة و نحوه (75).

مسألة 27: إذا تعذر الغسل تتيمم بدلا عنه

(مسألة 27): إذا تعذر الغسل تتيمم بدلا عنه و إن تعذر الوضوء أيضا تتيمم، و إن كان الماء بقدر أحدهما تقدم الغسل (76).

مسألة 28: جواز وطئها لا يتوقف على الغسل

(مسألة 28): جواز وطئها لا يتوقف على الغسل (77) لكن يكره

______________________________

(75) أما إباحة كلّ ما حرّم عليها بالغسل فبالضرورة من المذهب، بل الدين. و أما عدم اشتراط الوضوء في صحة الغسل فللأصل، و الإطلاق، و الإجماع.

(76) أما الأولان فلما يأتي من بدلية الطهارة الترابية عن المائية. و توهم أنّه مع تعذر الغسل و إمكان الوضوء لا وجه للوضوء، إذ لا يمكن رفع الحدث الأصغر مع بقاء الأكبر. مدفوع بما يأتي في فصل التيمم من أنه رافع للحدث، لا أن يكون مبيحا فيرتفع الحدث الأكبر بالنسبة أيضا ما دام العذر باقيا و أما الأخير فلاحتمال أهميته، و يأتي التفصيل في أحكام التيمم إن شاء اللّه تعالى، فراجع.

(77) للأصل، و الإطلاقات، و دعوى الإجماع عن جمع، و للأخبار الخاصة. قال أبو عبد اللّه عليه السلام في موثق ابن بكير: «إذا انقطع الدم و لم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» (1).

و في موثق ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام: «قال: سألته عن الحائض ترى الطهر، أ يقع فيها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال: لا بأس و بعد الغسل أحبّ إليّ» (2). فلا وجه لاستصحاب بقاء الحرمة، لحكومة تلك الأدلة عليها، كما لا وجه للتمسك بإطلاقات حرمة وطي الحائض لأنّ المنساق منها عرفا- و لو

ص: 249


1- الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 3.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 5.

قبله (78)، و لا يجب غسل فرجها أيضا قبل الوطء (79) و إن كان أحوط، بل الأحوط ترك الوطء قبل الغسل.

______________________________

بقرينة هذه الأخبار- حالة قذف الدم فقط، كما أنّها المنساق من قوله تعالى:

قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ (1) لأنّ الأذى حالة قذف الدم عرفا لا النقاء. و أما قوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ (2)، فلا وجه للاستدلال به على الجواز، لتعارض قرائتي التخفيف الظاهر في مطلق النقاء و التشديد الظاهر في الغسل و لا ترجيح في البين.

نعم، يمكن ترجيح قراءة التخفيف بصدر الآية الكريمة من قوله تعالى قُلْ هُوَ أَذىً. بناء على ظهوره في حالة قذف الدم.

(78) لموقف ابن يسار عن الصادق عليه السلام: «قلت له: المرأة تحرم عليها الصلاة ثمَّ تطهر فتتوضأ من غير أن تغتسل، أ فلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال: لا حتّى تغتسل» (3).

و مثله موثق ابن بصير (4) المحمولين على الكراهة جمعا و إجماعا.

و أما صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في المرأة ينقطع عنها الدم- دم الحيض- في آخر أيامها. قال: إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثمَّ يمسها إن شاء قبل أن تغتسل»(5)فمحمول على نفي الكراهة، أو خفتها في مورد الشبق. فما نسب إلى الصدوق رحمه اللّه من ذهابه إلى المنع مطلقا تارة، و التفصيل بين الشبق و غيره أخرى لا وجه له.

(79) للأصل و إطلاق الأخبار. و ما تقدم من قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم إرشاد محض إلى تنظيف المحل لئلا يتنفر عنها الزوج و أما خبر أبي عبيدة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحائض ترى الطهر

ص: 250


1- سورة البقرة: 222.
2- سورة البقرة: 222.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 7.
4- الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 6.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 1.
مسألة 29: ماء غسل الزوجة و الأمة على الزوج و السيد على الأقوى

(مسألة 29): ماء غسل الزوجة و الأمة على الزوج و السيد على الأقوى (80).

مسألة 30: إذا تيممت بدل الغسل ثمَّ أحدثت بالأصغر لا يبطل تيممها

(مسألة 30): إذا تيممت بدل الغسل ثمَّ أحدثت بالأصغر لا يبطل تيممها (81)، بل هو باق إلى أن تتمكن من الغسل.

الحادي عشر: وجوب قضاء ما فات في حال الحيض من صوم شهر رمضان و غيره
اشارة

(الحادي عشر): وجوب قضاء ما فات في حال الحيض من صوم شهر رمضان و غيره (82) من الصيام الواجب (83) و أما الصلوات

______________________________

في السفر و ليس معها ما يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة. قال عليه السلام:

إن كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فلتغسله ثمَّ تتيمم و تصلي. قلت: فيأتيها زوجها في ذلك الحال؟ قال: نعم إذا غسلت فرجها و تيممت فلا بأس» (1).

فلا يدل على ثبوت البأس في غيره إلا بالمفهوم، و اعتباره- خصوصا في مثل المقام الذي يظهر منه مجرد الإشارة عرفا- أول الكلام. نعم، لا كلام في وجوب غسل فرجها للصلاة، لأنه تقليل للنجاسة مهما أمكن، و هو واجب، و من ذلك كلّه ظهر وجه الاحتياطين. فما نسب إلى جمع من وجوب غسل الفرج للوطي، و إلى آخر من اشتراط الجواز به و بالوضوء، و إلى ثالث من التخيير بينهما لا وجه له.

(80) لما تقدم في [مسألة 21] من فصل غسل الجنابة مستحب نفسي و واجب غيري.

(81) لما يأتي في فصل أحكام التيمم [مسألة 24].

(82) بضرورة من فقه المسلمين- إن لم يكن من دينهم- و نصوص مستفيضة. منها قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «ليس عليها أن تقضي الصلاة، و عليها أن تقضي صوم شهر رمضان» (2).

(83) لإطلاق قول الصادق عليه السلام: «المرأة تقضي صومها و لا

ص: 251


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 2.

اليومية فليس عليها قضاؤها (84)، بخلاف غير اليومية مثل الطواف و النذر المعيّن و الصلاة الآيات فإنّه يجب قضاؤها على الأحوط، بل الأقوى (85).

______________________________

تقضي صلاتها» (1) و نحوه غيره. و الانصراف الى صوم شهر رمضان بدوي لا يعتني به.

و أما خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد الهّر عليه السلام ما بال الحائض تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة؟ قال عليه السلام: لأنّ الصوم إنّما هو في الستة شهر، و الصلاة في كل يوم و ليلة» فأوجب اللّه عليها قضاء الصوم و لم يوجب عليها قضاء الصلاة لذلك» (2).

فإنّما هو في مقام بيان الحكمة، لا العلة التامة المنحصرة، و مع الشك في أنه حكمة أو علة يكفي عدم إحراز العلية في عدم ترتب آثارها.

ثمَّ إنّه لا فرق في الواجب بين أقسامه، لظهور الإطلاق الشامل للجميع.

نعم، يمكن أن يقال في بعض موارد النذر بانحلال النذر، كما إذا نذرت صوم الغد، أو صوم الجمعة الآتية- مثلا- فحاضت، فان مقتضى المرتكزات أنّ النذر معلّق في الواقع على عدم عروض المانع. و لو شك في ذلك، فيأتي تفصيله.

(84) بإجماع المسلمين، و نصوص متواترة. منها: صحيح ابن راشد:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الحائض تقضي الصلاة؟ قال عليه السلام:

لا. قلت: تقضي الصوم؟ قال عليه السلام: نعم، قلت: من أين جاء هذا؟

قال عليه السلام: إنّ أول من قاس إبليس» (3).

(85) أما صلاة الطواف فليست من الموقتات، فهي خارجة عن مورد البحث فيجب عليها الإتيان بها بعد الاغتسال. و كذا صلاة الزلزلة، لأنّها من

ص: 252


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 12.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 3.

.....

______________________________

ذوات الأسباب و أما النذر المعيّن، و الكسوفان فالبحث فيهما تارة: بحسب الإطلاقات، و العمومات، و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة و ثالثة: بحسب الأصل.

أما الأولى: فمقتضى العمومات الدالة على وجوب قضاء الفائتة- كالنبوي: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (1).

و صحيح زرارة: «أربع صلوات يصليها الرجل في كلّ ساعة، صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها- الحديث-» (2).

هو وجوب قضاء كلّ صلاة إلا ما خرج بالدليل بالخصوص، و دعوى:

انصرافها إلى اليومية من الانصرافات البدوية التي لا يعتني بها.

إن قيل: إنّ ظاهر التقييد بالوقت كونه من باب وحدة المطلوب فلا وجه للقضاء إلا ما خرج بالدليل.

يقال: إنّ هذا النحو من التقييد مشكوك فيه، و الأصل، و الإطلاق ينفيه.

و أما الثانية: فليس في البين إلا قولهم عليهم السلام: «لا تقضي الصلاة» (3).

و ظهوره في اليومية مما لا ينكر خصوصا بعد ما ورد في علة تشريع عدم قضاء الصلاة: «لأنّ الصوم إنّما هو في السنة شهر و الصلاة في كلّ يوم و ليلة، فأوجب اللّه عليها قضاء الصوم و لم يوجب عليها قضاء الصلاة لذلك» (4).

و على فرض الشك في العموم لا يصح التمسك به، لانّه من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية، فعمومات وجوب قضاء الصلاة محكمة، و ليس التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية، لفرض الصدق العرفي عند المتشرعة على المورد، و قد ثبت في محلّه أنّه إن ورد عام و خاص و كان الخاص مرددا بين الأقل و الأكثر يرجع إلى العام في مورد الشك.

ص: 253


1- ورد مضمونها في الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب قضاء الصلوات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 4.
4- الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 12.
مسألة 31: إذا حاضت بعد دخول الوقت

(مسألة 31): إذا حاضت بعد دخول الوقت فإن كان مضى منه مقدار أداء أقل الواجب من صلاتها بحسب حالها من السرعة و البطء و الصحة و المرض و السفر و الحضر و تحصيل الشرائط بحسب تكليفها الفعلي من الوضوء أو الغسل أو التيمم و غيرها من سائر الشرائط غير الحاصلة و لم تصل وجب عليها قضاء تلك الصلاة (86)، كما انها لو

______________________________

إن قيل: نعم و لكن ما لم يثبت الخطاب، فكيف يثبت القضاء مع تفرعه عليه. يقال: القضاء تابع لمجرد صحة الإنشاء و للملاك لا لفعلية الخطاب كما في قضاء الصوم بالنسبة إليها، مع أنّ الطهارة من الحيض شرط الصحة الصوم و وجوبه نصا و إجماعا، فلتكن الصلاة مطلقا كذلك إلا ما خرج بالدليل، فالمقتضي لوجوب القضاء موجود و المانع عنه مفقود.

و أما الثالثة: فمقتضى استصحاب الوجوب بعد ثبوته وجوب القضاء، و الإشكال عليه تارة: بأنّ الشك في أصل حدوث الوجوب. و أخرى: بأنّ القضاء مرتب على الفوت و إثباته بالأصل مثبت. مردود.

أما الأول: فلما تقدم من صلاحية العمومات، و الإطلاقات لإثبات الوجوب.

و الثاني: بأنّ الفوت عين عدم الإتيان في الوقت عرفا و شرعا، فلا محذور في إجراء الأصل الموضوعي، و معه لا تصل النوبة إلى البراءة، و يأتي في الصلاة المنذورة الموقتة و الصوم كذلك و الحج و في كتاب النذر ما ينفع المقام فراجع.

(86) نصا و إجماعا، ففي موثق يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في امرأة دخل عليها وقت الصلاة و هي طاهر فأخرت الصلاة حتّى حاضت، قال: تقضي إذا طهرت» (1).

و نحوه، غيره، و تشهد له العمومات أيضا.

ص: 254


1- الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض حديث: 4.

علمت بمفاجأة الحيض وجب عليها المبادرة إلى الصلاة (87) و في مواطن التخيير يكفي سعة مقدار القصر (88). و لو أدركت من الوقت أقل مما ذكرنا لا يجب عليها القضاء (89).

______________________________

(87) لكونها مضيقة حينئذ فيجب عليها الخروج عن عهدتها فورا.

(88) للعمومات و الإطلاقات بعد التمكن من الأداء بحسب تكليفها فعلا، و التمكن من أحد فردي التخيير يكفي في تنجز التكليف عقلا و شرعا.

(89) على المشهور، للأصل بعد الشك في شمول دليل وجوب قضاء الفائتة، و دليل عدم وجوب القضاء على الحائض لمثل المقام، لكون التمسك بكل منهما من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فيرجع إلى أصالة البراءة لا محالة، مع أنّ في جملة من الأخبار(1) تعليق وجوب القضاء على التفريط و التضييع و لا موضوع لهما في المقام.

و عن الشرائع و القواعد و غيرهما وجوب القضاء عليها في هذه الصورة أيضا لإطلاقات وجوب قضاء الصلاة و تمكنها من إتيان الصلاة الاضطرارية.

و يرد عليه: أنّ الأول: من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية.

و الثاني: مترتب على إمكان تعلق التكليف الاختياري لمكان البدلية، و المفروض عدمه. إلا أن يقال: إنّ البدلية من الحكمة الغالبة لا العلة التامة التي تدور مدار إمكان تعلق التكليف بالمبدل، و يشهد له أنه لو بلغ الصبيّ مقعدا أو فاقد الماء لا ينبغي لأحد أن يقول بعدم وجوب الصلاة بحسب تكليف عليه.

و أما تعليق القضاء في بعض الأخبار على التفريط و التضييع فهو من باب الغالب لا التقييد، إذ لا إشكال في وجوبه مع الغفلة و النسيان و الجهل. و أما خبر أبي الورد: «عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر و قد صلّت ركعتين ثمَّ ترى الدم، قال: تقوم من مسجدها و لا تقضى الركعتين، و إن كانت رأت الدم و هي

ص: 255


1- راجع الوسائل باب: 48 و 49 من أبواب الحيض.

و إن كان الأحوط القضاء (90) إذا أدركت الصلاة مع الطهارة و إن لم تدرك سائر الشرائط، بل و لو أدركت أكثر الصلاة بل الأحوط قضاء الصلاة إذا حاضت بعد الوقت مطلقا و إن لم تدرك شيئا من الصلاة (91).

مسألة 32: إذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت

(مسألة 32): إذا طهرت من الحيض قبل خروج الوقت فإن أدركت من الوقت ركعة مع إحراز الشرائط وجب عليها الأداء، و إن تركت وجب قضاؤها (92)،

______________________________

في صلاة المغرب و قد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها فإذا تطهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب» (1).

و قريب منه موثق سماعة (2). فمضافا إلى ضعف سند الأول لا عامل بإطلاقهما لشمولها لما إذا حدث الحيض بعد دخول الوقت- و لو بكثير- مع اشتمال الأول على ما لا يقول به أحد من قضاء الركعة الواحدة من المغرب، مع احتمال أن يكون المراد بقوله عليه السلام: «لا تقضي الركعتين» أي لا تقضي الركعتين فقط، بل تقضي جميع الصلاة

(90) ظهر وجه الاحتياط مما تقدم.

(91) نسب وجوب القضاء فيما إذا أدركت أكثر الصلاة إلى جمع من القدماء و وجوبه فيما إذا لم تدرك شيئا منها إلى النهاية و الوسيلة. و لعلّ الوجه في كثرة اهتمام الشارع بالصلاة و كثرة تضييعهنّ لها، فيناسب التشديد مهما أمكن.

لئلا يهملن فيها و فتوى الجماعة تكفي في الاحتياط.

(92) أما وجوب الأداء فلاتفاق النص (3)و الفتوى على أنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت. و أما القضاء فلإطلاقات أدلته و عموماتها، مضافا إلى قول الصادق عليه السلام: «أيّما امرأة رأت الطهر و هي قادرة على أن تغتسل في

ص: 256


1- الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض حديث: 3.
2- الوسائل باب: 48 من أبواب الحيض حديث: 6.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب المواقيت (كتاب الصلاة)

و الا فلا (93) و إن كان الأحوط القضاء (94) إذا أدركت ركعة مع الطهارة و إن لم تدرك سائر الشرائط، بل الأحوط القضاء إذا طهرت قبل خروج الوقت مطلقا، و إذا أدركت ركعة مع التيمم لا يكفي في الوجوب (95) إلا إذا كان وظيفتها التيمم مع قطع النظر عن ضيق الوقت (96)، و إن كان الأحوط الإتيان مع التيمم (97). و تمامية

______________________________

وقت صلاة ففرطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، و إن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة و دخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء، و تصلي الصلاة التي دخل وقتها» (1).

(93) لعدم تمكنها من الأداء فيشملها ذيل قول الصادق عليه السلام فيما مرّ من الحديث.

(94) تقدم وجه الاحتياط في المسألة السابقة فراجع إذ لا فرق بينهما إلا بالنسبة إلى أول الوقت و آخره.

(95) على المعروف، لأنّ المتفاهم من قوله عليه السلام: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت».

إنّما هو بحسب التكليف الفعلي، فإن كانت متمكنة حينئذ من الطهارة المائية، فالمدار عليها. و إلا فعلى ما هي مأمورة به فعلا، فإن لم تدرك ركعة من الوقت مع الطهارة المائية مع التمكن منها يصدق أنّها لا تدرك الركعة، فلا أداء عليها و لا قضاء لصدق عدم التمكن بحسب التكليف الفعلي.

(96) لأنّ تكليفها الفعلي حينئذ التيمم، فيصدق التمكن منه بحسب التكليف الفعلي.

(97) ظهر وجه الاحتياط مما تقدم في [مسألة 31].

ص: 257


1- الوسائل باب: 49 من أبواب الحيض حديث: 1.

الركعة بتمامية الذكر من السجدة الثانية (98)، لا يرفع الرأس منها.

مسألة 33: إذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت يكفي في وجوب المبادرة و وجوب القضاء مضيّ مقدار أداء الصلاة

(مسألة 33): إذا كانت جميع الشرائط حاصلة قبل دخول الوقت يكفي في وجوب المبادرة و وجوب القضاء مضيّ مقدار أداء الصلاة قبل حدوث الحيض، فاعتبار مضيّ مقدار تحصيل الشرائط إنّما هو على تقدير عدم حصولها (99).

مسألة 34: إذا ظننت ضيق الوقت عن إدراك الركعة فتركت ثمَّ بان السعة وجب عليها القضاء

(مسألة 34): إذا ظننت ضيق الوقت عن إدراك الركعة فتركت ثمَّ بان السعة وجب عليها القضاء (100).

مسألة 35: إذا شكت في سعة الوقت و عدمها وجبت المبادرة

(مسألة 35): إذا شكت في سعة الوقت و عدمها وجبت المبادرة (101).

مسألة 36: إذا علمت أول الوقت بمفاجأة الحيض وجبت المبادرة

(مسألة 36): إذا علمت أول الوقت بمفاجأة الحيض وجبت

______________________________

(98) لتمامية واجبات السجدة بإتيان الذكر الواجب، و بتمامية السجدة تتم الركعة لأنّها بحسب المتفاهم من الأدلة عبارة عن القيام و الركوع و السجدتين بواجباتها، و رفع الرأس إنّما هو مقدمة لإتيان بقية أجزاء الصلاة لا أن يكون من واجبات السجدة أو الركعة، بل هو واجب مقدمي صلاتي لا أن يكون جزءا لأحدهما و يأتي في [مسألة 2] من (فصل الشك في الركعات) ما ينفع المقام، فراجع. و أما ما يأتي من الماتن في (فصل السجود) من عدّه رفع الرأس من واجبات السجدة، مبنيّ على المسامحة.

(99) لأنّ اعتبار مضيّ مقدار تحصيل الشرائط مع كونها حاصلة لغو و باطل.

(100) لأن المدار على الواقع لا على الظنّ و الاعتقاد.

(101) لأصالة بقاء الوقت و كونه معرضا للفوت، و لو علم مقدار الوقت و شك في أنّه يسع الصلاة أو لا فكذلك أيضا، لكثرة اهتمام الشارع بالصلاة، فلا بد من إحراز العجز عنها في سقوطها، فيجب إعمال القدرة مهما أمكن، و يأتي في [مسألة 27] من فصل التيمم ما ينفع المقام.

ص: 258

المبادرة (102)، بل و إن شكت على الأحوط (103) و إن لم تبادر وجب عليها القضاء إلا إذا تبيّن عدم السعة.

مسألة 37: إذا طهرت و لها وقت لإحدى الصلاتين صلّت الثانية

(مسألة 37): إذا طهرت و لها وقت لإحدى الصلاتين صلّت الثانية (104) و إذا كان بقدر خمس ركعات صلّتهما (105).

مسألة 38: في العشائين إذا أدركت أربع ركعات صلّت العشاء فقط

(مسألة 38): في العشائين إذا أدركت أربع ركعات صلّت العشاء فقط (106)، إلا إذا كانت مسافرة و لو في مواطن التخيير فليس لها أن تختار التمام و تترك المغرب (107).

مسألة 39: إذا اعتقد السعة للصلاتين فتبيّن عدمها

(مسألة 39): إذا اعتقد السعة للصلاتين فتبيّن عدمها و أنّ وظيفتها إتيان الثانية وجب عليها قضاؤها (108). و إذا قدمت الثانية باعتقاد الضيق فبانت السعة صحت و وجب عليها إتيان الأولى بعدها.

______________________________

(102) لصيرورة الصلاة مضيقة حينئذ، فتجب المبادرة.

(103) لما تقدم من إحراز العجز عن عدم القدرة، و مع عدمه فلا بد من الاحتياط.

(104) لاختصاص الوقت حينئذ بها على ما يأتي في (فصل الأوقات) من كتاب الصلاة.

(105) لأنّ بقاعدة: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» يتسع الوقت لهما فيجب الإتيان بهما.

(106) لاختصاص الوقت بالعشاء حينئذ كما يأتي في محلّه.

(107) لانصراف أدلة التخيير عن المقام، لأنّها إنّما تجري فيما إذا لم يكن محذور في البين و تفويت الصلاة التي تقدر عليها محذور.

(108) لتبين أنّ الفائتة هي الثانية فتشملها أدلة القضاء دون الأولى، فيرجع فيها إلى الأصل.

ص: 259

و إن كان التبين بعد خروج الوقت وجب قضاؤها (109).

مسألة 40: إذا طهرت و لها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة

(مسألة 40): إذا طهرت و لها من الوقت مقدار أداء صلاة واحدة و المفروض أنّ القبلة مشتبهة تأتي بها مخيّرة بين الجهات، و إذا كان مقدار صلاتين بهما كذلك (110).

مسألة 41: يستحب للحائض أن تتنظف و تبدل القطنة و الخرقة و تتوضأ في أوقات الصلاة اليومية

(مسألة 41): يستحب للحائض أن تتنظف و تبدل القطنة و الخرقة و تتوضأ في أوقات الصلاة اليومية، بل كلّ صلاة موقتة و تقعد في مصلاها مستقبلة مشغولة بالتسبيح و التهليل و التحميد و الصلاة على النبيّ و آله و قراءة القرآن و إن كانت مكروهة في غير هذه الوقت.

و الأولى اختيار التسبيحات الأربع (111) و إن لم تتمكن من الوضوء

______________________________

(109) لما يأتي من أنّ الترتيب شرط ذكري، لا أن يكون شرطا واقعيا فيصح إتيان الأولى بعدها إن كان في الوقت و يجب قضاؤها فقط إن كان خارج الوقت.

(110) لأنّ مراعاة الوقت أهم من مراعاة المقدمات العلمية، و يأتي في أحكام القبلة ما ينفع المقام.

(111) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «كنّ نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله لا يقضين الصلاة إذا حضن، و لكن يتحشين حين يدخل وقت الصلاة و يتوضين، ثمَّ يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن اللّه عزّ و جلّ» (1).

و قول الباقر عليه السلام في خبر الدعائم: «إنّا نأمر نسائنا الحيض أن يتوضأن عند وقت كلّ صلاة فيسبغن الوضوء و يتحشين بخرق ثمَّ يستقبلن القبلة من غير أن يفرضن صلاة فيسبحن و يكبّرن و يهللن» (2).

و قول الصادق عليه السلام في صحيح زرارة: «و عليها أن تتوضأ وضوء

ص: 260


1- الوسائل باب: 40 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام الحائض حديث: 3.

تتيمم بدلا عنه (112) و الأولى عدم الفصل بين الوضوء أو التيمم و بين الاشتغال بالمذكورات (113) و لا يبعد بدلية القيام و إن كانت تتمكن من الجلوس (114)، و الظاهر انتقاض هذا الوضوء بالنواقض المعهودة (115).

______________________________

الصّلاة عند وقت كلّ صلاة، ثمَّ تقعد في موضع طاهر فتذكر اللّه عزّ و جلّ و تسبّحه و تهلّله و تحمده كمقدار صلاتها ثمَّ تفرغ لحاجتها»(1).

و قوله عليه السلام أيضا في صحيح معاوية: «تتوضأ المرأة الحائض إذا أرادت أن تأكل، و إذا كان وقت الصلاة توضأت و استقبلت القبلة و هلّلت و كبّرت، و تلك القرآن و ذكرت اللّه عزّ و جل» (2).

و هذه الأخبار محمولة على الندب إجماعا، و تشمل الصلوات الموقتة و غير الموقتة، و ليس فيها ذكر التنظيف و الجلوس في المصلي. و لكن يمكن دعوى انسباقها من مثل هذه الأخبار عرفا، كما أنّه ليس فيها ذكر الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و يمكن استفادتها منها بدعوى أنّ ذكر التسبيح و التهليل من باب المثال خصوصا بعد ما ورد من أنّ: «ذكرنا من ذكر اللّه تعالى» (3).

(112) لإطلاق أدلة بدلية التيمم عن الوضوء، و لا موجب للاختصاص بما كان رافعا للحدث الا الانصراف البدوي الذي لا اعتبار به.

(113) لأنّه المتيقن من الاتفاق و إن كان خلاف ظاهر الإطلاق.

(114) لأنّ الجلوس و إن ذكر في الأخبار المتقدمة، و لكن الظاهر أنّه لا خصوصية فيه، بل لأجل أنّه أقرب إلى التحفظ من عدم التلوث بالدم، فإذا كانت متحفظة في حال القيام فلا فرق بينه و بين الجلوس.

(115) لعموم أدلة تلك النواقض و عدم ما يوجب الاختصاص بغير هذا الوضوء.

ص: 261


1- الوسائل باب: 40 من أبواب الحيض حديث: 2.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب الحيض حديث: 5.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الذكر حديث: 3 (كتاب الصلاة).
مسألة 42: يكره للحائض الخضاب بالحناء أو غيرها

(مسألة 42): يكره للحائض الخضاب بالحناء أو غيرها (116)، و قراءة القرآن و لو أقلّ من سبع آيات (117) و حمله و لمس هامشه و ما بين سطوره (118) إن لم تمس الخط و الإحرام (119).

______________________________

(116) لقول الصادق عليه السلام: «لا يختضب الحائض و لا الجنب» (1).

المحمول على الكراهة جمعا و إجماعا، فعن سماعة قال: «سألت العبد الصالح عليه السلام عن الجنب و الحائض أ يختضبان؟ قال: لا بأس» (2) و إطلاق الخضاب يشمل الحناء و غيرها و لا موجب للتخصيص بالحناء.

(117) لإطلاق قول عليّ عليه السلام: «لا تقرأ الحائض قرآنا»(3).

المحمول على الكراهة، لقول الصادق عليه السلام: «الحائض تقرأ القرآن و تحمد اللّه» (4).

و ليس فيما ورد في الحائض تحديد بسبع آيات و إنّما هو بالنسبة إلى الجنب (5)، و أصالة التساوي بينهما مسلمة فيما عمل به الأصحاب دون غيره.

(118) للإجماع، و قول أبي الحسن عليه السلام: «المصحف لا تمسه على غير طهر، و لا جنبا، و لا تمس خطّه، و لا تعلّقه» (6).

و إطلاقه كإطلاق الكلمات يشمل جميع ما ذكر في المتن.

(119) لما مر في الأمر الثاني مما يحرم على الحائض، و تقدم في أحكام الجنب ما ينفع المقام فراجع.

ص: 262


1- الوسائل باب: 42 من أبواب الحيض حديث: 7.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الحيض حديث: 6.
3- مستدرك الوسائل باب: 27 من أبواب الحيض حديث: 1.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب الحيض حديث: 1.
5- تقدم في صفحة: 49.
6- الوسائل باب: 12 من أبواب الوضوء حديث: 3.
مسألة 43: يستحب لها الأغسال المندوبة

(مسألة 43): يستحب لها الأغسال المندوبة كغسل الجمعة و الإحرام و التوبة و نحوها (120) و أما الأغسال الواجبة فذكروا عدم صحتها منها (121)، و عدم ارتفاع الحدث مع الحيض (122)، و كذا الوضوءات المندوبة (123). و بعضهم قال: بصحة غسل الجنابة دون غيرها، و الأقوى صحة الجميع (124) و ارتفاع حدثها و إن كان حدث الحيض

______________________________

(120) لأصالة عدم اشتراطها بالطهارة من الحدث الأكبر و الأصغر، و لإطلاق أدلّتها و عمومها الشاملين للحائض و غيره، مضافا إلى صحيح العيص:

«أ تحرم المرأة و هي طامث؟ قال عليه السلام: نعم، تغتسل و تلبي» (1).

و نحوه غيره.

(121) نسب ذلك إلى المشهور، و عن المعتبر دعوى الإجماع عليه.

(122) لأصالة بقائه مع عدم دليل حاكم عليها، و لكن يأتي ما فيه.

(123) كما هو ظاهر جمع و صريح آخرين بدعوى انصراف أدلتها عنها مع بقاء حدث الحيض و يأتي ما فيه.

(124) لإطلاق أدلتها و عمومها الشامل لحالة وجود الحدث و غيره، مضافا إلى أصالة عدم اشتراطها بالطهارة من الحدث.

و استدل المانع تارة: بأنّ الطهارة و الحدث لا يجتمعان في محلّ واحد، فلا بد إما من القول برفع حدث الحيض و هو خلف. أو القول بعدم حصول الطهارة و هو المطلوب.

و فيه: أنّه لا مانع من اجتماعهما مع الاختلاف في الجهة فالحدث باق من جهة و الطهارة حاصلة من أخرى.

و أخرى بجملة من الأخبار: منها: ما عن الصادق عليه السلام في صحيح الكابلي في المرأة التي فاجأها الحيض في المغتسل حين اغتسالها من الجنابة

ص: 263


1- الوسائل باب: 48 من أبواب الإحرام حديث: 5.

باقيا، بل صحة الوضوءات المندوبة لا لرفع الحدث (125).

______________________________

قال: «قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل» (1).

و عن أبي بصير عنه عليه السلام أيضا: «عن رجل أصاب من امرأة ثمَّ حاضت قبل أن تغتسل قال عليه السلام: «تجعله غسلا واحدا» (2).

و نحوهما غيرهما. و فيه: أنّها إرشاد إلى عدم إباحة الصلاة بالغسل لا بطلانه رأسا، و يدل عليه موثق الساباطي عن الصادق عليه السلام: «في المرأة يواقعها زوجها ثمَّ تحيض قبل أن تغتسل قال عليه السلام: إن شاءت أن تغتسل فعلت و إن لم تفعل، فليس عليها شي ء، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحد للحيض و الجنابة» (3).

فلهذا الموثق نحو حكومة على ما ورد في الباب كما لا يخفى على أولي الألباب.

(125) لإطلاق أدلتها الشامل لها أيضا و لا مانع منه الا دعوى الانصراف و لكنّه بدوي بعد ورود الأمر بتوضئهنّ في الجملة و اللّه- تعالى- هو العالم.

فروع- (الأول): يستحب أن يصبغ ثوبها بمشق إذا لم يذهب أثر الحيض عنه و أوجب الوسواس، لما رواه عليّ بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام قال: «سألته أم ولد لأبيه فقالت: أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب أثره، فقال: اصبغيه بمشق حتّى يختلط و يذهب» (4).

و المشق طين أحمر.

(الثاني): من ارتفع حيضها و أرادت أن يعود يستحب لها أن تخضب رأسها بالحناء، قال ابن بزيع: «قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ لي فتاة قد

ص: 264


1- الوسائل باب: 22 من أبواب الحيض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب الجنابة حديث: 5.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب الحيض حديث: 4.
4- الوسائل باب: 52 من أبواب الحيض.

.....

______________________________

ارتفعت علتها فقال: اخضب رأسها بالحناء فإنّ الحيض سيعود إليها، قال:

ففعلت ذلك فعاد إليها الحيض»(1).

(الثالث): من ارتفع حيضها، و احتملت الحمل لا يجوز لها استعمال شي ء لأن ترجع الحيض، لموثق رفاعة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

أشتري الجارية، فربما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح في رحم فتسقى دواء لذلك فتطمث من يومها، أ فيجوز لي ذلك و انا لا أدري من حبل هو أو غيره؟ فقال عليه السلام: لا تفعل ذلك- الحديث-» (2).

و يأتي فروع متعلقة بالمقام في الديات إن شاء اللّه تعالى.

(الرابع): لا بأس بأن تقرأ الحائض الدعاء، و التعويذات، و التوسلات كما لا بأس بأن تكتبها، و لكن لا تمس اسم اللّه- تعالى- ففي موثق ابن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن التعويذ يعلّق على الحائض؟ قال:

نعم لا بأس، قال: و قال عليه السلام: تقرأه و تكتبه و لا تصيبه يدها» (3).

(الخامس): من ترى القطرات بعد الغسل ينبغي لها أن تعمل بما في خبر البصري قال: «سألت أبا الحسن الأخير عليه السلام و قلت له: إنّ ابنة شهاب تقعد أيام أقرائها فإذا هي اغتسلت رأت القطرة بعد القطرة قال: فقال عليه السلام: مرها فلتقم بأصل الحائط كما يقوم الكلب، ثمَّ تأمر المرأة فلتغمز بين وركيها غمزا شديدا فإنّه إنّما هو شي ء يبقى في الرحم يقال له: الإراقة فإنّه سيخرج كلّه، ثمَّ قال: لا تخبروهنّ بهذا و شبهه و ذروهنّ و علتهنّ القذرة قال:

ففعلنا بالمرأة الذي قال فانقطع عنها فما عاد إليها الدم حتى ماتت» (4).

(السادس): قد ورد في صحيح ابن عمار دعاء معتبر لقطع دم الحيض و هو عن الصادق عليه السلام قال: «إذا أشرفت على مناسكها و هي حائض

ص: 265


1- الوسائل باب: 43 من أبواب الحيض.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب الحيض.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب الحيض حديث: 1.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب الحيض حديث: 1

.....

______________________________

فلتغتسل و لتحتش بالكرسف و لتقف هي و نسوة خلفها و يؤمّنّ على دعائها، و تقول: اللهم إني أسألك بكلّ اسم هو لك أو تسميت به لأحد من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، و أسألك باسمك الأعظم و بكلّ حرف أنزلته على موسى و بكلّ حرف أنزلته على عيسى، و بكلّ حرف أنزلته على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلا أذهبت عني هذا الدم» (1).

أقول: الدعاء معتبر جرّب في بعض حوائج أخر أيضا.

ص: 266


1- الوسائل باب: 93 من أبواب الطواف (كتاب الحج).
فصل في الاستحاضة
اشارة

(فصل في الاستحاضة) دم الاستحاضة (1) من الأحداث الموجبة للوضوء و الغسل إذا خرج (فصل في الاستحاضة)

______________________________

(1) دم الاستحاضة من الدماء المعروفة لدى النساء يحدث لاختلال حصل الدم الرحم، و هو اختلال نوعي يوجب فساد دم الرحم في الجملة، فيكون مثل الدم الخارج من الجرح بعد خروج مقدار الدم الطبيعي منه، فقد يكون بلون الدم و قد يكون أصفر و تعرض له الشدة و الضعف من كلّ جهة حسب اختلاف الحالات و الأمزجة و العوارض، فهي علة نوعية في النساء و اختلال نوعي في قذف الدم و لم يبين منشأ هذا الاختلال في الأخبار الا بقولهم عليهم السلام: «من عرق عابر» أو «ركضة من الشيطان» أو «فتق في الرحم» أو «تلك الهراقة» أو «عرق عاذل» (1).

و مقتضى الأصل الذي تقدم (2) أنّ كلّ ما ليس بحيض، فهو استحاضة و لو كان من قروح أو جروح نوعية في الرحم، و قد حكم عليه السلام في مورد القرحة و الجرح في خبر يونس بجريان أحكام الاستحاضة (3)، و الظاهر تحقق الجروح الرحمية بعد وضع الحمل، و تطابق النص و الفتوى على أنّ الدم بعد النفاس استحاضة، كما يأتي هذا إذا كان القرح و الجرح في الرحم و كانا نوعين و أما إن

ص: 267


1- تقدم بعضه في مرسلة يونس راجع صفحة: 210. و في الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 17 و 8.
2- راجع صفحة: 144.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض حديث: 3.

إلى خارج الفرج (2) و لو بمقدار رأس إبرة (3)، و يستمر حدثها ما دام في الباطن باقيا (4)، بل الأحوط إجراء أحكامها إن خرج من العرق المسمّى بالعاذل إلى فضاء الفرج و إن لم يخرج إلى خارجه (5). و هو في الأغلب: أصفر، بارد، رقيق (6)، يخرج بغير قوة و لذع

______________________________

لم يكونا كذلك، بل كانا علة شخصية لعارضة حدثت أو كانا في فضاء الفرج، ففي جريان أحكام الاستحاضة إشكال، لأنّ التمسك بأدلّتها تمسك بالعام في الشبهة الموضوعية، و مقتضى القاعدة أنّها إن كانت متطهرة قبل خروج الدم، فالأصل بقاء الطهارة و إن كانت محدثة، فالأحوط جريان أحكام الاستحاضة، و لكن الظاهر صحة التمسك بالإطلاق و لو كانا شخصيين مع أنّ الحكم موافق للاحتياط.

(2) أما إيجابه للوضوء و الغسل فيأتي تفصيله. و أما اعتبار الخروج إلى الخارج، فلأنّ ذلك هو مناط حدثية الأحداث مطلقا على ما تقدم في الوضوء، و غسل الجنابة.

(3) لإطلاق الأدلة، و اتفاق فقهاء الملة الشاملة حتّى و لو كان بقدر رأس الإبرة.

(4) لتحقق الحدث بمجرد البروز إلى الخارج، فلا يرفع إلا بما جعله الشارع رافعا و هو الوضوء أو الغسل كما أنّ سائر الأحداث أيضا كذلك.

(5) لما تقدم في [مسألة 4] من (فصل الحيض) فراجع. و أما الخروج من العرق العاذل، فلما عن جمع من أهل اللغة أنّ الاستحاضة تخرج منه و لعلّه يسمى عادلا، لأنّها توجب ملامتها عند الزوج و العذل بمعنى الملامة.

(6) لصحيح الحفص: «دم الاستحاضة أصفر بارد» (1).

و على الثالث صحيح ابن يقطين الوارد في النفاس: «فإذا رقّ و كان صفرة

ص: 268


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 2.

و حرقة (7)، بعكس الحيض، و قد يكون بصفة الحيض (8)، و ليس لقليله و لا لكثيرة حد (9)، و كلّ دم ليس من القرح أو الجرح و لم يحكم بحيضيته فهو محكوم بالاستحاضة (10)، بل لو شك فيه و لم يعلم بالأمارات كونه من

______________________________

اغتسلت و صلّت» (1).

مضافا إلى الإجماع، و الاعتبار.

(7) لظهور التسالم، و الاعتبار، و كونها في مقابل دم الحيض مع إمكان إرجاعها إلى البرودة الواردة في النص، لكونها لازمة للبرودة غالبا، و لعلّه لذلك لم ينص عليها في النصوص بالخصوص.

(8) لتسالم الكلّ عليه، كما في كلّ مورد لا يمكن جعله حيضا، لفقد شرط، أو وجود مانع.

(9) للأصل، و الإطلاق، و الإجماع.

(10) لما قاله في الجواهر: «و لعلّ الظاهر من تصفح كلماتهم، و أخبار الباب الحكم بالاستحاضة بعد انتفاء الحيض، و لم نعهد أحدا منهم عارض أصالة عدم الحيض بأصالة عدم الاستحاضة في المقام و لا في غيره و من هنا يعرف أنّ الاستحاضة أصل بعد انتفاء الحيض».

و يظهر التسالم من غيره أيضا، فيكون موضوع الاستحاضة عدم ثبوت دم آخر بوجه معتبر، فكلّ ما لم يثبت الدم الآخر يحكم بكون الدم استحاضة بلا فرق بين دم الحيض و العذرة و القرح و الجرح و المخاض و النفاس فلما لم يثبت واحد منها بطريق معتبر فهو استحاضة، و يمكن أن يستفاد ذلك أيضا من إطلاقات الروايات الظاهرة في أنّ الدم الخارج من الرحم استحاضة بمحض عدم كونه حيضا كمرسل يونس: «إنّما ذلك عرق عابر أو ركضة من الشيطان» (2). و قوله

ص: 269


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 16.
2- تقدم في صفحة: 210.

.....

______________________________

عليه السلام في خبر زريق: «فإنّما ذلك من فتق في الرحم» (1). إلى غير ذلك مما يمكن أن يستفاد ذلك منه، و يأتي بيان دم المخاض في أول (فصل النفاس).

و خلاصة الكلام: أنّ الاستحاضة من الحيض، و جريان دم الحيض مقتضى سلامة مزاج المرأة و العوارض و الحوادث الطارئة على دم الحيض تسمّى في الغالب استحاضة، و ليست الاستحاضة دائرة مدار إمكان رؤية دم الحيض شرعا، للاتفاق على إمكان الاستحاضة بالنسبة إلى اليائسة و الصغيرة فهي أيضا من الدماء الطبيعية لهنّ و مقتضي الطبيعة الثانوية لدمائهنّ الخارجة من الرحم، كما أنّ دم النفاس مقتضى طبع ولادتهنّ أيضا و هذا في الجملة من ضروريات الفقه، و يمكن أن يستفاد من نصوص كثيرة:

منها: خبر أبي المعز: «تلك الهراقة، إن كان دما كثيرا فلا تصلين، و إن كان قليلا فلتغتسل عند كلّ صلاتين». (2)

و المراد من الدم القليل ما ليس بحيض، و الكثير- إلى المستمر- ما كان حيضا، فمثل هذه الرواية ظاهر في أنّ الأصل بعد نفي الحيضية إنّما هو الاستحاضة.

و منها: صحيح الصحاف: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ أم ولدي ترى الدم و هي حامل، كيف تصنع بالصلاة؟ قال عليه السلام: إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فإنّ ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث، فلتتوضأ و تحتشي بكرسف و تصلي- الحديث-» (3).

فإنّ ظهوره في أنّ كلّ ما ليس بحيض فهو استحاضة مما لا ينكر.

و منها: قوله عليه السلام في مرسلة يونس القصيرة: «فإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت و صلّت و انتظرت من يوم رأت الدم إلى العشرة أيام

ص: 270


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 17.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 5.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 3.

.....

______________________________

- إلى أن قال:- و إن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيام و لم تر الدم فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض و إنّما كان من علة إما من قرحة في جوفها، و أما من الجوف فعليه أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها، لأنّها لم تكن حائضا» (1).

و ظهورها في ترتب الاستحاضة على مجرد عدم الحيضية مما لا يخفى.

و منها: «خبر إسحاق بن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم و اليومين، قال: إن كان دما عبيطا فلا تصلي ذينك اليومين و إن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (2).

فرتب عليه السلام الاستحاضة على مجرد عدم الحيضية إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع الدالة على أنّ الشارع حكم بالاستحاضة عند انتفاء كون الدم حيضا.

و إنّما الكلام في أمور:

الأول: كما يعتبر في الحكم بكون الدم استحاضة إحراز عدم كونه حيضا أو نفاسا، هل يعتبر إحراز عدم سائر الاحتمالات من القرح و الجرح و نحوهما أم لا؟

مقتضى إطلاق النصوص و الفتاوى هو الأخير، بل مقتضى بعض النصوص الحكم بها و لو مع وجود القرح أو الجرح.

و بعبارة أخرى: ثبوت كون الدم من غير الاستحاضة مانع عن الحكم بها، لا أن يكون إحراز عدم كون الدم من القرح أو الجرح شرطا في صحة الحكم بالاستحاضة، فما ذكره الماتن (كلّ دم ليس من القرح أو الجرح) ليس على ما ينبغي و يأتي التفصيل.

الثاني: هذه القاعدة المستفادة من النصوص و الفتاوى من القواعد الواقعية المعتبرة المنطبقة قهرا على كلّ مورد لم يحرز الحيض و لو بالأصل، و ليس جريان الأصل بالنسبة إلى الاستحاضة مثبتا، بل هو كجريان أصالة عدم الانتساب إلى

ص: 271


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الحيض حديث: 3.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.

غيرها يحكم عليه بها على الأحوط (11).

مسألة 1: الاستحاضة ثلاثة أقسام
اشارة

(مسألة 1): الاستحاضة ثلاثة أقسام: قليلة، و متوسطة و كثيرة (12):

______________________________

هاشم عند الشك في الهاشمية، فينطبق عليه غير الهاشمي لا محالة، و في المقام ينطبق غير الحيض لا محالة و هو استحاضة ما لم يحرز غيرها.

الثالث: المستفاد من النصوص، و الفتاوى أصالة الحدثية في الدم الخارج من الرحم إلا إذا ثبت الخلاف و هي عبارة أخرى عن أصالة الاستحاضة فيما خرج منها بعد عدم الحيض، و يأتي ذكر الفروع المناسبة للمقام في المسائل الآتية.

(11) لأنّ ما تقدم من الجواهر، و غيره- لو فرض عدم كونه إجماعا محققا- يصلح للاحتياط لا محالة.

ثمَّ إنّ القرح و الجرح تارة: يكون في الرحم. و أخرى: في فضاء الفرج.

و الجرح تارة: يكون بسبب غير اختياري، و أخرى: يكون بالسبب الاختياري و لا إشكال في أنّ ما كان بالسبب الاختياري ليس من الاستحاضة، و أما غيره، فالجزم بعدم كونه من الاستحاضة- مع إطلاق ما دل على أنه دم فاسد- مشكل خصوصا ما كان في داخل الرحم، مع حكمهم بأنّ ما يكون بعد انقضاء العادة في النفاس استحاضة، فإنّه من بقايا خروج الدم من الرحم بعد الولادة.

(12) هذه القسمة تكوينية، و عرفية، لأنّ كلّ سائل دما كان أو غيره ينقسم إلى هذه الأقسام، لكونه قابلا للشدة و الضعف، و ليس لهذه الألفاظ الثلاثة ذكر في الأدلة، بل هي مصطلح فقهاء الملة و أما في الروايات، فللكثيرة: «فإن جاز الدم الكرسف» (1).

و للمتوسطة: «و إن لم يجز الدم الكرسف» (2).

و للقليلة: «و إن كان الدم لا يثقب الكرسف» (3).

و عبّر عنها «بالصفرة» (4) أيضا و ما في الأخبار أقرب إلى أفهام النساء و هي

ص: 272


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.
فالأولى: أن تتلوّث القطنة بالدم من غير غمس فيها

فالأولى: أن تتلوّث القطنة بالدم من غير غمس فيها (13)

______________________________

عبارة أخرى عن مصطلح الفقهاء، و لعلهم عبّروا بالألفاظ الثلاثة اختصارا في المقال و لا بأس به على كلّ حال.

ثمَّ إنّه يمكن استفادة حكم الاستحاضة من القواعد العامة، فإنّها حدث قابل للشدة و الضعف، و حيث هي كذلك فالمرتبة الضعيفة منها حدث أصغر مستمر تتوضأ لكلّ صلاة، و المرتبة المتوسطة حدث أكبر يحتاج إلى الغسل، و الكثيرة حدث أكبر مستمر تغتسل لكلّ صلاة، على ما يأتي. و أما من حيث الخبثية، فهي في معرض تنجس الثوب و البدن فلا بد لها من التحفظ خصوصا في حال الصلاة، فإنّ حركاتها توجب التعدي عن المحل، فلا بد من إدخال القطنة و شدّ الخرقة و نحو ذلك مما يحصل به التحفظ عرفا.

(13) ليس لهذه الطرق الثلاثة المذكورة موضوعية خاصة و إنّما هي أسهل طريق لمعرفة مراتب الدم ضعفا و قوة فيحصل التعرف بكلّ ما أفاد هذه الفائدة و لو كان بمثل الدرجات المصنوعة لتعيين مراتب نزف الدم و نحوها، بل و تحصل المعرفة من عادتها بحسب حالها بأن تعلم أنّ الدم في الوقت الكذائي قليلة، و في وقت آخر متوسطة و هكذا. نعم، ما ذكره الفقهاء- كما يحصل به التعرف- يحصل به التحفظ عن تعدي النجاسة أيضا فله فائدتان.

ثمَّ إنّ هذه المراتب الثلاث من الأمور المتعارفة و قد وردت الأخبار على طبق المتعارف و ليست من الأمور التعبدية و لا الموضوعات المستنبطة حتّى تحتاج إلى نظر الفقهاء، مع أنّ مقصودهم واحد يرجع إلى ما هو المتعارف و إن اختلفت تعبيراتهم فراجع.

فائدة: المستفاد من الأدلة أنّ الاستحاضة القليلة حدث أصغر لا يحتاج إلى الغسل أصلا، و المتوسطة حدث أكبر يكفي في رفعه غسل واحد في كلّ يوم و ليلة على ما يأتي تفصيله في [مسألة 2]، و الكثيرة حدث أكبر مستمر لا يجزي فيه إلّا خمسة أغسال، لكلّ صلاة غسل أو ثلاثة أغسال، واحد لصلاة الصبح، و آخر للظهرين، و ثالث للعشائين مع الجمع بينهما على ما يأتي من التفصيل.

ص: 273

و حكمها وجوب الوضوء لكلّ صلاة (14)، فريضة كانت أو

______________________________

فرع: دم الاستحاضة لا يدور مدار إمكان الحيض، فيمكن أن يتحقق قبل البلوغ و بعد اليأس، للإطلاق و الاتفاق.

(14) على المشهور، بل لا خلاف فيه إلا عن ابني أبي عقيل و الجنيد و استند المشهور إلى جملة من الأخبار منها قول أبي جعفر عليه السلام في موثق زرارة: «و تصلي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم فإذا نفذ اغتسلت و صلّت»(1).

و عن الصادق عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «و إن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت و صلّت» (2) و منها: موثق معاوية بن عمار «و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء» (3).

و نحوها غيرها، و بإزاء هذه الأخبار أخبار أخر:

منها: صحيح ابن سنان: «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر و تصلي الظهر و العصر، ثمَّ تغتسل عند المغرب و تصلي المغرب و العشاء، ثمَّ تغتسل عند الصبح»(4).

و فيه: أنّه لا بد من حمله على الكثيرة جمعا و إجماعا.

و منها: موثق ابن عمار: «و إن كان صفرة فلتغسل عند كلّ صلاتين» (5).

و فيه: أنه أيضا محمول على الكثيرة، أو مطروح لعدم عامل به.

و منها: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «و إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» (6).

و قول الصادق عليه السلام: «في موثق سماعة: «و إن لم يجز الدم

ص: 274


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 9.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الحيض حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4.
5- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

نافلة (15)، و تبديل القطنة أو تطهيرها (16).

______________________________

الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة و الوضوء لكلّ صلاة» (1). و نحوهما غيرهما.

و فيه: أنّها موهونة بالإعراض، و معارضة بمثل ما تقدم من موثق معاوية بن عمار، مع إمكان حملها على المتوسطة بقرينة سائر الأخبار.

و أما ابن أبي عقيل فذهب إلى أنّ الاستحاضة قسمان و لا تكون الاستحاضة القليلة حدثا مطلقا، و تمسّك بالأصل، و حصر النواقض، و بالقسم الأخير من الأخبار.

و فيه: أنّ الأصل و الحصر مردودان بأدلة المشهور، و تقدم الإشكال في القسم الأخير من الأخبار.

و أما ابن الجنيد فجعل الأقسام ثلاثة: لكنّه جعل القليلة في حكم المتوسطة، فأوجب عليها الغسل في كلّ يوم و ليلة مرة أيضا، متمسكا بالقسم الأخير من الأخبار أيضا.

و فيه: ما تقدم من معارضتها بغيرها، و وهنا بالإعراض.

(15) لقاعدة الاشتغال، و ظاهر قولهم عليهم السلام: «و صلّت كلّ صلاة بوضوء» (2). أو «و تصلي كلّ صلاة بوضوء»(3) و أما صحيح الصحاف: «فلتتوضأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة»(4) فظاهره الترغيب إلى إتيان كل صلاة في وقتها، و المبادرة إليها في أول وقتها و لا يستفاد منه أكثر من ذلك. نعم، لو كان ظاهرا في أنّها تصلي- في وقت كلّ صلاة- أيّ صلاة شاءت، دل على عدم وجوب الوضوء للناقلة و كفاية وضوء الفريضة عن الوضوء لها و لا ظهور له في ذلك، و مع الإجمال فالمرجع قاعدة الاشتغال.

فرع: لو كانت جنبا و اغتسلت للجنابة يجزي غسلها عن الوضوء لظهور الإطلاق.

(16) على المعروف، فإن كان إجماع في البين. و إلا فلا دليل عليه بل

ص: 275


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 7.
و الثانية: أن يغمس الدم في القطنة و لا يسيل إلى خارجها من الخرقة

و الثانية: أن يغمس الدم في القطنة و لا يسيل إلى خارجها من الخرقة، و يكفي الغمس في بعض أطرافها (17)، و حكمها مضافا إلى ما ذكر غسل قبل صلاة الغداة (18).

______________________________

مقتضى الإطلاقات الواردة في حكمهما عدم اعتباره لو لا وهنها بهجر الأصحاب لها من هذه الجهة.

و أما الاستدلال عليه بما ورد في المتوسط و بما دل على المنع عن حمل النجاسة في حال الصلاة، فمردود، لأنّ الأول قياس. و الأخير مخدوش صغرى و كبرى، مع احتمال كون المقام من الباطن لا الظاهر.

ثمَّ إنّ حق العبارة أن يقال: التفحص عن القطنة و الخرقة، فإن كانت متنجسة تبدلهما أو تطهرهما و إلا فلا شي ء عليها، و كذا في المتوسطة و الكثيرة.

(17) لإطلاق النفوذ الوارد في النصوص الشامل لذلك أيضا.

(18) أما الوضوء لكلّ صلاة، فلقول الصادق عليه السلام في الموثق:

«فعليها الغسل لكل يوم مرة و الوضوء لكلّ صلاة» (1).

و نحوه غيره و إطلاقه يشمل الصلاة التي اغتسلت لها أيضا.

و أما التبديل، فيدل عليه- مضافا إلى ما ادعي من إجماع المسلمين- قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الرحمن: «فإن ظهر عن الكرسف، فلتغتسل، ثمَّ تضع كرسفا آخر، ثمَّ تصلي- الحديث-» (2).

مضافا إلى ما دل على عموم مانعية مثل هذا الدم عن الصلاة و عدم اختصاصها بصلاة دون أخرى.

و أما وجوب الغسل للغداة مع كونها متوسطة قبلها، فللنص، و الإجماع، و المشهور صحة الاكتفاء بغسل واحد في اليوم و الليلة لقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «فإن جاز الدم الكرسف تعصبت و اغتسلت، ثمَّ صلت الغداة

ص: 276


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.
و الثالثة: أن يسيل الدم من القطنة إلى الخرقة

و الثالثة: أن يسيل الدم من القطنة إلى الخرقة و يجب فيها- مضافا إلى ما ذكر و إلى تبديل الخرقة أو تطهيرها (19)- غسل آخر

______________________________

بغسل و الظهر و العصر بغسل و المغرب و العشاء بغسل، و إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد- الحديث-» (1) فإنّه عليه السلام في مقام البيان و التفصيل و إطلاق ذيله و إن كان يشمل القليلة و لكن يجب تقييده بالمتوسطة، لما تقدم، و يدل على المشهور ما مر من قوله عليه السلام: «و إن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرّة- الحديث-» (2).

و ما يظهر منه أنّ حكم المتوسط حكم الكثيرة لا بد من حمله على الكثيرة فقط و رفع اليد عن إطلاقه بقرينة غيره.

ثمَّ إنّ المنساق من الأدلة- كما هو المرتكز في الأذهان- عدم الوجوب النفسي للغسل و أنّه واجب غيري شرطي لصحة الصلاة، و مقتضى المرتكزات أيضا مقارنة الشرط مع المشروط و عدم تقدمه و تأخره عنه زمانا خصوصا في مستمرة الحدث فوجوب الغسل لصلاة الغداة لا يتحقق إلا إذا كانت متوسطة حينها، فلا يجزي الغسل بعدها لصحتها، فالأدلة منطبقة على ما هو المأنوس في الأذهان المتعارفة. نعم، لو لم تكن متوسطة حين صلاة الصبح و صارت بعدها يأتي حكمه في المسألة التالية.

(19) أما تغير القطنة، فلظهور الإجماع، و فحوى ما تقدم في المتوسطة و لصحيح صفوان: «هذه مستحاضة تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة»(3).

و يشهد له الاعتبار أيضا، لكونها في معرض تنجس الثوب و البدن معرضية قريبة. و أما تبدل الخرقة أو التطهير، فيدل عليهما ما دل على تبديل القطنة

ص: 277


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 3.

للظهرين تجمع بينهما، و غسل للعشائين تجمع بينهما (20). و الأولى كونه في آخر وقت فضيلة الأولى حتّى يكون كلّ من الصلاتين في وقت

______________________________

بالفحوى، لانّه يحتمل في القطنة كونها من الباطن بخلافهما إذ لا يحتمل ذلك فيهما.

و أما الوضوء فهو المشهور و استدلوا تارة: بقاعدة الاشتغال و العمومات الدالة على وجوبه لكل صلاة، و بأنّ إيجابه في الكثيرة أولى من إيجابه في القليلة و المتوسطة.

و فيه: أنّ الأخير قياس و الأولان محكومان بإطلاق أدلة المقام- لو ثبت الإطلاق فيها من هذه الجهة- إذ لم يذكر الوضوء فيها، و لذا ذهب جمع- كالشيخ و الصدوقين و بني زهرة و حمزة و براج و بعض المتأخرين- إلى عدم وجوب الوضوء في هذا القسم، و يمكن الإشكال فيه بأنّ ورودها مورد البيان من هذه الجهة مشكل لو لم يكن ممنوعا، لكثرة اضطرابها جدا، مع أنّ في مرسل يونس الطويل: «ثمَّ تغتسل و تتوضأ لكلّ صلاة. قيل: و إن سال قال عليه السلام: و إن سال مثل المثعب- الحديث-» (1). ثمَّ إنّه كما أنّ الاستحاضة توجب حيرة النساء و اختلال طهارتهنّ كذلك الأخبار المختلفة الواردة فيها توجب اضطراب أذهان الفقهاء و تحيرهم، فلا بد لهم من الأخذ بالمتيقن من مفادها المتفق عليه بينهم و ما عليه المشهور هو المتيقن من مفاد الأخبار، و المتسالم عليه بين الفقهاء.

(20) يدل على وجوب أغسال ثلاثة على الكثيرة- مضافا إلى الإجماع- نصوص مستفيضة منها: قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن عمار: «فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر تؤخر هذه و تعجل هذه و للمغرب و العشاء غسلا تؤخر هذه و تعجل هذه و تغتسل للصبح- الحديث-» (2).

ص: 278


1- تقدم في صفحة: 211 و سبق معنى المثعب أيضا في صفحة: 216.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

الفضيلة (21) و يجوز تفريق الصلوات و الإتيان بخمسة (22) أغسال و لا يجوز الجمع بين أزيد من صلاتين بغسل واحد (23). نعم، يكفي للنوافل أغسال الفرائض (24) لكن يجب لكل ركعتين منها وضوء (25).

______________________________

(21) لما تقدم من قوله عليه السلام: «تؤخر هذه و تعجل هذه» المحمول على الندب إجماعا و لا وجه للتعبير بالأولى مع أنّه مندوب.

(22) لأنّ الجمع إنّما هو للتسهيل لا الوجوب نفسيا كان أو شرطيا، و يكفي الأصل في نفي هذا الوجوب مطلقا، و يشهد له قوله أبي عبد اللّه عليه السلام- في خبر يونس بن يعقوب- «و إن رأت دما صبيبا فلتغتسل في وقت كلّ صلاة» (1).

(23) إجماعا و نصوصا تقدم بعضها.

(24) على المشهور، و عن جمع دعوى الإجماع عليه، و قد أرسل الفقهاء قولهم:- إنّ المستحاضة إذا فعلت ما يلزمها فهي بحكم الطاهرة- إرسال المسلّمات الفقهية، و يشهد له أيضا قول الصادق عليه السلام في خبر إسماعيل بن عبد الخالق: «فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثمَّ تصلي ركعتين قبل الغداة- الحديث-» (2).

و هو ظاهر في كفاية غسل واحد لهما، و الظاهر أنّه لا خصوصية في صلاة الفجر و نافلتها و إنّما ذكرت من باب المثال، مع أنّ تبعية النافلة للفريضة قرينة على الكفاية أيضا.

(25) على المشهور، و عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، لقاعدة الاشتغال، و إطلاق الأدلة الدالة على شرطية الوضوء لكلّ صلاة من غير مقيد لها بالمقام الا قولهم رحمهم اللّه: إنّها إذا فعلت ما يلزمها فهي بحكم الطاهرة، و حيث إنّ عمدة دليله الإجماع، فلا يشمل ما ادعي الإجماع فيه على وجوب الوضوء.

ص: 279


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الحيض حديث: 12
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 15.
مسألة 2: إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر لا يجب الغسل لها

(مسألة 2): إذا حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر لا يجب الغسل لها (26)، و هل يجب الغسل للظهرين أم لا؟ الأقوى وجوبه (27). و إذا حدثت بعدهما فللعشائين، فالمتوسطة توجب غسلا واحدا، فإن كانت قبل صلاة الفجر وجب لها و إن حدثت بعدها فللظهرين، و إن حدثت بعدهما فللعشائين كما أنّه لو حدثت قبل صلاة الفجر و لم تغتسل لها عصيانا أو نسيانا وجب للظهرين و إن انقطعت قبل وقتهما، بل قبل الفجر أيضا (28)، و إذا حدثت الكثيرة بعد صلاة الفجر يجب في ذلك اليوم غسلان (29)، و إن حدثت بعد الظهرين يجب غسل

______________________________

(26) بلا إشكال فيه و هو من قطعيات الفقه لعدم الموجب لوجوبه لها بعد أن أتى بها جامعة للشرائط.

(27) لأنّ المتوسطة توجب غسلا واحدا و التقديم على الصبح، إنّما هو لاشتراطها بالطهارة لا لخصوصية فيها، فما نسب إلى ظاهر الأصحاب من الاختصاص خلاف المنساق من الأدلة، و مرتكز المتشرعة من أنّ الحدث لا بد له من رافع مطلقا، فيدور الأمر حينئذ بين عدم كونها حدثا لو حدثت بعد الغداة أو أنها حدث و تزول بلا رافع، أو صحة الصلاة معها و لو مع بقائها أو عدم صحة الصلاة معها و الاحتياج إلى الغسل، و الكلّ باطل غير الأخير كما لا يخفي.

(28) كلّ ذلك للحدثية المطلقة الثابتة للمتوسطة المستفادة من الأدلة و لو صلت الفجر بلا غسل ثمَّ اغتسلت قبل الظهر- مثلا- فهل تجب عليها إعادة صلاة الفجر- لوقوعها بلا غسل- أو لا لكون الغسل اللاحق يجزي لصحة صلاة الفجر أيضا، وجهان أحوطهما الأول.

(29) غسل للظهرين و آخر للعشائين، لتحقق موضوع الكثيرة فينطبق عليها الحكم قهرا. و لا يجب عليها الغسل للصبح، لفرض الإتيان بها جامعة للشرائط، مع أنّها لو كانت كثيرة في علم اللّه فقد أتت بغسل آخر للصبح و لا يضر فيه قصد كونه للمتوسطة، لأنّه من الاشتباه في التطبيق.

ص: 280

واحد للعشائين (30).

مسألة 3: إذا حدثت الكثيرة أو المتوسطة قبل الفجر يجب أن يكون غسلهما لصلاة الفجر بعده

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 3، ص: 281

(مسألة 3): إذا حدثت الكثيرة أو المتوسطة قبل الفجر يجب أن يكون غسلهما لصلاة الفجر بعده فلا يجوز قبله (31) إلا إذا أرادت صلاة الليل فيجوز لها أن تغتسل قبلها (32).

______________________________

(30) لثبوت الموضوع بالنسبة إليهما، فيترتب الحكم لا محالة.

(31) لقاعدة الاشتغال، و لأنّ المغتفر من هذا الحدث المستمر ليس الا هذا المقدار، و يشهد له قول الصادق عليه السلام في خبر إسماعيل بن عبد الخالق: «فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثمَّ تصلي ركعتين قبل الغداة ثمَّ تصلي الغداة» (1).

هذا مع الاستمرار، و أما مع عدمه فيأتي حكمه في [مسألة 6].

(32) لإجماع الخلاف، و عن الذخيرة لا أعلم فيه خلافا.

فروع- (الأول): لو اغتسلت لصلاة الليل فبدا لها في إتيانها، فمقتضى الاحتياط، و المتيقن من الإجماع إعادة الغسل بعد الفجر.

(الثاني): المتيقن من الإجماع تأخير صلاة الليل إلى آخر الوقت.

(الثالث): لو كانت بانية على ترك الصلاة رأسا و اغتسلت بعد الوقت يشكل صحة الغسل حتّى بناء على القول بوجوب مطلق المقدمة، لاستصحاب استمرار الحدث و الشك في شمول الأدلة للفرض.

(الرابع): بناء على جواز تقديم نافلة الظهر على الزوال، ففي صحة غسلها للنافلة مع التقديم على الزوال وجه و إن كان خلاف المتيقن من الإجماع.

(الخامس): لو أرادت إتيان صلاة جعفر- مثلا- أو سائر الغايات المشروطة بالطهارة قبل وقت الصلاة يصح الغسل لها، و لكن يشكل الاكتفاء به

______________________________

(1)

ص: 281


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 15.
مسألة 4: يجب على المستحاضة اختبار حالها

(مسألة 4): يجب على المستحاضة اختبار حالها (33) و أنّها من أيّ قسم من الأقسام الثلاثة بإدخال قطنة و الصبر قليلا ثمَّ إخراجها و ملاحظتها لتعمل بمقتضى وظيفتها، و إذا صلّت من غير اختبار بطلت إلا مع مطابقة الواقع و حصول قصد القربة كما في حال الغفلة. و إذا لم تتمكن من الاختبار يجب عليها الأخذ بالقدر المتيقن (34) إلا أن يكون

______________________________

لصلاة الفريضة، لكونه خلاف المتيقن من الإجماع و يأتي في [مسألة 11] بعض الكلام.

(33) لتوقف تشخيص تكليفها عليه، و قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «ثمَّ تمسك قطنة فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع، فلتجمع بين كل صلاتين بغسل» (1).

و عن الصادق عليه السلام في خبر ابن يعفور: «المستحاضة إذا مضت أيام أقرائها اغتسلت و احتشت كرسفها و تنتظر فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفا و توضأت و صلّت» (2).

و ظاهر هما الوجوب كما هو واضح و هذا الوجوب عقليّ محض، كوجوب التعلم للأحكام لا أن يكون نفسيا أو شرطيا لصحة العمل كشرطية الطهارة للصلاة- مثلا، إذ لا دليل عليه من عقل أو نقل، فلو صلّت بلا اختيار و اتفق استجماعها للشرائط تصح و لا شي ء عليها.

ثمَّ إنه ليس للاختبار طريق معيّن شرعيّ بل هو موكول إلى المتعارف بينهنّ و ما ذكر في الأخبار إنّما هو من باب المثال لا الخصوصية.

(34) أي الاحتياط، لقاعدة الاشتغال إذ لا يحصل تفريغ الذمة إلا به. هذا إذا كانت الأقسام الثلاثة من المتباينين، كما هو المعروف بينهنّ و أما إن كانت من الأقل و الأكثر، فالمتيقن هو الأقل و يرجع في غيره إلى الأصل، لكونه مشكوكا.

ص: 282


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 14 و غيرها من الأخبار.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 13 و غيرها من الأخبار.

لها حالة سابقة من القلّة أو التوسط فتأخذ بها (35). و لا يكفي الاختبار قبل الوقت (36) إلا إذا علمت بعدم تغيّر حالها إلى ما بعد الوقت (37).

مسألة 5: يجب على المستحاضة تجديد الوضوء لكلّ صلاة

(مسألة 5): يجب على المستحاضة تجديد الوضوء لكلّ صلاة و لو نافلة و كذا تبديل القطنة أو تطهيرها، و كذا الخرقة إذا تلوثت، و غسل ظاهر الفرج إذا أصابه الدم (38)، لكن لا يجب تجديد هذه الأعمال للأجزاء المنسية و لا لسجود السهو إذا أتى به متصلا بالصلاة، بل و لا لركعات الاحتياط للشكوك، بل يكفيها إعمالها لأصل الصلاة (39). نعم، لو أرادت إعادتها احتياطا أو جماعة وجب تجديدها (40).

______________________________

(35) للاستصحاب المعتمد عند الأصحاب.

(36) لأنّه إنّما يجب لتعين الوظيفة حين العمل. و مع الشك في التبدل لا تتعيّن الوظيفة به.

(37) لانّه لا موضوعية للاختبار من حيث هو، و إنّما يجب للعلم بالحال و المفروض تحققه.

(38) كلّ ذلك لاعتبار الطهارة الحدثية و الخبثية في الصلاة و هي مستمرة الحدث فيجب عليها رفعه مهما أمكنه، كما يجب عليها كذلك رفع الخبث.

(39) لكون الجميع من توابع الصلاة إن أتت بها متصلا معها، فيكفي ما فعلت للصلاة لها أيضا و كذا صلاة الاحتياط للشكوك، لكونها بمنزلة الجزء من الصلاة شرعا من هذه الجهات.

(40) للإطلاقات و العمومات الدالة على اعتبار الطهارتين في كلّ صلاة و لكن يمكن أن يستفاد مما ورد فيها من الجمع بين الصلاتين بغسل واحد (1) عدم وجوب تجديده لها، الا أن يدعى أن المراد بالصلاتين خصوص الفريضتين المستقلتين.

ص: 283


1- تقدم في صفحة: 279.
مسألة 6: إنّما يجب تجديد الوضوء و الأعمال المذكورة إذا استمر الدم

(مسألة 6): إنّما يجب تجديد الوضوء و الأعمال المذكورة إذا استمر الدم، فلو فرض انقطاع الدم قبل صلاة الظهر يجب الأعمال المذكورة لها فقط، و لا تجب للعصر و لا للمغرب و العشاء، و إن انقطع بعد الظهر وجبت للعصر فقط و هكذا بل إذا بقي وضوؤها للظهر إلى المغرب لا يجب تجديده أيضا مع فرض انقطاع الدم قبل الوضوء للظهر (41).

مسألة 7: في كلّ مورد يجب عليها الغسل و الوضوء يجوز لها تقديم كلّ منهما

(مسألة 7): في كلّ مورد يجب عليها الغسل و الوضوء يجوز لها تقديم كلّ منهما، لكن الأولى تقديم الوضوء (42).

مسألة 8: قد عرفت أنّه يجب بعد الوضوء و الغسل المبادرة إلى الصلاة

(مسألة 8): قد عرفت أنّه يجب بعد الوضوء و الغسل المبادرة إلى الصلاة (43)، لكن لا ينافي ذلك إتيان الأذان و الإقامة و الأدعية

______________________________

(41) كلّ ذلك لدوران ثبوت الحكم مدار تحقق الموضوع، فيثبت مع ثبوته و يسقط مع زواله، و احتمال- أنّ مجرد صرف وجود الموضوع موجب لاستمرار الحكم في هذه الأقسام- مخالف لظواهر الأدلة و إفراط من القول و خرق لما عساه يظهر من الإجماع.

فرع- إذا انقطع دم الاستحاضة الصغرى لا يجب عليها الغسل، لما تقدم من أنها من الحدث الأصغر. نعم، يجب عليها الوضوء للمشروط لا لأنّ انقطاع الاستحاضة الصغرى يوجب الوضوء، بل لأجل أنّ الحدث الأصغر باق وجب رفعه.

(42) أما صحة تقديم كلّ منهما، فللأصل، و الإطلاق. و أما أولوية تقديم الوضوء، فلما تقدم في [مسألة 25] من (فصل أحكام الحائض).

(43) يعرف ذلك من مجموع المسائل السابقة، خصوصا المسألة الثالثة و المشهور وجوب المبادرة، بل لا يعرف الخلاف فيه، لأنّها المتبادرة مما دل على الطهارة الاضطرارية، لما ارتكز في الأذهان من أنّ الضرورات تتقدر بقدرها، بل

ص: 284

المأثورة (44)، و كذا يجوز لها إتيان المستحبات في الصلاة، و لا يجب الاقتصار على الواجبات (45)، فإذا توضأت و اغتسلت أول الوقت و أخرت الصلاة لا تصح صلاتها (46) إلا إذا علمت بعدم خروج الدم و عدم كونه في فضاء الفرج أيضا من حين الوضوء إلى ذلك الوقت بمعنى انقطاعه و لو كان انقطاع فترة (47).

مسألة 9: يجب عليها بعد الوضوء و الغسل التحفظ من خروج الدم بحشو الفرج بقطنة

(مسألة 9): يجب عليها بعد الوضوء و الغسل التحفظ من

______________________________

يظهر من الأخبار مثل قول الصادق عليه السلام: «فلتغتسل عند كلّ صلاتين» (1).

و قوله عليه السلام: «و تغتسل عند صلاة الظهر» (2).

فإنّ لفظ (عند) ظاهر في المقارنة عرفا، و يقتضيها قاعدة الاشتغال، إذ لا دليل على اغتفار الحدث في غير صورة المبادرة.

(44) لأنها لا تنافي المبادرة العرفية المستفادة من الأدلة، و تقدم في خبر إسماعيل بن عبد الخالق (3) صحة إتيان نافلة الصبح لها أيضا، فراجع، و تقدم الإجماع على صحة إتيان صلاة الليل لها و الاكتفاء بالطهارة لها لصلاة الفجر أيضا.

(45) للأصل، و الإطلاقات الظاهرة في الصلاة المتعارفة بما يشتمل على الآداب.

(46) لقاعدة الاشتغال بعد عدم دليل على افتقار مثل هذا التأخير.

(47) إذ لا موضوعية للمبادرة من حيث هي، و إنّما تجب للتحفظ على عدم خروج الدم مهما أمكن و قد حصل ذلك، فلا وجه لوجوب المبادرة حينئذ.

ص: 285


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
3- تقدم في صفحة: 281.

خروج الدم (48) بحشو الفرج بقطنة أو غيرها و شدها بخرقة، فإن احتبس الدم، و إلا فبالاستثفار- أي شد وسطها بتكة (مثلا) و تأخذ خرقة أخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحديهما قدامها و الأخرى خلفها و تشدهما بالتكة- أو غير ذلك مما يحبس الدم (49)، فلو قصرت و خرج الدم

______________________________

(48) نصا، و إجماعا الدالين على وجوب الطهارة الخبثية في الصلاة مهما أمكنت، مضافا إلى ما يظهر من الأخبار الخاصة الواردة في المقام.

(49) لأنّ المناط كلّه التحفظ عن التلوث بالدم بأيّ نحو حصل- كان ذلك بما ذكر في النصوص و الكتب الفقهية، أو بغيره مما جرت العادة عليه- و قد ذكرت جملة من ذلك في الروايات، كقوله عليه السلام: «و احتشت و استثفرت».

أو قوله عليه السلام: «و تحتشي و تستثفر و لا تحني (تحيي) و تضم فخذيها».

أو قوله عليه السلام: «و تستدخل قطنة و تستثفر (تستذفر) بثوب»(1).

إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على مثل هذه التعبيرات.

و في قوله عليه السلام: و (لا تحني) وجوه:

(الأول): اشتقاق الكلمة من الحناء أي: لا تخضب بالحناء.

(الثاني): لا (تحيي)- كما في بعض النسخ- من التحية أي: لا تصلي صلاة التحية.

(الثالث): تحتبي من الحبوة و هي جمع الساقين بعمامة و نحوها فيكون ذلك موجبا لزيادة التحفظ من الدم.

(الرابع): و لا (تجثى)- بالجيم و الثاء المثلثة- أي: لا تجلس على الركبتين. و المستفاد من مجموع هذه الاحتمالات التحفظ عن انتشار الدم بأي وجه أمكن.

ص: 286


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5 و 1 و 2.

أعادت الصلاة (50)، بل الأحوط إعادة الغسل أيضا (51)، و الأحوط كون ذلك بعد الغسل (52) و المحافظة عليه بقدر الإمكان تمام النهار إذا كانت صائمة (53).

مسألة 10: إذا قدمت غسل الفجر عليه لصلاة الليل

(مسألة 10): إذا قدمت غسل الفجر عليه لصلاة الليل، فالأحوط تأخيرها إلى قريب الفجر فتصلي بلا فاصلة (54).

مسألة 11: إذا اغتسلت قبل الفجر لغاية أخرى

(مسألة 11): إذا اغتسلت قبل الفجر لغاية أخرى ثمَّ دخل الوقت من غير فصل يجوز لها الاكتفاء به للصلاة (55).

______________________________

(50) لوقوعها فاقدة لشرط الطهارة الخبثية، فتجب الإعادة.

(51) لعموم حدثية الشامل لما يخرج بعد الغسل أيضا إلا أن يستفاد من سياق الأدلة العفو عنها حتّى في هذه الصورة- كما استظهر صاحب الجواهر- و مع الإجمال و عدم طريق للاستظهار، فالمرجع استصحاب بقاء أثر الغسل.

(52) للتحفظ على بقاء أثر الغسل مهما أمكن، و لكن مقتضى الإطلاقات الواردة في مقام البيان التخيير و لا يبعد التفصيل بين استمرار السيلان و عدمه فيجب في الأول و تتخير في الأخير.

(53) بناء على اعتبار الطهارة من حدث الاستحاضة في صحة الصوم و لكنّه مشكل، لأنّ ظاهر الأدلة كفاية الأغسال الثلاثة في صحة الصوم و وجوب أزيد من ذلك يحتاج إلى دليل و هو مفقود. إلا أن يقال: إن الغسل المعتبر في صحة الصوم إنما هو عين الغسل المعتبر في صحة الصلاة و يشترط في الأخير التحفظ مع عدم خروج الدم، فكذا في الأول.

(54) لأنّه المتيقن من الإجماع الدال عليه و تقدم في [مسألة 3] ما ينفع المقام.

(55) أما جواز الاغتسال لغاية أخرى، فلسهولة الشريعة المقدسة، و عدم موجب لحرمانها عنها، و إنّ ذكر الصلاة اليومية في الأدلة إنّما هو من باب كثرة الابتلاء لا لخصوصية فيها، فيجوز لكلّ غاية مشروطة بالطهارة سواء حصلت

ص: 287

مسألة 12: يشترط في صحة صوم المستحاضة على الأحوط إتيانها للأغسال النهارية

(مسألة 12): يشترط في صحة صوم المستحاضة على الأحوط إتيانها للأغسال النهارية (56)، فلو تركتها فكما تبطل صلاتها يبطل

______________________________

الطهارة الحقيقية أو التنزيلية، و قد ذكر فيها الطواف بالبيت أيضا (1)، و إطلاقه يشمل الطواف المندوب. و أما الاكتفاء بها للصلاة، فلما تقدم في [مسألة 3] بدعوى: أنّ ذكر صلاة الليل في مورد الإجماع من باب المثال لا الخصوصية.

(56) نصا، و إجماعا في الجملة ففي صحيح ابن مهزيار- على رواية الكافي- «كتبت إليه: امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان، ثمَّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين هل يجوز صومها و صلاتها أم لا؟

فكتب عليه السلام تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يأمر فاطمة و المؤمنات من نسائه بذلك» (2).

و نوقش فيه أولا: بالإضمار. و فيه: أنه لا بأس به من مثل ابن مهزيار.

و ثانيا: باشتماله على امره صلّى اللّه عليه و آله لفاطمة عليها السلام مع أنها طاهرة مطهرة كما في النصوص (3). و فيه: أنّه يمكن أن تكون فاطمة بنت أبي حبيش التي اشتهرت بأنّها دامية مع أنّه يمكن أن يكون ذلك لتعليم الغير لا لعملها لنفسها.

و ثالثا: باشتماله على قضاء الصيام دون الصلاة و لا قائل به. و فيه: أنّه يمكن الحمل على التعجب، مع أنّه يمكن أن يصح التفكيك في أجزاء الخبر الواحد بالقبول في بعضها و الرد في بعضها الآخر.

ثمَّ إن المتيقن من الإجماع على فرض الاعتبار خصوص غسل الغداة، و المنساق من الصحيح- بحسب المرتكزات- غسل الظهرين، فيرجع في اعتبار

ص: 288


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.
2- الوسائل باب: 41 من أبواب الحيض حديث: 7.
3- الوافي ج 20 باب: 113 من أبواب بدء الخلق الحديث: 2.

صومها أيضا على الأحوط. و أما غسل العشائين فلا يكون شرطا في الصوم و إن كان الأحوط مراعاته أيضا و أما الوضوءات فلا دخل لها بالصوم (57).

مسألة 13: إذا علمت المستحاضة انقطاع دمها بعد ذلك إلى آخر الوقت انقطاع برء أو انقطاع فترة تسع الصلاة وجب عليها تأخيرها إلى ذلك الوقت

(مسألة 13): إذا علمت المستحاضة انقطاع دمها بعد ذلك إلى آخر الوقت انقطاع برء أو انقطاع فترة تسع الصلاة وجب عليها تأخيرها إلى ذلك الوقت (58)، فلو بادرت إلى الصلاة بطلت، إلا إذا حصل منها قصد القربة، و انكشف عدم الانقطاع (59)، بل يجب التأخير مع رجاء الانقطاع بأحد الوجهين حتّى لو كان حصول الرجاء في أثناء الصلاة لكن

______________________________

غسل العشائين في صحة الصوم إلى الأصل فلا وجه لأن يقال: إنّه بعد العلم بوجوب الغسل في الجملة فمقتضى العلم الإجمالي الإتيان بجميع الأغسال حتّى الليلة الماضية فكيف بالآتية، و ذلك لانحلاله بالمتيقن من الإجماع، و المنساق من النص و طريق الاحتياط واضح، بل يمكن أن يكون المقام من الأقل و الأكثر الذي يرجع فيه إلى البراءة، فلا وجه لجعله من موارد العلم الإجمالي، لأنّ الزائد مشكوك ثبوتا.

(57) للأصل، و اختصاص الدليل بخصوص الغسل. نعم، لو كان الوضوء شرطا لصحة غسل المستحاضة، فللوضوءات دخل من هذه الجهة، و لكنّه لا دليل عليه.

(58) لأنّ موضوع التكاليف الاضطرارية العذر المستوعب لا صرف الوجود منه، و إطلاقات أدلة المقام ليست متكفلة لجواز البدار بعد عدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، و احتمال أنّه لا حدثية للدم بعد الغسل، أو أنّ الفترة بمنزلة العدم، خلاف ظواهر الأدلة، و مرتكزات المتشرعة من النساء.

(59) أما البطلان في الأول، فلعدم الأمر مع العلم بوجود الفترة الواسعة بعد ذلك. و أما الصحة في الأخير، فلثبوت الأمر واقعا و استجماع العمل لشرائط الصحة.

ص: 289

الأحوط إتمامها ثمَّ الصبر إلى الانقطاع (60).

مسألة 14: إذا انقطع دمها فإما أن يكون انقطاع برء أو فترة تعلم عوده أو تشك في كونه لبرء أو فترة

(مسألة 14): إذا انقطع دمها فإما أن يكون انقطاع برء أو فترة تعلم عوده أو تشك في كونه لبرء أو فترة، و على التقادير إما أن يكون قبل الشروع في الأعمال أو بعده أو بعد الصلاة، فإن كان انقطاع برء و قبل الأعمال يجب عليها الوضوء فقط أو مع الغسل (61) و الإتيان بالصلاة، و إن كان بعد الشروع استأنفت (62)، و إن كان بعد الصلاة أعادت (63)

______________________________

(60) أما وجوب التأخير مع الرجاء، فلأنّ موضوع التكاليف الاضطرارية إحراز استيعاب العذر و اليأس المعتبر عن زواله و لم يحرز ذلك، فلم يتحقق التكليف الاضطراري، فلا وجه للصحة. و أما شموله لأثناء الصلاة أيضا فلأنّه يوجب التزلزل في التكليف الفعلي، فيحصل التردد في قصد الأمر قهرا و لا يجري الاستصحاب لعدم اليقين. ثمَّ إنّه يكفي في حسن الاحتياط بإتمام الصلاة ثمَّ الصبر إلى الانقطاع مجرد احتمال صحة الصلاة إن حصل الرجاء في أثنائها، و يأتي في المسألة التالية بعض الكلام.

(61) لما تقدم مما دل على أنّ دم الاستحاضة حدث يوجب الطهارة وضوءا كانت أو غسلا و الانقطاع ليس موجبا لزوال الحدثية و حصول الطهارة.

(62) لما دل على أنها حدث و ما دل على اشتراط الطهارة في الصلاة بتمام أجزائها. و ليس في البين ما يصلح للخلاف الا تنظير المقام بالمتيمم الواجد للماء في أثناء الصلاة، و استصحاب الصحة، و إطلاق دليل العفو (1). و الأول قياس، و الثاني محكوم بما دل على الحدثية و لم نظفر على الأخير إلا ما دل على اكتفائها بالأغسال الصلاتية و لا دلالة لها على المقام بوجه.

(63) لأنّ موضوع التكاليف الاضطرارية استيعاب العذر لتمام الوقت و لم يتحقق الموضوع فلا وجه للصحة و لا وجه لدعوى حصول الامتثال و التمسك بإطلاق الأدلة و اقتضاء الأمر للإجزاء إذ لا وجه للأول و الأخير مع تبين الخلاف

ص: 290


1- الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات.

إلا إذا تبيّن كون الانقطاع قبل الشروع في الوضوء و الغسل (64) و إن كان انقطاع فترة واسعة فكذلك على الأحوط (65)، و إن كانت شاكة في سعتها أو في كون الانقطاع لبرء أم فترة لا يجب عليها الاستئناف أو الإعادة (66) إلا إذا تبيّن بعد ذلك سعتها أو كونه لبرء (67).

مسألة 15: إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى

(مسألة 15): إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى كما إذا انقلبت القليلة متوسطة أو كثيرة، أو المتوسطة كثيرة- فإن كان قبل الشروع في الأعمال فلا إشكال، فتعمل عمل الأعلى (68). و كذا إن كان بعد الصلاة، فلا يجب إعادتها (69)، و أما إن كان بعد الشروع

______________________________

و الإطلاق ليس في مقام بيان هذه الجهة، فما نسب إلى صاحب الجواهر و المحقق الأنصاري من الإجزاء لا وجه له.

(64) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فلا بد من الإجزاء.

(65) لما تقدم من أنّ التكاليف الاضطرارية تدور مدار استيعاب الاضطرار في تمام الوقت و لا دليل على الصحة مع الفترة مطلقا لبرء كانت أو غيره الا دعوى أنّ الفترة لغير البرء غالبية و تنزل الأدلة على الغالب و لعل نظر الماتن رحمه اللّه إليه حيث لم يجزم بالفتوى.

و فيه: منع الصغرى و الكبرى في مثل هذا الحدث المستمر مع ما ارتكز في الأذهان من اعتبار الاستيعاب في التكاليف الاضطرارية ما لم يدل دليل معتبر على الخلاف.

(66) كما عن جمع منهم صاحب الجواهر، و الشيخ الأنصاري، لإطلاق الأدلة، و قاعدة الحرج، و لكن الأول ليس في مقام بيان هذه الجهة. و الثانية لا كلية فيها. نعم، لو كان حرج في الاستئناف لا يجب بلا خلاف.

(67) فيجب الاستئناف حينئذ، لتبين الخلاف.

(68) لتحقق موضوعه، فيتبعه حكمه قهرا.

(69) لوقوعها صحيحة جامعة للشرائط، فلا مقتضي للإعادة قهرا.

ص: 291

قبل تمامها فعليها الاستئناف و العمل على الأعلى، حتّى إذا كان الانتقال من المتوسطة إلى الكثيرة فيما كانت المتوسطة محتاجة إلى الغسل و أتت به أيضا، فتكون أعمالها حينئذ مثل أعمال الكثيرة، لكن مع ذلك يجب الاستئناف (70)، و إن ضاق الوقت عن الغسل و الوضوء أو أحدهما تتيمم بدله (71)، و إن ضاق عن التيمم أيضا استمرت على عملها (72)، لكن عليها القضاء على الأحوط. و إن انتقلت من الأعلى إلى الأدنى استمرت على عملها لصلاة واحدة (73)، ثمَّ تعمل عمل الأدنى، فلو تبدلت الكثيرة متوسطة قبل الزوال أو بعده قبل صلاة الظهر تعمل للظهر عمل الكثيرة، فتتوضأ و تغتسل و تصلي، لكن للعصر و العشائين يكفي الوضوء (74). و إن أخرت العصر عن الظهر أو العشاء عن المغرب (75). نعم، لو لم تغتسل للظهر عصيانا أو نسيانا يجب

______________________________

(70) لبطلان أثر الغسل السابق بحدوث الكثيرة بعده فيكون كجنابة اغتسل عنها ثمَّ حدثت جنابة أخرى بلا فرق فيه بين كون الأقسام الثلاثة متباينة أو من الأقل و الأكثر، لتجدد التكليف، بعروض الكثيرة عن كلّ حال، فلا بد من الامتثال.

(71) لعموم دليل البدلية الشامل للطهارة الحقيقية و الاضطرارية.

(72) الظاهر كونها من فاقد الطهورين، و يأتي حكمه في (فصل التيمم).

(73) لأنّ نفس الانتقال في المقام ليس كالغسل، فمقتضى الأصل و العمومات بقاء ما يقتضيه الأعلى و لا فرق في ذلك بين ما إذا عملت بوظائفها للأعلى قبل التبدل أم لا، لأنّ بقاء الأعلى في الجملة و لو بعد الإتيان بوظيفته حدث موجب لإعمال الوظيفة أيضا. نعم، لو علمت بالانقطاع قبل إتيان الوظيفة و عدم الحدوث بعدها لا موجب لتجديد حينئذ، كما هو واضح.

(74) لفرض الانقلاب إلى القليلة، فلا بد من العمل بحكمها و الحكم يدور مدار الموضوع حدوثا و بقاء.

(75) يعني سواء أتت باللاحقة متصلة بالسابقة، أو منفصلة عنها.

ص: 292

عليها للعصر إذا لم يبق إلا وقتها، و إلا فيجب إعادة الظهر بعد الغسل و إن لم تغتسل لها فللمغرب و إن لم تغتسل لها فللعشاء (76) إذا ضاق الوقت و بقي مقدار العشاء.

مسألة 16: يجب على المستحاضة المتوسطة و الكثيرة إذا انقطع عنها بالمرة الغسل للانقطاع

(مسألة 16): يجب على المستحاضة المتوسطة و الكثيرة إذا انقطع عنها بالمرة الغسل للانقطاع (77)، إلا إذا فرض عدم خروج الدم منها من حين الشروع في غسلها السابق للصلاة السابقة (78).

مسألة 17: المستحاضة القليلة كما يجب عليها تجديد الوضوء لكلّ صلاة ما دامت مستمرة

(مسألة 17): المستحاضة القليلة كما يجب عليها تجديد الوضوء لكلّ صلاة ما دامت مستمرة كذلك يجب عليها تجديده لكل مشروط بالطهارة (79). كالطواف الواجب و مس كتابة القرآن إن وجب،

______________________________

(76) كلّ ذلك، لأنها مأمورة بالغسل و قد تركته، فيجب عليها الإتيان به و تدارك ما صلّته بلا غسل إعادة، أو قضاء

(77) لأنّ الاستحاضة المتوسطة أو الكثيرة حدث يحتاج في رفعه إلى الغسل الا أن يدل دليل إما على أن الانقطاع رافع كالغسل أو على عدم حدثية ما يحدث بعد الغسل، أو على أنه حدث معفو عنه. و الأول مما لا قائل به، و الثاني خلاف الإطلاقات و العمومات الدالة على حدثيّته، و الأخير يحتاج إلى دليل و هو مفقود، فيتعيّن الغسل للانقطاع لا محالة.

(78) لأنّه لا موضوع لوجوب الغسل ثانيا مع فرض عدم خروج الدم من حين الشروع في الغسل السابق، فإيجابه حينئذ يكون بلا موجب.

(79) الكلام في هذه المسألة تارة: بحسب الأدلة العامة. و أخرى:

بحسب الأدلة الخاصة. و ثالثة: بحسب الكلمات. و رابعة: بحسب الأصول العملية.

أما الجهة الأولى: فمقتضى العمومات و الإطلاقات الدالة على اعتبار الطهارة فيه يشترط فيها الطهارة عدم صحته من المستحاضة فيما كانت الطهارة شرطا لصحته و عدم الجواز فيما كانت الطهارة شرطا للجواز، لفرض أنها مستمرة

ص: 293

.....

______________________________

الحدث إما بالأصغر أو بالأكبر فلا يجوز لها مس كتابة القرآن، لأنّها محدثة بالأصغر إن كانت الاستحاضة صغرى كما لا يجوز لها المكث في المساجد و العبور في المسجدين إن كانت متوسطة أو كبرى، لكنّها مخصصة و مقيدة بما يأتي من خبر عبد الرحمن، و الإجماع على أنّها إذا فعلت تكون طاهرة.

و أما الجهة الثانية: فلا ريب في صحة صلاة الصغرى بوضوئها نصا، و إجماعا كما لا ريب في صحة صلاة المتوسطة و الكبرى و صومها بالغسل و الوضوء نصا و إجماعا كما مر. إنما الكلام في موردين:

الأول: هل تختص صحة طهارتها بخصوص الغايات التي ورد فيها الدليل بالخصوص- كالصلاة، و الصوم، و الطواف، و صلاة الليل و ركعتي الفجر- فلا يحل لها سائر الغايات الا بعد البرء و الانقطاع. أو يعم جميع الغايات المشروطة بالطهارة واجبة أو مندوبة، فيجوز لها الطهارة لمس المصحف، و المكث في المسجد- مثلا- و إن لم تكن مضيقة؟ الظاهر هو الأخير، أما أولا: فلأنّ الاستحاضة و إن كانت من استمرار الحدث، و لكنّها حالة نوعية لهنّ، فمقتضى سهولة الشريعة عدم حرمانهنّ عنها، مع أنه يظهر منهم التسالم على التوسعة في طهارة المستحاضة بما لم يوسع به في سائر الطهارات الاضطرارية.

و ثانيا: إمكان التمسك بالفحوى، لأن الصلاة التي هي أهم الغايات المشروطة بالطهارة إذا حلّت بطهارتهنّ فحلية غيرها بالأولى.

و ثالثا: إمكان أن يكون ما ذكر في الأدلة من باب المثال فقط لا الخصوصية.

و رابعا: وردت جملة من المندوبات التي يبعد التزام التخصيص بها.

منها: ركعتا الفجر.

و منها: الجمع بين الصلاتين في وقت الفضيلة (1).

و منها: دخول المسجد، كما في صحيح ابن عمار: «توضأت و دخلت المسجد و صلّت كل صلاة بوضوء» (2).

ص: 294


1- الوسائل باب: 40 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

.....

______________________________

و منها: جواز إتيان النوافل لها.

و منها: الطواف و إطلاق يشمل الطواف المندوب أيضا، فيمكن أن يستفاد من ذلك كلّه صحة طهارتها لكلّ مشروط بها بعد القطع، بعدم الاختصاص بما ذكر، و يظهر منهم التسالم عليه أيضا.

الثاني: هل تكفي طهارتها للصلاة لكلّ مشروط بها واجبة كانت أو مندوبة.

أو لا بد لكلّ عمل مشروط بها من تطهير خاص به قولان: نسب إلى الأكثر الأول، و لأصالة بقاء الطهارة ما لم يطرأ أحد النواقض الخاصة.

و نوقش فيه بأنّ الشك في أصل الحدوث، لأنّ حدوثها لما ورد فيه الدليل بالخصوص معلوم و لغيره مشكوك رأسا، لأنّ الطهارة في مستمرة الحدث جهتية لا من كلّ جهة، فالمرجع العمومات و الإطلاقات الدالة على اعتبار الطهارة لا استصحابها.

و فيه: أنّ ذلك من مجرد الدعوى، بل يستكشف من الإجماع و مثل خبر عبد الرحمن الآتي أنها من كلّ جهة لا أن تكون جهتية، فلا بأس بجريان الاستصحاب.

و استدل أيضا بإطلاق قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الرحمن:

«و كلّ شي ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت» (1). و بإطلاق قولهم رحمهم اللّه: «إنّ المستحاضة إذا فعلت ما عليها كانت بحكم الطاهر».

فهي طاهرة من كلّ جهة. قال في الجواهر: «إنّ المراد بحسب الظاهر أنّها مع فعليها لما وجب عليها حتّى تغيّر القطنة و الخرقة تكون بحكم الطاهرة من كلّ وجه مثل الذي لم تتلبس بشي ء من هذا الدم» و قال في المعتبر: «إذا فعلت ذلك صارت طاهرا مذهب علمائنا أجمع- إلى أن قال:- يخرج عن حكم الحدث لا محالة يجوز لها استباحة كلّ ما تستبيحه الطاهر»، و نحوه ما عن المنتهى، و قريب منه ما عن التذكرة.

و أشكل على الخبر بأنّه ليس في مقام البيان، فلا يصح الأخذ بإطلاقه.

ص: 295


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.

.....

______________________________

و فيه: أنّه من مجرد الدعوى فلا يعتمد عليه. نعم، احتمال اختصاصه بالمتوسطة له وجه.

و أشكل على قولهم إنّه لا يبلغ حد الإجماع، لوجود المخالف مثل ابن حمزة و غيره.

و فيه: أنّه لو بنى على الاعتماد على قول كلّ مخالف و طرح الإجماعات لأجله، لاختل نظام الفقه، كما لا يخفي على الخبير، مع أنه يدعي الإجماع أعلام الفقه و ذلك يوجب الاطمئنان بالحكم، و لكن احتمال الاختصاص بالمتوسطة و الكثيرة فيه أيضا متوجه.

أما الجهة الثالثة: فظهر مما تقدم أنّ كلمات الأعلام تطابقت على أنّها إذا فعلت ما عليها تكون طاهرا، الا ممن ندر أو من دأبه المناقشة في المسلمات الفقهية.

أما الجهة الرابعة: فمقتضى قاعدة الاشتغال هو الاقتصار على خصوص ما ورد الدليل فيه بالخصوص، و لكنّها محكومة بما تقدم من الإجماع على أنّها إذا فعلت فهي طاهرة، فتحصل أنّ ما هو المشهور له وجه و إن كان خلاف أصالتي الإطلاق و الاشتغال.

فروع- (الأول): تقدم أنّه لا بد لها من التحفظ عن خروج الدم فلو عملت جهدها و مع ذلك خرج الدم لكثرته فلا بأس به و تصح صلاتها لقاعدة نفي الحرج و الضرر.

(الثاني): لو تضررت بالاحتشاء و نحوه يسقط، لما مر في سابقة.

(الثالث): إذا لم تعمل بوظائف الاستحاضة أصلا و تركت الصلاة مدة ثمَّ ثابت، فلا ريب في وجوب قضاء الصلاة و الصوم عليها و لا أثر حين القضاء لكون الاستحاضة السابقة قليلة أو كثيرة أو متوسطة.

(الرابع): لو استعملت دواء يمنع عن سراية الدم إلى الخارج يجزي ذلك عن القطنة و الخرقة و الاحتشاء و نحوها.

ص: 296

و ليس لها الاكتفاء بوضوء واحد للجميع على الأحوط (80)، و إن كان ذلك الوضوء للصلاة فيجب عليها تكراره بتكرارها حتّى في المس يجب عليها ذلك لكلّ مس على الأحوط (81). نعم، لا يجب عليها الوضوء لدخول المساجد و المكث فيها، بل و لو تركت الوضوء للصلاة أيضا (82).

مسألة 18: المستحاضة الكثيرة و المتوسطة إذا عملت بما عليها جاز لها جميع ما يشترط فيه الطهارة

(مسألة 18): المستحاضة الكثيرة و المتوسطة إذا عملت بما عليها جاز لها جميع ما يشترط فيه الطهارة (83) حتّى دخول المساجد و المكث فيها و قراءة العزائم و مس كتابة القرآن و يجوز وطؤها، و إذا أخلّت بشي ء من الأعمال حتّى تغيير القطنة بطلت صلاتها (84). و أما

______________________________

(الخامس): يجوز لها استعمال ما ينزل الكثرة إلى المتوسطة و هي إلى الصغرى- كما يجوز العكس مع عدم الضرر- كما يجوز لها استعمال ما يوجب قطع أصل دم الاستحاضة مع عدم الضرر، كلّ ذلك للأصل.

(السادس): لو عملت بوظيفة المتوسطة أو الكثيرة ثمَّ بان أنّها كانت قليلة لا شي ء عليها بخلاف العكس فيجب عليها قضاء ما صلّت أو صامت.

(80) وجه التردد الجمود على الإطلاقات، و العمومات، و قاعدة الاشتغال بعد إمكان الخدشة فيما تقدم من الإجماع، و مثل خبر عبد الرحمن من احتمال الاختصاص بالقسمين الأخيرين.

(81) تقدم وجه الاحتياط في سابقة.

(82) لعدم اعتبار الطهارة من الحدث الأصغر لدخول المساجد، بضرورة المذهب إن لم يكن من الدين.

(83) أرسلوا ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، بل عدّ من ضروريات فقه الإمامية، و مقتضى إطلاق كلماتهم عدم الفرق بين الغايات الموسعة و المضيقة.

(84) لما تقدم في [مسألة 1] من اشتراط صحة الصلاة بتجديد القطنة و تبديل الخرقة أو تطهيرها.

ص: 297

المذكورات سوى المس تتوقف على الغسل فقط (85)، فلو أخلّت بالأغسال الصلاتية لا يجوز لها الدخول و المكث (86) و الوطء (87) و قراءة

______________________________

(85) لعدم اشتراطها بالطهارة الخبثية إجماعا.

(86) لما يأتي في حكم الوطي، و حيث إنّ الأخبار الواردة في المقام إنّما وردت في الوطي تعرضنا لها فيه، فيعلم منه غيره.

(87) على المشهور، و استندوا تارة: إلى مفهوم قولهم رحمهم اللّه:

«إنّها إذا فعلت ما عليها تكون بحكم الطاهر»، فيصير المفهوم أنّها لو لم تفعل ما عليها فهي محدثة بالحدث الأكبر، و حينئذ فكما أنّ المنطوق مجمع عليه و من المسلّمات الفقهية يكون المفهوم أيضا كذلك.

و فيه: أنّه لا ملازمه بين أن يكون المنطوق مورد الدليل و بين كون المفهوم أيضا كذلك، مع أنّ الدليل على المنطوق منحصر بالإجماع و لا إجماع على المفهوم، بل خالف فيه جمع كثير منهم الشيخ في النهاية و صاحبا المدارك و الذخيرة، فذهبوا إلى الجواز.

و أخرى: أنّها مع عدم الإتيان بالوظائف حائض موضوعا، أو حكما مع سبق الحيض و يتم في غيره بعدم القول بالفصل. و فيه: أنها إن اغتسلت من الحيض يحل لها ما حرم عليها بالحيض، للعمومات و الإطلاقات، و مع عدم الغسل فهي حائض و لا ربط لها بالمستحاضة، مع أنّ عدم القول بالفصل لا اعتبار به و المعتبر القول بعدم الفصل.

و ثالثة: بقول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق سماعة: «و إن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل- الحديث-» (1).

و قوله في خبر عبد الرحمن: «و كلّ شي ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها و لتطف بالبيت» (2).

و قول أحدهما في موثق فضيل: «فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» (3).

ص: 298


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 8.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 12.

.....

______________________________

و خبر قرب الاسناد: «قلت يواقعها زوجها؟ قال عليه السلام: إذا طال بها ذلك فلتغتسل و لتتوضأ ثمَّ يواقعها إن أراد» (1).

إلى غير ذلك مما ورد في حكم وطئها بدعوى: أنّ الوطي إنّما ذكر من باب المثال لجميع ما حرم عليها، فيحل الجميع بإتيان الوظائف، و يحرم بدونه.

و فيه أولا: أنّ توقف حلية الوطي على الوضوء و الاحتشاء و نحوه مستبعد جدّا. نعم، له وجه بالنسبة إلى دفع القذارة عن المحل و غسله لئلا يوجب التنفر و الاشمئزاز، فيكون الأمر بالاغتسال إرشادا إلى ذلك.

و ثانيا: أنّه ليس الحكم مسلما في الوطي أيضا إذ الأقوال فيه أربعة: فعن جمع جوازه مطلقا، للأصل و العمومات. و عن آخرين، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب عدم الجواز إلا بعد الإتيان بالوظائف، و عن بعض التوقف على الغسل و الوضوء دون سائر الوظائف، و عن بعض التوقف على الغسل فقط هذا مع أنه يظهر من مثل صحيح ابن سنان الذي جعل المستحاضة في مقابل الحائض اختلاف أحكامها إلا ما خرج بالدليل قال عليه السلام: «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر، و تصلي الظهر و العصر ثمَّ تغتسل عند المغرب فتصلّي المغرب و العشاء، ثمَّ تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر و لا بأس أن يأتيها بعلها إذا شاء الا أيام حيضها فيعتزلها زوجها» (2).

و ظاهره أنّ حكم الوطي لوحظ في المستحاضة مستقلا في مقابل الحيض لا من حيث عمل المستحاضة بوظائفها الخاصة، فيحمل ما ظاهره توقف حكم الوطي على الوظائف على الكراهة بدون العمل بالوظائف- كما صرح به جمع منهم الشهيد رحمه اللّه- جمعا بين الأخبار. و دعوى: أنّ الصحيح ليس في مقام بيان الحلية المطلقة، بل الحلية في الجملة و لو بعد الإتيان بالوظائف خلاف ظاهره الذي يفصل بين حالتي الاستحاضة و الحيض بالنسبة إلى الوطي، و يشهد للجواز

ص: 299


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 15.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4.

العزائم (88) على الأحوط (89). و لا يجب لها الغسل مستقلا بعد الأغسال الصلاتية (90) و إن كان أحوط (91). نعم، إذا أرادت شيئا من ذلك قبل الوقت وجب عليها الغسل مستقلا على الأحوط (92). و أما

______________________________

التعبير في بعض الأخبار بقولهم عليهم السلام: «إذا شاء، و إن أراد» (1)، مع أنّه لم يعهد منهم عليهم السلام التعبير عن الحكم الواقعي بمثل هذه التعبيرات.

(88) ظهر وجهه مما تقدم.

(89) مقتضى الأصل بعد المناقشة فيما مر جواز ذلك كلّه لها و لو لم تعمل بالوظائف، و لكن فتوى أعاظم الفقهاء- الذين لا يجزمون الا بعد التثبت و التأمل- بالتوقف على إتيان الوظائف، و نسبة ذلك إلى ظاهر الأصحاب، و موافقة ذلك للاحتياط- خصوصا بالنسبة إلى النساء إذ الغالب فيهنّ التسامح في أحكام الحيض- يوجب التردد، و لعلّه رحمه اللّه لذلك عبّر بالاحتياط.

(90) لظهور إجماعهم رحمهم اللّه على كفايتها، و لكن المتيقن منه إنّما هو إتيانها في الوقت دون خارجه. الا أن يقال: إنّ ذكر الوقت من باب الغالب لا التقييد بقرينة ظهور الإجماع على توسعة الأمر في طهارة المستحاضة بما لم يوسع في غيرها من الطهارات الاضطرارية.

(91) لقول أبي جعفر عليه السلام في خبر مالك: «و لا يغشاها حتى يأمرها فتغتسل ثمَّ يغشاها إن أراد» (2) الواجب حمله على مجرد الأولوية و الاحتياط لقصور السند، و الإجماع على كفاية الأغسال الصلاتية في حلية الوطي.

(92) أما وجوب الغسل مستقلا، لكونها مستمرة الحدث، فتجب الطهارة لكلّ غاية مشروطة بها. و أما عدم الجزم بالفتوى، فلما تقدم من التشكيك في حرمة تلك الغايات على المستحاضة.

ص: 300


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 4 و 15.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الاستحاضة حديث: 1.

المس فيتوقف على الوضوء و الغسل، و يكفيه الغسل للصلاة (93).

نعم، إذا أرادت التكرار يجب تكرار الوضوء و الغسل على الأحوط (94)، بل الأحوط ترك المس لها مطلقا (95).

مسألة 19: يجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع الوضوء و الغسل و سائر الأعمال لكلّ صلاة

(مسألة 19): يجوز للمستحاضة قضاء الفوائت مع الوضوء و الغسل و سائر الأعمال لكلّ صلاة (96). و يحتمل جواز اكتفائها بالغسل للصلوات الأدائية (97) لكنّه مشكل (98)، و الأحوط ترك القضاء إلى النقاء.

______________________________

(93) أما التوقف على الغسل و الوضوء، فلحرمة المس على المحدث مطلقا- أكبر كان أو أصغر- و أما كفاية الغسل للصلاة، فلما تقدم من كونها بحكم الطاهر مع الإتيان بالوظائف.

(94) أما تكرار الوضوء و الغسل، فلقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب بعد فرض كونها مستمرة الحدث.

و أما الاحتياط فلاحتمال كفاية طهارة واحدة للمتعدد من المس خصوصا بعد كونه في مجلس واحد، و خصوصا في الغسل الذي يظهر تسالمهم على عدم تعدده بتعدد المس.

(95) اقتصارا في الطهارة الاضطرارية على الضرورة، و لكن يدفعه إجماعهم على أنّها لو فعلت كانت بحكم الطاهر. قال في الجواهر: «قد يشعر تصفح عباراتهم في المقام و في توقف الصوم على ذلك بأنّ طهارتها لتلك الغايات تابع للأفعال الصلاتية». و لكن قال في ذيل كلامه و ما أحسن قوله رحمه اللّه:

«كلّ ذلك في كلمات الأصحاب غير محررة و عباراتهم كتعليلاتهم في مقامات متعددة مضطربة».

(96) لما تقدم غير مرة من أنّها مع الإتيان بالوظائف بحكم الطاهر إجماعا.

(97) لما يظهر من تسالمهم على أنّها مع الإتيان بوظائف الصلاة الأدائية بحكم الطاهر، فلا موجب حينئذ لتجديدها لسائر الغايات.

(98) للشك في شمول إجماعهم، على أنّها بحكم الطاهر للواجبات

ص: 301

مسألة 20: المستحاضة تجب عليها صلاة الآيات

(مسألة 20): المستحاضة تجب عليها صلاة الآيات (99) و تفعل لها كما تفعل لليومية (100)، و لا تجمع بينهما بغسل و إن اتفقت في وقتها (101).

مسألة 21: إذا أحدثت بالأصغر في أثناء الغسل لا يضر بغسلها على الأقوى

(مسألة 21): إذا أحدثت بالأصغر في أثناء الغسل لا يضر بغسلها على الأقوى (102)، لكن يجب عليها الوضوء بعده و إن توضأت قبله (103).

مسألة 22: إذا أجنبت في أثناء الغسل أو مست ميتا استأنفت غسلا واحدا لهما

(مسألة 22): إذا أجنبت في أثناء الغسل أو مست ميتا استأنفت غسلا واحدا لهما (104) و يجوز لها إتمام غسلها و استئنافه لأحد

______________________________

الموسّعة. نعم، لو صار القضاء مضيقا لا إشكال فيه، و يأتي في [مسألة 34] من صلاة القضاء ما ينفع المقام.

(99) لإطلاق أدلّتها، و عمومها الشامل لها أيضا، فلا دليل على التخصيص و التقييد.

(100) لأنّ صلاة الآيات مستقلة في مقابل صلاة اليومية، فيعتبر فيها ما يعتبر في غيرها من سائر الصلوات الواجبة على المستحاضة.

(101) لأنها مستمرة الحدث، و المتيقن من إجماعهم، على أنّها لو فعلت الوظائف تكون بحكم الطاهر غير الصلوات الواجبة من سائر الغايات المشروطة بالطهارة، فمقتضى الإطلاقات و العمومات الدالة على اعتبار الطهارة في الصلاة، و قاعدة الاشتغال تجديد الوظيفة.

(102) لما تقدم في [مسألة 8] من (فصل مستحبات غسل الجنابة) و يحتمل أن يقال: إنّ المتيقن من الأدلة غير المستحاضة. و لكنّه ضعيف.

(103) لأنّه حدث جديد فلا بد لها من الطهارة عنه، لعموم ما دل على النقض و الطهارة عن كلّ ناقض.

(104) لما دل على صحة التداخل في الأغسال، و قد تقدم في [مسألة 9] من مستحبات غسل الجنابة.

ص: 302

الحدثين (105) إذا لم يناف المبادرة إلى الصلاة بعد غسل الاستحاضة، و إذا حدثت الكبرى في أثناء غسل المتوسطة استأنفت للكبرى (106).

مسألة 23: قد يجب على صاحبة الكثيرة، بل المتوسطة أيضا خمسة أغسال

(مسألة 23): قد يجب على صاحبة الكثيرة، بل المتوسطة أيضا خمسة أغسال (107)، كما إذا رأت أحد الدمين قبل صلاة الفجر، ثمَّ انقطع، ثمَّ رأته قبل صلاة الظهر ثمَّ انقطع ثمَّ رأته عند العصر ثمَّ انقطع. و هكذا بالنسبة إلى المغرب و العشاء و يقوم التيمم مقامه (108) إذا لم تتمكن منه، ففي الفرض المزبور عليها خمسة تيممات، و إن لم تتمكن من الوضوء أيضا فعشرة كما أنّ في غير هذه إذا كانت وظيفتها

______________________________

(105) بناء على أنّ التداخل رخصة لا عزيمة و تقدم في [مسألة 15] من (فصل مستحبات غسل الجنابة) ما ينفع المقام فراجع.

(106) لنقض أثر الأول و وجوب الطهارة من الثاني، فيكون من قبيل حصول الجنابة في أثناء غسل الجنابة، و البول في أثناء الوضوء.

(107) هذه المسألة خلاصة جميع ما تقدم في جملة من المسائل السابقة، و الوجه في وجوب خمسة أغسال عموم ما دل على أنّ حدوث هذا الدم حدث يوجب الغسل، و قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب.

فرع: لو اغتسلت و صلّت فريضتها ثمَّ تبيّن بعد الصلاة أن لها الفترة الواسعة تجب عليها إعادة الغسل و الصلاة، لتبين الخلاف، و تقدم في [مسألة 14] ما يرتبط بالمقام فراجع، و عليه، فيمكن فرض أنّه قد يصدر منها عشرة أغسال في الصلوات اليومية خمسة باطلة و خمسة صحيحة.

(108) لعموم ما دل على بدلية الطهارة الترابية عن المائية، فيكون بدلا عن الغسل في المقام و عن الوضوء أيضا لو لم تتمكن منه، فيجب عليها عشرة تيممات، خمسة بدلا عن الغسل و خمسة بدلا عن الوضوء، و قد تنقص عنها بحسب مراتب تمكنها من بعض الوضوءات دون بعض.

ص: 303

التيمم ففي القليلة خمسة (109) تيممات و في المتوسطة ستة (110) و في الكثيرة ثمانية (111) إذا جمعت بين الصلاتين، و إلا فعشرة (112).

______________________________

(109) لعدم وجوب الغسل عليها، فيكون جميع تيمماتها بدلا عن الوضوء، و الوضوء الواجب عليها خمسة، فيكون بدله كذلك أيضا.

(110) يكون أحدهما بدلا عن الغسل، و البقية بدلا عن الوضوء، فتصير ستة.

(111) لوجوب ثلاثة أغسال عليها مع الجميع فثلاثة من التيممات بدل الأغسال الثلاثة و خمسة منها بدل عن الوضوء للصلوات الخمسة.

(112) خمسة بدلا عن الغسل و خمسة بدلا عن الوضوء، و من يقول بكفاية الغسل عن الوضوء يسقط عنده جميع التيممات التي تكون بدلا عن الوضوء، فيجزي في الأول خمس تيممات فقط، و في المتوسطة تيمم واحد إن لم يحدث منها حدث و صلّت جميع صلواتها بذلك التيمم، و في الكثيرة ثلاثة تيممات مع الجمع بين الصلاتين و إلا فخمسة.

فروع- (الأول): غسل الاستحاضة كغسل الحيض في واجباته و مندوباته و أحكامه. نعم، يعتبر في غسل الاستحاضة إتيان الصلاة بعده بلا فصل، على ما مر من التفصيل.

(الثاني): لا يجب قصد خصوص المتوسطة أو الكثيرة في الغسل للأصل و يجزي قصد أصل غسل الاستحاضة، و كذا في التيمم الذي يكون بدله.

(الثالث): يجب على المستحاضة، و الحائض، و النفساء تعلم أحكامها الابتلائية وجوبا فطريا عقليا.

ص: 304

فصل في النفاس
اشارة

(فصل في النفاس) و هو دم يخرج مع ظهور أول جزء من الولد أو بعده (1) قبل انقضاء عشرة أيام من حين الولادة (2)، سواء كان تام الخلقة أو لا، كالسقط (فصل في النفاس)

______________________________

و هو من الدماء الطبيعية للحيوان الولود إنسانا كان أو غيره و له أحكام خاصة في المرأة.

(1) نصا و إجماعا. روى أبو جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أنّه قال:

«قال النبي صلّى اللّه عليه و آله: ما كان اللّه ليجعل حيضا مع حبل، يعني إذا رأت الدم و هي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق و رأت الدم تركت الصلاة» (1).

و في موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يوما أو يومين فترى الصفرة أو دما، قال عليه السلام، تصلي ما لم تلد» (2)و المراد به مطلق حدوث الولادة لا الفراغ عنها، فيشمل حينها أيضا.

ثمَّ إنّه لو أخرج الولد بالآلات الحديثة من جنب المرأة بشقه أو من موضع آخر هل يجري في ذلك حكم النفاس أو لا؟ و فيه فروع كثيرة لا يسمع المقام و الحال التعرض لها.

(2) على ما يأتي من التفصيل في المسألة التالية.

ص: 305


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 12.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب النفاس حديث: 1.

و إن لم تلج فيه الروح، بل و لو كان مضغة أو علقة بشرط العلم بكونها مبدأ نشوء الإنسان (3)، و لو شهدت أربع قوابل بكونها مبدأ نشوء إنسان كفى (4)، و لو شك في الولادة أو في كون الساقط مبدأ نشوء الإنسان لم يحكم بالنفاس (5) و لا يلزم الفحص أيضا (6). و أما الدم الخارج قبل ظهور أول جزء من الولد فليس بنفاس (7). نعم، لو كان فيه شرائط

______________________________

(3) كلّ ذلك، للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و المستفاد منهما أنّ النفاس دم تفريغ الرحم و تنفّسها عما كان ينمي و يربى فيها- سواء كان التفريغ بالطبع كالولادات الطبيعية، أو لمانع كالسقط بمراتبه- و ذكر الولد و الصبي و الولادة في الأدلة من باب الغالب لا التقييد. كما أنّ ذكر كونه مبدأ نشوء الإنسان كذلك أيضا، لشهادة التواريخ المعتبرة بولادة بعض النسوان ما ظاهره الحيوان، و لا بدع في ذلك فإنّ اللّه تعالى على كلّ شي ء قدير.

(4) لما يأتي في كتاب الشهادات إن شاء اللّه تعالى من حجية شهادة النساء في المنفوس، و العذرة إجماعا، و أنّه تعتبر فيهنّ العدالة، و التعدد بأربع، و يأتي في محلّه نقل خلاف المفيد- و غيره- قال رحمه اللّه: «تقبل شهادة امرأتين مسلمتين مستورتين فيما لا تراه الرجال- كالعذرة و عيوب النساء و النفاس و الحيض و الرضاع- و إذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه.»

و استند في ذلك إلى بعض الأخبار القاصرة عن معارضة المشهور، على ما يأتي في محله ان شاء اللّه تعالى.

(5) لعدم ثبوت الموضوع، فلا يثبت الحكم قهرا، بل يرجع إلى قاعدة الإمكان، و مع عدم جريانها، فإلى الأصول الموضوعية، و مع عدمها يحكم بأنّه استحاضة بناء على أنّها الأصل في كل دم يخرج من الرحم إلا ما خرج بالدليل.

(6) لما تسالموا عليه من عدم وجوبه في الشبهات الموضوعية التي ليست لها المعرضية القريبة العرفية للوقوع في خلاف الواقع.

(7) نصا، و إجماعا، ففي خبر زريق عن الصادق عليه السلام: «في

ص: 306

الحيض كأن يكون مستمرا من ثلاثة أيام فهو حيض (8) و إن لم يفصل بينه و بين دم النفاس أقلّ الطهر على الأقوى (9) خصوصا إذا كان في عادة

______________________________

الحامل ترى الدم قال عليه السلام: «تصلي حتّى يخرج رأس الصبيّ، فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة- إلى أن قال عليه السلام-: و هذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير دم النفاس»(1).

و نحوه غيره.

(8) لقاعدة الإمكان، و قد تقدم في [مسألة 3] من (فصل الحيض) صحة اجتماع الحيض مع الحمل، فراجع.

(9) المشهور اعتبار فصل أقلّ الطهر بين الحيض المتقدم و النفاس، لإطلاق ما دل على أنّ أقلّ الطهر عشرة أيام (2)، و إطلاق قول الصادق عليه السلام: «تصلي حتّى يخرج رأس الولد».

و قوله عليه السلام: «تصلي ما لم تلد» (3) و ما دل على أنّ النفاس حيض محتبس (4)و أنّ النفساء كالحائض(5) و أنّه يعتبر تخلل العشرة في الحيض الواقع بعد النفاس فكذا فيما قبله.

و يرد الأول: باختصاصه بما بين الحيضتين.

و الثاني: محمول على الغالب من كون الدم في حال الطلق و المخاض غير واجد لصفات الحيض، فلا يشمل ما كان واجدا لها.

و الثالث: بأن التنزيل في الجملة لا من كلّ جهة و يكفي الشك فيه في عدم ثبوت العموم، فلا يعتبر إلا فيما اتفق فيه الأصحاب، و الأخير قياس باطل، مع

ص: 307


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 17
2- راجع الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب النفاس حديث: 1
4- ورد مضمونه في روايات باب: 30 من أبواب الحيض راجع الوسائل.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

الحيض (10). أو متصلا بالنفاس، و لم يزد مجموعهما عن عشرة أيام (11) كأن ترى قبل الولادة ثلاثة أيام و بعدها سبعة- مثلا- لكن الأحوط مع عدم الفصل بأقل الطهر مراعاة الاحتياط (12) خصوصا في

______________________________

أنّ المقيس عليه مورد البحث أيضا، كما يأتي و لذا ذهب جمع إلى عدم اعتبار فصل أقلّ الطهر بين الحيض المتقدم و النفاس، لإطلاق أدلّة الحيض، و قاعدة الإمكان.

و يشكل الأول: في غير واجد الصفات، مع أنّ مرتكز النساء أنّه دم المخاض. و الأخير بما تقدم من اختصاصها بالشبهات الموضوعية دون الحكمية و حينئذ فإن كان في البين أصل موضوعي يعمل به، و إلا فإن قلنا بأنّ الأصل في دم النساء الاستحاضة إلا ما ثبت الخلاف، فهو استحاضة و إلا فلا بد من الاحتياط.

(10) بناء على أن العادة أمارة على الحيضية حتى في الشبهات الحكمية، و لكنه مشكل، بل ممنوع.

(11) لإطلاق أدلّة الحيض، و قاعدة الإمكان. و فيه: أنّ الإطلاق لا يجري للشك في الموضوع، بل مقتضي مرتكزات النساء أنه دم المخاض و تقدم أنّ قاعدة الإمكان لا تجري في الشبهات الحكمية.

ثمَّ إنّ التقييد بعشرة أيام و عدم التجاوز عنها للاحتفاظ على ما أرسل إرسال المسلّمات من أصالة التساوي بين الحيض و النفاس إلا ما خرج بالدليل، فإنّ دم الولادة نفاس بلا إشكال و حينئذ فإن كان المجموع زائدا على العشرة يلزم خلاف ما تسالموا عليه من كون النفاس حيضا حكما، فلا بد من التقييد بذلك، و يمكن الإشكال فيه: بأنّ المتيقن من أصالة التساوي- على فرض الصحة- غير مثل المقام و لا بد من الاحتياط في هذه الفروع غير المنقحة في الكلمات.

(12) ظهر وجهه مما مر، و المراد بالاحتياط الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة.

ص: 308

غير الصورتين (13) من كونه في العادة أو متصلا بدم النفاس.

مسألة 1: ليس لأقل النفاس حد

(مسألة 1): ليس لأقل النفاس حد (14)، بل يمكن أن يكون مقدار لحظة بين العشرة (15) و لو لم تر دما فليس لها نفاس أصلا (16)، و كذا لو رأته بعد العشرة من الولادة (17) و أكثره عشرة أيام (18) و إن كان

______________________________

(13) لأنّ عدم الأمارة على الحيض يوجب شدة التحير فيشتد الاحتياط.

(14) نصا، و إجماعا. قال الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير:

«ليس لها حد» (1).

المحمول على طرف القلة، إجماعا، فدماء النساء أما محدودة قلة و كثرة و هي الحيض أو محدودة كثرة فقط و هي النفاس أو غير محدودة بالنسبة إليهما و هي الاستحاضة و غيرها.

فرع: لو أخرج الرحم مع الولد بالآلات الحدثية- كما قيل بوقوعه- هل يتحقق النفاس أو لا؟ وجهان.

(15) لما يأتي من كون أكثره عشرة أيام.

(16) إجماعا، بل وجدانا من النساء و لم يقل أحد بأنّ مجرد خروج الولد نفاس و لو لم يخرج دم أصلا.

(17) لما يأتي من التحديد بها، فلا يكون الزائد عليها نفاسا.

(18) هذه إحدى المسائل التي اضطربت فيها الأخبار و الأقوال و كون أكثرها عشرة أيام هو المشهور شهرة عظيمة محققة و استدلوا بأمور:

الأول: أصالة عدم نفاس بعد العشرة.

الثاني: أصالة عدم ترتب أحكام النفاس على ما يحدث بعد العشرة.

ص: 309


1- الوسائل باب: 2 من أبواب النفاس حديث: 1.

.....

______________________________

الثالث: أصالة مساواة النفاس مع الحيض إلا ما خرج بالدليل، لما اشتهر من أنّ «النفاس حيض محتبس».

الرابع: مرسل المفيد الوارد في السرائر: «لا يكون النفاس لزمان أكثر من زمان الحيض».

و عن المقنعة: «و قد جاءت أخبار معتمدة أنّ أقصى مدة النفاس هو عشرة أيام و عليها أعمل، لوضوحها عندي»، و نسب هذا الكلام إلى التهذيب أيضا.

الخامس: مرسل يونس عن الصادق عليه السلام: «فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس، ثمَّ تستظهر بعشرة أيام» (1) بناء على أنّ المراد إلى عشرة أيام، فلو أمكن كونه زائدا على العشرة لما كان وجه للتقييد بها و مثله غيره.

و لكن الكلّ مخدوش، لأنّ الأولى معارضة بأصالة عدم حدوث دم آخر.

إلا أن يقال: إنّ الأصل في دم النساء كونه استحاضة إلا إذا ثبت غيرها، فلا تجري أصالة عدم الاستحاضة حينئذ.

و الثانية: محكومة بأصالة بقاء إمكان النفاس، و قد ثبت عدم الفرق في الاستصحاب بين التدريجيات و غيره.

و الثالثة: بأنّها مسلّمة في الجملة لا من كلّ حيثية و جهة.

و الرابع: مضافا إلى الإرسال يمكن أن يراد به الأخبار الدالة على أنّ أكثر الحيض عشرة أيام و كان تساوي النفاس مع الحيض مسلّما عندهما رحمهما الله، فأرسلا ذلك إرسال المسلّمات، فيرجع ذلك إلى الدليل الثالث لا أن يكون دليلا مستقلا و لم أجد لفظ عشرة أيام في دم النفاس في الأخبار فيما تفحصت عاجلا.

و الأخير بأنّ كون كلمة (باء) بمعنى (إلى) يحتاج إلى قرينة ظاهرة و هي مفقودة. هذا، و لكن المستفيضة الدالة على رجوع النفساء إلى عادتها في

ص: 310


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3.

.....

______________________________

الحيض ثمَّ الاستظهار بيوم، أو يومين (1) أو بعشرة أي: إلى العشرة كصحيح يونس قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ولدت فرأت الدم أكثر مما كانت ترى، قال: فلتقعد أيام قرئها التي كانت تجلس ثمَّ تستظهر بعشرة أيام- الحديث-» (2).

و ما دل على أخذها بعادة حيضها- بين صحيحة و موثقة مكررة في الأصول و أرسل فيها المعصومون عليهم السلام- قعودها بمقدار أيام حيضها- إرسال المسلّمات و لو كان غيرها واجبا لاشتهر و بان في هذا الحكم العام البلوى، فكيف اشتهر الخلاف؟!- ظاهرة، بل صريحة في شدة مناسبة النفاس مع الحيض بحيث لا يتعدى أيام نفاس المرأة عن أيام حيضها الا بالمقدار الذي يمكن التعدي في أيام الحيض، فما هو المشهور من أنّ أكثر النفاس عشرة هو المستفاد منها بعد التأمل فيها.

و عن جمع من المتقدمين أنّ أكثره ثمانية عشر مستندا إلى جملة من الأخبار التي وردت في قضية أسماء بنت عميس: «أمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تغتسل لثمان عشرة» (3).

و فيها أولا: وهنها بإعراض المشهور حتّى إنّ عمدة القائلين بها- كالمفيد و المرتضى- قد نقل عنهما في السرائر الفتوى بالمشهور.

و ثانيا: وهنها بموافقة العامة إذ لم يذهب إلى القول المشهور أحد منهم بخلاف الثمانية عشر، فذهب بعضهم إليه.

و ثالثا: في نفس تلك الأخبار قرينة دالة على أنّها لم تصدر لبيان الحكم الواقعي قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أسماء سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد أتى لها ثمانية عشر يوما، و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل و تفعل ما تفعل المستحاضة» (4).

ص: 311


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 4 و 5 و 3 و 15.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 4 و 5 و 3 و 15.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 15.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 7.

.....

______________________________

و عدم التعرض لقضاء ما فات منها يمكن أن يكون لأجل امتنان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على خصوص أسماء لمصلحة تقتضيه بدء الإسلام، و يشهد- لعدم كون أخبار الثمانية في مقام بيان الحكم الواقعي- صحيح ابن مسلم قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كم تقعد النفساء حتّى تصلي؟ قال: ثمان عشرة، سبع عشرة، ثمَّ تغتسل و تحتشي و تصلي» (1).

و صحيحة الآخر قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء كم تقعد؟

فقال: إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه أن تغتسل لثمان عشرة و لا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين» (2).

إن قلت: كيف تخدش هذه الأخبار مع عمل السيد بها و هو لا يعمل الا بالقطعيات مع دعواه انفراد الإمامية به.

قلت: عدم عمله الا بالقطعيات لا ينفع لغيره الذي لم يحصل له القطع و كيف حصل له القطع مع وجود أخبار مستفيضة على الخلاف، مع أنّه قد عدل عنه، فراجع ما نقله في الجواهر عن السرائر، و أما دعوى انفراد الإمامية، فليس من الإجماع المعتبر خصوصا في هذه المسألة التي تحققت الشهرة العظيمة على الخلاف مع عدول المدعي له عنه.

و أما سائر الأخبار التي يظهر منها كون أكثر النفاس أكثر من ثمانية عشر كصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تقعد النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوما إلى الخمسين»(3).

و كذا ما عن ابن يحيى الخثعمي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النفساء فقال: كما كانت تكون مع ما مضى من أولادها و ما جربت، قلت: فلم تلد فيما مضى قال عليه السلام: بين الأربعين إلى الخمسين» (4).

إلى غير ذلك من الأخبار، و الأقوال المستندة إليها، فيكفينا مئونة ردها ما عن المبسوط حيث قال: «لا خلاف في أنّ ما زاد على الثمانية عشر حكمه حكم

ص: 312


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 12
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الحيض حديث: 15
3- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 13.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 18.

.....

______________________________

الاستحاضة»، و عن الجواهر: «كما هو قضية إجماع الانتصار و غيره» و عن مولانا الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «و النفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما» (1).

و ما ورد من أنّها لا تقعد أكثر من عشرين يوما كقول جعفر بن محمد عليه السلام- في حديث شرائع الدين- قال: «و النفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوما إلا أن تطهر قبل ذلك» (2).

مخالف للإجماع كما مر.

فوائد- الأولى: المراد بالعشرة إمكان رؤية النفاس فيها، لا فعلية الرؤية، فلا ينافي ذلك ما دل على الرجوع إلى العادة، و لا ما دل على الاستظهار بيوم، أو يومين، أو ثلاثة أيام، أو ما أمر فيها بالاستظهار مطلقا، أو بالعشرة، أو ما دل على الاستظهار بثلثي أيامها المحمول على ما إذا لم تزد على العشرة، أو على ما إذا كانت العادة ستة أيام (3).

الثانية: قد اختلفت الأخبار في تحديد أكثر النفاس اختلافا فاحشا- كاختلاف أخبار منزوحات البئر، و حكم الأخيرتين من الرباعية، و حكم إسلام في الصلاة، و تحديد المسافة القصرية، و حكم ذبيحة الكتابي، و أخبار الرضاع إلى غير ذلك مما هو كثير.

فمنها: ما ذهب إليه المشهور من استفادة العشرة.

و منها: ما دل على أنّه ثمانية عشر كما تقدم.

و منها: ما دل على أنّه ثمانية عشر و سبعة عشر.

و منها: ما دل على أنّه ثلاثون أو أربعون إلى خمسين.

و منها: ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوما.

و منها: ما بين الأربعين إلى خمسين.

و منها: سبع عشرة ليلة (4)، و القرائن الخارجية و الداخلية تشهد بأنّها لم ترد

ص: 313


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 24.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 25.
3- راجع جميع تلك الروايات في الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس.
4- راجع جميع تلك الروايات في الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس.

.....

______________________________

لبيان حكم اللّه الواقعي و لا محيص الا عن المشهور كما تقدم ورد علم الأخبار المتعارضة إلى أهله، كما أمرنا به إن لم يمكن رفع اختلافها في الجملة بما يأتي في [مسألة 6].

الثالثة: المعروف عدم صحة رجوع النفساء إلى التمييز، و الأقارب، و الروايات، بل ترجع إلى عادتها، و مع العدم، فإلى التفصيل الآتي في المسائل الآتية، للأصل بعد عدم التعرض في الأخبار لذلك، مع أنّ الحكم كان مورد الابتلاء، و كون الدم في معرض الاختلاف و الاختلال، و عروض العوارض بالنسبة إلى واحدة لا تضبطها ضابطة معتبرة صنفية فضلا عن النوعية.

الرابعة: قد خرج عن أصالة التساوي بين الحيض و النفاس موارد أحدها ما تقدم في الفائدة الثالثة.

الثاني: أنّه لأحد لأقل النفاس دون الحيض، فلا يكون أقل من ثلاثة.

الثالث: أن أكثر الحيض متفق عليه نصا (1)، و إجماعا أنّه عشرة بخلاف النفاس الذي مر فيه الخلاف، و إن كان المشهور أنّه عشرة أيام أيضا.

الرابع: أن الحيض علامة البلوغ بخلاف النفاس.

الخامس: لا يشترط في النفاسين تخلل أقلّ الطهر بخلاف الحيضتين.

السادس: انقضاء العدة بالحيض دون النفاس، لأنّ انقضاء عدة الحامل بمجرد وضع الحمل إلا فيما إذا طلقت الحامل من الزنا، أو حملت منه بعد الطلاق و رأت قرئين في زمان الحمل بناء على جواز اجتماع الحيض مع الحمل، فوضعت، فلا يكون هذا الوضع انقضاء للعدة، لعدم الاعتبار بحمل الزنا و وضعه شرعا، فيكون النفاس انقضاء لها بناء على شمول أصالة التساوي بين الحيض و النفاس لمثل هذا النفاس أيضا.

السابع: أنّ عدد الأيام يحسب في الحيض من حين رؤية الدم بخلاف النفاس، فإنّه من حين الولادة، كما يأتي، و لكن الرجوع إلى العادة يحسب من الرؤية.

ص: 314


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الحيض.

الأولى مراعاة الاحتياط بعدها أو بعد العادة إلى ثمانية عشر يوما من الولادة (19). و الليلة الأخيرة خارجة (20) و أما الليلة الأولى إن ولدت في الليل فهي جزء من النفاس (21) و إن لم تكن محسوبة من العشرة (22).

و لو اتفقت الولادة في وسط النهار يلفق من اليوم الحادي عشر لا من ليلته (23) و ابتداء الحساب بعد تمامية الولادة (24) و إن طالت لا من حين

______________________________

(19) لصلاحية تلك الأخبار للاحتياط و إن لم تصلح للفتوى.

(20) لخروج الليلة عن مفهوم اليوم الذي هو مورد الدليل لغة، و شرعا و عرفا.

(21) لما دل على تحقق النفاس بمجرد الرؤية فيتحقق النفاس بمجرد خروج الدم لا محالة.

(22) لأنّ التحديد وقع في الأدلة بلحاظ الأيام دون الليالي و مطلق الزمان فلا وجه لاحتسابها من العشرة.

(23) أما كفاية أصل التلفيق، فلما تقدم في [مسألة 6] من (فصل الحيض). و أما اعتبار كونه من اليوم الحادي عشر، فلأنّ التحديد يوميّ لا أن يكون زمانيا مطلقا حتّى يشمل الليل أيضا.

(24) لأنّه المنساق من الأدلة عرفا، قال أبو جعفر عليه السلام في خبر ابن أعين: «إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام حيضها، ثمَّ تستظهر بيوم فلا بأس أن يغشاها زوجها».

و لا ملازمة بين ترتب أحكام النفاس من أول الدم، و بين جعل الأيام منه، بل وقع التفكيك بينهما بحسب الأدلة، فإنّ مثل قوله عليه السلام-: «لا تدع الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق و رأت الدم تركت الصلاة» (1).

ص: 315


1- الوسائل باب: 4 من أبواب النفاس حديث: 2.

الشروع، و إن كان إجراء الأحكام من حين الشروع إذا رأت الدم (25) إلى تمام العشرة من حين تمام الولادة (26)

مسألة 2: إذا انقطع دمها على العشرة أو قبلها

(مسألة 2): إذا انقطع دمها على العشرة أو قبلها فكلّ ما رأته نفاس، سواء رأت تمام العشرة أو البعض الأخير أو الوسط أو الطرفين أو يوما و يوما لا (27) و في الطهر المتخلل بين الدم تحتاج بالجمع بين أعمال النفساء و الطاهر (28). و لا فرق في ذلك بين ذات العادة العشرة أو

______________________________

ظاهر، بل صريح في ترتب الأحكام بمجرد رؤية الدم، مع أنه لو عدت الأيام من حين ظهور أول جزء من الولد يلزم عدم النفاس فيما لو خرج جزء من الولد و لم يكن معه دم حتّى مضت العشرة، ثمَّ خرجت البقية مع الدم و لا يلتزم به أحد.

إن قلت: على هذا يلزم أن يكون أكثر النفاس أكثر من العشرة، كما إذا خرج جزء من الولد مع الدم في المثال، ثمَّ خرج تمامه بعد العشرة.

قلت: لا بأس بذلك، كما يأتي في [مسألة 5 و 6] و المراد بقوله: (أكثر النفاس عشرة) أي: من حين تمام الولادة، و إلا لم يكن وجه لحكمهم بالنفاس في أكثر من العشرة في المسألتين الآتيتين.

(25) لما تقدم في أول الفصل من النص.

(26) لما تقدم من خبر ابن أعين، و الإجماع.

(27) لظهور الإجماع في ذلك كلّه، و يظهر منهم التسالم على الرجوع إلى قاعدة الإمكان في النفاس أيضا، و لقوله عليه السلام- في خبر يونس-: «تستظهر بعشرة أيام» (1).

أي: إلى عشرة أيام.

(28) النقاء المتخلل نفاس، كما تقدم في الحيض، و الاحتياط حسن كما

ص: 316


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 3.

.....

______________________________

تقدم في [مسألة 6] من (فصل الحيض).

تنبيه: نتعرض فيه لقاعدة التساوي بين النفاس و الحيض إلا ما خرج بالدليل و قد جعلوا ذلك أصلا في دماء النساء و استدلوا عليه بأمور:

الأول: الإجماع و إرسال المسلّمات، و في المستند: «قالوا النفساء كالحائض في كلّ حكم واجب و مندوب، و محرم، و مكروه، و مباح بلا خلاف فيه بين أهل العلم- كما في المنتهى و التذكرة- و بالإجماع، كما في المعتبر».

و نوقش فيه بأنّه اجتهادي لا أن يكون وصل إليهم ما لم يصل إلينا.

و فيه: أنّ إرسال ذلك في كلّ عصر في هذا الأمر العام البلوى- و البحث عن موارد الاستثناء عنه، مع كثرة مسيس الحاجة إليه- مما يوجب الاطمئنان بكشف رأى المعصوم عليه السلام و لا يقصر ذلك عن سائر المسلّمات الفقهية في كشف رأيه عليه السلام.

الثاني: سوق المستفيضة الواردة في رجوع النفساء إلى عادة حيضها- كما تقدم- مما يوجب الاطمئنان بكونهما متحدتين موضوعا و حكما إلا ما خرج بالدليل.

الثالث: ما يظهر منه الاتحاد الموضوعي كخبر سلمان قال: «سأل سلمان عليا عليه السلام عن رزق الولد في بطن أمه، فقال: إنّ اللّه تبارك و تعالى حبس عليه الحيضة فجعلها رزقه في بطن أمه» (1).

و صحيح ابن خالد: «إنّ الولد في بطن أمه غذاؤه الدم، فربما كثر ففضل عنه، فإذا فضل دفقته- الحديث-» (2).

فإنّ ظهورهما في كون النفاس حيضا موضوعا مما لا ينكر.

و الإشكال عليه: بأنّه قضية خارجية لا شرعية تنزيلية، فلا يدل على ثبوت الأحكام الثابتة للحيض للنفاس، و إنّما يدل على وحدتهما سنخا نظير ما لو قال الشارع: البخار ماء متفرق الأجزاء فاسد:

ص: 317


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 13.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب الحيض حديث: 14.

أقل و غير ذات العادة (29) و إن لم تر دما في العشرة فلا نفاس لها (30)

______________________________

أولا: إنّ مثل هذه الأخبار ظاهرة بل صريحة في أنّ النفاس عين الحيض، فلا تنزيل في البين و إذا كان عينه فتترتب عليه أحكامه قهرا.

و ثانيا: على فرض التنزيل مقتضى إطلاق التنزيل كونه مثله في جميع الجهات إلا مع النص على الخلاف، فلا وجه لهذا التوهم.

الرابع: ما يظهر منه التسوية المطلقة- كصحيح زرارة- في حديث-:

«و الحائض؟ قال عليه السلام: مثل ذلك سواء فإن انقطع عنها الدم و إلا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء» (1).

و أشكل عليه: بأنه نزل فيه الحائض منزلة النفساء و المدعى العكس.

و فيه أولا: أنه لا ريب في استفادة التشابه التنزيلي بينهما سواء نزل الحيض منزلة النفاس أو بالعكس.

و ثانيا: لا بد من أن ترجع الأخبار بعضها إلى البعض في مقام استظهار الحكم، فما تقدم- من خبر سلمان و ابن خالد- يدل على تنزيل النفاس منزلة الحيض و هذا الخبر يدل على العكس و ذلك كلّه يكون أبلغ في التنظير و التشبيه، فأصالة التساوي بينهما ثابتة إجماعا، و نصّا، و اعتبارا إلا ما خرج بالدليل، و قد تعرضنا لموارد ما خرج بالدليل.

(29) للإجماع، و تسالمهم على العمل بقاعدة الإمكان، في النفاس أيضا و لأصالة التساوي بين الحيض و النفاس إلا ما خرج بالدليل، و قد تقدم في [مسألة 17] من (فصل الحيض) نظير ذلك.

(30) لما تقدم من أنّ مبدأ العشرة من حين تمام الولادة، فإذا لم تر دما، فلا موضوع للنفاس سواء رأت الدم بعد العشرة أو لا، إذ لا أثر لرؤية الدم بعد تمام العشرة، و يأتي حكم الرؤية في العشرة بعد ذلك.

ص: 318


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاستحاضة حديث: 5.

و إن رأت في العشرة و تجاوزها فإن كانت ذات عادة في الحيض أخذت بعادتها سواء كانت عشرة أو أقلّ و عملت بعدها عمل المستحاضة و إن كان الأحوط الجمع إلى الثمانية عشر كما مر (31) و إن لم تكن ذات عادة- كالمبتدئة و المضطربة- فنفاسها عشرة أيام (32) و تعمل بعدها عمل المستحاضة (33) مع استحباب الاحتياط المذكور (34).

______________________________

(31) أما الأخذ بالعادة، فللمستفيضة الدالة على أنّها ترجع إلى عادتها و تقدم بعضها، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون ما رأت متصلا بالولادة، أو منفصلا عنها كانت بقدر العشرة، أو أقل منها. و أما عمل المستحاضة. فيما تجاوز عن العادة، فلجملة من الأخبار أيضا منها: الصحيح عن أحدهما عليهما السلام: «النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثمَّ تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة» (1).

المحمول على ما إذا تجاوز الدم عن العشرة إجماعا. و أما الاحتياط إلى ثمانية عشر فقد تقدم وجهه.

(32) للإجماع: و قاعدة الإمكان، و أما خبر أبي بصير- عن الصادق عليه السلام: «جلست مثل أيام أمها، أو أختها، أو خالتها» (2) ضعيف سندا، و ادعي الإجماع على خلافه.

(33) لما دل على أنّ النفاس لا يكون أزيد من عشرة أيام، و لما تقدم من أنّ الأصل في دم النساء الاستحاضة إلا ما خرج بالدليل.

(34) تقدم وجهه في [مسألة 1] فراجع.

فروع- (الأول): تقدم أنه لا ملازمة بين عدد الأيام في النفاس و ترتب أحكامه، لأنّ الأول من حين الولادة و الثاني من حين رؤية الدم و هما قد يتفقان و قد يختلفان.

ص: 319


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 20.
مسألة 3: صاحبة العادة إذا لم تر في العادة أصلا و رأت بعدها و تجاوز العشرة

(مسألة 3): صاحبة العادة إذا لم تر في العادة أصلا و رأت بعدها و تجاوز العشرة لا نفاس لها على الأقوى (35) و إن كان الأحوط الجمع إلى العشرة، بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها. و إن رأت بعض العادة و لم تر البعض من الطرف الأول و تجاوز العشرة أتمتها

______________________________

(الثاني): لو لم تر الدم إلا اليوم العاشر يكون هو النفاس، و ما تقدم عليه طهر كلّه.

(الثالث): لو رأت الدم في الثالث من الولادة- مثلا- ثمَّ رأت في العاشر، فالنفاس من حين الرؤية حتى النقاء المتخلل، و ما تقدم على الرؤية طهر كلّه.

(الرابع): لو رأت حين الولادة و في الوسط و في العاشر، فالكلّ نفاس، و لو رأت في الوسط فقط و لم تر بعد ذلك يكون النفاس زمان الرؤية فقط و ما تقدمه يكون طهرا و ما تأخر نقاء وجب عليها الاغتسال.

(الخامس): لا فرق في النقاء الموجب للغسل بين أن يكون بالطبع أو بالعلاج كما لا فرق في عدم رؤية الدم الموجب لعدم النفاس بين أن يكون بالعلاج أو بالطبع.

(35) لأصالة المساواة بين النفاس و الحيض، و حيث إنّ ذات العادة في الحيض لو لم تر الدم في العادة و رأت بعدها و تجاوز عن العشرة لا يكون مثل هذا الدم حيضا، فكذا المقام و فيه: أنّ الجزم بعدم كون الدم حيضا فيما تراه بعد العادة إلى العشرة مع التجاوز عنها أول الكلام، فكيف بالمقام، فلا بد من الاحتياط إلى العشرة.

ثمَّ إنّ المتيقن من الأصل- على فرض اعتباره في المقام- إنّما هو ذات العادة الوقتية و العددية معا دون غيرها.

ص: 320

بما بعدها إلى العشرة (36) دون ما بعدها (37) فلو كانت عادتها سبعة و لم تر إلى اليوم الثامن، فلا نفاس لها (38)، و إن لم تر اليوم الأول جعلت الثامن أيضا نفاسا و إن لم تر اليوم الثاني أيضا فنفاسها إلى التاسع، و إن لم تر إلى الرابع أو الخامس أو السادس فنفاسها إلى العشرة، و لا تأخذ التتمة من الحادي عشر فصاعدا. لكن الأحوط الجمع فيما بعد العادة

______________________________

(36) للاستصحاب، و قاعدة الإمكان، و أصالة المساواة بين النفاس و الحيض. و عن جمع منهم الشهيد الثاني و المحقق الثاني رحمهما اللّه عدم لزوم التتميم و صحة الاكتفاء بما في العادة، لأنّ المنساق مما دل على رجوع النفساء إلى العادة هو ذلك، و لتنزيل العادة منزلة العشرة، فكما لا وجه لنفاسية ما زاد عن العشرة، فكذا ما زاد على العادة.

و فيه: أنّ كلا من الوجهين أول الدعوى، و نطالبه بالدليل.

ثمَّ الظاهر أنّ اعتبار العادة في النفاس إنّما هو من حين رؤية الدم لا من حين الولادة، لأنها في الحيض كذلك فتكون في النفاس هكذا أيضا إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه إلا توهم إطلاق ما ورد في المقام من الرجوع إلى العادة، و أنّ العشرة إنّما تكون من حين الولادة (1)، فتكون العادة أيضا كذلك.

و هو ضعيف إذ المنساق من الإطلاق إنّما هو من حين رؤية الدم كما في الحيض و لا ملازمة بين كون العشرة من حين الولادة و كون العادة كذلك أيضا لا شرعا و لا عرفا، و لا عقلا.

(37) لأنّ العشرة إنّما تعتبر من حين الولادة إجماعا و قد انقضت، فلا وجه لعد أيام النفاس بعدها.

(38) فيه إشكال- كما تقدم- فلا بد من الاحتياط إلى العشرة و إن انقطع الدم في العاشر، فهو نفاس، كما مر.

ص: 321


1- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس.

إلى العشرة، بل إلى الثمانية عشر مع الاستمرار إليها (39).

مسألة 4: اعتبر مشهور العلماء فصل أقلّ الطهر بين الحيض المتقدم و النفاس

(مسألة 4): اعتبر مشهور العلماء فصل أقلّ الطهر بين الحيض المتقدم و النفاس، و كذا بين النفاس و الحيض المتأخر فلا يحكم بحيضية الدم السابق على الولادة و إن كان بصفة الحيض أو في أيام العادة إذا لم يفصل بينه و بين النفاس عشرة أيام و كذا في الدم المتأخر، و الأقوى عدم اعتباره في الحيض المتقدم كما مر (40). نعم، لا يبعد ذلك في الحيض المتأخر (41). لكن الأحوط مراعاة

______________________________

(39) أما الاحتياط إلى العشرة، فلما تعرضنا له في هذه المسألة. و أما الاحتياط إلى الثمانية عشر، فلما تقدم في [مسألة 1]، و منه يظهر وجه الاحتياط في صدر المسألة.

(40) تقدم ما يتعلق به في أول الفصل.

(41) استدل عليه بأمور منها: صحيح ابن المغيرة: «فيمن نفست، فتركت الصلاة ثلاثين يوما ثمَّ رأت الدم بعد ذلك قال عليه السلام: تدع الصلاة، لأنّ أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس» (1).

و هو ظاهر في عدم إمكان اتصال الحيض بالنفاس.

و منها: إطلاق المستفيضة الدالة على أنّ الدم المتجاوز عن أكثر أيام النفاس استحاضة، إذ لو أمكن اتصال الحيض بالنفاس لما كان وجه لهذا الإطلاق.

و نوقش فيهما بأنه من الاستدلال بمفهوم اللقب و قد ثبت عدم الاعتبار به مع أنّ كون الإطلاق واردا مورد البيان من هذه الجهة مشكل و إنّما هو من باب الغالب و يمكن دفع المناقشة بأنّ الاستدلال بظهور الجملة عرفا لا ربط له بمفهوم اللقب، كما أنّ الظاهر كونه في مقام بيان الحكم لا من باب الغالب.

ص: 322


1- الوسائل باب: 5 من أبواب النفاس حديث: 1.

الاحتياط (42).

مسألة 5: إذا خرج بعض الطفل و طالت المدة إلى أن خرج تمامه

(مسألة 5): إذا خرج بعض الطفل و طالت المدة إلى أن خرج تمامه، فالنفاس من حين خروج ذلك البعض إذا كان معه دم و إن كان مبدأ العشرة من حين التمام كما مر (43)، بل و كذا لو خرج قطعة قطعة و إن طال إلى شهر أو أزيد فمجموع الشهر نفاس إذا استمر الدم (44)، و إن تخلل نقاء فإن كان عشرة فطهر و إن كان أقل تحتاط بالجمع (45) بين أحكام الطاهر و النفساء.

______________________________

و منها: دعوى الإجماع، و المتعارف بين المتدينات. و فيهما: ما لا يخفي.

و منها: أصالة المساواة بين النفاس و الحيض إلا ما خرج بالدليل. و فيه:

ما تقدم في [مسألة 1].

(42) لأنه مع ما استدلوا به- على اعتبار أقلّ الطهر بين النفاس و الحيض المتأخر- لا يمكن الجزم بالعدم، كما أنه- مع إمكان المناقشة في بعضها- لا يمكن الجزم بالاعتبار، فلا بد من الاحتياط.

(43) مرّ ما يتعلق به في [مسألة 1].

(44) لإطلاق الأدلة و احتمال انصرافها- إلى ما إذا خرج الحمل تماما متصلة أجزاؤه بعضها مع بعض- بدوي لا يعتنى به. و مبدأ العشرة يحتمل أن يكون من حين خروج تمام القطعات جمودا على كلماتهم الشريفة أنه بعد الولادة، و يحتمل أن يكون من حين خروج معظم القطعات بحيث تصدق الولادة عرفا، و هذا الاحتمال موجه مع صدق الولادة بحسب المتعارف.

(45) أما كون العشرة طهرا، فللإطلاقات، و العمومات من غير تقييد و تخصيص. و أما الاحتياط في الأقل، فلقاعدة الاشتغال بعد عدم إحراز كون المورد من النفاسين حتى يصح تخلل الطهر بأقل من عشرة أيام بينهما، كما يأتي. أو نفاس واحد حتى يكون النقاء المتخلل بين أبعاضه محكوما بالنفاسية كما في النقاء المتخلل بين حيض واحد.

ص: 323

مسألة 6: إذا ولدت اثنين أو أزيد فلكلّ واحد منهما نفاس مستقل

(مسألة 6): إذا ولدت اثنين أو أزيد فلكلّ واحد منهما نفاس مستقل (46)، فإن فصل بينهما عشرة أيام و استمر الدم فنفاسها عشرون يوما لكل عشرة أيام (47) و إن كان الفصل أقلّ من عشرة مع استمرار الدم يتداخلان في بعض المدة (48) و إن فصل بينهما نقاء عشرة أيام كان طهرا (49)، بل و كذا لو كان أقلّ من عشرة على الأقوى من عدم اعتبار العشرة بين النفاسين (50) و إن كان الأحوط مراعاة الاحتياط (51) في النقاء الأقل كما في قطعات الولد الواحد.

______________________________

(46) بلا خلاف فيه، بل الإجماع فيما إذا تحقق الفصل بينهما عرفا، لتعدد الحكم بتعدد الموضوع قهرا و لا نص بالخصوص في المقام غير الإطلاقات و العمومات القابلة للانحلال حسب تعدد الموضوعات.

(47) لوجود المقتضي من الإطلاقات و العمومات، و فقد المانع، بل و ظهور الإجماع على إمكان توالي النفاسين بخلاف الحيضين. و هذا من أحد وجوه الفرق بين الحيض و النفاس.

(48) إذ لا دليل على الاختلاف الحكمي في النفاسين في هذه المدة، كما لا دليل على الاشتداد في الموضوع، و لا معنى للنفاسين المستقلين فيها، لانّه من اجتماع المثلين، فيتحقق التداخل قهرا، فلو ولدت في أول الشهر ثمَّ ولدت في الخامس منه و استمر الدم إلى نصف الشهر، فالخمسة الأولى للولادة الأولى، و الأخيرة للثانية، و الوسطى مورد التداخل بينهما.

(49) بلا خلاف و لا إشكال فيه.

(50) لأصالة عدم اعتبار العشرة، لأنّه من الشك في الشرطية، مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الاعتبار، و لا تجري أصالة المساواة بين النفاس و الحيض في المقام، لأنّ عمدة دليلها الإجماع و لا إجماع عليها في المقام، بل هو على العدم كما تقدم.

(51) جمودا على أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة، و احتمال شموله لما بين النفاسين و لكنّه موهون بما تقدم من الإجماع على عدم الاعتبار.

ص: 324

مسألة 7: إذا استمر الدم إلى شهر أو أزيد

(مسألة 7): إذا استمر الدم إلى شهر أو أزيد فبعد مضي أيام العادة في ذات العادة و العشرة في غيرها محكوم بالاستحاضة (52) و إن كان في أيام العادة (53) إلا مع فصل أقل الطهر عشرة أيام بين دم النفاس و ذلك الدم، و حينئذ فإن كان في العادة يحكم عليه بالحيضية (54) و إن لم يكن فيها فترجع إلى التمييز (55) بناء على ما عرفت من اعتبار أقلّ الطهر بين النفاس و الحيض المتأخر، و عدم الحكم بالحيض مع عدمه و إن صادف أيام العادة. لكن قد عرفت أنّ مراعاة الاحتياط في هذه الصورة أولى.

______________________________

(52) للنصوص الدالة عليها، و قد تقدم بعضها في [مسألة 2].

(53) للأدلة الدالة على أن الزائد- على أيام العادة في ذات العادة و على العشرة في غيرها- استحاضة الشاملة للمقام أيضا. و المراد بقوله رحمه اللّه:

«و إن كان في أيام العادة» العادة الوقتية دون العددية، كما لا يخفى.

(54) لإطلاق ما دل على كون العادة أمارة على الحيضية الشامل لهذه الصورة أيضا.

(55) للأدلة الدالة على كون الصفات الخاصة أمارة على الحيضية الشاملة لما نحن فيه أيضا و لا مانع في البين، الا احتمال اختصاص أدلة الرجوع إلى الصفات بما إذا دار الدم بين الحيض و الاستحاضة فقط، فلا تشمل المقام، أو احتمال شمول ما دل على أنّ النفساء تجعل دمها بعد العادة أو العشرة استحاضة للمقام أيضا.

و يرد الأول بأنّه خلاف إطلاق أدلة الرجوع إلى الصفات، فإنّها لأجل الكاشفية النوعية شاملة لتمام موارد الدوران.

و يرد الثاني بأنّ الحكم بالاستحاضة، إنّما هو لأجل عدم المقتضي لغيرها، و مع وجود الصفات و كاشفيتها النوعية عن الحيضية لا وجه لها، و قد تقدم ما يتعلق ببقية هذه المسألة في [مسألة 4] فراجع.

ص: 325

مسألة 8: يجب على النفساء إذا انقطع دمها في الظاهر الاستظهار

(مسألة 8): يجب على النفساء إذا انقطع دمها في الظاهر الاستظهار بإدخال قطنة أو نحوها و الصبر قليلا و إخراجها و ملاحظتها على نحو ما مر في الحيض (56).

مسألة 9: إذا استمر الدم إلى ما بعد العادة في الحيض

(مسألة 9): إذا استمر الدم إلى ما بعد العادة في الحيض يستحب لها الاستظهار بترك العادة يوما أو يومين أو إلى العشرة، على نحو ما مر في الحيض (57).

مسألة 10: النفساء كالحائض في وجوب الغسل بعد الانقطاع أو بعد العادة أو العشرة في غير ذات العادة

(مسألة 10): النفساء كالحائض في وجوب الغسل بعد الانقطاع أو بعد العادة أو العشرة في غير ذات العادة (58) و وجوب قضاء الصوم

______________________________

(56) لما أرسل- وجوب الاستظهار في المقام- إرسال المسلّمات، و يقتضيه إطلاق أدلة الاستظهار، بضميمة ما دل على أنّ النفاس حيض محتبس (1)، و يشهد له ما تقدم من أصالة مساواة النفاس للحيض الا ما دل على الخلاف (2) و لا دليل على الخلاف في المقام مع أنّ بعض نصوص الاستظهار ورد في النفساء، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت له:

النفساء متى تصلي؟ قال: تقعد قدر حيضها و تستظهر بيومين» (3).

و مثله غيره من الأخبار.

(57) تقدم في [مسألة 23] من (فصل الحيض) وجوب الاستظهار، فكذا في المقام، لما تقدم من أصالة المساواة بينهما ما لم يكن دليل على الخلاف.

(58) إجماعا، بل ضرورة من الفقه، قال الصادق عليه السلام: «و غسل النفساء واجب» (4)

ص: 326


1- تقدم في صفحة: 317- 318.
2- تقدم في صفحة: 317- 318.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 2 و غيره مما هو كثير.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب النفاس حديث: 2.

دون الصلاة (59) و عدم جواز وطئها و طلاقها، و مس كتابة القرآن، و اسم اللّه، و قراءة آيات السجدة، و دخول المساجد، و المكث فيها (60)، و كذا في كراهة الوطء بعد الانقطاع و قبل الغسل، و كذا في كراهة الخضاب و قراءة القرآن و نحو ذلك، و كذا في استحباب الوضوء في أوقات الصلوات و الجلوس في المصلّي و الاشتغال بذكر اللّه بقدر الصلاة (61). و ألحقها بعضهم بالحائض في وجوب الكفارة إذا وطئها.

______________________________

و أما خبر ابن عمار عن الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول: «ليس على النفساء غسل في السفر»(1).

فمحمول على العذر.

(59) أما الأول، فللنص و الإجماع، فعن مولانا الكاظم عليه السلام في الصحيح فيمن وضعت بعد صلاة العصر في شهر رمضان: «تفطر ثمَّ لتقض ذلك اليوم» (2) و أما الأخير، فللإجماع، و أصالة المساواة.

(60) للإجماع الدال على ذلك كلّه، و أرسل أصالة التساوي- بين الحيض و النفاس في هذه الأحكام- إرسال المسلّمات، بل الضروريات الفقهية، مضافا إلى نصوص خاصة، كقول أبي جعفر عليه السلام: «إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها، ثمَّ تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها، يأمرها فلتغتسل ثمَّ يغشاها إن أحبّ» (3) و قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا طلق الرجل في دم النفاس أو طلقها بعد ما يمسها فليس طلاقه إياها بطلاق»(4).

ص: 327


1- الوسائل باب: 1 من أبواب النفاس حديث: 3.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب النفاس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 4
4- الوسائل باب: 9 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه حديث: 1.

و هو أحوط لكن الأقوى عدمه (62).

مسألة 11: كيفية غسلها كغسل الجنابة

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 3، ص: 328

(مسألة 11): كيفية غسلها كغسل الجنابة إلا أنّه لا يغني عن الوضوء (63)، بل يجب قبله أو بعده كسائر الأغسال.

______________________________

و خبر مالك بن أعين قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها في نفساها من الدم، قال: نعم، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها ثمَّ تستظهر بيوم فلا بأس أن يغشاها زوجها يأمرها فلتغتسل ثمَّ يغشاها إن أحبّ» (1).

و مثله خبر ابن بكير، و إطلاق خبر سعيد بن يسار (2).

(61) كلّ ذلك، للإجماع، و ما تقدم من أصالة التساوي، و أما قول الصادق عليه السلام في المرسل: «تختضب النفساء».

و في خبر آخر: «لا بأس به للنفساء» (3).

فإنّه محمول على خفة الكراهة إن كانت في البين مصلحة راجحة متعارفة.

(62) تقدم ما يتعلق به في [مسألة 20] من (فصل أحكام الحائض) فراجع.

(63) أما الأول، فهو من ضروريات الفقه. و أما الأخير، فقد تقدم في [مسألة 25] من (فصل أحكام الحائض).

ص: 328


1- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 5 و 1.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب الجنابة حديث: 13 و 11.
فصل في غسل مس الميت
اشارة

(فصل في غسل مس الميت) يجب بمس ميت الإنسان بعد برده و قبل غسله (1) دون ميت غير (فصل في غسل مس الميت)

______________________________

البحث في غسل مس الميت من جهات:

الأولى: في أصل وجوبه، و لا ريب فيه إجماعا و نصّا، كما يأتي.

الثانية: فيما يتعلق بالماس و الممسوس، و يأتي تفصيل ذلك في المسائل الآتية.

الثالثة: في أنّه حدث أصغر ينقض الوضوء، و يجب فيه الغسل، و يأتي بيانه في [مسألة 14].

(1) إجماعا، و نصوصا مستفيضة:

منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «قلت: الرجل يغمض الميت أ عليه غسل؟ قال عليه السلام: إذا مسه بحرارته فلا، و لكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل قلت: فالذي يغسله يغتسل؟ قال: نعم» (1).

و عن الصادق عليه السلام قال: «يغتسل الذي غسّل الميت و إن قبّل الميت إنسان بعد موته و هو حار، فليس عليه غسل، و لكن إذا مسه و قبّله و قد برد فعليه الغسل، و لا بأس أن يمسه بعد الغسل و يقبله» (2).

و بإزاء هذه الأخبار ما يمكن أن يستفاد منها الاستحباب، كصحيح الحلبي

ص: 329


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الغسل المس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الغسل المس حديث: 15.

.....

______________________________

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «اغتسل يوم الأضحى، و الفطر، و الجمعة، و إذا غسلت ميتا- الحديث-» (1).

و فيه: أنّ ظاهر الأمر هو الوجوب خرج غسل الأضحى، و الفطر، و الجمعة بدليل خارجي، و بقي غسل مس الميت على ظاهر الأمر.

و مثل ما دل على أنّ الفرض هو غسل الجنابة الدال على أنّ ما عداه مسنون (2).

و فيه أولا: أنّه منقوض بسائر الأغسال الواجبة.

و ثانيا: أنّ المراد بالفرض ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز، لأنّ وجوب سائر الأغسال الواجبة ثبت بالسنة.

و كخبر زيد بن علي عن عليّ عليه السلام: «الغسل من سبعة: من الجنابة- و هو واجب- و من غسل الميت و إن تطهرت أجزأك» (3).

و ذكر غير ذلك.

و فيه: أنّه قاصر سندا، و مجمل متنا، و موافق للعامة و معرض عنه عند المشهور.

و كالتوقيع: «روى لنا عن العالم عليه السلام أنّه سئل عن إمام قوم يصلي بهم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال: يؤخر و يتقدم بعضهم و يتم صلاتهم و يغتسل من مسه. التوقيع: ليس على من مسه الا غسل اليد- الحديث-» (4).

و فيه: مضافا إلى قصور السند، أنّه محمول على ما إذا لم يمس الجسد- كما هو الغالب- فيكون غسل اليد محمولا على الندب أيضا، فما نسب إلى السيد من استحباب غسل مس الميت تمسكا بمثل هذه الأخبار ضعيف.

ص: 330


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأغسال المندوبة حديث: 9.
2- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الجنابة حديث: 10 و ما بعده.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب غسل المس حديث: 8.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 4.

الإنسان (2) أو هو قبل برده أو بعد غسله (3) و المناط برد تمام جسده (4)، فلا يوجب برد بعضه و لو كان هو الممسوس. و المعتبر في الغسل تمام الأغسال الثلاثة (5)، فلو بقي من الغسل الثالث شي ء لا يسقط الغسل بمسه و إن كان الممسوس العضو المغسول منه (6) و يكفي في سقوط

______________________________

ثمَّ إنّ في بعض الأخبار (1) تعليل عدم وجوب غسل مس الميت على من أدخله القبر بأنّه إنما مس الثياب و هو من التعليل بالعلة القريبة العرفية، فلا يدل على أنّه لو مس الجسد بعد الغسل وجب عليه الغسل و لو دل عليه أيضا فلا اعتبار به في مقابل النص، و الإجماع

(2) للنص، و الإجماع ففي صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

«في رجل مس ميتا هل عليه الغسل؟ قال عليه السلام: إنّما ذلك من الإنسان» (2).

و مثله غيره.

(3) لما تقدم في النصوص السابقة، مضافا إلى الإجماع.

(4) لأنّ المنساق- من قوله عليه السلام: «إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل» (3).

و قوله عليه السلام: «إذا مسه بحرارته فلا» (4)- زوال الحرارة عن جميع الجسد و تحقق البرودة فيه، و مع الشك في ذلك فمقتضى الأصل عدم الوجوب إلا في المتيقن من الأدلة، و هو برودة تمام الجسد، و مقتضى استصحاب عدم وجوب الغسل بمسه ذلك أيضا.

(5) لأنّ المنساق من إطلاق ما تقدم من الأدلة بعد تمامية غسل الميت و لا يتم ذلك إلا بالأغسال الثلاثة.

(6) لأنّ الظاهر من الأدلة إنّما هو تمام الأغسال بالنسبة إلى تمام الجسد.

ص: 331


1- الوسائل باب: 4 من أبواب غسل المس حديث: 4.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب غسل المس حديث: 1.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 3.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 1.

الغسل إذا كانت الأغسال الثلاثة كلّها بالماء القراح لفقد السدر و الكافور، بل الأقوى كفاية التيمم، أو كون الغاسل هو الكافر بأمر المسلم لفقد المماثل (7)، لكن الأحوط عدم الاكتفاء بهما. و لا فرق في الميت بين المسلم و الكافر و الكبير و الصغير حتى السقط إذا تمَّ له أربعة أشهر (8)، بل الأحوط الغسل بمسه و لو قبل تمام أربعة أشهر أيضا و إن كان الأقوى عدمه (9).

______________________________

(7) الوجه في ذلك كلّه إطلاق أدلة البدلية، و سهولة الشريعة المقدسة، و مع الشك في الإطلاق فإن ثبت لما دل على وجوب الغسل بمس الميت إطلاق يشمل هذه الموارد فهو المرجع. و إلا- كما هو الحق- فالمرجع استصحاب وجوب الغسل، و مع عدم جريانه للشك في الموضوع فالمرجع هو البراءة. و لكن الظاهر ثبوت الإطلاق في أدلة الإبدال و يأتي ما له نفع في المقام.

(8) لظهور الإطلاق و الاتفاق في كلّ ذلك.

و احتمال اختصاصها بالمسلم، لذكر «قبل الغسل و بعده» في الأدلة، و الغسل مختص به دون الكافر الذي لا غسل له.

مردود: بأنّ هذا القيد من باب الغالب و لا أثر للقيود الغالبية، كما ثبت في محلّه، فالأدلة تشمل كلّ إنسان ولج فيه الروح و مات في قبال الحيوان فتشمل السقط الذي ولج فيه الروح و مات أيضا.

(9) لأنّ الظاهر من الميت من تعلق به الروح و خرج روحه بالموت فلا يشمل من لم يتعلق به الروح بعد و إن صدق عليه أنّه ميت إلا أنّه بالعناية كما في قوله تعالى وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ (1).

و قد ذكرنا في التفسير (2) ما يتعلّق بالآية الشريفة فإن شئت فارجع إليه، و لكن لا ريب أنّ الغسل هو الأحوط.

ص: 332


1- سورة البقرة: 28.
2- راجع المجلد الأول من مواهب الرحمن صفحة: 167 طبعة النجف الأشرف.
مسألة 1: في الماس و الممسوس لا فرق بين أن يكون مما تحله الحياة أو لا

(مسألة 1): في الماس و الممسوس لا فرق بين أن يكون مما تحله الحياة أو لا كالعظم و الظفر، و كذا لا فرق فيهما بين الباطن و الظاهر (10). نعم، المس بالشعر لا يوجبه و كذا مس الشعر (11).

مسألة 2: مس القطعة المبانة من الميت أو الحي إذا اشتملت على العظم يوجب الغسل دون المجرد عنه

(مسألة 2): مس القطعة المبانة من الميت أو الحي إذا اشتملت على العظم يوجب الغسل دون المجرد عنه (12) و أما مس العظم المجرد

______________________________

(10) للإطلاق الشامل للجميع. و احتمال الاختصاص بما تحله الحياة، أو الظاهر، بدوي لا يعتنى به. و أما قول مولانا الرضا عليه السلام في علة عدم الغسل بمس ميتة غير الإنسان: «لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبسة ريشا و صوفا و شعرا و وبرا، و هذا كلّه ذكى لا يموت و إنّما يماس منه الشي ء الذي هو ذكي من الحيّ و الميت»(1).

فلم يعمل به في مورده فكيف بالمقام.

(11) لعدم صدق الجسد و الميت على مس الشعر و كذا مس شعر الحيّ جسد الميت، لأنّ المنساق من المس ما إذا كان ببدن الماس، و الشعر خارج عن بدنه، و مع الشك في الصدق ماسا أو ممسوسا، فالمرجع أصالة البراءة. نعم، مس أصول الشعر مس للجسد و الميت عرفا.

ثمَّ إنّ المراد بمس الباطن هنا ما إذا أدخل شخص يده في فم الميت و كما يأتي في [مسألة 10] مثلا. و يأتي قسمان آخران في [مسألة 8] إن شاء اللّه تعالى.

(12) لقول الصادق عليه السلام: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه إنسان فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» (2).

المنجبر قصور سنده بإطباق العمل عليه، و يصح إطلاق الميت على ما فيه

ص: 333


1- الوسائل باب: 6 من أبواب غسل المس حديث: 5.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل المس حديث: 1.

ففي إيجابه للغسل إشكال (13) و الأحوط الغسل بمسه خصوصا إذا لم يمض عليه سنة (14) كما أنّ الأحوط في السنّ المنفصل من الميت أيضا الغسل (15) بخلاف المنفصل من الحيّ إذا لم يكن معه لحم معتد به (16). نعم، اللحم الجزئي لا اعتناء به (17).

______________________________

العظم أيضا، فتشمله الإطلاقات، و يصح التمسك بالأصل في المجرد عنه أيضا. ثمَّ إنّ هذا الحديث و إن ورد في المبان من الحيّ لكنّه يشمل المبان من الميت بالأولى، و يعضده الاستصحاب أيضا.

(13) منشأه أصالة الطهارة و البراءة عن وجوب الغسل. و من احتمال أن يكون قوله عليه السلام: «فكل ما كان فيه عظم- الحديث-» حيثية تعليلية يعني: أنّ مس نفس العظم منشأ للغسل سواء كان مع اللحم أو لا. و لكنه مشكل إلا إذا كان بحيث يصدق عليه الميت عرفا، كما إذا تلاشى لحم الجسد تماما و بقيت العظام كذلك و قد تقدم في نجاسة الميتة طهارة العظم المجرد.

(14) لخبر الجعفي عن الصادق عليه السلام: «سألته عن مس عظم الميت قال عليه السلام: «إذا جاز سنة فليس به بأس» (1).

المحمول على من لم يغتسل نصا و إجماعا. و لعلّ وجه التقييد تحقق التلاشي بعد السنة غالبا، و لكن قصور سنده، و هجر الأصحاب له أسقطه عن الاعتبار فلا يصلح للاستدلال و إن صلح للاحتياط.

(15) لعين ما تقدم في المسألة السابقة في مس العظم المجرد.

(16) لأصالتي الطهارة و البراءة، مضافا إلى الاستصحاب التعليقي. و أما اللحم المعتد به، فحكمه حكم القطعة المبانة عرفا.

(17) لأصالة الطهارة و البراءة عن وجوب الغسل بعد الشك في صدق القطعة المبانة عليه.

ص: 334


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل المس حديث: 2.
مسألة 3: إذا شك في تحقق المس و عدمه

(مسألة 3): إذا شك في تحقق المس و عدمه أو شك في أنّ الممسوس كان إنسانا أو غيره أو كان ميتا أو حيا، أو كان قبل برده أو بعده أو في أنّه كان شهيدا أم غيره، أو كان الممسوس بدنه أو لباسه أو كان شعره أو بدنه لا يجب الغسل في شي ء من هذه الصور (18) نعم، إذا

______________________________

(18) أما الأول: فلأصالة عدم تحقق المس و أصالة البراءة.

و أما الثاني و الثالث: فلأصالة البراءة.

و أما الرابع: فلأصالة بقاء الحياة و الحرارة إلى حين المس إن علم زمان حدوثه، و مع الجهل فالمرجع أصالة البراءة، سواء علم الموت و البرودة أو لا.

و أما الخامس: فللبراءة، بعد تعارض أصالة عدم الموت مع عدم الشهادة، و لكن يمكن أن يقال: إنّ أصالة عدم الشهادة عين تحقق الموت عند المتشرعة و مقتضى مرتكزاتهم عند التردد بين الشهادة و الموت عدم ترتيب آثار الشهادة فلا يلتفتون إلى أصالة عدم الموت حتّى يعارض بها أصالة عدم الشهادة و يأتي منه رحمه اللّه في (فصل قد عرفت سابقا) وجوب تغسيل كلّ مسلم و في [مسألة 8] وجوب الاحتياط في نظير المقام فراجع و أما الآخرين فلأصالة عدم تحقق موجب الغسل.

فروع- (الأول): من يخرج قلب الميت و أمعائه- مثلا- يجب عليه الغسل، لصدق مس الميت بالنسبة إليه، و لكن لو مس شخص آخر ذلك القلب أو الأمعاء لا يجب عليه الغسل، لأنّ الممسوس مجرد عن العظم.

(الثاني): لو وقع ميت غير مغسول- من تابوت مثلا- على شخص يجب عليه الغسل إن تحقق المس، لما يأتي في [مسألة 5] و إن شك في ذلك فلا يجب.

(الثالث): لو أحرق الشخص و مات بذلك ثمَّ مسه إنسان، فإن استحيل إلى الرماد أو شي ء آخر لا يجب الغسل بمسه و إلا وجب.

(الرابع): لو خرج من الميت قطعة دم جامدة و مسها شخص لا يجب عليه الغسل، للأصل.

ص: 335

علم المس و شك في أنه كان بعد الغسل أو قبله وجب الغسل (19).

______________________________

(الخامس): لو تفرقت أجزاء شخص في الحرب- مثلا- و تلاشت، فمس اللحم المجرد لا غسل فيه و مس اللحم مع العظم يجب فيه الغسل و تقدم حكم العظم المجرد.

(السادس): مس الميت إنّما يوجب الغسل إن وقع المس مباشرة، فلو لبس في يده شيئا (كالقفاز أي الكفوف) ثمَّ مس الميت لا يوجب الغسل، للأصل بعد ظهور الأدلة في المس المباشري، و كذا لو لطخ الميت بشي ء يمنع عن وصول المس إلى جسده و بدنه.

(السابع): لا فرق في الميت بين الحديث و القديم و لو كان قبل مائة سنة أو أكثر كما لا فرق في المس الموجب للغسل بين المحرم و الأجنبي و لا بين المس المباح و المحرّم و الواجب، و ذلك كلّه للإطلاق.

(الثامن): صرّح جمع بعدم وجوب الغسل بمس الشهيد في سبيل اللّه بشرطها و شروطها، لأنّ وجوب الغسل بالمس إنّما هو فيمن صار بالموت نجسا وجب تغسيله، و الشهيد لا يصير نجسا و لا يشرع تغسيله، و لخلو ما ورد في الغزوات عن الأمر بغسل من دفن الشهداء، و في كونهما كافيين للجزم بالعدم إشكال، و لذا نسب إلى جمع وجوبه، و يشهد لعدم الوجوب رواية إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبّل عثمان بن مظعون بعد موته» (1).

و طريق الاحتياط واضح.

(التاسع): من مس ميتا و نسي أن يغتسل، فصلّى بدون غسل زمانا ثمَّ تذكر وجب عليه قضاء ما صلاه، لفقد الطهارة من الحدث الأصغر.

(19) لأصالة عدم اغتسال الميت و كذا لو علم بالغسل و المس و شك في

ص: 336


1- الوسائل باب: 5 من أبواب غسل المس حديث: 1.

و على هذا يشكل مس العظام المجردة المعلوم كونها من الإنسان في المقابر أو غيرها. نعم، لو كانت المقبرة للمسلمين يمكن الحمل على أنّها مغسلة (20).

مسألة 4: إذا كان هناك قطعتان يعلم إجمالا أنّ إحداهما من ميت الإنسان

(مسألة 4): إذا كان هناك قطعتان يعلم إجمالا أنّ إحداهما من ميت الإنسان، فإن مسّهما معا وجب عليه الغسل و إن مس إحداهما ففي وجوبه إشكال و الأحوط الغسل (21).

مسألة 5: لا فرق بين كون المس اختياريا أو اضطراريا في اليقظة أو في النوم

(مسألة 5): لا فرق بين كون المس اختياريا أو اضطراريا في اليقظة أو في النوم، كان الماس صغيرا أو مجنونا أو كبيرا أو عاقلا (22)، فيجب على الصغير الغسل بعد البلوغ و الأقوى صحته قبله أيضا إذا كان مميزا (23)، و على المجنون بعد الإفاقة.

______________________________

المتقدم منهما مع العلم بزمان المس و أما مع العلم بزمان غسل الميت و الشك في زمان المس أو الجهل بتاريخهما لا يجب عليه شي ء لأصالتي البراءة، و الطهارة.

(20) المناط حصول الاطمئنان بالغسل من أيّ وجه حصل و لو لم تكن المقبرة من المسلمين.

(21) مع كون الطرف الآخر محلّ الابتلاء لتكليف فعليّ و إلا فلا يجب لما تقدم من أنّ ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة لا يوجب التكليف، إلا إذا كان جميع الأطراف موردا للابتلاء بتكليف فعليّ منجز.

(22) كلّ ذلك لانّه من الوضعيات غير المنوطة بالعمد و الاختيار و التكليف، فهو كسائر الأحداث المتوقفة على الرافع مطلقا.

(23) للإطلاقات الشاملة أيضا، نعم، لا إلزام عليه لحديث رفع القلم (1).

ص: 337


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
مسألة 6: في وجوب الغسل بمس القطعة المبانة من الحيّ

(مسألة 6): في وجوب الغسل بمس القطعة المبانة من الحيّ لا فرق بين أن يكون الماس نفسه أو غيره (24).

مسألة 7: ذكر بعضهم أنّ في إيجاب مس القطعة المبانة من الحيّ للغسل

(مسألة 7): ذكر بعضهم أنّ في إيجاب مس القطعة المبانة من الحيّ للغسل لا فرق بين أن يكون قبل بردها أو بعده (25) و هو أحوط (26).

مسألة 8: في وجوب الغسل إذا خرج من المرأة طفل ميت بمجرد مماسته لفرجه إشكال

(مسألة 8): في وجوب الغسل إذا خرج من المرأة طفل ميت بمجرد مماسته لفرجه إشكال (27). و كذا في العكس بأن تولد الطفل من المرأة، الميتة، فالأحوط غسلها في الأول و غسله بعد البلوغ في الثاني.

______________________________

(24) للإطلاقات، و ظهور الاتفاق، و عموم السببية من غير ما وجب التخصيص.

(25) بدعوى: أنّ إطلاق ما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السلام شامل للحالين. و فيه: أنّ تنزيله منزلة الميت يوجب ترتيب جميع أحكام الميت عليه إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام.

(26) لاحتمال أن يقال: إنّ ما دل على اعتبار أن يكون المس بعد البرد إنّما هو في الميت المستقل لا القطعة المبانة من الحيّ و التنزيل ليس متكلفا لبيان هذه الجهة.

(27) منشأه احتمال اختصاص الدليل بمس الظاهر بالظاهر، فلا يشمل مس الظاهر للباطن، و بالعكس، أو دعوى انصراف مس الميت عن الفرض و لو فرض إجمال الدليل، فالمرجع أصالة البراءة فيها، و لكن تقدم منه رحمه اللّه التصريح بعدم الفرق بين الظاهر و الباطن في [مسألة 1] و دعوى الانصراف أيضا لا وجه له. نعم، لو مات الطفل في داخل الرحم و بقي فيه مدة، يصح دعوى الانصراف عن هذه الصورة.

ص: 338

مسألة 9: مس فضلات الميت من الوسخ و العرق و الدم لا يوجب الغسل

(مسألة 9): مس فضلات الميت من الوسخ و العرق و الدم لا يوجب الغسل (28) و إن كان أحوط (29).

مسألة 10: الجماع مع الميتة بعد البرد يوجب الغسل

(مسألة 10): الجماع مع الميتة بعد البرد يوجب الغسل و يتداخل مع الجنابة (30).

مسألة 11: مس المقتول بقصاص أو حد إذا اغتسل قبل القتل غسل الميت

(مسألة 11): مس المقتول بقصاص أو حد إذا اغتسل قبل القتل غسل الميت لا يوجب الغسل (31).

مسألة 12: مس سرة الطفل بعد قطعها لا يوجب الغسل

(مسألة 12): مس سرة الطفل بعد قطعها لا يوجب الغسل (32).

______________________________

(28) للأصل بعد ظهور الأدلة في غيرها بلا فرق فيه بين مس الحيّ لها أو وقوعها على بدن الحيّ، فلو وقعت قطرة من دم الميت، أو عرقه أو شي ء من وسخه على بدن إنسان لا يجب عليه الغسل.

(29) لانّه حسن في كلّ حال.

(30) أما الأول، لإطلاق الأدلة فإنّه بأول جزء من التماس يتحقق مس الظاهر للظاهر، فلا يكون من المسألة الثانية التي مر عدم وجوب الغسل فيه.

نعم، لو فرض عدم مس الظاهر للظاهر يكون من تلك المسألة. أما الأخير، فقد تقدم وجهه في [مسألة 15] من (فصل مستحبات غسل الجنابة).

(31) لما تقدم من أنّ المس الموجب للغسل إنّما هو فيما إذا كان قبل الغسل لا بعده و قد حكم الشارع بصحة هذا الغسل فلا بد من ترتيب تمام آثاره عليه و من آثاره سقوط الغسل عن الذي مسه.

(32) لما تقدم في [مسألة 2] من أنّ مس القطعة المبانة المشتملة على العظم يوجب الغسل دون ما لم يشتمل عليه، مع أنّ كونها من القطعة المبانة موضوعا محل إشكال، لاحتمال كونها من سنخ الفضلات و كذا الغطاء الذي قد يكون بعض الأطفال مغطى به حين الولادة، و مع شك في الموضوع لا وجه للتمسك بالدليل اللفظي و حينئذ، فالمرجع أصالة البراءة.

ص: 339

مسألة 13: إذا يبس عضو من أعضاء الحيّ و خرج منه الروح بالمرة

(مسألة 13): إذا يبس عضو من أعضاء الحيّ و خرج منه الروح بالمرة مسه ما دام متصلا ببدنه لا يوجب الغسل، و كذا إذا قطع عضو منه و اتصل ببدنه بجلدة مثلا (33). نعم، بعد الانفصال إذا مسه وجب الغسل بشرط أن يكون مشتملا على العظم (34).

مسألة 14: مس الميت ينقض الوضوء

(مسألة 14): مس الميت ينقض الوضوء (35)، فيجب الوضوء مع غسله (36).

مسألة 15: كيفية غسل المس مثل غسل الجنابة

(مسألة 15): كيفية غسل المس مثل غسل الجنابة (37) إلا أنّه يفتقر إلى الوضوء أيضا.

مسألة 16: يجب هذا الغسل لكلّ واجب مشروط بالطهارة

(مسألة 16): يجب هذا الغسل لكلّ واجب مشروط بالطهارة.

______________________________

(33) للأصل بعد عدم صدق الميت و القطعة المبانة من الحيّ عليه.

(34) لما تقدم من [مسألة 2] و المقام من فروعها.

(35) لإجماع القائلين بوجوبه على حدثيته و نقضه للطهارة، و الدليل منحصر بالإجماع.

(36) تقدم وجهه في [مسألة 25] من (فصل أحكام الحائض)، فعلى المشهور من عدم كفاية كل غسل عن الوضوء يجب فيه الوضوء، و من يقول بالكفاية فلا يجب الوضوء معه.

(37) بضرورة من الفقه، و قال الصادق عليه السلام في الصحيح: «من غسل ميتا و كفنه اغتسل غسل الجنابة» (1).

و أما الاحتياج إلى الوضوء فقد تقدم البحث عنه في (فصل أحكام الحائض) [مسألة 25].

ص: 340


1- الوسائل باب: 7 من أبواب غسل المس حديث: 1.

من الحدث الأصغر و يشترط فيما يشترط فيه الطهارة (38).

مسألة 17: يجوز للماس قبل الغسل دخول المساجد و المشاهد

(مسألة 17): يجوز للماس قبل الغسل دخول المساجد و المشاهد، و المكث فيها، و قراءة العزائم و وطؤها إن كانت امرأة فحال المس حال الحدث الأصغر (39) إلا في إيجاب الغسل للصلاة و نحوها.

مسألة 18: الحدث الأصغر و الأكبر في أثناء هذا الغسل لا يضر بصحته

(مسألة 18): الحدث الأصغر و الأكبر في أثناء هذا الغسل لا يضر بصحته. نعم، لو مس في أثنائه ميتا وجب استئنافه (40)

مسألة 19: تكرار المس لا يوجب تكرر الغسل

(مسألة 19): تكرار المس لا يوجب تكرر الغسل و لو كان الميت متعددا كسائر الأحداث (41).

مسألة 20: لا فرق في إيجاب المس للغسل بين أن يكون مع الرطوبة أو لا

(مسألة 20): لا فرق في إيجاب المس للغسل بين أن يكون مع الرطوبة أو لا (42). نعم، في إيجابه للنجاسة يشترط أن يكون مع

______________________________

(38) لأنّ ذلك مقتضى الحدثية المسلّمة بين القائلين بوجوبه، و ادعوا الإجماع عليها. و احتمال كونه واجبا نفسيا- كغسل الجمعة بناء على وجوبه- مما لم يقم عليه دليل، و خلاف ما ادعي من الإجماع على حدثيته.

(39) إجماعا من الفقهاء إذ لم يقل أحد بكونه من الحدث الأكبر من القائلين بوجوبه فكيف بغيرهم.

(40) لما تقدم في [مسألة 8 و 9] من (فصل مستحبات غسل الجنابة) و لا وجه للإعادة، فإنّ الدليل واحد.

(41) لأنّ كلّ حدث حقيقة واحدة و التكثر إنّما هو في العوارض الخارجية و لا أثر لها مع وحدة الحقيقة راجع [مسألة 1] من (فصل الوضوءات المستحبة)

(42) لإطلاق الأدلة الشامل لصورتي اليبوسة و الرطوبة، مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الفرق.

ص: 341

الرطوبة (43) على الأقوى و إن كان الأحوط الاجتناب إذا مس مع اليبوسة، خصوصا في ميت الإنسان (44) و لا فرق في النجاسة مع الرطوبة بين أن يكون بعد البرد أو قبله (45).

و ظهر من هذا أنّ مس الميت قد يوجب الغسل كما إذا كان بعد البرد و قبل الغسل مع الرطوبة، و قد لا يوجب شيئا كما إذا كان بعد الغسل أو قبل البرد بلا رطوبة و قد يوجب الغسل دون الغسل كما إذا كان بعد البرد و قبل الغسل بلا رطوبة، و قد يكون بالعكس كما إذا كان قبل البرد مع الرطوبة.

______________________________

(43) لقاعدة «كلّ يابس زكيّ» من غير ما يصلح لتقييده بالمقام.

(44) تقدم ما يتعلق به في [مسألة 10] من (نجاسة الميتة) فراجع.

(45) راجع [مسألة 12] من نجاسة الميتة.

ص: 342

فصل في أحكام الأموات
اشارة

(فصل في أحكام الأموات)

فصل في التوبة
اشارة

فصل في التوبة اعلم أنّ أهمّ الأمور و أوجب الواجبات التوبة (فصل في أحكام الأموات)

______________________________

الموت: هو رجوع الروح إلى عالمها إن كان سعيدا، فإلى السعادة الأبدية، و إن كان شقيا، فإلى عالم الشقاوة و العذاب، و يبقى البدن في هذا العالم و تعرض عليه عوارض مختلفة و استحالات كثيرة لا يعلمها الا اللّه تعالى فموت الإنسان تفريق بين شيئين لا أن يكون انعدام شي ء في البين. و الحشر، و المعاد عبارة عن ائتلافهما، و اجتماعهما ثانيا بعد تفرقهما مدة لا يعلمها إلا اللّه تعالى، و الأرض بالنسبة إلى الأبدان كالرحم بالنسبة إلى النطفة إلا أنّ الأرض رحم نوعي، و مقر النطفة رحم شخصي و هناك جهات أخرى من التشابه مذكورة في محالّها.

ثمَّ إنّ أشد الساعات و أهولها، بل و أعظمها على الإنسان ثلاث ساعات ساعة ولادته، و ساعة خروج الروح من البدن، و ساعة الحشر من الأرض و القيام بين يدي اللّه تعالى للحساب. و بعبارة أخرى: ساعتا الولادتين، و ساعة الموت. قال الرضا عليه السلام: «إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد و يخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، و يوم يموت فيعاين الآخرة و أهلها، و يوم يبعث فيرى أحكامها لم يرها في دار الدنيا و قد سلّم اللّه عز و جل على يحيى عليه السلام في هذه الثلاثة المواطن و آمن روعته، فقال وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا و قد سلم عيسى بن مريم عليه السلام على

ص: 343

.....

______________________________

نفسه في هذه الثلاثة- الحديث-» (1).

و عن عليّ بن الحسين عليه السلام «أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات:

الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، و الساعة التي يقوم فيها من قبره، و الساعة التي يقف فيها بين يدي اللّه- تبارك و تعالى- فإما إلى الجنة و إما إلى النار- الحديث-» (2).

أما سكرات الموت و شدائده، فيدل عليها الكتاب (3) و السنة المستفيضة (4)، بل المتواترة، و المتحصّل من المجموع أنّ حالة الموت على أقسام أربعة:

الأول: الشدة بالنسبة إلى المؤمن حتّى يكون ذلك كفارة له لما بقي من ذنوبه.

الثاني: الخفة و الراحة بالنسبة إليه كأطيب ريح يشمه، فينعش بطيبة و ينقطع التعب و الألم و ذلك لمن ليس له ذنب، أو كفرت ذنوبه بما ورد عليه من المتاعب و المصائب.

الثالث: الشدة بالنسبة إلى الكافر، لأنّها أول الشروع في تعذيبه و التشديد عليه جزاء لكفره.

الرابع: و الخفة بالنسبة إليه، لأنّها آخر حظه من الدنيا و لا يعلم أسرار ذلك كلّه الا اللّه تعالى.

ثمَّ إنّه يجب الاستعداد للموت بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ. أُولئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ (5).

ص: 344


1- البحار ج: 6 من الطبعة الحديثة صفحة: 158.
2- البحار ج: 6 من الطبعة الحديثة صفحة: 159
3- سورة ق: 19 و سورة الأنفال: 50.
4- راجع الوسائل باب: 36 من أبواب الاحتضار.
5- سورة يونس: 7- 8.

من المعاصي (1)،

______________________________

و من السنة ما رواه الفريقان عنه صلّى اللّه عليه و آله: «اغتنم حياتك قبل موتك»(1).

و المستفيضة المرغبة إلى ذكر الموت (2)، و ليس المراد مجرد الذكر اللساني أو الخطور القلبي، بل المراد الذكر العملي و هو عبارة عن الاستعداد له، و من الإجماع إجماع المسلمين، بل كلّ من يعتقد بالمعاد من سائر الملل و الأديان، و للاستعداد للموت مراتب متفاوتة يكفي في أداء الواجب منه إتيان الواجبات و ترك المحرّمات.

(1) يدل على وجوب التوبة في الجملة الأدلة الأربعة، فمن الكتاب الكريم آيات كثيرة:

منها: قوله تعالى وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (3).

و من السنة المستفيضة: «من لم يندم على ذنب يرتكبه، فليس بمؤمن» (4).

و مثل قول عليّ عليه السلام: «و إن قارفت سيئة، فعجل محوها بالتوبة».

من الإجماع اتفاق المسلمين عليه، و من العقل حكمه الجزمي بوجوب دفع الضرر المحتمل و لا ريب في احتمال العقاب في ترك التوبة.

ثمَّ إنّه يمكن أن يكون وجوب التوبة مولويا لا إرشاديا محضا. و ما يقال:

من أنّه على هذا يلزم تعدد العقاب على نفس المعصية و على ترك التوبة و لا يلتزم أحد بذلك.

ص: 345


1- الوسائل باب: 91 من أبواب جهاد النفس.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب الاحتضار.
3- سورة النور: 31.
4- الوسائل باب: 47 من أبواب جهاد النفس حديث: 11.

.....

______________________________

مدفوع بإمكان أن يقال إنّ العقاب واحد انبساطي من نفس المعصية على ترك التوبة و يشتد، لكونه نحو تجر و تساهل في الدين، و يمكن أن يستفاد ذلك مما ورد في ترتب الثواب عليها (1)، ففيها جهة استقلالية في الجملة، كما جعلت في حديث سماعة ضد الإصرار (2) و جهة طريقية ينبسط عقاب المعصية عليها و يشتد، لانطباق عنوان التسامح و التساهل في الدين عليه، فعلى هذا تجب التوبة عن الصغائر أيضا مع أنّها مكفرة، لأنّها ذنوب أيضا، فتشملها الإطلاقات. و لا بأس به إن لم يتحقق موجب التكفير.

فمن أتى بالصغائر مع عدم اجتناب الكبائر و عدم تحقق موجب تكفير الصغائر عنه تجب عليه التوبة عن الصغائر أيضا.

فروع- (الأول): لا ريب في سقوط العقاب بالتوبة الصحيحة، نصا و إجماعا. قال عليه السلام: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (3).

إنّما الكلام في أنه تفضليّ أو استحقاقي، و يمكن القول بالثاني بأنّ اللّه تعالى جعل هذا الحق للتائب، و يمكن أن يستفاد ذلك من مثل قوله تعالى:

كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (4).

فعلى هذا يقبح عليه تعالى العقاب بعد قبول التوبة من عبده إذ يكون حينئذ كالعقاب على ما لا يستحقه العبد من العقوبة و في التوبة مباحث نفيسة تعرضنا لها في التفسير (5)فمن شاء فليرجع إليه.

(الثاني): التوبة و الاستغفار مختلفان مفهوما، لأنّ الأول بمعنى الرجوع، و الأخير بمعنى الستر و قد يتحدان مصداقا نحو اتحاد الكاشف و المكشوف عنه،

ص: 346


1- راجع الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس.
2- الكافي ج: 1 كتاب العقل و الجهل حديث: 14.
3- الوسائل باب: 86 من أبواب جهاد النفس حديث: 14.
4- سورة الأنعام: 54.
5- راجع تفسير مواهب الرحمن البحث الكلامي في ضمن آية 162 من سورة البقرة.

.....

______________________________

و في الاستغفار نحو مذلة و استكانة للعبد لدى المولى لا يكون ذلك في أصل الندم القلبي و من هذه الجهة جعل عليه السلام في حديث سماعة الوارد في جنود العقل و الجهل: «التوبة ضد الإصرار، و الاستغفار ضد الاغترار» (1).

(الثالث): الندامة صفة نفسانية يغم الإنسان بالنسبة إلى ما صدر منه و يتمنّى عدم صدوره منه، و يكون في قلق و اضطراب من هذه الجهة، و لا بد في الندم الذي يكون توبة أن تكون الندامة لأجل صدور الذنب و مخالفة اللّه تعالى فلو حصلت الندامة لجهات اخرى من ضرر دنيوي و فضيحة عند الناس لا يكون ذلك توبة.

(الرابع): يظهر من جملة من الأخبار أمور:

الأول: أنّ باب التوبة مفتوحة ما دام الروح في الجسد و بالنسبة إلى نوع البشر مفتوحة ما لم تطلع الشمس من مغربها (2).

الثاني: لو نسي أحد ذنبه و تذكر بعد سنين و تاب منه يغفر له. قال الصادق عليه السلام: «العبد المؤمن إذا أذنب ذنبا أجله اللّه سبع ساعات، فإن استغفر اللّه لم يكتب عليه شي ء» (3).

و قال عليه السلام: «إنّ المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتّى يستغفر ربه فيغفر له»(4).

و قوله عليه السلام: «أجل سبع ساعات» أي لم يكتب عليه ثمَّ يكتب و يمحى بالتوبة إن تاب أو بالتكفير، لقوله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ (5).

ص: 347


1- الكافي ج: 1 كتاب العقل و الجهل الحديث: 14.
2- راجع الوسائل باب: 93 من أبواب جهاد النفس.
3- الوسائل باب: 85 من أبواب جهاد النفس حديث: 5.
4- الوسائل باب: 90 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
5- سورة هود: 114.

.....

______________________________

الثالث: إنّ العناوين الواردة في القرآن الكريم ثلاثة: منها قوله تعالى:

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ (1).

فقدم- تعالى- فيها التوبة من نفسه أولا ثمَّ ذكر توبة العاصي و هذا نهاية إعمال الملاطفة منه تعالى و غاية إظهار الكرم و الجود، و توبته تعالى عبارة عن التوفيقات و العنايات الخاصة التي يوفق تعالى بها العصاة، فيتوبوا و يرجعوا إليه عز و جل.

و منها: قوله تعالى وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (2).

فقدم الاستغفار على التوبة و هو في الدعوات كثير، و صيغة الاستغفار المتعارف هكذا أيضا.

و منها: قوله تعالى أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَهُ (3).

فقدم التوبة على الاستغفار. و المتحصّل من المجموع: أنّ التوبة تحصل أولا بتوفيق اللّه تعالى و إقباله على العاصي ليقبل عليه بعد المخالفة و يدخل في الصراط المستقيم بعد الانحراف ثمَّ يتحقق الندم من العاصي على عصيانه و هو ملازم عادة لإبراز ذلك على لسانه و يعبّر عنه بالاستغفار أي إظهار حب الغفران و هو ملازم عادة لثبوت الندم بعده في الجملة أيضا، فمجموع الآيات مشتملة على هذه الجهات أي: إقباله تعالى على العصاة بتوفيقهم للتوبة، و ندم العاصين و إظهارهم للندامة، و حب الغفران و الاستغفار، و وجود الندامة بعد الاستغفار أيضا. و مما منّ به اللّه تعالى على عباده، بل من أوسع أبواب رحمته ما قاله أبو جعفر عليه السلام في خبر ابن المستنير: «لو لا أنّكم تذنبون فتستغفرون اللّه لخلق اللّه خلقا حتّى يذنبوا، ثمَّ يستغفروا فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتن ثواب، أما سمعت قول اللّه عز و جل إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، و قال:

اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (4).

ص: 348


1- سورة التوبة: 118
2- سورة هود: 3.
3- سورة المائدة: 74
4- الكافي ج: 2 صفحة: 424

و حقيقتها الندم (2)، و هو من الأمور القلبية (3) و لا يكفي مجرد قوله:

أستغفر اللّه (4)، بل لا حاجة إليه مع الندم القلبي (5) و إن كان أحوط (6).

و يعتبر فيها العزم على ترك العود إليها (7)، و المرتبة الكاملة منها ما

______________________________

(2) إجماعا، و نصّا قال النبي صلّى اللّه عليه و آله فيما روى عنه الفريقان:

«كفى بالندم توبة» (1).

و هو عبارة أخرى عن الرجوع إلى اللّه تعالى و الإقبال عليه تعالى بعد مخالفته رجوعا و إقبالا قلبيا، و لا يتحقق ذلك إلا بالندامة.

(3) لشهادة وجدان كلّ تائب بذلك، و لا يخفى أنّ للندامة مراتب متفاوتة، و مقتضى الإطلاق كفاية مطلق الندامة بحيث تصدق الندامة عرفا.

(4) لأنّ اعتبار الاستغفار إنّما هو من جهة كشفه عن الندامة القلبية و مع عدمها لا يكون كاشفا فلا أثر له أصلا- كالإقرار بالشهادتين مع عدم الاعتقاد بها- نعم، من سمع ذلك و لم يعلم بمخالفة اللسان مع الجنان يصح له ترتيب الأثر.

(5) لإطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «كفى بالندم توبة» و أنّ اللسان طريق محض إلى الجنان.

(6) جمودا على مثل قوله عليه السلام: «دواء الذنوب الاستغفار» (2).

و قوله عليه السلام: «لا كبيرة مع الاستغفار» (3).

و لكن الظاهر، بل المعلوم أنّ اعتباره طريقيّ لا أن يكون له موضوعية خاصة.

(7) لأنّ مع عدم العزم على ترك العود لا تحصل حقيقة الندم الذي هو التوبة، و لا فرق في العزم على ترك العود بين أن يثق من نفسه بعدم العود أيضا أو

ص: 349


1- الوسائل باب: 47 من أبواب جهاد النفس حديث: 11.
2- الوسائل باب: 92 من أبواب الجهاد النفس حديث: 2.
3- الوسائل باب: 48 من أبواب جهاد النفس حديث: 3.

ذكره أمير المؤمنين عليه السلام (8).

______________________________

لا يثق منها بذلك أو العلم بأنّه يغلبه هواه على العود أو يعلم بأنّه يعود بعمده و اختياره، و مقتضى العمومات و الإطلاقات تحقق التوبة في الجميع مع تحقق العزم على الترك بحيث يصدق أنّه عازم على الترك فعلا. و أما اعتبار العزم على العدم دائما و أبدا، فلا دليل على اعتباره، بل مقتضى الأصل عدمه خصوصا بعد ما ورد من: «أنّ اللّه تعالى يحب العبد المفتن التواب» (1). أي من يتوب ثمَّ يعود ثمَّ يتوب. و ما ورد من أنّه: «لو ارتكب في يوم و ليلة أربعين كبيرة و تاب يغفر اللّه له».

مع ما دل على أنّ اليأس من رحمة اللّه من الكبائر.

(8) تعتبر في التوبة أمور ستة:

الندم، و العزم على ترك العود، و أداء حقوق الناس إن كانت المعصية منها، و أداء حقوق اللّه تعالى إن كانت المعصية منها.

و لا خلاف عند أحد في اعتبار هذه الأمور الأربعة في التوبة نصّا و فتوى.

و الخامس: إذابة اللحم الذي نبت على السحت حتّى يلحق الجلد بالعظم.

و السادس: أذاقه الجسم ألم الطاعة، كما أذاقه لذة المعصية (2)

و لا ريب في كون الأخيرين من شروط الكمال. و أما اعتبارهما في أصل تحققها، فمقتضى الإطلاقات و العمومات و السيرة بين المتشرعة عدمه- كما لا يخفى- مع منافاة ذلك لسهولة الشريعة، و يأتي في فروع اشتراط عدالة إمام الجماعة ما ينفع المقام فراجع ثمَّ إنّ الأخيرين لا بد و أن يكونا بالصوم و نحوه من الأمور الشرعية دون الرياضات الباطلة.

ص: 350


1- الوسائل باب: 89 من أبواب جهاد النفس حديث: 2.
2- الوسائل باب: 87 من أبواب جهاد النفس حديث: 4.
مسألة 1: يجب عند ظهور أمارات الموت أداء حقوق الناس الواجبة

(مسألة 1): يجب عند ظهور أمارات الموت أداء حقوق الناس الواجبة و رد الودائع و الأمانات التي عنده مع الإمكان و الوصية بها مع عدمه (9) مع الاستحكام على وجه لا يعتريها الخلل بعد موته (10)

مسألة 2: إذا كان عليه الواجبات التي لا تقبل النيابة حال الحياة

(مسألة 2): إذا كان عليه الواجبات التي لا تقبل النيابة حال الحياة كالصلاة و الصوم، و الحج، و نحوها- وجب الوصية بها إذا كان له مال، بل مطلقا إذا احتمل وجود متبرع و فيما على الوليّ كالصلاة و الصوم التي فاتته لعذر يجب إعلامه، و الوصية باستئجارها أيضا (11).

مسألة 3: يجوز له تمليك ماله بتمامه لغير الوارث

(مسألة 3): يجوز له تمليك ماله بتمامه لغير الوارث (12) لكن لا يجوز تفويت شي ء منه على الوارث بالإقرار كذبا (13) لأنّ المال بعد موته

______________________________

(9) أما أداء الحقوق فإن كانت فورية فلا فرق فيها بين ظهور أمارات الموت و عدمه، و إن كانت موجلة فتصير فورية بالموت، كما يأتي في كتاب الدين. و أما رد الودائع و الأمانات، فلعدم الفرق في فورية رد أموال الناس بالموت بين العين و الدين، كما يأتي في كتاب الوديعة. و أما الوصية و الاستحكام مع عدم إمكان الرد فعلا، فلأنّها من أقرب طرق إيصال حقّ الناس إليهم حينئذ و إيصال حقوق الناس إليهم واجب، بالأدلة الأربعة، فتجب الوصية مقدمة لذلك.

(10) لانّه بدون ذلك تضييع لحقوق الناس و هو حرام.

(11) كلّ ذلك، لقاعدة الاشتغال، و وجوب تفريغ الذمة بأيّ وجه أمكن مباشرة أو تسبيبا و لو بالإظهار و الإعلام.

(12) لقاعدة السلطنة، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شي ء من الروح يضعه حيث يشاء»(1).

و يأتي تفصيل ذلك في كتاب الوصية.

(13) البحث فيه من جهتين:

ص: 351


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 4.

يكون للوارث، فإذا أقرّ به لغيره كذبا فوّت عليه ماله. نعم، إذا كان له مال مدفون في مكان لا يعلمه الوارث يحتمل عدم وجوب إعلامه (14).

______________________________

الأولى: في الحرمة التكليفية و لا ريب فيها، لأنّه كذب و لا إشكال في حرمته.

الثانية: في الحكم الوضعي و هو عدم انتقال المال إلى المقرّ له، و يدل عليه الأصل بعد الشك في شمول قاعدة السلطنة لمثله، بل مقتضى مرتكزات المتشرعة استقباح ذلك مطلقا و الشك في شمول القاعدة يكفي في عدم شمولها، لانّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه و لا فرق في حرمة تفويت مال الغير بين كونه مباشريا أو بالتسبيب على ما هو التسالم عليه بينهم، و يمكن أن يستفاد ذلك مما ورد في تحريم شهادة الزور و تحريم الوصية بحرمان بعض الورثة عن التركة، و ما ورد في النهي عن التسعير(1) و نحو ذلك، بل يمكن أن يقال: إنّ مقتضى أصالة احترام مال الغير مطلقا إلا برضاه أنّ هذا النحو من الإقرار من إيقاع الغير- و هو المقرّ له- في الحرام، فتكون أصالة احترام المال و العرض و النفس في عرض واحد من هذه الجهة، فكما لا يصح إيقاع الغير في الأخيرين لا يجوز في الأول أيضا، فينطبق على التفويت عناوين مختلفة موجبة للحرمة، و هي الكذب و الإعانة على الإثم، و التصرف في حق الغير بدون إذنه.

(14) منشأ عدم الوجوب، أصالة البراءة عنه و منشأ الإشكال أصالة احترام المال التي هي من الأصول المعتبرة الحاكمة بالتحفظ عن تفويته مهما أمكن و هي أصل موضوعي مقدم على أصالة عدم الوجوب.

و يمكن الخدشة فيها بأنّ حفظ المال عن التلف لا دليل على وجوبه ما لم ينطبق عليه عنوان من العناوين المحرمة- كالإسراف و السفه- و ظاهرهم عدم وجوب تعمير العقار المشرف على الانهدام. نعم، في الحيوان المملوك ظاهرهم وجوب حفظه عن التلف، و يأتي التفصيل في آخر كتاب النكاح في أبواب النفقات إن شاء اللّه تعالى.

ص: 352


1- الوسائل باب: 30 من أبواب آداب التجارة.

لكنّه أيضا مشكل. و كذا إذا كان له دين على شخص. و الأحوط الإعلام، و إذا عدّ عدم الإعلام تفويتا فواجب يقينا (15).

مسألة 4: لا يجب عليه نصب قيّم على أطفاله

(مسألة 4): لا يجب عليه نصب قيّم على أطفاله، إلا إذا عدّ عدمه تضييعا لهم أو لمالهم (16)، و على تقدير النصب يجب أن يكون أمينا (17). و كذا إذا عيّن على أداء حقوقه الواجبة شخصا يجب أن يكون أمينا. نعم، لو أوصى بثلثه في وجوه الخيرات غير الواجبة لا يبعد عدم وجوب كون الوصيّ عليها أمينا (18) لكنّه- أيضا- لا يخلو عن إشكال، خصوصا إذا كانت راجعة إلى الفقراء.

______________________________

فرع: لو علم بأنّ ورثته يصرفون ماله في المحرّمات و لا يمكن ردعهم عن ذلك إلا بالإقرار بأنّ المال للغير أو عدم إعلامهم بالمال، فالظاهر عدم المحذور حينئذ فيهما، لأنّ الإعلام و عدم الإقرار يعدّ من التسبيب إلى ارتكاب الحرام عرفا.

(15) إن انطبق عليه عنوان الإسراف و السفه عرفا، و مع عدم الانطباق يشكل الوجوب.

(16) أما الأول فلأصالة البراءة. و أما الأخير فلأنّه حينئذ من فروع ولايته التي يجب عليه القيام بها.

(17) لأنّ تسليط غير الأمين على نفوس الأيتام و أموالهم تضييع لهم و لأموالهم و نحو ظلم بالنسبة إليهم و هو حرام بالأدلة الأربعة.

(18) بدعوى: أنّه ماله فيكون مسلطا عليه كيفما شاء، بلا فرق بين زمان الحياة و بعد الممات. و لكنّه مشكل، بل ممنوع، للشك في شمول قاعدة السلطنة لمثله، فإنّ ذلك خلاف طريقة المتشرعة، بل العقلاء خصوصا إن كانت راجعة إلى الفقراء فإنّه حينئذ يرجع إلى تضييع حق الغير. و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 353

فصل في آداب المريض و ما يستحب عليه
اشارة

(فصل في آداب المريض و ما يستحب عليه) و هي أمور:

الأول: الصبر و الشكر

(الأول): الصبر و الشكر للّه تعالى (1).

الثاني: عدم الشكاية من مرضه

(الثاني): عدم الشكاية من مرضه إلى غير المؤمن (2). و حدّ (فصل في آداب المريض)

______________________________

(1) لأنّ ذلك من زي العبد المستسلم للمولى، و في الخبر: «إنّ من صبر لا ينصب له ميزان، و لم ينشر له ديوان يوم القيامة».

و عن الصادق عليه السلام: «من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها و أدى إلى اللّه شكرها، كانت كعبادة ستين سنة، قال أبي: فقلت له: ما قبولها؟ قال: يصبر عليها و لا يخبر بما كان فيها، فإذا أصبح حمد اللّه على ما كان» (1).

(2) لأنّ كتمان المرض من كنوز الجنة خصوصا في يوم و ليلة، بل في ثلاثة أيام، و قد ورد في النصوص الحث على الكتمان. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من مرض يوما و ليلة فلم يشك إلى عواده بعثه اللّه يوم القيامة مع خليله إبراهيم- الحديث-» (2).

و قال الصادق عليه السلام: «من مرض ثلاثة أيام فكتمه و لم يخبر به أحدا أبدل اللّه له لحما خيرا من لحمه و دما خيرا من دمه- الحديث-» (3).

ص: 354


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الاحتضار حديث: 5.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الاحتضار حديث: 8.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

الشكاية أن يقول: ابتليت بما لم يبتل به أحد، و أصابني ما لم يصب أحدا. و أما إذا قال: سهرت البارحة أو كنت محموما، فلا بأس به (3).

الثالث: أن يخفي مرضه

(الثالث): أن يخفي مرضه إلى ثلاثة أيام (4).

الرابع: أن يجدّد التوبة

(الرابع): أن يجدّد التوبة (5).

______________________________

و قال عليه السلام أيضا: «أيّما مؤمن شكى حاجته أو ضرّه إلى كافر أو إلى من يخالفه على دينه فإنّما شكى اللّه عز و جل- الحديث-» (1).

و لا ريب أنّ للإيمان مراتب متفاوتة، و يمكن أن تكون الشكوى من بعض كاملي الإيمان مرجوحة حتّى إلى المؤمن أيضا «أوحى اللّه تعالى إلى عزيز إذا نزلت إليك بلية فلا تشكو إلى خلقي» كما أنّ للشكوى مراتب متفاوتة أيضا و مجرد الإخبار بالمرض ليس من الشكوى خصوصا إذا كان للدعاء و العلاج، كما يأتي.

(3) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ الرجل يقول حممت اليوم و سهرت البارحة و قد صدق و ليس هذا شكاية، و إنّما الشكوى أن يقول: لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، أو يقول لقد أصابني ما لم يصب أحدا- الحديث» (2).

(4) لما تقدم من قول الصادق عليه السلام: «من مرض ثلاثة أيام و كتمه و لم يخبر به أحدا- الحديث-».

(5) لأنّ حالة مرض المؤمن من حالات نظر اللّه تعالى إلى عبده المؤمن بل الحمّى تحفة من تحف اللّه تعالى إلى المؤمن فيرجى فيها قبول الدعاء و التوبة، لأنّها من أفضل مظان الاستجابة، مع أنّ المرض مظنة الموت فلعله لا يوفق بعد ذلك لتجديد التوبة و الإنابة إن فاجأته المنية.

ص: 355


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
الخامس: أن يوصي بالخيرات للفقراء

(الخامس): أن يوصي بالخيرات للفقراء من أرحامه و غيرهم (6).

السادس: أن يعلم المؤمنين

(السادس): أن يعلم المؤمنين بمرضه بعد ثلاثة أيام (7).

السابع: الإذن لهم في عيادته

(السابع): الإذن لهم في عيادته (8).

الثامن: عدم التعجيل في شرب الدواء

(الثامن): عدم التعجيل في شرب الدواء، و مراجعة الطبيب الا مع اليأس من البرء بدونهما (9).

______________________________

(6) لقوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (1).

و قوله عليه السلام: «من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه، فقد ختم عمله بمعصية» (2) المحمولين على الندب جمعا و إجماعا.

(7) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «ينبغي للمريض منكم أن يؤذن إخوانه بمرضه فيعودونه- الحديث-» (3) المحمول على ما بعد ثلاثة أيام لما مر.

(8) لقول الكاظم عليه السلام: «إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون عليه فإنّه ليس من أحد إلا و له دعوة مستجابة» (4).

(9) لقوله عليه السلام: «تجنب الدواء ما احتمل بدنك الداء فإذا لم يحتمل الداء فالدواء»(5).

ص: 356


1- سورة البقرة: 180.
2- الوسائل باب: 83 من أبواب الوصايا حديث: 3.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
5- الوسائل باب: 4 من أبواب الاحتضار حديث: 5.
التاسع: أن يجتنب ما يحتمل الضّرر

(التاسع): أن يجتنب ما يحتمل الضّرر (10)

العاشر: أن يتصدّق هو و أقرباؤه بشي ء

(العاشر): أن يتصدّق هو و أقرباؤه بشي ء. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «داووا مرضاكم بالصدقة».

الحادي عشر: أن يقر- عند حضور المؤمنين- بالتوحيد و النبوة

(الحادي عشر): أن يقر- عند حضور المؤمنين- بالتوحيد و النبوة، و الإمامة، و المعاد، و سائر العقائد الحقة (11).

الثاني عشر: أن ينصب قيّما أمينا على صغاره

(الثاني عشر): أن ينصب قيّما أمينا على صغاره، و يجعل عليه ناظرا (12).

الثالث عشر: أن يوصي بثلث ماله إن كان موسرا

(الثالث عشر): أن يوصي بثلث ماله إن كان موسرا (13).

الرابع عشر: أن يهيّئ كفنه

(الرابع عشر): أن يهيّئ كفنه (14). و من أهمّ الأمور أحكام

______________________________

و يشهد له الطب القديم و الحديث فإنّهم يوصون بترك المبادرة إلى استعمال الدواء.

(10) لحكم العقل به، و لا اختصاص له بحال المرض بل قد يجب ذلك.

(11) و هو راجح في كلّ حال و يكون حال المرض أرجح، لأنّه من مظان الفوت.

(12) لرجحان الاهتمام بهم مع كشف ذلك عن حسن التدبير و هو حسن في كلّ حال و الاهتمام بهم إنّما هو بنصب القيّم و جعل الناظر.

(13) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إنّ براء بن معرور الأنصاري أوصى بثلث ماله فجرت به السنة» (1).

(14) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «من كان كفنه معه في بيته لم يكتب من الغافلين، و كان مأجورا كلّما نظر إليه» (2).

ص: 357


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الوصايا حديث: 1.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب التكفين حديث: 2.

أمر وصيته، و توضيحه و اعلام الوصيّ و الناظر بها (15).

الخامس عشر: حسن الظن باللّه عند موته

(الخامس عشر): حسن الظن باللّه عند موته، بل قيل بوجوبه في جميع الأحوال، و يستفاد من بعض الأخبار وجوبه حال النزع (16).

______________________________

(15) لقول أبي جعفر عليه السلام: «الوصية حق و قد أوصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فينبغي للمسلم أن يوصي»(1).

و قال الصادق عليه السلام في الوصية: «هي حق كلّ مسلم» (2).

و قال عليه السلام: «من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية» (3).

و تشهد للأهمية سيرة المتشرعة، بل متعارف الناس مطلقا و من أهمل ذلك يلام و يوبّخ عليه، و يكون نقصا في مروءته، كما في الخبر (4).

(16) لقول مولانا الرضا عليه السلام: «قال اللّه تعالى: أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي إن خيرا فخير، و إن شرّا فشر» (5).

و في النبوي ما مضمونه: «إنّ الرجاء لرحمة اللّه تعالى و الخوف من الذنوب لا يجتمعان في حال الاحتضار إلا أعطاه اللّه رجاءه و آمنه خوفه» (6).

ص: 358


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الوصايا حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الوصايا حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الوصايا حديث: 8.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الوصايا حديث: 1.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.
6- راجع مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب الاحتضار.
فصل في عيادة المريض
اشارة

(فصل في عيادة المريض) عيادة المريض من المستحبات المؤكدة، و في بعض الأخبار:

أنّ عيادته عيادة اللّه تعالى، فإنّه حاضر عند المريض المؤمن (1) و لا تتأكد في وجع العين و الضرس و الدمل (2)، و كذا من اشتد مرضه أو طال (3).

(فصل في عيادة المريض)

______________________________

(1) لخبر ابن جعفر عن أخيه موسى عن آبائه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «يعيّر اللّه عزّ و جل عبدا من عباده يوم القيامة فيقول: عبدي!! ما منعك إذا مرضت أن تعودني؟ فيقول: سبحانك سبحانك أنت ربّ العباد، لا تمرض و لا تألم، فيقول: مرض أخوك المؤمن فلم تعده، و عزتي و جلالي و لو عدته لوجدتني عنده ثمَّ لتكفلت بحوائجك فقضيتها لك، و ذلك من كرامة عبدي المؤمن و أنا الرحمن الرّحيم.» (1).

(2) للمرسل: ثلاثة لا يعاد: «صاحب الدمل، و الضرس، و الرمد» (2).

(3) لقول الصادق عليه السلام: «إذا طالت العلة ترك المريض و عياله» (3).

و يمكن أن يستفاد منه حكم الاشتداد أيضا، مع أنّه يشهد له الاعتبار.

ص: 359


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الاحتضار حديث: 10.
2- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

و لا فرق بين أن تكون في الليل أو في النهار (4)، بل يستحب في الصباح و المساء (5)، و لا يشترط فيها الجلوس، بل و لا السؤال عن حاله (6).

و لها آداب:

أحدها: أن يجلس عنده

(أحدها): أن يجلس عنده (7) و لكن لا يطيل الجلوس، إلا إذا كان المريض طالبا (8).

______________________________

(4) لإطلاقات الأدلة و عموماتها من غير ما يصلح للتقييد. نعم، لو جرت العادة على ترك العيادة في وقت خاص- ليلا أو نهارا- ينبغي مراعاتها لئلا يتأذى المريض أو أهله لذلك.

(5) لقول أبي جعفر عليه السلام: «من عاد امرءا مسلما في مرضه صلّى عليه يومئذ سبعون ألف ملك إن كان صباحا حتى يمسوا، و إن كان مساء حتّى يصبحوا مع أنّ له خريفا (1)في الجنة» (2).

(6) لإطلاقات الأدلة الصادقة على جميع الحالات، و بناء الأصحاب على أنّ القيود في المندوبات من باب تعدد المطلوب، و المندوب في المندوب.

(7) لقول الباقر عليه السلام في عيادة المريض: «فإذا قعد غمرته الرحمة- الحديث-» (3). مع أنّ ذلك تألف بالنسبة إليه.

(8) لقول الصادق عليه السلام: «إنّ من أعظم العواد أجرا عند اللّه تعالى لمن إذا عاد أخاه خفف الجلوس، الا أن يكون المريض يحب ذلك و يريده و يسأله ذلك» (4).

و عنه عليه السلام أيضا: «و يعجل القيام من عنده، فإنّ عيادة النوكى- أي الحمقى- أشدّ على المريض من وجعه» (5).

ص: 360


1- الخريف: زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما، كما في خبر أبي حمزة.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
5- الوسائل باب: 15 من أبواب الاحتضار حديث: 3.
الثاني: أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى

(الثاني): أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى، أو على جبهته حال الجلوس عند المريض (9).

الثالث: أن يضع يده على ذراع المريض عند الدعاء له، أو مطلقا

(الثالث): أن يضع يده على ذراع المريض عند الدعاء له، أو مطلقا (10).

الرابع: أن يدعو له بالشفاء

(الرابع): أن يدعو له بالشفاء. و الأولى أن يقول:

«اللهم اشفه بشفائك، و داوه بدوائك و عافه من بلائك» (11).

______________________________

(9) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «من تمام العيادة للمريض أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى أو على جبهته» (1). مع أنّه من مظاهر التسليم لأمر اللّه تعالى، و المقام يقتضيه.

(10) لقول الصادق عليه السلام: «تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعه» (2).

و لا اختصاص له بحال الدعاء، الا أن يستفاد مما ورد في الدعاء لبعض الأوجاع من قوله عليه السلام: «فضع يدك على موضع الوجع و قل:

الحديث» (3).

(11) أما استحباب الدعاء بالشفاء فلإجماع العلماء، بل المتشرعة مطلقا. و أما اختيار هذا الدعاء فلقول الصادق عليه السلام: «عودوا المرضى و اتبعوا الجنائز يذكركم الآخرة، و تدعوا للمريض فتقول: اللهم اشفه بشفائك و دواة بدوائك و عافه من بلائك» (4).

و الدعوات للمريض كثيرة مذكورة في محالها.

ص: 361


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب الاحتضار حديث: 3.
3- راجع الوسائل باب: 14 من أبواب الاحتضار.
4- مستدرك الوسائل باب: 39 من أبواب الاحتضار حديث: 22.
الخامس استصحاب الهدية للميت

(الخامس) أن يستصحب هدية له (12) من فاكهة أو نحوها مما يفرحه و يريحه.

السادس: أن يقرأ عليه فاتحة الكتاب سبعين

(السادس): أن يقرأ عليه فاتحة الكتاب سبعين، أو أربعين مرة، أو سبع مرات أو مرة واحدة فعن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرة ثمَّ ردت فيه الروح ما كان ذلك عجبا».

و في الحديث: «ما قرئت الحمد على وجع سبعين مرة إلا سكن بإذن اللّه، و إن شئتم فجربوا و لا تشكوا».

و قال الصادق عليه السلام: «من نالته علة فليقرأ في جيبه الحمد سبع مرات و ينبغي أن ينفض لباسه بعد قراءة الحمد عليه» (13).

(السابع): أن لا يأكل عنده ما يضرّه و يشتهيه (14).

______________________________

(12) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «أما تعلمون أنّ المريض يستريح إلى كلّ ما ادخل به عليه» (1).

مضافا إلى العمومات الدالة على استحباب الهدية مطلقا.

(13) و قد ورد في قراءة الحمد للشفاء أخبار كثيرة:

منها: قوله صلّى اللّه عليه و آله لجابر: «هي شفاء من كلّ داء الا السام- أي الموت-» (2).

و إطلاقه يشمل المرة أيضا. و أما نفض اللباس فلأنّه تفأل لخروج المرض عن المريض كخروج الغبار عن الثوب.

(14) لإطلاق قول الصادق عليه السلام: «ثلاثة دعوتهم مستجابة:

ص: 362


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب قراءة القرآن حديث: 8.
الثامن: أن لا يفعل عنده ما يغيظه، أو يضيّق خلقه

(الثامن): أن لا يفعل عنده ما يغيظه، أو يضيّق خلقه (15).

التاسع: أن يلتمس منه الدعاء

(التاسع): أن يلتمس منه الدعاء فإنّه ممن يستجاب دعاؤه (16).

فعن الصادق عليه السلام: «ثلاثة يستجاب دعاؤهم: الحاج، و الغازي، و المريض».

______________________________

الحاج، و الغازي، و المريض، فلا تغيظوه و لا تضجروه» (1).

و عن عليّ عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نهى أن يؤكل عند المريض شي ء إذا عاده العائد فيحبط اللّه بذلك أجر عيادته» (2).

و المنصرف منه ما يشهده و يضرّه.

(15) لما تقدم من قول الصادق عليه السلام مضافا إلى أنّه مذموم عرفا.

(16) و عن الصادق عليه السلام: «إذا دخل أحدكم على أخيه عائدا له فليسأله يدعو له فإنّ دعاءه مثل دعاء الملائكة» (3).

فروع- (الأول): يكره عيادة شارب الخمر، لقول الرضا عن آبائه عليهم السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: شارب الخمر إن مرض فلا تعودوه»(4).

المحمول على الكراهة.

(الثاني): لا تستحب العيادة على النساء، لقول عليّ عليه السلام في خبر الدعائم: «ليس على النساء عيادة» (5).

(الثالث): يستحب للعائد أن يقول عند إرادة الانصراف:

جعل اللّه تعالى ما مضى كفارة و أجرا، و ما بقي عافية و شكرا.

ص: 363


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
2- مستدرك الوسائل باب: 39 من أبواب الاحتضار حديث: 28.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.
5- مستدرك الوسائل باب: 39 من أبواب الاحتضار حديث: 37.
فصل فيما يتعلق بالمحتضر
اشارة

(فصل فيما يتعلق بالمحتضر) مما هو وظيفة الغير، و هي أمور:

الأول: توجيهه إلى القبلة

(الأول): توجيهه إلى القبلة بوضعه على وجه لو جلس كان وجهه إلى القبلة. و وجوبه لا يخلو عن قوّة (1)، بل لا يبعد وجوبه على (فصل فيما يتعلق بالمحتضر)

______________________________

يسمّى المشرف على الموت بالمحتضر إما لحضور الملائكة الموكلين يقبض الأرواح، أو لحضور أهله عنده، أو لصيرورة أعماله نصب عينيه و حاضرة لديه. و على أيّ حال يكون من أشدّ الأحوال على الإنسان أعاننا اللّه تعالى عليه و ثبتنا بالقول الثابت لديه.

(1) نسب الوجوب إلى المشهور، و استدل عليه بالسيرة تارة، و اخرى: بالمرسل: «دخل النبي صلّى اللّه عليه و آله: على رجل من ولد عبد المطلب و هو في السوق و قد وجه إلى غير القبلة، فقال صلّى اللّه عليه و آله: وجهوه إلى القبلة فإنّكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة، و أقبل اللّه عزّ و جل عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتّى يقبض»(1).

و ثالثة: بقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن خالد: «إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة» (2).

و رابعة: بخبر عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الميت فقال عليه السلام: استقبل بباطن قدميه القبلة» (3).

ص: 364


1- الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 6.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
3- الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 4.

.....

______________________________

و اشكال على الأول: بأنّها أعمّ من الوجوب.

و فيه: أنّ التزامهم به كالتزامهم بالواجبات حتّى إنّ المتشرعة يستنكرون تركه.

و على الثاني: بقصور السند، مع أنّ التعليل ظاهر في الندب.

و فيه: أن القصور منجبر و إقبال اللّه جلّ جلاله على العبد و ملائكته من أعظم موجبات الوجوب خصوصا في تلك الحالة.

و على الثالث- مضافا إلى قصور السند- بقصور الدلالة أيضا لأنّ التسجية أي تغطية الميت مستحبّة، مع ظهوره فيما بعد الموت لا حين الاحتضار.

و فيه: أنّ السند صحيح كما لا يخفى على من تأمل و التسجية هنا بمعنى:

الجر و المد، كما يقال سجت الناقة أي مدت حنينها و بمعنى التحرك، كما في قول عليّ عليه السلام: «يرد أوله إلى آخره و ساجيه إلى ماثره» (1). أي متحركة إلى ساكنه، فمعنى الحديث مدوه و حركوه تجاه القبلة، مع أنّه لو كان بمعنى التغطية، فلا يستلزم كون التغطية مندوبة استحباب تجاه القبلة أيضا، و ظهوره فيما بعد الموت لا وجه له بعد شيوع مجاز الإشراف و المقاربة في الكلمات، و بذلك يجاب عما أشكل على الأخير من ظهوره فيما بعد الموت فما نسب إلى جمع من الاستحباب مخالف لما يستفاد من نصوص الباب.

إن قيل: إنّ النصوص ظاهرة فيما بعد الموت، و الحمل على الإشراف عليه خلاف الظاهر، فهي مثل ما ورد: «إذا صمت، فليصم سمعك و بصرك» (2)، «إذا صلّيت فأقبل على صلاتك»(3).

و نحو ذلك من التعبيرات.

يقال: الأمثلة ظاهرة في حال التلبس بلا إشكال، و يمكن في المقام

ص: 365


1- نهج البلاغة ص: 11، الخطبة: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب آداب الصائم حديث: 1.
3- ورد مضمونه في الوسائل باب: 3 من أبواب أفعال الصلاة.

المحتضر نفسه أيضا (2). و إن لم يمكن بالكيفية المذكورة، فبالممكن منها، و إلا فبتوجيهه جالسا أو مضطجعا على الأيمن أو على الأيسر مع تعذر الجلوس (3) و لا فرق بين الرجل و المرأة، و الصغير و الكبير، بشرط

______________________________

خصوصية خاصة أوجبت حملها على الإشراف و المقاربة و هي عظم حال النزع و شدتها، و التوسل لخفتها بكلّ ما أمكن و لو لا أنّ سائر الآداب لم يقم دليل على ندبها، لقلنا بوجوبها أيضا رفعا لتلك الأهوال و الشدائد. و أما ما عن إرشاد المفيد في وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله: «أنّه قال لعليّ عليه السلام عند استحضاره فإذا فاضت نفسي فناولها بيدك فامسح بها وجهك ثمَّ وجهني إلى القبلة و تولّ أمري- إلى أن قال- ثمَّ قبض صلوات اللّه عليه و يد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ثمَّ وجهه و غمضه- الحديث-» (1).

ففيه أولا: قصور السند. و ثانيا أنّه مخالف لما ورد من أنّه صلّى اللّه عليه و آله كان مواظبا على الاستقبال حال الجلوس (2)، ففي حال الاحتضار يكون بالأولى إذ لا ريب في أولويته بناء على عدم الوجوب. و ثالثا: يمكن أن يراد بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «ثمَّ وجهني» يعني التوجيه لو حصل الانحراف عن القبلة.

هذا و أما كيفية الاستقبال، فعلى ما ذكر رحمه اللّه، نصّا، و إجماعا، و تقدم في خبر عمار.

(2) بدعوى: أن نفس هذا العمل مطلوب، و تكليف الغير من باب عدم تمكن المحتضر بنفسه غالبا، فلو تمكن منه وجب عليه. و أما المخالف فمقتضى تشرفه- بظاهر الإسلام- الوجوب و إن كان مقتضى العلة المنصوصة عدمه.

(3) كلّ ذلك لقاعدة الميسور، و أنّ إيجاد موجبات توجه اللّه تعالى و ملائكته إلى المحتضر في مثل هذه الحالة مطلوب بأيّ وجه اتفق، فالميت يوجه بأيّ نحو

ص: 366


1- راجع بعضها في المستدرك الوسائل باب: 34 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
2- الوسائل باب: 76 من أبواب أحكام العشرة حديث: 1.

أن يكون مسلما (4).

و يجب أن يكون ذلك بإذن وليه مع الإمكان (5) و إلا فالأحوط الاستئذان من الحاكم الشرعي (6)، و الأحوط مراعاة الاستقبال بالكيفية المذكورة في جميع الحالات إلى ما بعد الفراغ من الغسل و بعده (7)،

______________________________

أمكن إلى القبلة، ليقبل اللّه تعالى عليه في هذا الحال التي هي أشد حالات الانقطاع إليه.

(4) أما الأول: فلإطلاق الدليل، و تسالم الكل على عدم الفرق. و أما الأخير فلأنّ ذلك نحو كرامة، و غير المسلم لا يستأهل الكرامة.

(5) لما يأتي في فصل الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيز الميت بدعوى: أنّ اعتبار الإذن فيها يشمل حال الاحتضار أيضا، لأنّ الإنسان و إن لم يكن ميتا حينئذ حقيقة، لكنّه ميت حكما في هذه الجهات، لسقوط أطرافه و خمود أكنافه، فهو بين الأهل و العيال كالميت بين يدي الغسال، فيكون هذا الحال أول آنات استيلاء الوليّ عليه فيما يتعلق بتجهيزاته و مقدماته، و التشكيك في ذلك صغرويّ لا أن يكون كبرويا.

(6) لأنّه وليّ من لا ولي له، و يأتي في [مسألة 22] من (فصل مراتب الأولياء) ما ينفع المقام.

(7) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن خالد: «إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة و كذلك إذا غسّل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قدميه و وجهه إلى القبلة» (1).

فإنّ المتفاهم منه عرفا الاستقبال في هذه الحالات.

و نوقش فيه: بعدم تعرضه لبيان هذه الجهة و مقتضى الأصل البراءة إلا في المتيقن من مفاده و هو حال الاحتضار، و لا وجه لاستصحاب وجوبه لانّه من الشك

ص: 367


1- الوسائل باب: 35 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

فالأولى وضعه بنحو ما يوضع حين الصلاة عليه إلى حال الدفن بجعل رأسه إلى المغرب و رجله إلى المشرق (8).

الثاني: يستحب تلقينه الشهادتين

(الثاني): يستحب تلقينه الشهادتين، و الإقرار بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام و سائر الاعتقادات الحقة (9) على وجه يفهم، بل يستحب تكرارها إلى أن يموت، و يناسب قراءة العديلة (10)

______________________________

في أصل الموضوع، و لذا اختار الشهيد كفايته إلى حين خروج الروح فقط، و لكن استفادة الاستمرار من ظاهر قوله عليه السلام: «فيكون مستقبل باطن قدميه إلى القبلة» ممكنا، و كونه من الشك في أصل الموضوع ممنوع عرفا.

(8) لقول أبي الحسن عليه السلام: «فإذا طهر وضع كما يوضع في قبره» (1).

المحمول على مطلق الرجحان إجماعا.

(9) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «فلقّنه شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمدا عبده و رسوله» (2).

و في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لو أدركت عكرمة لنفعته فقيل لأبي عبد اللّه عليه السلام: بما ذا كان ينفعه؟ قال يلقنه ما أنتم عليه» (3).

و منه يستفاد التعميم بالنسبة إلى العقائد الحقة، مع إمكان أن يقال: إنّ رجحان تلقين العقائد الحقة في مثل هذا الحال فطريّ لكلّ من يعتقد بها و لا نحتاج فيه إلى دليل، لانّه نحو مدافعة مع الشياطين الذين يريدون اختلاس العقيدة بكلّ ما أمكنهم، فلا بد من المدافعة معهم.

(10) أما التفهيم، فلأنّه المقصود من التلقين في هذا الحال، بل في تمام

ص: 368


1- الوسائل باب: 5 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

.....

______________________________

الأحوال. و أما التكرار فلأنّ تكرار الخير خير خصوصا في مثل تلك الحالة التي هي من أهم حالات وسوسة الشياطين لإزالة عقائد المؤمنين، مضافا إلى السيرة، مع ما يأتي من خبر الراوندي. و أما العديلة، فلاشتمالها أيضا على العقائد الحقة و إن لم يرد فيه نص بالخصوص، و أثر منصوص، بل يكفي فيه فتوى بعض الفقهاء، و مثله دعاء العشرات إلى قوله: إنَّك على ما تشاء قدير.

فائدتان- الأولى: حيث إنّ الأئمة المعصومين عليهم السلام عرّفوا اللّه- تعالى- و جميع ما يكون له من صفاته، و أفعاله، و أحكامه، و جميع ما يتعلق بالحشر و المعاد، و الجنة و النار، و تمام الاستكمالات الإنسانية في المعارف الحقة بكلّ وجه صحيح أمكن، و بيّنوا معارفه عزّ و جل لعباده بأفعالهم، و أقوالهم و لا شأن لهم إلا ذلك، فيكون ذكرهم من ذكر اللّه، كما في الحديث (1)، و تلقين أسمائهم الشريفة تلقين إجماليّ لمعارفهم المنبثة منهم- لأنّ ذكر الوزير من حيث الوزارة ذكر إجمالي لشؤون الملك- خصوصا مثلهم عليهم السلام حيث أفنوا جميع شؤونهم في مرضاة اللّه تعالى، فجعلهم ولاة خلقه، و مراجع أمره و نهيه.

فرجحان تلقين أسمائهم الشريفة من هذه الجهة معلوم لكلّ أحد، مع أنّ ثبوت الولاية لهم يقتضي ذلك أيضا.

ثمَّ إنّ الولاية المتصورة بالنسبة إليهم عليهم السلام تتصور على أقسام:

الأول: الولاية التكوينية، و التشريعية المطلقة في عرض ولاية اللّه عزّ و جل، فيكون في الوجود ولايتان مستقلتان من كلّ جهة في عرض واحد.

و هذا مما لا يقول به أحد. و لا يرضى المعصوم أن ينسب ذلك إليه، لأنّه شرك على ما فصّل في محلّه.

الثاني: الولاية التكوينية و التشريعية الإفاضية من اللّه- تعالى- المطلقتان من تمام الجهات، فكلّ ما يكون اللّه تعالى من القدرة التكوينية و التشريعية غير المتناهية يكون للمعصومين عليهم السلام إلا أنّ الفرق بينهما بالوجوب و الإمكان فقط. و هذا باطل أيضا، لما ثبت في محلّه من استحالة ثبوت القدرة غير المتناهية

ص: 369


1- الوسائل باب: 36 من أبواب الذكر حديث: 1.
الثالث: تلقينه كلمات الفرج

(الثالث): تلقينه كلمات الفرج (11). و أيضا هذا الدعاء:

______________________________

للممكن المسبوق بالعدم، لأنّ فرض عدم التناهي مع فرض الإمكان و الإفاضة خلف.

الثالث: الولاية التكوينية و التشريعية الإفاضية من اللّه تعالى بحسب ما يراه عزّ و جل من المصالح، و المقتضيات، و علمه الأزلي بتمام الجهات و الخصوصيات، و هذا حق واقع لهم عليهم السلام و لا ريب فيه، و يمكن إثباته بالأدلة الأربعة، و يأتي بعض الكلام في كتاب الجهاد، و القضاء، و الولاية على القصر إن شاء اللّه تعالى.

الثانية: من ضروريات المذهب، بل الدين تحقق الشفاعة في الجملة، و يدل عليها الكتاب، و السنة المستفيضة من الفريقين و البحث فيها يحتاج إلى وضع كتاب مستقبل ربما يبلغ عشرات الصفحات مع أنّه خارج عن علم الفقه.

و لا بد من الإشارة إلى جهة واحدة من جهات البحث و هي أن الشفاعة لا بد و أن تكون بإذن اللّه تعالى، لأنّها منصب إلهيّ يعطيه لمن يشاء من عباده، و هي محدودة بحدود إرادته تبارك و تعالى كمية و كيفية، و من كلّ جهة تتصور فيها، فكما أنّ الشافع يكون تحت نظمه تعالى و إرادته فكذا ما يشفع فيه، و من يشفع له أيضا و يشير إلى بعض ما قلناه قوله تعالى وَ لا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضى وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ(1).

و قوله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلّا بِإِذْنِهِ (2) إلى غير ذلك من الآيات، و في المقام مباحث نفسية وفقنا اللّه تعالى لبيانها و توضيحها و قد تعرضنا لبعضها في التفسير (3).

(11) لقول أبي جعفر عليه السلام: «إذا أدركت الرجل عند النزع، فلقنه كلمات الفرج: لا إله إلا اللّه الحليم الكريم، لا إله إلا اللّه العلي العظيم،

ص: 370


1- سورة البقرة: 255.
2- سورة الأنبياء: 28.
3- راجع المجلد الرابع من مواهب الرحمن في تفسير القرآن في ضمن تفسير آية: 255 من سورة البقرة.

«اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك، و اقبل مني اليسير من طاعتك».

و أيضا: «يا من يقبل اليسير و يعفو عن الكثير اقبل مني اليسير و اعف عني الكثير، إنّك أنت العفوّ الغفور».

______________________________

سبحان اللّه ربّ السماوات السبع و ربّ الأرضين السبع، و ما فيهنّ، و ما بينهنّ، و ربّ العرش العظيم، و الحمد للّه ربّ العالمين» (1).

و عن الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دخل على رجل من بني هاشم و هو يقضي فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قل: لا إله إلا اللّه العلي العظيم .. إلخ، فقالها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الحمد للّه الذي استنقذه من النار» (2).

ثمَّ إنّ كلمات الفرج وردت في الأخبار بطرق أربعة:

الأول: ما تقدم من قول أبي جعفر عليه السلام و مثله ما ورد في القنوت(3).

الثاني: خبر الحلبي الذي قدم فيه «العليّ العظيم» على «الحليم الكريم» (4).

الثالث: مرسل الصدوق (5)، و الرضوي (6) و فيهما زيادة: «و سلام على المرسلين» قبل «و الحمد للّه ربّ العالمين».

الرابع: خبر أبي بصير و فيه: «لا إله إلا اللّه ربّ السموات» بدل «سبحان اللّه ربّ السموات السبع»(7)، مع زيادة «و ما فيهنّ و ما بينهنّ».

ص: 371


1- الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 4.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
5- الفقيه: باب غسل الميت حديث: (346).
6- مستدرك الوسائل باب: 28 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب القنوت حديث: 4.

و أيضا: «اللهم ارحمني فإنّك رحيم» (12).

الرابع: نقله إلى مصلاه إذا عسر عليه النزع

(الرابع): نقله إلى مصلاه إذا عسر عليه النزع بشرط أن لا يوجب أذاه (13).

الخامس: قراءة سورة يس و الصّافات لتعجيل راحته

(الخامس): قراءة سورة (يس) و (الصّافات) لتعجيل راحته، و كذا آية الكرسي إلى هُمْ فِيها خالِدُونَ و آية السخرة:

و هي إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ .. إلى آخر الآية، و ثلاث آيات من سورة البقرة لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ .. إلى آخر السورة و يقرأ سورة الأحزاب، بل مطلق قراءة القرآن (14).

______________________________

(12) ورد الأول في خبر سالم بن أبي سلمة (1). و الثاني في مرسل الصدوق (2). و الأخير في خبر الراوندي و أن السجاد عليه السلام و لم يزل يردد ذلك حتى توفي (صلوات اللّه عليه) (3).

(13) أما الأول: فلقول الصادق عليه السلام: «إذا عسر على الميت موته و نزعه قرب إلى مصلّاه الذي كان يصلي فيه» (4).

و في خبر زرارة «فضعه في مصلّاه الذي يصلي فيه أو عليه» (5).

و أما الأخير، فلما يأتي في المكروهات بل قد يحرم.

(14) لما رواه الجعفري قال: «رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم: قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك و الصافات صفّا حتّى تستتمها، فقرأ فلما بلغ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا قضى الفتى فلما سجي و خرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له: كما نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ، فصرت تأمرنا بالصافات، فقال: يا بنيّ لم تقرأ عند مكروب

ص: 372


1- الوسائل باب: 39 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 39 من أبواب الاحتضار حديث: 3.
3- مستدرك الوسائل باب: 29 من أبواب الاحتضار حديث: 6.
4- الوسائل باب: 40 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
5- الوسائل باب: 40 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

.....

______________________________

من موت قط إلا عجل اللّه راحته» (1).

و من تقريره عليه السلام يستفاد استحباب قراءة سورة (يس)، مع ما في بعض الأخبار (2) من أنّ خواصها تخفيف سكرات الموت و عن كاشف اللثام «روي أن يقرأ عند النزع آية الكرسي و آيتان بعدها ثمَّ آية السخرة إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ .. إلى آخرها ثمَّ ثلاث آيات من آخر سورة البقرة لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ إلى آخرها ثمَّ يقرأ سورة الأحزاب».

و عنه: «من قرأ سورة يس و هو في سكرات الموت أو قرئت عنده جاءه رضوان خازن الجنة يشربه من شراب الجنة فسقاها و هو على فراشه فيشرب فيموت ريان ..»

و في الرضوي: «إذا حضر أحدكم الوفاة فأحضروا عنده القرآن و ذكر اللّه و الصلاة على رسول اللّه» (3).

و يمكن أن يستفاد من قوله عليه السلام: «فأحضروا عنده القرآن» المعنى الأعم من قراءة القرآن و إحضار القرآن عنده أيضا.

ثمَّ إنّه يظهر عن جمع من المفسرين أنّ آية الكرسي إلى قوله تعالى: «و هو العلي العظيم»، و هو الذي يقتضيه الأصل عند الدوران بين الأقل و الأكثر، و يظهر ذلك أيضا ممن ذكر في قراءة آية الكرسي و آيتين بعدها، فإنّه ظاهر في خروجهما عنها، و يقتضيه الجمود على التسمية (بآية الكرسي) أي الآية التي يذكر فيها الكرسي و تعرضنا لها بالتفصيل في تفسيرنا (مواهب الرحمن) و من شاء فليرجع إليه.

ثمَّ إنّ قراءة آية الكرسي على قسمين: الأول: ما هو المشهور المضبوط في القرآن.

الثاني: ما هو على طريق التنزيل المذكور في الكافي.

ص: 373


1- الوسائل باب: 41 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 48 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.
3- راجع الفقه الرضوي باب: 2 من أبواب تجهيز الميت.
فصل في المستحبات بعد الموت

(فصل في المستحبات بعد الموت) و هي أمور:

(الأول): تغميض عينيه و تطبيق فمه (1).

(الثاني): شدّ فكيه (2).

(الثالث): مدّ يديه إلى جنبيه.

(الرابع): مدّ رجليه (3).

(فصل في المستحبات بعد الموت)

______________________________

(1) لقول الحسن لأخيه الحسين عليهما السلام: «فإذا قضيت نحبي، فغمضني و غسلني- الحديث-» (1).

و في الخبر: «لما حضر موت إسماعيل و أبو عبد اللّه عليه السلام جالس عنده، فلما حضره الموت شد لحييه و غمّضه و غطّى عليه الملحفة» (2).

و يستفاد تطبيق الفم من شد اللحيين، مضافا إلى سيرة المتشرعة و رجحان التحفظ من أن لا يقبح منظره.

(2) لما تقدم من فعل الصادق عليه السلام فإنّ الظاهر من شد لحييه هو شدّ فكه.

(3) نسب ذلك إلى الأصحاب، و علّل بأنّه أطوع للغسل، و أحفظ على بقاء هيئته، و أنسب لاحترام المؤمن، و لم يرد فيها نص خاص كما اعترف به جمع.

ص: 374


1- الوسائل باب: 13 من أبواب الدفن حديث: 10.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب الاحتضار حديث: 3.

(الخامس): تغطيته بثوب (4).

(السادس): الإسراج في المكان الذي مات فيه إن مات في الليل (5).

(السابع): إعلام المؤمنين ليحضروا جنازته (6).

(الثامن): التعجيل في دفنه، فلا ينتظرون الليل إن مات في النهار، و لا النهار إن مات في الليل (7)، إلا إذا شك في موته فينتظر

______________________________

(4) للإجماع، و لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله غطي بحبرة، و لفعل الصادق عليه السلام ذلك بابنه، و لأنّه أحفظ له من الهوام.

(5) نسب ذلك إلى الأصحاب، و أنّه نحو احترام بالنسبة إلى الميت و اهتمام بشأنه و أما ما استدل به من خبر عثمان بن عيسى: «لما قبض أبو جعفر عليه السلام أمر أبو عبد اللّه عليه السلام بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد اللّه عليه السلام ثمَّ أمر أبو الحسن عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد اللّه عليه السلام حتّى أخرج به إلى العراق ثمَّ لا أدري ما كان» (1).

فلا ربط له بالمقام، بل هو نحو تعظيم لمن مات و كان نورا يستضاء به في حياته، فينبغي أن يجعل ما يكون إشارة إلى ذلك بعد مماته، و شعارا لمن كان في حياته من مشاعر الدين.

(6) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته» (2).

و مثله غيره، مع أنّ ذلك تكريم للمؤمن، و إعانة على البر بالنسبة إلى من يحضر، و نحو ترغيب إلى تذكر الموت و الآخرة.

(7) لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «يا معشر الناس لا ألفينّ(3) رجلا

ص: 375


1- الوسائل باب: 45 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
3- أي لا أجدنّ.

حتّى اليقين (8)، و إن كانت حاملا مع حياة ولدها، فإلى أن يشق جنبها الأيسر لإخراجه، ثمَّ خياطته (9).

______________________________

مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح و لا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس و لا غروبها عجلوا بهم إلى مضاجعهم يرحمكم اللّه. قال الناس: و أنت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يرحمك اللّه» (1).

و في مرسل الفقيه: «كرامة الميت تعجيله» (2)، و ظاهر النصوص و إن كان هو الوجوب الا أنّها محمولة على الندب إجماعا، و الظاهر أنّ تعجيل الدفن تعرض له الأحكام الخمسة، و مقتضى الأصل عدم وجوب فورية الدفن لو لم يكن في البين ما يقتضي الفورية.

(8) نصّا، و إجماعا. قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «خمس ينتظر بهم الا أن يتغيّروا: الغريق، و المصعوق، و المبطون، و المهدوم، و المدخن» (3) و تشهد له سيرة الناس، و أصالة بقاء الحياة.

(9) لأنّ ذلك واجب، فيجوز التأخير لإتمام هذا العمل، و يأتي في [مسألة 15] من (فصل الدفن) بيان هذه المسألة و الدليل عليها.

ص: 376


1- الوسائل باب: 47 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 47 من أبواب الاحتضار حديث: 7.
3- الوسائل باب: 48 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
فصل في المكروهات

(فصل في المكروهات) و هي أمور:

(الأول): أن يمس في حال النزع، فإنّه يوجب أذاه (1).

(الثاني): تثقيل بطنه بحديد أو غيره (2).

(الثالث): إبقاؤه وحده فإنّ الشيطان يعبث في جوفه (3).

(فصل في المكروهات)

______________________________

(1) لقول أبي جعفر عليه السلام: «لا تمسه فإنه يزداد ضعفا و أضعف ما يكون في هذه الحالة و من مسه على هذه الحال فقد أعان عليه» (1).

فهو محمول على الكراهة إجماعا، و المراد بالإعانة و الأذية ما يتسامح فيهما و الا فتحرمان، لعموم أدلة حرمتها الشامل لهذه الحالة أيضا.

(2) لنقل الإجماع على الكراهة بعد الموت و في التهذيب: «سمعناه، من الشيوخ مذاكرة» و أما في حال الاحتضار، فالظاهر كونه من الأذية التسامح فيها فيكره، لما مر. و إن كان مما لا يتسامح فيها، فيحرم و لا فرق بين كون البطن معرضة للنفخ بدونه و عدمه، لإطلاق الكلمات، و عدم ما يصلح للتقييد.

(3) لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا تدعن ميتك وحده، فإنّ الشيطان يعبث في جوفه» (2).

المحمول على الكراهة إجماعا.

ص: 377


1- الوسائل باب: 44 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

(الرابع): حضور الجنب و الحائض عنده حالة الاحتضار (4).

(الخامس): التكلم زائدا عنده (5).

(السادس): البكاء عنده (6).

(السابع): أن يحضره عملة الموتى.

(الثامن): أن يخلّى عنده النساء وحدهنّ خوفا من صراخهنّ عنده.

______________________________

(4) نصّا و إجماعا قال الصادق عليه السلام: «لا تحضر الحائض الميت و لا الجنب عند التلقين و لا بأس أن يليا غسله» (1).

و في خبر العلل: «لأنّ الملائكة تتأذى بهما»(2).

و قوله عند التلقين كناية عن حال الاحتضار و يكفي التيمم لمن لا يتمكن من الغسل و لو كان أحدهما عند المريض فاحتضر يكره البقاء عنده أيضا و لا يبعد إلحاق النفساء بالحائض في ذلك، و الظاهر زوال الكراهة بعروض الموت.

(5) لانّه مشغول بنفسه و هذا نحو أذية له في هذا الحال، فيشمله ما تقدم من قول أبي جعفر عليه السلام (3)، و يشهد له الاعتبار، و السيرة أيضا.

(6) لأنّه يمكن أن يكون ذلك نحو إعانة عليه، فيشمله ما مر من الخبر (4)، و مثله حضور عملة الموتى، بل يكون بالأولى كما لا يخفي، و كذا صراخ النساء و بالجملة: للإعانة على موته مراتب متفاوتة، يشمل إطلاق الحديث جميعها.

ص: 378


1- الوسائل باب: 43 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
2- الوسائل باب: 43 من أبواب الاحتضار حديث: 3.
3- تقدم في صفحة: 377.
4- تقدم في صفحة: 377.
فصل لا تحرم كراهة الموت

(فصل) لا تحرم كراهة الموت (1). نعم، يستحب عند ظهور أماراته أن يحبّ لقاء اللّه تعالى (2). و يكره تمني الموت (3) و لو كان في شدة و بلية، بل ينبغي أن يقول: (فصل)

______________________________

(1) للأصل و الدعوات الكثيرة المشتملة على طلب العمر من اللّه تعالى:

منها: الدعاء الذي يدعى به في شهر رمضان بعد كلّ فريضة.

و منها: دعاء خاص ورد لطول العمر يدعى به في التعقيبات (1).

(2) لما ورد: «من أنّ من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه» (2)، مع أنّه يوجب تشرف النفس بهذه الفضيلة العظمى و انقطاع علائق الدنيا إذا الحبيب لا همة له الا حبيبه.

(3) للنبوي: «لا يتمنّى أحدكم الموت لضرّ نزل به، و ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» (3).

و مع أنّه خلاف التسليم الذي هو من شؤون العبودية، و في الدعوات السجادية أيضا ما يدل عليه، فراجع.

ص: 379


1- مستدرك الوسائل باب: 22 من أبواب التعقيب حديث: 14.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب الاحتضار حديث: 2.

«اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، و توفني ما كانت الوفاة خيرا لي» و يكره طول الأمل (4)، و أن يحسب الموت بعيدا عنه.

و يستحب ذكر الموت كثيرا (5) و يجوز الفرار من الوباء و الطاعون (6)، و ما

______________________________

(4) لنصوص مستفيضة، بل متواترة:

منها: قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خصلتان: اتباع الهوى و طول الأمل. أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، و طول الأمل ينسي الآخرة» (1).

و منها: قول عليّ عليه السلام: «ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل» (2).

إلى غير ذلك من النصوص الواردة.

(5) لنصوص مستفيضة:

منها: «أكيس الناس من كان أشدّ ذكرا للموت» (3).

و منها: «أكثر ذكر الموت فإنّه لم يكثر إنسان ذكر الموت الا زهد في الدنيا» (4).

(6) للنص، و الإجماع و الأصل، ففي صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: «عن الوباء يكون في ناحية المصر فيتحوّل الرجل إلى ناحية أخرى، أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره فقال عليه السلام: لا بأس و إنّما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن ذلك لمكان ربيئة كانت بحيال العدو، فوقع فيهم الوباء فهربوا منه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الفار منه كالفار من الزحف كراهية أن يخلوا مراكزهم» (5).

و قد ورد مثله في الطاعون، ثمَّ إنّه قد يجب دفع الوباء و الطاعون بما أعدّ لذلك، و مع عدمه فبالفرار إن أمكن.

ص: 380


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الاحتضار حديث: 6.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الاحتضار حديث: 8.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب الاحتضار حديث: 1.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب الاحتضار حديث: 1.

في بعض الأخبار من: أنّ الفرار من الطاعون كالفرار من الجهاد مختص بمن كان في ثغر من الثغور لحفظه. نعم، لو كان في المسجد و وقع الطاعون في أهله يكره الفرار منه (7).

______________________________

(7) لصحيح ابن جعفر: «عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب منه؟ قال عليه السلام يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يصلّي فيه، فإذا وقع في أهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح له الهرب منه» (1).

و لا بد من حمله على بعض المحامل، كعموم الوباء في جميع الأمكنة بحيث لا ينفع الهرب.

ثمَّ إنّه ربما يتوهم التنافي بين ما ورد في حب لقاء اللّه تعالى- كما تقدم- و ما ورد في ذم طلب الموت، و يرفع هذا التنافي بوجوه:

و لعلّ أحسنها ما ورد في خبر ابن بشير: «إنّما ذلك عند المعاينة، إذا رأي ما يحب فليس شي ء أحبّ إليه من أن يتقدم، و اللّه تعالى يحب لقاءه و هو يحب لقاء اللّه حينئذ، و إذا رأى ما يكره فليس شي ء أبغض إليه من لقاء اللّه و اللّه يبغض لقاءه» (2).

ص: 381


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الاحتضار حديث: 5.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الاحتضار حديث: 2.
فصل الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيز الميت
اشارة

(فصل) الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيز الميت من الغسل:

و التكفين، و الصلاة و الدفن- من الواجبات الكفائية (1) فهي واجبة على (فصل)

______________________________

(1) لا بد من بيان أمور في المقام لعلّها تنفع في غير المقام أيضا:

الأول: تجهيز الموتى في الجملة بالنسبة إلى الأحياء من الفطريات في كلّ مذهب و ملة و إن اختلفت في الكيفية بالنسبة إلى المذاهب و الأديان، و لكن يرى الكلّ أنّ ذلك نحو حق من الأموات على الأحياء و من الحقوق البشرية بعضهم على بعض بحيث لو تركوا ذلك يلامون و يوبخون عليه عند العقلاء، بل يطالب ذي الحق حقه يوم القيامة، و عدّ النبي صلّى اللّه عليه و آله من تلك الحقوق عيادة المريض و شهود الجنازة فضلا عن التجهيزات بعد الموت التي سقطت إرادته و أفعاله بالنسبة إليها، و في الحديث: «إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا، فيطالبه به يوم القيامة، فيقتضي له و عليه» (1).

(الثاني): يمكن أن يتحقق في تجهيزات المؤمنين- مضافا إلى حق الناس- حق اللّه تعالى أيضا، فإنّ من حقه تعالى على عباده أن لا يهملوا بعضهم بعضا في شدائدهم و ضرّائهم في حال الحياة أو بعد الممات، و يكشف عن ذلك صحيح ابن جعفر عن أخيه عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: «يعيّر اللّه عز و جل عبدا من عباده يوم القيامة فيقول: عبدي ما منعك إذا

ص: 382


1- الوسائل باب: 122 من أبواب أحكام العشرة حديث: 24.

.....

______________________________

مرضت أن تعودني؟ فيقول: سبحانك أنت ربّ العباد لا تمرض و لا تألم فيقول:

مرض أخوك المؤمن فلم تعده، و عزتي و جلالي و لو عدته لوجدتني عنده- الحديث-» (1).

و مثله غيره مما هو متفرق في أبواب المجاملات، فتجهيزات أموات المؤمنين تكون مورد الحقين.

الثالث: الأصل في الحقوق المجاملية- واجبة كانت أو لا- المجانية- سواء كانت في زمان حياة من له الحق أو بعد موته- إلا ما خرج بالدليل لأنّ المجاملة تنافي أخذ الأجرة بحسب المتعارف بين الناس، و يأتي تفصيل هذا الإجمال عن قريب إن شاء اللّه.

الرابع: المناط كلّه- فيما يتعلق بتجهيز الميت- تحقق الوظائف الشرعية بالنسبة إليه خارجا عن أيّ شخص له صلاحية لأنّ يعمل ذلك، فلا يتصوّر وجه معقول للوجوب العيني بالنسبة إليها، فتجهيزات الموتى من إحدى موارد الأمور النظامية التي هي واجبات كفائية، و يكون المطلوب فيها تحققها في الخارج، من دون أن تتعيّن على شخص خاص معيّن، مضافا إلى الإجماع بل الضرورة على أنها من الواجبات الكفائية و لا تنافي بين الوجوب الكفائي و أحقية البعض لا عرفا و لا شرعا و لا عقلا.

الخامس: كلّ عاقل له إرادة إما أن تتوجه إرادته إلى شخص خاص معيّن و بشي ء معين مخصوص يسمى ذلك بالعيني. أو تتعلق إرادته بشخص معيّن لكن لا بشي ء معين مخصوص، بل بأحد شيئين على البدل- مثلا- و يسمى ذلك بالتخييري، أو تتعلق إرادته لا بشخص معيّن، بل بالكلّ بحيث يكون الخطاب بالنسبة إلى الجميع لكن لو امتثل البعض ينتفي موضوع تكليف البقية فيسقط التكليف قهرا، و يسمّى ذلك بالكفائي و هذه الأقسام من الوجدانيات لكلّ من تأمل في متعلق إرادته و كذا يكون بالنسبة إلى إرادته- تعالى- في تشريع أحكامه، و تجهيزات الميت من القسم الأخير، إجماعا، من الفقهاء، بل من العقلاء، و لظواهر نصوص متفرقة يأتي التعرض لها في المسائل الآتية.

ص: 383


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الاحتضار حديث: 10.

.....

______________________________

و أشكل عليه تارة: بأنّ الوليّ بالخصوص هو المنساق مما ورد في التجهيزات بواجباتها و مندوباتها، فتكون واجبا عينيا عليه فقط و لا وجه للوجوب الكفائي بالنسبة إلى غيره.

و أخرى: بأنّه لا ريب في اعتبار إذن الوليّ، فلو استفيدت الكفائية من بعض الأدلة لا بد من حملهما على العينية بالنسبة إلى الوليّ، لما دل على اعتبار إذنه.

و ثالثة: بأنّ ثبوت الولاية لأحد من المكلّفين و هو الوليّ يمنع عن ثبوت الوجوب بالنسبة إلى الغير و لو كفائيا لعدم صحة تعليق الوجوب على رأي أحد و اختياره.

و الكل مردود: أما الأولى فلأنّ ظهور الأدلة في الكفائية مما لا ينكر مثل قوله عليه السلام: «لقنوا موتاكم لا إله إلا اللّه» «1».

و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة» «2».

إلى غير ذلك مما يأتي، و لها ظهور عرفي في عدم توجه الخطاب إلى شخص خاص و طائفة مخصوصة، و التشكيك فيها من التشكيك في الواضحات.

و أما الثانية: فلعدم التنافي بين كون شي ء واجبا كفائيا مع كونه مشروطا بشرط خاص، فإنّ جميع النظاميات واجبات كفائية مع كونها مشروطة بشرائط خاصة، كإذن الوليّ بالنسبة إلى العبد، و الوالدين بالنسبة إلى الولد، و الزوج بالنسبة إلى الزوجة، و كما في جميع الواجبات التي يتوقف إتيانها على التصرف في ملك الغير إلى غير ذلك من الشروط الخاصة.

و أما الأخيرة، فلا وجه لها أصلا و إن نسب إلى المحقق الثاني، لأنّ التجهيزات واجبة على العموم على كلّ حال و لا يسقط وجوبها بامتناع الوليّ عن الإذن على ما يأتي من التفصيل في المسائل الآتية، و الإذن شرط للواجب لا

______________________________

(1) الوسائل باب: 36 من أبواب الاحتضار حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب الجنازة حديث: 3.

ص: 384

.....

______________________________

الوجوب، فهو مطلق بالنسبة إلى الكلّ و إن كان الواجب مشروطا بشروط منها الإذن.

السادس: حيث إنّ تجهيزات الميت لها معرضية عرفية لجملة من الأمور قد تؤدي إلى الجدال و النزاع جعلها الشارع تحت إشراف من يحتفظ به النظام و يدفع به الخصام و هو الوليّ على تفصيل يأتي في (فصل مراتب الأولياء) و هذا نحو عناية خاصة منه جمع فيها بين الحقوق حق الميت و الحق الشخصي للوليّ، و الحق المجاملي النوعي من بني نوع الميت و دفع ما يصلح أن يصير منشأ للخصومة، فهذا الحكم مطابق للفطرة السليمة من أنّه لو تدخل الأجنبي في تجهيز الميت يحق لأهله و وليّه أن يمنعوه، لأنّهم أولى به، بحكم الفطرة و لا ينافي ذلك الوجوب الكفائي على الكل.

السابع: المشهور أنّ مراجعة الوليّ في تجهيزات الميت واجبة، لما يأتي من الأدلة الدالة عليه، و حكي عن جمع استحبابها، للأصل، و ضعف دليل الوجوب سندا أو دلالة، و عسر الاستئذان، و عدم جواز التعطيل.

و الكل مردود: إذا لا مجال للأصل في مقابل الأدلة المعمول بها عند المشهور المطابقة لما جبلت عليه العقول، و لا وجه لضعف الدليل على ما يأتي، كما لا وجه للعسر بالوجدان، و لو لزم من الاستئذان هتك الميت يسقط الاستئذان على تفصيل يأتي.

الثامن: الوجوه المحتملة في لزوم مراجعة الوليّ أربعة:

الأول: كونه من مجرد الحكم التكليفي من دون أن يكون شرطا لصحة العمل، فيجب على الغير الاستئذان منه.

الثاني: أن يكون ذلك شرطا للصحة، فيبطل العمل بدونه، لفقد الشرط- كما في جميع الموارد- و إن استفيد من الأدلة حرمة الاستبداد أيضا، فيصح تعليل البطلان فيما إذا كان العمل عباديا، بأنّ النهي في العبادة يوجب البطلان.

الثالث: أنّه ولاية مجعولة شرعية فقط، و حق كذلك.

ص: 385

.....

______________________________

الرابع: أنّه نحو حق واقعي كشف عنه الشرع، و قرره كجملة من الحقوق الفطرية البشرية، و لا ثمرة مهمة في المقام بين الاحتمالات الثلاثة الأخيرة، لبطلان العمل من دون الإذن و صحته معه على أيّ تقدير. نعم، الثمرة بين أصل الحق و الحكم ثابتة كما نتعرض لها، و يمكن تأييد الاحتمال الأخير على ما أشرنا إليه سابقا، و يدل عليه قول علي عليه السلام: «إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه وليّ الميت، و إلا فهو غاصب» (1).

فهو صريح في أنّه حق يتعلق به الغصبية- كالحقوق المالية- و تأتي أخبار أخر مشتملة على الحق.

التاسع: هل المنساق من الأدلة أن إذنه شرط، أو أنّ منعه مانع و مزاحمته حرام- ذهب بعض مشايخنا إلى الأخير- أو أنّه من مجرد الوجوب التعبدي الصرف من دون أن يكون دخيلا في الصحة- كوجوب متابعة المأموم للإمام في الجماعة، فلو فارق الإمام مع بقاء هيئة الجماعة أثم و تصح الجماعة؟ و المتعيّن هو الأول، لسياق الأخبار الدالة عليه، كما يأتي، و لا وجه للوجوب التعبدي، لأن التعبير بالحق في بعضها، و الغصب في الآخر(2). و الأولوية تنافي الوجوب التعبدي المحض كما أنّه لا وجه لكون المزاحمة حراما لا أن يكون الإذن شرطا بدعوى:

أنه مقتضى الجمع بين الوجوب الكفائي على الكلّ و ما ورد في لزوم مراعاة حق الوليّ، مضافا إلى أصالة عدم اعتبار الإذن و إطلاقات جملة من أدلة التجهيزات.

إذا الكلّ مردود فإنّه لا وجه للجميع مع ظهور النصوص في اعتبار الإذن، فيكون مقيدا لما يدل على الكفائية، كما لا وجه للتمسك بالأصل في مقابل الأدلة الظاهرة في الاستئذان و كذا لا وجه للإطلاقات بعد وجود المقيدات فمثل قول أمير المؤمنين- عليه السلام: «إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه الولي و إلا فهو غاصب» (3)

ص: 386


1- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

.....

______________________________

و قول أبي عبد اللّه عن أبيه عن عليّ عليه السلام: «يغسّل الميت أولى الناس به» (1).

و قوله عليه السلام أيضا: «يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب» (2).

و قوله عليه السلام: «الزوج أحق بامرأته حتّى يضعها في قبرها» (3).

ظاهر في أنّ الإذن شرط لا أن يكون المنع مانعا و حينئذ، فلو غسل بدون الإذن يكون باطلا، كما أنّ ظاهرها الوجوب، فلا وجه لحملها على الندب و يأتي بقية الكلام في محلّه.

ثمَّ إنّه ينبغي الإشارة إلى بيان ما يتعلق بالفرق بين الحق و الملك و الحكم إجمالا و إيكال التفصيل إلى محلّه: و البحث فيه تارة: بحسب اللغة و المحاورات المتعارفة. و أخرى: بحسب الأدلة الشرعية. و ثالثة: من جهة اللوازم و الآثار ثمَّ التعرض لبعض التنبيهات.

أما الأولى: فلا ريب في الاختلاف بينهما و بين الحكم لغة، و عرفا، و عقلا، و ذلك لاعتبار نحو من السلطنة و الاستيلاء في مورد الملك و الحق بخلاف الحكم إذ ليس فيه إلا الترخيص أو الإلزام فعلا أو تركا، فالحكم إعمال سلطة الحاكم في الشخص. و الملك و الحق سلطة خاصة للشخص تحصل بأسباب خاصة، و لا ريب في أنّ السلطنة لها مراتب متفاوتة شدة و ضعفا يعبّر عن بعض مراتبها بالملك و عن بعض مراتبها بالحق. و للحق أيضا مراتب متفاوتة جدا، فالمالك و ذو الحق مسلّط على شي ء يكون أمره إليه سواء كان موردهما العين أو المنفعة أو الانتفاع، أو كان متعلق الحق أمرا اعتباريا عرفيا- كحق الخيار المتعلق بالعقد- أو كان شخصيا خارجيا- كحق القصاص، و حق القسم، و نحو ذلك- و هذا بحسب أصل الكبرى مما لا ريب فيه لأحد، و النزاع- في شي ء أنّه حكم،

ص: 387


1- الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.

.....

______________________________

أو حق- صغروي لا أن يكون نزاعا في أصل الكبرى و لا بد فيه من الرجوع إلى القرائن الخارجية في تشخيص أحدهما، و مع عدمها، فإلى الأصول العملية و هي تختلف بحسب الموارد و الآثار.

و أما الجهة الثانية: فلم يرد دليل كليّ من إجماع، أو إطلاق، أو عموم لتمييز الحق عن الحكم حتى يصح التمسك به في جميع الموارد و ترتيب آثارهما.

نعم، ذكر في بعض الموارد لفظ الحق، و في بعضها لفظ الحكم، أو الوجوب، أو الحرمة، و لا ريب في اعتبار ما ورد في مورده و ترتب آثاره عليه، و لكن استفادة القاعدة الكلية منه حتى يشمل سائر الموارد لا وجه لها لأنّها إما حكم محض، أو حق كذلك، أو ما يكون ذا جهتين، أو ما يتردد بينهما و ليس لنا دليل يمكننا استفادة هذه الموارد الأربعة منه، فلا بد من تتبع اللوازم و الآثار و استفادة الواقع منها أما الجهة الثالثة: فلا ريب في أنّ الحكم لا يقبل النقل و الانتقال و لا الإسقاط، لفرض أنّه ليس للمحكوم عليه فيه شي ء إلا الامتثال و الانقياد و لا سلطنة عليه غير ذلك فلا موضوع للنقل و الانتقال. نعم، يجوز له تبديل الموضوع في جملة من الموارد، فيتبدل الحكم بتبدل الموضوع لا محالة.

و أما الحقوق فهي بحسب ما هو المعروف في الفقه ستة:

الأول: ما لا يقبل النقل و الانتقال، و الإسقاط مطلقا، و عد منها حق الأبوة، و الولاية للحاكم الشرعي، و حق الاستمتاع بالزوجة.

الثاني: ما يجوز فيه الإسقاط، و لا يصح فيه النقل و الانتقال مطلقا، كحق الغيبة، و الشتم و الأذية.

الثالث: ما يقبل الانتقال بالموت، و لا يجوز فيه النقل و الإسقاط، كحق الشفعة على المشهور.

الرابع: ما يصح فيه النقل- بعوض، أو بغيره- و الانتقال و الإسقاط و هي كثيرة كحق الخيار، و القصاص، و التجهيز، و نحوها مما يأتي في محالها.

ص: 388

.....

______________________________

الخامس: ما يجوز إسقاطه و نقله لا بعوض، و مثل له بحق القسم على ما يأتي التفصيل في كتاب النكاح.

السادس: ما هو محل الشك في أنّه هل يقبل النقل و الانتقال و الإسقاط أو لا و هي أيضا كثيرة، و عدّ منها: حق الرجوع في العدة الرجعية، و حق نفقة الأقارب، و غير ذلك مما يأتي في محالها، فمع وجود الدليل على النقل و الانتقال و الإسقاط، أو بعض ذلك يتبع الدليل لا محالة و لا مجال للتشكيك له، و أما مع عدمه فتصل النوبة إلى الأصل العملي، و القاعدة.

و لا بد من تأسيس ما يصح أن يكون هو المرجع عند الشك و هو يتصوّر على قسمين:

الأول: ما إذا تردد بين الحق و الحكم و لا يصح التمسك فيه بالأصول اللفظية، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و كذا لا يصح التمسك بالأصول العملية النافية بالنسبة إلى كلّ منهما، لسقوطها بالمعارضة، فيجب ترتيب الآثار المشتركة بينهما، للعلم بذلك، و أما الآثار المختصة، فإن جرى الأصل النافي فيها بلا معارضة، فتنفى به و الا فيجب العمل بها أيضا.

الثاني: ما إذا علم بأنّه حق و تردد بين كونه مما يقبل الإسقاط و النقل و الانتقال أو لم يقبل ذلك فمع صحة صدق الإسقاط و النقل و الانتقال عرفا، يصح التمسك بالإطلاقات و العمومات، لتنزلها على العرفيات كما هو دأب الفقهاء في أبواب المعاملات، فتكون النتيجة صحة ترتيب آثار الحق بالنسبة إليه و لو بحسب الأصل اللفظي، كما يصح التمسك بما اشتهر من أنّ الأصل في الحق أن يكون قابلا للإسقاط و النقل و الانتقال الا ما خرج بالدليل و هذا أصل عقلائي في الحقوق الدائرة فيما بينهم، و يكفي اعتباره عدم ورود الردع عنه. و لو لم يصدق ذلك عرفا، أو شك فيه لا يصح التمسك بها حينئذ، فيتعيّن الرجوع إلى الأصول العملية، كما تقدم في القسم الأول.

تنبيهات الأول: لا إشكال في أنّ تجهيزات المؤمن من الحقوق لا من الأحكام، لاشتمال النصوص على لفظ الحق، كما يأتي التعرض لها.

ص: 389

جميع المكلّفين، و تسقط بفعل البعض، فلو تركوا أجمع (2) أثم الجميع. و لو كان مما يقبل صدوره عن جماعة كالصلاة- إذا قام به جماعة في زمان واحد- اتصف فعل كل منهم بالوجوب (3). نعم، يجب على غير الولي الاستئذان منه و لا ينافي وجوبه وجوبها على الكل، لأنّ الاستئذان منه (4) شرط صحة الفعل لا شرط وجوبه (5).

______________________________

الثاني: يمكن أن يكون نفس الحق غير قابل للنقل و الانتقال، و لكن باعتبار متعلقه يقبل ذلك، و يأتي التعرض له في المقامات المناسبة.

الثالث: كما أنّ الملك يتعلق بالعين، و المنفعة، و الانتفاع يصح تعلق الحق بها أيضا و كما أنّه يكون في الذمة و في الخارج كذلك الحق أيضا و كما أنّه يكون شرعيا، و عرفيا، و شخصيا، و نوعيا يصح ذلك كلّه في الحق، و يأتي التعرض لأمثلة ذلك كلّه في محالّها. و كلّ ما تعرضنا له إشارات لا بد و أن تفصّل في غير المقام و من اللّه الاعتصام.

(2) لأنّ الخطاب كان متعلقا بالجميع فلا فرق بين الواجب الكفائي و العيني من هذه الجهة و مع ترك الجميع تتحقق المخالفة من الجميع، فيوجب استحقاق العقاب بالنسبة إلى الجميع. نعم، بينهما فرق من ناحية المتعلق إذ أنه نحو متعلق يسقط بقيام البعض.

(3) لوجود المقتضي للاتصاف به و فقد المانع عنه، و هذا أيضا من لوازم الواجب الكفائي المتعلق بالجميع.

(4) لما تقدم من النصوص.

(5) لأنّ التكليف من حيث هو ثابت على الجميع، و صحة العمل مبنية على الاستئذان، كما أنّ التكليف بالحج المندوب و الزيارات- مثلا- عامة بالنسبة إلى الجميع، و صحتها بالنسبة إلى الزواج و الواحد مشروط بإذن الزوج و الوالد و له نظائر كثيرة في الفقه.

ص: 390

و إذا امتنع الولي من المباشرة و الإذن يسقط اعتبار إذنه (6). نعم، لو أمكن للحاكم الشرعي إجباره له أن يجبره على أحد الأمرين (7)، و إن لم يمكن يستأذن من الحاكم. و الأحوط الاستئذان من المرتبة المتأخرة أيضا (8).

______________________________

(6) بلا خلاف فيه إن استلزم ذلك هتك الميت، لأنّ هذه الولاية نحو إرفاق و لا وجه للإرفاق مع تضييع حرمة الميت. و إن لم يستلزم ذلك فإن ادعى وجها شرعيا لعدم الإذن يقبل منه- و لو أخبر إلى حصول الإذن- و الا فالظاهر السقوط أيضا، و يشهد لذلك ما ورد في العراة الذين وجدوا ميتا قذفه البحر (1) و ما ورد في تغسيل الذمي و الذمية المسلم و المسلمة مع عدم المماثل و لا ذي رحم (2)، و ما ورد في تغسيل بعض الميت مما يأتي التعرض له في المسائل الآتية.

(7) و هذا يدور مدار نظر الحاكم و اطلاعه على خصوصيات الواقعة فقد يقتضي الإجبار من باب ولاية الحسبة و قد لا يقتضي ذلك و يأتي آنفا ما ينفع المقام.

(8) الاحتمالات عند عدم التمكن من الإذن- إما لامتناع من له الإذن عنه، أو لجهة أخرى- ثلاثة:

الأول: عدم اعتباره حينئذ، لعمومات أدلة التجهيزات، و إطلاقاتها المقتصر في تخصيصها و تقييدها على صورة التمكن من الاستئذان.

الثاني: قيام الحاكم مقام من له الإذن لكون المقام من موارد الحسبة.

الثالث: الانتقال إلى الطبقة اللاحقة تنزيلا لصورة الامتناع منزلة عدم الطبقة السابقة، و مقتضى الأصل و الجمود على الأدلة هو الأول و لا دليل على تعيين أحد الأخيرين إلا دعوى أنّ عموم ما يدل على اعتبار الإذن يشمل الطبقة اللاحقة، أو أنّ ما دل على أنّ الحاكم ولي الممتنع يشمل المقام.

ص: 391


1- الوسائل باب: 36 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
مسألة 1: الإذن أعم من الصريح، و الفحوى

(مسألة 1): الإذن أعم من الصريح، و الفحوى، و شاهد الحال القطعي (9).

مسألة 2: إذا علم بمباشرة بعض المكلّفين يسقط وجوب المبادرة

(مسألة 2): إذا علم بمباشرة بعض المكلّفين يسقط وجوب المبادرة. و لا يسقط أصل الوجوب إلا بعد إتيان الفعل منه أو من غيره (10)، فمع الشروع في الفعل أيضا لا يسقط الوجوب، فلو شرع بعض المكلّفين بالصلاة يجوز لغيره الشروع فيها بنية الوجوب (11). نعم، إذا

______________________________

و فيه: أنّ الشك في شمولهما للمقام يمنع عن التمسك بهما، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و منشأ الشك أنّ الاستيذان إنما هو نحو إرفاق خاص، و مع الامتناع تسقط حيثية الإرفاق و قيام الطبقة اللاحقة مقام السابق يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و المنساق من أنّ الحاكم ولي الممتنع إنّما هو فيما إذا كان الامتناع عن حق كان عليه لا إذا كان عن حق له.

و يمكن أن يقال: إنّ ولاية عدول المؤمنين في مثل التجهيزات ما لم تكن خصوصية خارجية في البين في عرض ولاية الحاكم، لا في طوله، فيتصدى المؤمنون حينئذ بلا رجوع إليه و يأتي تفصيل هذه المباحث في أحكام الولاية.

ثمَّ إنّه لا وجه للفتوى بالاستئذان من الحاكم و الاحتياط في الاستئذان من المرتبة المتأخرة لكون كلّ منهما موافق للاحتياط من غير دليل على التعيين.

(9) لاعتبار كلّ ذلك لدى الناس و لم يثبت الردع عنه شرعا و كذا يكفي الظهور المعتبر العرفي أيضا.

(10) أما سقوط وجوب المبادرة، فللعلم بتحققها. و أما عدم سقوط أصل الوجوب، فلقاعدة الاشتغال الدالة على عدم سقوط أصل الوجوب الا بعد إحراز تمامية العمل جامعا للشرائط.

(11) لأنّ مقتضى بقاء أصل الوجوب، لقاعدة الاشتغال صحة نيته أيضا.

و ما يقال: من أنّه بعد صدور بعض العمل من الغير لا وجه لقصد الوجوب بالنسبة إلى الجميع لسقوط وجوب بعض الأجزاء بإتيانه فلا يبقى موضوع لقصد

ص: 392

أتم الأول يسقط الوجوب عن الثاني فيتمها بنية الاستحباب (12).

مسألة 3: الظن بمباشرة الغير لا يسقط وجوب المبادرة

(مسألة 3): الظن بمباشرة الغير لا يسقط وجوب المبادرة فضلا عن الشك (13).

مسألة 4: إذا علم صدور الفعل عن غيره سقط عنه التكليف ما لم يعلم بطلانه

(مسألة 4): إذا علم صدور الفعل عن غيره سقط عنه التكليف ما لم يعلم بطلانه و إن شك في الصحة، بل و إن ظنّ البطلان، فيحمل فعله على الصحة، سواء كان ذلك الغير عادلا أو فاسقا (14).

مسألة 5: كلّ ما لم يكن من تجهيز الميت مشروطا بقصد القربة

(مسألة 5): كلّ ما لم يكن من تجهيز الميت مشروطا بقصد القربة كالتوجيه إلى القبلة، و التكفين، و الدفن- يكفي صدوره من

______________________________

الوجوب بالنسبة إلى الكلّ.

مردود: بأنّ وجوب الأجزاء عين وجوب الكلّ، فليس في البين الا وجوب واحد نفسي منبسط على الأجزاء، فلا يسقط وجوب الأجزاء الا بسقوط وجوب الكلّ. نعم، لو علم بأنّ من شرع في العمل استمر جامعا للشرائط يشكل قصد الوجوب الفعلي حينئذ و مثل هذه المسائل مبني على اعتبار قصد الوجوب أو الندب و لا دليل عليه، بل مقتضى الأصل عدمه.

(12) لظهور تسالمهم على الاستحباب بعد سقوط أصل الوجوب، و يأتي في [مسألة 5] من (فصل صلاة الميت).

(13) للأصل، و يصح الاعتماد على الأمارات المعتبرة كما إذا كان الميت بين يدي المتشرعة مع التفاتهم إلى التجهيزات الواجبة، و ذلك للسيرة المعتبرة.

(14) أما مع العلم بالبطلان فيجب، للعمومات و الإطلاقات، و قاعدة الاشتغال، و أما في غيره من الظن بالبطلان، أو الشك فيه، فمقتضى قاعدة الصحة- التي هي من القواعد المعتبرة الشرعية، بل العقلائية- الحمل على الصحة بلا فرق بين العادل و الفاسق، لعدم اختصاصها بخصوص العادل و لو اختصت القاعدة به لاختل النظام و بطلت جملة من الأحكام.

ص: 393

كلّ من كان من البالغ العاقل، أو الصبي أو المجنون (15). و كلّ ما يشترط فيه قصد القربة- كالتغسيل و الصلاة- يجب صدوره من البالغ العاقل (16)، فلا يكفي صلاة الصبيّ عليه إن قلنا بعدم صحة صلاته، بل و إن قلنا بصحتها- كما هو الأقوى- على الأحوط. نعم، إذا علمنا بوقوعها منه صحيحة جامعة لجميع الشرائط لا يبعد كفايتها، لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط (17).

______________________________

(15) لعدم اعتبار القصد فيها، بل يجزي و لو حصل من الحيوان أو الرياح أو نحو ذلك إذ المناط تحقق ذات الشي ء في الخارج بأيّ وجه اتفق.

(16) لأنّ قصد القربة لا يتحقق الا منه، فلا يصح من المجنون، لعدم حصول قصد القربة منه و عدم الاعتبار به لو حصل و كذا الصبيّ بناء على عدم شرعية عباداته، و عدم الاعتبار بقصده شرعا و كونه كالعدم و أما بناء على شرعية عباداته، كما هو مقتضى الإطلاقات، و العمومات و استجماعه للشرائط، فلا وجه لعدم الإجزاء الا دعوى انصراف الأدلة عنه، و ليس لهذه الدعوى منشأ معتبر، و مع الشك فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم الاكتفاء به، و لكن لا وجه لجريانها في مقابل العمومات، و الإطلاقات.

(17) منشأه احتمال عدم شرعية عمله، و احتمال انصراف الأدلة عنه و تقدم ما في الاحتمالين.

ص: 394

فصل في مراتب الأولياء
اشارة

(فصل في مراتب الأولياء)

مسألة 1: الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها

(مسألة 1): الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها (1) حرة كانت أو أمة دائمة أو منقطعة (2) و إن كان الأحوط في المنقطعة الاستئذان من المرتبة اللاحقة أيضا (3). ثمَّ بعد الزوج المالك أولى بعبده أو أمته من كل أحد، إذا كان متعددا اشتركوا في الولاية (4)، ثمَّ بعد المالك الطبقات الأرحام بترتيب الإرث، فالطبقة الأولى- و هم الأبوان و الأولاد- مقدمون على الثانية و هم الأخوة و الأجداد، و الثانية مقدمون على الثالثة و هم (فصل في مراتب الأولياء)

______________________________

(1) نصا و إجماعا. قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «الزوج أحق بامرأته حتّى يضعها في قبرها» (1).

و ما يظهر منه أحقية الأخ مع وجود الزوج (2)، محمول، أو مطروح.

(2) لإطلاق الأدلة الشاملة للحرة و الأمة الدائمة و المنقطعة و قد يدعى الانصراف عن المنقطعة خصوصا مع قصر المدة، و يمكن الخدشة في الانصراف بكونه بدويا، كما أنّ ظهور النص، و الإجماع يشمل المملوكة أيضا و لولاه لأمكن تقديم حق المالك، لأهمية الولاية الملكية.

(3) منشأه من دعوى الانصراف عنها.

(4) لانّه لا ولاية أشد من المالكية و إذا اشتركوا فيها يشتركون في الولاية في المقام قهرا.

ص: 395


1- الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 3.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.

الأعمام و الأخوال (5).

______________________________

(5) أرسل ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، و استدل عليه بالإجماع، و النصوص، كقول عليّ عليه السلام: «إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه الوليّ و إلا فهو غاصب» (1).

و قول الصادق عن أبيه عن عليّ عليهم السلام: «يغسل الميت أولى الناس به»(2).

و مرسل الفقيه عن عليّ عليه السلام: «يغسل الميت أولى الناس به أو من يأمره الوليّ بذلك» (3).

إلى غير ذلك مما يشتمل على مثل هذا التعبير، كما يأتي في قضاء الصلاة عن الميت من قوله عليه السلام: «يقضي أولى الناس به» (4).

و البحث في المقام من جهات:

الأولى: دلالة الأخبار على أنّ الثابت لمن له الإذن نحو حق لا مجرد الحكم التكليفي و قد مر ذلك، و يدل عليه التعبير بالغصب- كما تقدم في قول عليّ عليه السلام- و بالحق كما في خبر أبي بصير: «الزوج أحق من الأب».

الثانية: أنّها وجوبية لا أن تكون من مجرد الرجحان، و يدل عليه التعبير بالغصب، و الحق بعد كون ذكرهما في موردهما- من الصلاة على الميت، و من الزوج- من باب المثال لا التخصيص- و قال صاحب الجواهر و نعم ما قال، فكأنّه أخبر عن ضمير جميع الفقهاء:

«و المتجه القول بالوجوب الكفائي مع وجوب مراعاة الأولية المذكورة، فلا يجوز غسله و لا دفنه و لا تكفينه و لا غير ذلك من سائر أحكامه الواجبة بدون إذنه سيما مع نهي الولي و إرادة فعله بنفسه أو من أراده، لظاهر النصوص و الفتاوى

ص: 396


1- الوسائل باب: 23 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 6.

..........

______________________________

و الإجماعات السابقة في بعضها، من غير فرق بين الصلاة و غيرها من الغسل و غيره، و إن كان ربما يشعر بترك بعضهم ذكر الوليّ في الأول مع إطلاقه الوجوبية الكفائية بعدمه، و كيف كان، فقد تشهد للمختار مضافا إلى ما سمعته ما عساه يظهر للفقيه إذا أطمح نظره في الكتاب و السنة في أحوال السلف و الخلف من سائر المسلمين بل غيرهم من المليين في جميع الأعصار و الأمصار من القطع و اليقين بأنّ الإنسان ليس كغيره من أفراد الحيوان مما لم يجعل اللّه لأغلب أنواع الرحم فيه مدخلية. بل جعل له أولياء من أرحامه هم أولى به من غيره فيما كان من نحو ذلك.

بل لعلّه هو مقتضى نظام النوع الإنساني و المركوز في طبائعهم حتّى لو أراد غير الولي فعل شي ء من ذلك قهرا على الوليّ توجه إليه اللوم و الذم من سائر هذا النوع من غير نكير في ذلك كما أنه لو أراد فعل ذلك قهرا على غيره لم يكن في نفس أحد من هذا النوع عليه شي ء من ذلك الاعتراض و الإنكار بل كان فعله هو المتلقى بالقبول عند ذوي البصائر و العقول، و كان ما ذكرنا من جميع ذلك مركوزا في طبيعة النوع الإنساني و الشرع أقره على ما هو عليه مع موافقته في أغلب الأحوال للحكم و المصالح المرتبة عليه لكون الوليّ ادعى من غيره المصالح المولى عليه في دنياه و آخرته لما بينهما من المشاركة في الرحم الذي جعله اللّه مثارا لذلك فيطلب له أحسن ما يصلحه من التغسيل و الكفن و مكان الدفن و الصلاة و نحو ذلك.

كما أنّه هو أشد الناس توجعا عليه فيما يصيبه من النوائب في الدنيا و الآخرة و لأنّ ذلك أقطع للقيل و القال و إثارة النزاع عند تزاحم الإرادة و الاختيار في هذه الأفعال إما رغبة فيما أعدّ اللّه لذلك من الثواب و الدرجات أو غيره مما يختلف باختلاف القصد و النيات.

و قد يكون المتوفى ممن يكسب المتولي لمثل ذلك من الأفعال شرفا يبقى في الأعقاب على ما يشعر به طلب الأنصار عن أمير المؤمنين- عليه السلام دخول قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما أنّه قد يكون ممن له عداوة مع من أراد مباشرة هذه الأفعال منه بحيث يصل إلى الحرب بين أولياء الميت و بينهم حذرا من التشفي و غيره.

ص: 397

.....

______________________________

و الحاصل: لا يخفى ما في القول بعدم وجوب مراعاة هذه الأولوية في جميع ذلك من المفاسد العظام كما أنّه لا يخفى على ما في المراعاة لها من المصالح التي يكفي في بعضها الإلزام على ما هو الموافق للكتاب كقوله تعالى:

وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ (1)و قوله تعالى وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ (2) و النصوص من أهل البيت عليهم السلام.

نعم، لما كانت هذه الولاية تابعة لما عرفت من العلقة الرحمية و نحوها و كان ذلك مختلفا باختلافها شدة و ضعفا كشف الشارع عن بعضها و جعله أولى من غيره كما سيظهر لك إن شاء اللّه في الصلاة على الميت مفصلا.

فلا وجه بعد ذلك لما قاله في المستند: «ثمَّ إنّ الأولوية هنا بمعنى الأفضلية، فلو فعله غيره و لو بدون إذنه، بل مع منعه لم يرتكب حراما و لا ترك واجبا و كان الغسل صحيحا إلا أنّه ترك الأفضل».

و كذا سائر شتات الأقوال التي لا مدرك لها إلا الجمود على بعض الروايات فقط مع عدم التأمل في غيرها و في سائر الجهات و لا وجه للتعرض لها و نقدها.

الجهة الثالثة: أنّ هذا الترتيب منزل على مراتب الإرث، و يشهد له وجوه:

الأول: أنّ المراد بالوليّ و بوليّ الميت- و أولى به- في اصطلاح السنة إنّما هو الأولى بالميراث ما لم يدل دليل معتبر على الخلاف، فمهما أطلق يراد به ذلك، و لا يمكن إنكار ذلك لمن تتبع الفقه و الأخبار الواردة فيه.

الثاني: الإجماع المتكرر في كلمات الأعيان على أنّ المراد بالوليّ في المقام إنما هو الأولى بالميراث.

الثالث: صحيح ابن سالم، عن الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«ابنك أولى بك من ابن ابنك، و ابن ابنك أولى بك من أخيك، قال: و أخوك

ص: 398


1- سورة الأنفال الآية: 55.
2- سورة النساء الآية: 33.

.....

______________________________

لأبيك و أمك أولى بك من أخيك لأبيك، و أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك، قال: و ابن أخيك لأبيك و أمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك، قال:

و ابن أخيك من أبيك أولى بك من عملك قال: و عمك أخو أبيك من أبيه و أمه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه قال: و عمك أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه قال: و ابن عمك أخي أبيك من أبيه و أمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه، قال: و ابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى من ابن عمك أخي أبيك لأمه» (1).

إذ لا ريب أنه في مقام بيان الأولى بالميت، فيكون حجة معتبرة في هذه الجهة، و ليس هو عليه السلام في مقام بيان تمام مراتب الأولياء و كلّ ما أمكن أن يكون وليا في الشرع حتّى يشكل عليه من هذه الجهة، فالصحيح حجة فيما يكون في مقام البيان دون ما ليس كذلك، و إطلاقه يشمل الأولوية المطلقة في كلّ ما ينبغي أن يكون وليا فيه مطلقا من مال الميت، و حقوقه و تجهيزاته و سائر جهاته.

الرابع: أنّ التمسك بما مر من الأخبار لإثبات الولاية لغير وليّ الإرث تمسك بالعام في الشبهة الموضوعية، فلا يصح التمسك به، و مورد الإجماع إنّما هو خصوص ذلك.

الخامس: أنّ نفس حق التجهيز من حقوق الوارثة. فلا ريب في شمول أدلة الإرث له بالظهور، و النصوصية، فتشمله الآية المباركة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (2) بعد أنّ حذف المتعلق يفيد العموم، و هذه الوجوه لو لم تفد القطع المراد لأوجبت الاطمئنان العادي الذي عليه المدار في المسائل الفقهية فلا وجه بعد ذلك لأن يقال: إنّ المراد مطلق أولي الأرحام و لو لم يكن وارثا، أو إنّ المراد الولي العرفي أو من كان أشد علاقة بالميت، لأنّ كل ذلك قول بلا دليل، بل مخالف للإجماع. و كون المراد بالولي- في قضاء الصوم، و الصلاة عن الميت- الولد الأكبر، لدليل خارجي لا يدل على أنّ المراد به في المقام ذلك أيضا بعد فقد الدليل، و في المقام أيضا نقول بالولاية الطولية لا

ص: 399


1- الوسائل باب: 1 من أبواب موجبات الإرث حديث: 2.
2- سورة الأنفال: 55.

ثمَّ بعد الأرحام المولى المعتق. ثمَّ ضامن الجريرة (6) ثمَّ الحاكم الشرعي. ثمَّ عدول المؤمنين (7).

______________________________

العرضية- كما يأتي، فليس كل من هو وارث له الولاية للتجهيز. نعم اعتبار الولي العرفي له وجه إذا كشف رضاه عن رضاء الباقين كما هو الغالب، بل الظاهر فيما يتعلق بالتجهيزات حيث إنّ الباقين يكلون رأيهم إليه و يصدرون عن رأيه، و كذا من هو أشد علاقة بالميت إذا كشف ذلك عن إيكال البقية إذنهم إليه، و الظاهر أنّ غير الوارث من الأرحام يوكلون أمر التجهيزات إلى الوارثين منهم، فتطابق الأقوال على ما هو المشهور المنصور. هذا كله بحسب أصل دوران الأولوية بالتجهيزات مدار الأولوية الإرثية.

الجهة الرابعة: إنّ هذه الأولوية ليست عرضية لجميع الورثة كأولويتهم في مال الميت، بل هي في المقام طولية لا أن تكون عرضية لكل من يصلح أن يكون وارثا، و يدل عليه وجوه منها: الأصل بعد قصور الأدلة عن إثبات الولاية العرضية للكل، و إنما المعلوم أنّها تدل على ثبوت الولاية للولي من جهة الولاية الإرثية في الجملة، فيرجع في غير المعلوم إلى أصالة عدم الحق و الولاية.

و منها: ظهور الإجماع على عدم كونها عرضية.

و منها: ما ورد في تقديم الزوج على غيره من الورثة، فيستفاد من الجميع افتراق هذه الولاية عن الولاية الإرثية، و لا بد فيها من تقديم حق من له نحو أهمية في البين و يشهد لذلك العرف أيضا في خصوص المقام و إن قلت: المراد بالولي هنا ما اجتمع فيه أمران الولاية الإرثية، و خصوصية خاصة أخرى يأتي التعرض لها في [مسألة 2].

(6) كلّ ذلك، لإجماعهم- فتوى و عملا- على أنّ الأولى بالميت في تجهيزاته أولى بميراثه، و الأولوية الإرثية مترتبة في جميع ما ذكر من المراتب.

(7) لأنّ الولاية بعد فقد ولاية الإرث تنتقل إلى الإمام عليه السلام، و مع غيبته عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف يتكلفها من يقوم بالأمور الحسبية نيابة عنه عليه السلام و هو الحاكم الشرعي، و مع فقده، فعدول المؤمنين.

ص: 400

..........

______________________________

و يمكن أن يقال: إنّ قيام عدول المؤمنين بمثل هذه الأمور في عرض قيام الحاكم الشرعي لا في طوله حتّى يترتب على فقده إذ المناط كلّه بعد فقد ولاية الإرث القيام بالعمل و إتمامه جامعا للشرائط الشرعية المعتبرة فيها، و نظر الحاكم الشرعي له طريقية إلى ذلك لا أن يكون شرطا للصحة كإذن الولي في الإرث، للأصل، و الإطلاقات من غير ما يصلح للتقييد فيه، و على هذا فذكر عدول المؤمنين أيضا من باب الطريقية، فلو قام بالأمر فاسق، أو مجهول الحال و أتمه على طبق الوظيفة الشرعية، لصح و أجزأ.

فروع- (الأول): لو علم المباشر للتجهيزات برضاء الولي به لو استأذن منه، فالظاهر الصحة و الإجزاء، لأنّ الإذن اللفظي أو الكتبي طريق للعلم بالرضاء لا أن يكون له موضوعية خاصة.

(الثاني): هل تجزي إجازة الولي بعد صدور العمل بدون رضاه أو مع منعه؟

و بعبارة أخرى: هل تجري الفضولية في تجهيزات الميت أو لا؟ الظاهر الجريان، فيصح العمل مع وقوعه جامعا للشرائط من قصد القربة فيما تعتبر فيه القربة و كذا غيرها من الشرائط.

(الثالث): لو كان عملة الموتى في بلد منحصرين في أشخاص خاصة بحيث كان رضاء نوع أهل البلد حاصلا بتصديهم لتجهيزات الأموات، فالظاهر كفاية ذلك في إحراز الرضاء.

(الرابع): لو أذن الولي لشخص خاص بزعم أنّه زيد، أو أنّه واجد لصفة خاصة، فبان الخلاف فإن كان بعنوان التقييد يبطل و الا فيصح و يجزي.

(الخامس): المعتبر من الإذن إنّما هو في أصل إتيان العمل في الجملة و أما سائر الجهات، فمقتضى الأصل، و الإطلاق عدم اعتبار الإذن، نعم، لو نهي الولي عنها لا بد من متابعته.

(السادس): المباشر يعمل في التجهيزات بمقتضى تكليفه و لا يجب عليه العمل بحسب تكليف الولي إلا مع الشرط.

ص: 401

مسألة 2: في كلّ طبقة الذكور مقدمون على الإناث

(مسألة 2): في كلّ طبقة الذكور مقدمون على الإناث (8)، و البالغون على غيرهم (9).

______________________________

(السابع): لو أذن الولي لاثنين أو أكثر لا يجوز لأحدهم القيام بالعمل بدون الآخر.

(الثامن): يجوز للمأذون المباشرة و التسبيب إن كان الإذن بنحو التعميم و لا يجوز إن كان بنحو الاختصاص.

(التاسع): يجوز للمأذون أخذ الأجرة فيما لا يعتبر فيه القربة، كما أنّ الظاهر جواز أخذ العوض للآذن في مقابل إذنه، للأصل و الإطلاق و تسلط كلّ ذي حق على حقه.

(8) لأنّ ما تقدم من مراعاة إذن من له ولاية الإرث إنّما ينفع في عدم صحة استبداد الأجنبيّ، و دفع مزاحمته للوليّ. و أما تقديم بعضهم على بعض أو كونهم في عرض واحد، فلا يستفاد منه لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة، و الشك في ذلك يكفي في عدم جواز التمسك به، فلا بد فيه من مراعاة القرائن الخارجية، و العمل بها، و مع تعدد الوارث- و كون بعضهم رجالا و بعضهم نساء- لا ينسبق إلى الذهن من الولي في أمور الميت الا الرجال، و قد جرت السيرة عليه في جميع الأعصار و الأزمان، و هذه قرينة معينة- على فرض ثبوت الإطلاق من هذه الجهة- مع أنّه قد تقدم عدم ثبوته، و يمكن تأييده بأنّ الرجال أسد رأيا و أقوى جانبا، و نحو ذلك من التأييدات و هي إن لم تصلح للاستدلال لكنّها تصلح للتأييد و الاستشهاد.

(9) لأنّ من لا يصلح نظره للولاية على نفسه كيف يصلح للولاية على غيره؟! و لا مجال لتوهم أن وليّ الصغير يكون وليا على الميت، لأنّ ولايته إنّما هي فيما كان ثابتا للصغيرة من حق أو مال، و المفروض عدم ثبوت هذا الحق للصغير.

الا أن يقال: إنّ الحق الفعلي و إن لم يكن ثابتا و لكن الحق الاقتضائي ثابت

ص: 402

و من متّ إلى الميت بالأب و الأم أولى ممن متّ بأحدهما (10)، و من انتسب إليه بالأب أولى ممن انتسب إليه بالأم (11). و في الطبقة الأولى الأب مقدم على الأم (12) و الأولاد (13) و هم مقدمون على أولادهم (14). و في الطبقة الثانية الجد مقدم على الأخوة (15) و هم مقدمون على أولادهم و في الطبقة الثالثة العم مقدم على الخال (16)، و هما على أولادهما (17).

______________________________

و يكفي هذا المقدار في صحة الولاية، و يأتي في [مسألة 5] الاحتياط في الاستئذان منه.

(10) للانسباق العرفي فيه أيضا و الشك في شمول الإطلاق لغيره مع وجوده.

(11) لما مر في سابقة، و يستفاد من خبر الكناسي المتقدم أيضا.

(12) للعرف، و الاعتبار، و لما تقدم من تقدم الذكور على الإناث، و يستفاد من خبر الكناسي من أنّ مراعاة جانب الأب أولى، و يؤيده أيضا أنّه أبصر بهذه الخصوصيات من الام.

(13) عرفا، و اعتبارا، و إجماعا- كما في التذكرة- و لكن الظاهر أنّ حكم العرف، و شهادة الاعتبار يختلف باختلاف الموارد و الأشخاص.

(14) لخبر الكناسي (1) و ظهور الإجماع، و لأنهم أولى بالميراث و أمسّ إلى الميت.

(15) لأنّه المأنوس في أذهان المتشرعة، بل جميع الناس.

(16) لما يستفاد من خبر الكناسي من أولوية مراعاة جانب الأب.

(17) لكونها أقرب إلى الميت و أمس به منهما، و منشأ التقديم في جميع ما مر تقديم الأهم، أو محتمل الأهمية على غيره، و لو فرض إحراز الأهمية بنحو

ص: 403


1- تقدم في صفحة: 398.
مسألة 3: إذا لم يكن في طبقته ذكور

(مسألة 3): إذا لم يكن في طبقته ذكور فالولاية للإناث (18).

و كذا إذا لم يكونوا بالغين، أو كانوا غائبين (19) لكن الأحوط الاستئذان من الحاكم- أيضا- في صورة كون الذكور غير بالغين أو غائبين (20).

مسألة 4: إذا كان للميت أم و أولاد ذكور فالأم أولى

(مسألة 4): إذا كان للميت أم و أولاد ذكور فالأم أولى (21) لكن الأحوط الاستئذان من الأولاد أيضا.

مسألة 5: إذا لم يكن في بعض المراتب إلا الصبي

(مسألة 5): إذا لم يكن في بعض المراتب إلا الصبي أو المجنون أو الغائب فالأحوط الجمع (22) بين إذن الحاكم و المرتبة

______________________________

آخر غير ما تقدم لا يبعد تقديمه، و لكن الأحوط الاستئذان منه و من غيره أيضا، بل الاحتياط فيما مر ذلك أيضا.

(18) لكونهن حينئذ أولى بالميراث، و في صحيح زرارة: «المرأة تؤم النساء؟ قال عليه السلام: لا الا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها» (1).

(19) لكونهما حينئذ كالمعدوم و كذا المجنون. و لو أمكن الاستئذان من الغائب وجب.

(20) لاحتمال كون المورد من موارد الحسبة، فيكون المرجع الحاكم الشرعي.

(21) بدعوى: أنّ الأولوية العرفية توجب الأولوية في المقام أيضا خصوصا إن كانت متشرعة، و من أهل الصلاح و التقوى.

و فيه إشكال لأن ما ذكر لا يصلح مدركا للحكم الشرعي، مع ما تقدم من تقديم الذكور على الإناث.

(22) للعلم الإجمالي بوجود من يجب موافقته في البين مع عدم حجة معتبرة على تعينه، فيجب الاحتياط لا محالة.

ص: 404


1- الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

المتأخرة لكن انتقال الولاية إلى المرتبة المتأخرة لا يخلو عن قوة (23).

و إذا كان للصبيّ وليّ فالأحوط الاستئذان منه (24).

مسألة 6: إذا كان أهل مرتبة واحدة متعددين

(مسألة 6): إذا كان أهل مرتبة واحدة متعددين يشتركون في الولاية، فلا بد من إذن الجميع و يحتمل تقديم الأسنّ (25).

مسألة 7: إذا أوصى الميت في تجهيزه إلى غير الوليّ

(مسألة 7): إذا أوصى الميت في تجهيزه إلى غير الوليّ، ذكر بعضهم عدم نفوذها إلا بإجازة الوليّ (26)، لكن الأقوى صحتها و وجوب

______________________________

(23) بدعوى: أنّ الغائب كالمعدوم الصرف فتنطبق الإطلاقات، و العمومات على المرتبة المتأخرة قهرا و هو حسن إن أريد بالمعدومية عدم الأثر، و أما إن كان المراد عدم الذات، فهو ظاهر الخدشة، و لكن بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع يمكن أن يقال: إنّ المراد عدم الأثر الأعمّ من عدم الذات.

(24) بدعوى: عموم ولايته لكلّ ما يكون للصبيّ و لو اقتضاء.

(25) أما الاشتراك، فلظهور الدليل في قيام حق واحد قائم بالمجموع لا أن يكون لكلّ واحد حق مستقل في مقابل الآخر. نعم، لو كان المورد قابلا للتبعيض كما في الماليات كان له وجه أيضا، و لكنّه ليس كذلك عرفا.

و أما الاحتمال، فلانطباق الولاية عليه عرفا، و لاختصاص وجوب القضاء عن الميت به. و لكن الثاني قياس، و الأول لا بأس به إن كان من القرينة المحفوفة بالكلام كما لا يبعد ذلك.

(26) نسب ذلك إلى المشهور و الاحتمالات في حق التجهيزات ثلاثة:

اختصاصه بالميت، و اختصاصه بالولي، و اشتراكهما فيه، فعلى الأول تنفذ الوصية بلا إشكال بخلاف الثاني. و على الأخير لا بد من إحراز رضائهما معا، فلو أوصى الميت لشخص خاص لا بد من استئذانه من الوليّ و لو أراد الوليّ أن يأذن لشخص يحتمل عدم رضاء الميت ليس له ذلك، و قد استظهرنا سابقا من المرتكزات، الأخير.

و يمكن أن يقال: إنّ جعل ولاية التجهيز شرعا إنّما هو لأن لا يهمل شؤون

ص: 405

العمل بها، و الأحوط إذنهما معا، و لا يجب قبول الوصية على ذلك الغير (27)، و إن كان أحوط.

مسألة 8: إذا رجع الوليّ عن إذنه في أثناء العمل

(مسألة 8): إذا رجع الوليّ عن إذنه في أثناء العمل لا يجوز للمأذون الإتمام و كذا إذا تبدل الوليّ بأن صار غير البالغ بالغا، أو الغائب حاضرا أو جنّ الوليّ، أو مات، فانتقلت الولاية إلى غيره (28).

مسألة 9: إذا حضر الغائب، أو بلغ الصبيّ، أو أفاق المجنون بعد تمام العمل

(مسألة 9): إذا حضر الغائب، أو بلغ الصبيّ، أو أفاق المجنون بعد تمام العمل من الغسل أو الصلاة- مثلا- ليس له الإلزام بالإعادة (29).

______________________________

الميت و تجهيزاته و مع تعيينه ذلك بنفسه و الاعتماد عليه لا موضوع للولاية أصلا و لا مورد للبحث عن حق الوليّ و عدمه لتكون الوصية دافعة لحق الوليّ.

ثمَّ إنّه لا وجه في المقام للتمسك بعموم ولاية الوليّ لدفع الوصية و إبطالها، لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية من هذه الجهة، و أما التمسك بعموم أدلة الوصية، فالظاهر صحته و عدم كونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لأنّ موضوع وجوب إنفاذ الوصية كلّ ما يكون وصية عرفا و لم يثبت الردع عنه شرعا، و المفروض عدم ثبوت الردع، فيكون حق الوليّ حقا اقتضائيا يصير فعليا إن لم يعمل الشخص حقه.

و لو أوصى بأن لا يجهزه شخص خاص فجهزه ذلك الشخص بإذن الوليّ جاهلا بالحال يجزي أو لا؟ وجهان.

(27) للأصل بعد عدم دليل عليه كما في سائر الوصايا، و يأتي التفصيل في كتاب الوصية إن شاء اللّه تعالى.

(28) كلّ ذلك لاعتبار إذن الولي حدوثا و بقاء فيما يتعلق به كما في سائر الموارد.

(29) لقاعدة الإجزاء بعد وقوع العمل مستجمعا للشرائط، و أصالة عدم الولاية بعد الشك في شمول أدلتها للفرض.

ص: 406

مسألة 10: إذا ادعى شخص كونه وليّا، أو مأذونا من قبله

(مسألة 10): إذا ادعى شخص كونه وليّا، أو مأذونا من قبله، أو وصيّا فالظاهر جواز الاكتفاء بقوله ما لم يعارضه غيره (30)، و إلا احتاج إلى البينة (31) و مع عدمها لا بد من الاحتياط (32).

مسألة 11: إذا أكره الوليّ أو غيره شخصا على التغسيل أو الصلاة على الميت

(مسألة 11): إذا أكره الوليّ أو غيره شخصا على التغسيل أو الصلاة على الميت، فالظاهر صحة العمل إذا حصل منه قصد القربة، لأنه أيضا مكلّف كالمكره (33).

______________________________

(30) للسيرة في الجملة، و لكن المتيقن منها مورد حصول الاطمئنان، و يأتي- في كتاب الزكاة في مدعي الفقر، و في كتاب القضاء في المدعي بلا معارض- بعض ما يناسب المقام.

(31) لأنّها حينئذ من مورد المخاصمة التي لا ترتفع الا بموازين القضاء على ما يأتي تفصيله في محله إن شاء اللّه تعالى.

(32) للعلم الإجمالي المردد بينهما، فيجب الاحتياط.

(33) لأنّ المقتضي للصحة موجود، و المانع عنها مفقود، إذ المانع إما عدم حصول القربة و المفروض تحققها أو أنّ إتيان العمل القربي بإكراه الغير ينافي الإخلاص المعتبر في العمل، و يأتي في [مسألة 2] من (فصل صلاة الاستيجار) بيان عدم المنافاة و لو كان الإكراه لحق، فلا وجه للإشكال فيه من هذه الجهة.

فروع- (الأول): الظاهر جواز إسقاط الوليّ حقه، فيرجع إلى المرتبة اللاحقة و مع عدمها فإلى الحاكم الشرعي.

(الثاني): لو أذن الولي في زمان حياة الميت، فهل يحتاج إلى إذن جديد بعد موته أو لا؟ وجهان، مقتضى الأصل عدم الاحتياج بعد ثبوت أصل الحق الاقتضائي في زمان الحياة أيضا له.

(الثالث): لو كان هناك أموات و حصل الإذن لبعضهم دون البعض الآخر و تردد المأذون بين شخصين أو أشخاص لا يجزي العمل بالنسبة إلى بعض

ص: 407

مسألة 12: حاصل ترتيب الأولياء

(مسألة 12): حاصل ترتيب الأولياء: أنّ الزوج مقدم على غيره، ثمَّ المالك، ثمَّ الأب، ثمَّ الأم، ثمَّ الذكور من الأولاد البالغين ثمَّ الإناث البالغات، ثمَّ أولاد الأولاد، ثمَّ الجد، ثمَّ الجدة، ثمَّ الأخ، ثمَّ الأخت ثمَّ أولادهما، ثمَّ الأعمام، ثمَّ الأخوال، ثمَّ أولادهما ثمَّ المولى المعتق، ثمَّ ضامن الجريرة، ثمَّ الحاكم، ثمَّ عدول المؤمنين (34).

______________________________

الأطراف، لعدم إحراز الإذن.

(الرابع): لو كان الولي مشككا و وسواسيا في الإذن سقط اعتبار إذنه، لتنزل الأدلة على المتعارف فتصل إلى المرتبة اللاحقة، و الأحوط مراعاة إذنه مهما أمكن.

(الخامس): لو ترددت الأولياء بين أشخاص و الموتى كذلك و لم يتميز كلّ وليّ ميتة- كما قد يقع في بعض الحروب- يكفي الإذن الإجمالي من الجميع للجميع.

(السادس): إذا أحرقت جثة شخص بحيث لم يبق الا الرماد أو أغرقت فلا موضوع للإذن، إذا لا موضوع للتجهيز.

(34) هذه المسألة خلاصة ما تقدم في المسألة السابقة و قد تقدم دليلها.

ص: 408

فصل في تغسيل الميت

(فصل في تغسيل الميت) يجب كفاية تغسيل كلّ مسلم، سواء كان اثني عشريا (1) أو غيره (2) (فصل في تغسيل الميت)

______________________________

(1) بضرورة من المذهب، و نصوص يأتي التعرض لها.

(2) لأنّ أحكام الشريعة المقدسة شاملة لكلّ من أقرّ بالشهادتين الا ما خرج بالدليل و لا دليل على الاختصاص في المقام، مع شمول العمومات، و الإطلاقات له، كقول الصادق عليه السلام: «غسل الميت واجب»(1).

و خبر أبي خالد: «اغسل كلّ الموتى، الغريق، و أكيل السبع، و كلّ شي ء إلا ما قتل بين الصفين» (2).

مضافا إلى السيرة في كلّ طبقة من أول الإسلام و عدم ثبوت الردع عنها.

و من قال بعدم الوجوب، يمكن أن يكون لأجل ذهابه إلى كفرهم، فيمكن دعوى الإجماع على الوجوب مع فرض إسلامهم، مع ما دل على وجوب الصلاة عليهم و تكفينهم و دفنهم فإنّ الظاهر وحدة سياق أدلة التجهيزات كلّها و تفريغها عن لسان واحد.

و المناقشة: في الأول بأنّه ورد لبيان أصل الوجوب لا التعميم.

مردودة: بما ثبت في محلّه من أنّ حذف المتعلق يفيد العموم كضعف المناقشة في الثاني بأنّه في مقام بيان أنواع الموت لا أنواع الموتى، لعدم المنافاة بين إرادة أنواع الموت و أنواع الموتى من كلّ نوع من الموت. كما أنّه لا وجه

ص: 409


1- الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

لكن يجب أن يكون بطريق مذهب الاثني عشري (3)، و لا يجوز

______________________________

للمناقشة في عدم ثبوت الردع بعدم قدرة المعصومين عليهم السلام عليه، لمنع عدم القدرة من زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله إلى عصر الغيبة و لو في الجملة عند بعض خواص الأصحاب.

إن قيل: كيف يجب غسلهم مع ما ورد فيه من أنّه لأجل القرب إلى رحمة اللّه و ملاقاة الملائكة و نحو ذلك (1) و القوم بمعزل عن ذلك؟

قلت: ما ورد إنّما هو حكمة في التشريع لا علة الحكم المشروع، مع أنّ لرحمة اللّه تعالى مراتب غير متناهية يمكن أن يكون من بعض مراتبها تخفيف العذاب في البرزخ.

و بالجملة: لإظهار كلمة الشهادتين حرمة لا بد من مراعاتها ظاهرا و اللّه يعلم بما يعمل بهم واقعا. هذا، مع أنّ الإكرام في الحقيقة للشهادتين لا للميت من حيث هو.

(3) لبطلان طريقة غيرهم. نعم، لو غسلوا الموتى بطريقتهم يسقط التكليف عن الاثني عشري، لقاعدة الإلزام، مضافا إلى السيرة.

إن قيل: يظهر من جامع المقاصد التسالم من الأصحاب على أنّه يغسل غسلهم حيث قال: «إنّ ظاهرهم أنه لا يجوز تغسيله أهل الولاية و لا نعرف لأحد تصريحا بخلافه» و هو مقتضى قاعدة الإلزام أيضا.

قلت: أما استظهار جامع المقاصد الإجماع على أنّه لا يجوز تغسيله غسل أهل الولاية، فالظاهر أنّه عند التقية، فلا يجوز تغسيله كغسلنا حينئذ. و الا فلا وجه للإجماع إذ المسألة ذات أقوال أربعة: الجواز مطلقا، و الكراهة، و الحرمة، و الوجوب، و الأصل في الخلاف المفيد في المقنعة حيث قال: «و لا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية و لا يصلي عليه إلا أن تدعو ضرورة إلى ذلك، و يمكن كونه مبنيا على القول بالكفر».

ص: 410


1- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3 و 4 و غيره.

تغسيل الكافر و تكفينه و دفنه بجميع أقسامه من الكتابي، و المشرك، و الحربي، و الغالي، و الناصبي، و الخارجي، و المرتد الفطري، و الملي إذا مات بلا توبة (4) و أطفال المسلمين بحكمهم (5)، و أطفال

______________________________

و أما قاعدة: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»، ففيها أولا: أنّها تجري فيما إذا كان شي ء لنا لا أن يكون التكليف علينا و كنا مكلفين بالإتيان به.

و ثانيا: أن العمل بعموم القاعدة يحتاج إلى عمل الأصحاب بها، فهي تكون جزء الدليل لا تمامه، و كذا ما تقدم في صحيح خلف بن حماد: «لا تعلموا هذا الخلق أصول دين اللّه، بل ارضوا لهم ما رضي اللّه لهم من ضلال» (1) فإنّه لا بد و أن يحمل على بعض المحامل. و بالجملة اعتقادهم بالشهادتين و القرآن و القبلة، يلزمنا بإجراء أحكام الشرع عليهم بعد الموت- كإجراء أحكامه عليهم قبله- و قال في الجواهر: «فالإكرام في الحقيقة لهما (أي للشهادتين) كما أنّه من أجلهما روعيت فيهم أمور كثيرة».

(4) كتابا، و سنة، و إجماعا قال تعالى وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (2).

و قال الصادق عليه السلام في النصراني يموت: «لا يغسله مسلم- و لا كرامة- و لا يدفنه، و لا يقوم على قبره و إن كان أباه» (3)، و عن الحسين عليه السلام لمعاوية: «يا معاوية لكنا لو قتلنا شيعتك ما كفّناهم و لا صلّينا عليهم و لا دفناهم» (4) و تقتضيه مرتكزات الناس، لأنّ أهل كلّ ملة لا يفعلون بموتي غير أهل ملتهم ما يفعلونه بموتي ملتهم إلا مع الاضطرار أو نحوه.

ثمَّ إنّه لا ريب في البطلان و عدم الأثر لو غسل، بل تثبت الحرمة التكليفية إن كان بالنحو المعهود شرعا، للنهي المستلزم للعصيان.

(5) لأنّ تبعية الأولاد في الديانة للوالدين، مقتضى السيرة المستمرة في كلّ

ص: 411


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الحيض ذيل حديث: 1.
2- سورة التوبة: 9.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 18 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

الكفار بحكمهم، و ولد الزنا من المسلم بحكمه، و من الكافر بحكمه (6)، و المجنون إن وصف الإسلام بعد بلوغه مسلم (7)، و إن وصف الكفر كافر (8)، و إن اتصل جنونه بصغره فحكمه حكم الطفل في لحوقه بأبيه أو أمه. و الطفل الأسير تابع لآسره (9) إن لم يكن معه أبوه أو

______________________________

زمان و لم يردع عنها الشارع، بل يدل عليها بعض الأخبار في الموارد المتفرقة تأتي في هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى، و تقدم في تبعية ولد الكافر له و في الإسلام بعض ما ينفع المقام (1).

(6) للسيرة على التبعية فيهما أيضا و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الولد للفراش و للعاهر الحجر» (2).

إنّما هو بالنسبة إلى الإرث فقط لا بالنسبة إلى سائر الجهات كما أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله: «كل مولود يولد على الفطرة» (3)إنّما هو بالنسبة إلى استعداده للإسلام لا فعليته، فلا ينافي التبعية الفعلية، و إلا لم يبق مورد للتبعية الكفرية أصلا. هذا، مضافا إلى قصور سنده.

(7) للإجماع، و لعموم ما دل على أنّ من أقر بالشهادتين فهو مسلم و تقتضيه السيرة قديما و حديثا.

(8) لأنّ ظاهر لفظه حجة معتبرة عرفا كحجية سائر الظواهر.

(9) للسيرة المستمرة، و ظهور الحال، و هو حجة كظاهر المقال ما لم تكن أمارة على الخلاف.

ص: 412


1- راجع ج: 2 الصفحة: 111.
2- الوسائل باب: 58 من أبواب نكاح العبيد، و الإماء و باب: 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة.
3- الوسائل باب: 48 من أبواب الجهاد حديث: 3 بتغير يسير.

أمه أو جده أو جدته (10). و لقيط دار الإسلام بحكم المسلم (11)، و كذا لقيط

______________________________

(10) للإجماع على عدم التبعية حينئذ، مع أنّ عمدة دليل تبعية الأسير للأسر، السيرة و المتيقن منها غير هذه الصورة.

(11) لظهور الحال، و دعوى الإجماع، و سيرة المسلمين حيث يجرون على هذا اللقيط أحكام الإسلام و المرجع في دار الإسلام هو العرف و كذا الثاني، لأنّه مع إمكان ولادة اللقيط من المسلم عرفا ليس لنا أن نحكم بكفره و من لم يحكم بكفره يجب تغسيله، للعمومات، و لكن يظهر من الأصحاب اعتبار الإسلام و لو تبعا، و يمكن أن يستشهد له بقوله عليه السلام: «صلّ على من مات من أهل القبلة و حسابه على اللّه» (1).

بناء على عدم الفصل بين الصلاة و سائر التجهيزات، و لكن الظاهر أنّ المراد بأهل القبلة كلّ من لم يثبت كفره شرعا، و أمكن الحكم بإسلامه كذلك، و يأتي في كتاب اللقطة أنّ كلّ من أمكن ولادته من المسلم أو الكافر، فهو مسلم تغليبا للإسلام و ليس للفظ دار الإسلام و دار الكفر أثر في الأخبار على ما تفحصت عاجلا و لا ريب في أنّ اللقيط في دار الكفر مع وجود مسلم فيها- يمكن ولادته منه و يحتمل فيه الولادة من المسلم و الكافر- يغلب حينئذ جانب الإسلام.

و أما الاستدلال بحديث الفطرة (2) للمقام، فقد تقدم ما فيه من الكلام كما أنّ الاستدلال بحديث: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» (3).

مخدوش، لانّه مجمل، لاحتمال، أن يكون المراد منه أول ظهور شوكة الإسلام، أو ما يظهر في آخر الزمان، أو أنّ المراد العلوّ بحسب المتعارف و الحجج أو غير ذلك كما تقدم (4).

ص: 413


1- الوسائل باب: 37 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 48 من أبواب الجهاد.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب موانع الإرث.
4- راجع ج: 2 صفحة: 111.

دار الكفر إن كان فيها مسلم يحتمل تولده منه. و لا فرق في وجوب تغسيل المسلم بين الصغير و الكبير (12)، حتّى السقط إذا تمَّ له أربعة أشهر (13)،

______________________________

تلخيص: ظهر مما تقدم أنّ مورد التبعية ستة: الصغير، و المجنون المتصل جنونه بصغره، و ولد الزنا الصغير، و اللقيط، و المسبيّ، و المجنون العارض جنونه بعد وصفه الإسلام، فإنّه بعد عروض الجنون مسلم تبعا لما قبله.

فرعان- (الأول): لو تاب المرتد و مات وجب تغسيله، لما تقدم في [مسألة 3] من (الثامن من المطهرات) من قبول توبته.

(الثاني): لو ارتد يتبعه أولاده الصغار في الكفر ما لم يصفوا الإسلام وصفا صحيحا. و لو تاب يتبعونه في الطهارة هكذا.

(12) للإطلاق، و الاتفاق فتوى و عملا.

(13) للإجماع، و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «السقط إذا تمَّ له أربعة أشهر غسل» (1).

و عن سماعة قال: «سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل و اللحد و الكفن؟ قال عليه السلام: نعم، كلّ ذلك يجب عليه إذا استوى» (2) و الظاهر التلازم بين الاستواء و مضيّ أربعة أشهر كما يستفاد من الأخبار:

منها: خبر حسن بن الجهم قال: «سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ثمَّ تصير علقة أربعين يوما، ثمَّ تصير مضغة أربعين يوما، فإذا أكمل أربعة أشهر بعث اللّه تعالى ملكين خلاقين، فيقولان يا رب ما تخلق ذكرا أو أنثى؟ فيؤمران» (3).

و منها: ما عن محمد بن إسماعيل أو غيره قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: «الرجل يدعو للحبلى أن يجعل اللّه تعالى ما في بطنها ذكرا سويا قال: يدعو ما بينه و بين أربعة أشهر فإنّه أربعين ليلة نطفة، و أربعين ليلة علقة

ص: 414


1- الوسائل باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 4.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
3- راجع الكافي باب بدء الخلق- باب: 6 من كتاب العقيقة حديث: 3.

.....

______________________________

و أربعين ليلة مضغة فذلك تمام أربعة أشهر ثمَّ يبعث اللّه تعالى ملكين خلاقين- الحديث-»(1).

و منها: ما عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: «سألته أن يدعو اللّه عزّ و جل لامرأة- إلى أن قال:- فقال أبو جعفر عليه السلام: الدعاء ما لم يمض أربعة أشهر فقلت له: إنّما لها أقل من هذا فدعا لها، ثمَّ قال: إنّ النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوما، و تكون علقة ثلاثين يوما و تكون مضغة ثلاثين يوما، و تكون مخلقة و غير مخلقة ثلاثين يوما فإذا تمت الأربعة أشهر بعث اللّه إليها ملكين خلاقين يصورانه و يكتبان رزقه و أجله» (2).

و هذه الأخبار كما ترى صريحة في أنّه بتمام الأربعة يتم خلقه، و بذلك صرح في الفقه الرضوي (3)و ظاهر مثل هذه الأخبار أنّ مراتب نمو النطفة- في الرحم إلى قبل أربعة أشهر، و نزول الملك لا اقتضاء بالنسبة إلى الذكورة و الأنوثة، و بنزول الملك و التصوير الخاص للنطفة بإذن اللّه- تعالى- يصير من أحدهما، و يمكن أن يستفاد من قوله تعالى ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ(4).

أنّ أطوار الخلق في المراتب الأولى مشتركة و بعدها يصير خلقا مختصا بأحد النوعين الذكور أو الإناث.

ثمَّ إنّ للاستواء مراتب متفاوتة من ظواهر الجسمية، و من سائر الجهات التي لا يحيط بها إلا اللّه- تعالى- و يكفي في المقام الاستواء في الجملة للإطلاق فلا ينافي ذلك قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا سقط لستة أشهر فهو تام و ذلك أنّ الحسين بن عليّ عليه السلام ولد و هو ابن ستة أشهر» (5) مع أنّه لا يدل على أنّ التمامية و الاستواء يحصلان بستة أشهر، لإمكان كونه في مقام الإخبار عن الاستواء مطلقا و لو كان قد حصل قبل ستة أشهر، و يمكن أن يكون ورد لبيان التمامية لاستعداده للحياة بعد الولادة، و قبل ستة أشهر لا استعداد له.

ص: 415


1- الوسائل باب: 64 من أبواب الدعاء حديث: 1 و 4.
2- الوسائل باب: 64 من أبواب الدعاء حديث: 1 و 4.
3- مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
4- سورة المؤمنون: 23.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

و يجب تكفينه و دفنه (14) على المتعارف (15)، لكن لا تجب الصلاة عليه (16)، بل لا تستحب أيضا. و إذا كان للسقط أقل من أربعة أشهر لا يجب غسله، بل يلف في خرقة و يدفن (17).

______________________________

(14) كما ثبت في محله و أما ما ورد من أنّ: «السقط يدفن بدمه في موضعه»(1).

فلا بد من حمله على ما دون الأربعة.

(15) إجماعا و نصا تقدم في موثق سماعة، و يمكن استفادة وجوب التحنيط منه أيضا كما صرح به جمع.

(16) يأتي التفصيل في (فصل الصلاة على الميت).

(17) أما عدم وجوب الغسل، فللأصل، و الإجماع، و مفهوم ما تقدم من الأخبار، و لخبر ابن الفضيل: «كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام عن السقط كيف يصنع به؟ فكتب عليه السلام إليّ: السقط يدفن بدمه في موضعه» (2).

المحمول على قبل إتمام أربعة أشهر جمعا، و إجماعا. و أما اللف بالخرقة، فلظهور الإجماع، مضافا إلى السيرة. و أما الدفن، فللإجماع، و السيرة، و ما مر من خبر ابن الفضيل. نعم، لم يعهد قائل بوجوب دفنه في موضعه كما يظهر في الخبر، و الظاهر أنّه في مقام بيان عدم اعتبار دفنه في المقابر بل يدفن في أيّ موضع من الأرض. هذا إذا كان له جسد عرفا و إلا فالدليل قاصر عن وجوب اللف و الدفن و إن كان أحوط مهما أمكن.

فرع: هل تشمل المندوبات قبل الدفن، و حينه، و بعده، للسقط الذي تمَّ له أربعة أشهر أو لا؟ وجهان من الجمود على الإطلاقات، و من صحة الانصراف

ص: 416


1- الوسائل باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب غسل الميت حديث: 5.

.....

______________________________

عنه عرفا، مع أنّه غير معهود عند المتشرعة و الأولى لمن أراد أن يأتي بها قصد الرجاء.

ثمَّ إنّ ظاهر تعبيرات الفقهاء بالسقط أنّه لو ماتت الحامل مع جنينها في بطنها تسقط تجهيزات الجنين مطلقا و لو تمت له تسعة أشهر إذ لا دليل على شق بطن الحامل و إخراجه مقدمة لتجهيزاته بل الظاهر عدم الجواز فيجري حكم التبعية في التجهيزات مطلقا. و لم أر من تعرض لهذا الفرع فيما تفحصت عاجلا.

ص: 417

فصل يجب في الغسل نية القربة

(فصل) يجب في الغسل نية القربة (1) على نحو ما مر في الوضوء و الأقوى كفاية نية واحدة للأغسال الثلاثة (2). و إن كان الأحوط تجديدها عند كلّ (فصل)

______________________________

(1) للإجماع، و سيرة المتشرعة قديما، و حديثا، و أما الاستدلال عليها.

بقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (1) و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا عمل إلا بنية» (2) أو «و إنّما الأعمال بالنيات» (3).

و بقاعدة الاشتغال لا وجه له، إذ الأول في مقام بيان ترك عبادة الأوثان و طرح الأنداد و الإيمان برب العباد و ليس في مقام بيان اعتبار القربة في شي ء و الإلزام تخصيص الأكثر و الثاني في مقام حسن نية المثوبات، كما يدل عليه ذيل الحديث، فعن موسى بن جعفر، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حديث قال: «إنّما الأعمال بالنيات، و لكل امرئ ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه عز و جل، و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له الا ما نوى» (4).

و الأخير باطل، لأنّ المقام من موارد الشك في الشرطية، و المرجع فيها البراءة، مضافا إلى كفاية الإطلاقات في عدم الاعتبار.

(2) لأنّ المتفاهم من الأدلة عرفا أن غسل الميت عمل واحد مركب من

ص: 418


1- سورة البينة: 5.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 6.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

غسل (3). و لو اشترك اثنان يجب على كلّ منهما النية (4). و لو كان أحدهما معينا و الآخر مغسّلا وجب على المغسل النية (5)، و إن كان الأحوط نية المعين أيضا، و لا يلزم اتحاد المغسّل، فيجوز توزيع الثلاثة على ثلاثة، بل يجوز في الغسل الواحد التوزيع (6) مع مراعاة الترتيب.

و يجب حينئذ النية على كلّ منهم.

______________________________

أجزاء ثلاثة، مع أنّ المقام من موارد الأقل و الأكثر و التحقيق فيها هو الأول، مع أنه لا أثر لهذا النزاع أصلا بناء على أنّ النية هي الداعي و هي مستمرة.

(3) ظهر مما تقدم أنّ هذا ليس من الاحتياط، بل الأحوط التجديد عند كلّ غسل بعنوان التكليف الفعلي جمعا بين الاحتمالين.

(4) لأنّ كلّ واحد منهما مغسل، يشمله دليل وجوب النية على الغاسل، و كذا لو كان الاشتراك بين أكثر من اثنين.

(5) للأصل بعد عدم صدق الغاسل عليه، فتعيّن على المغسل فقط.

(6) كلّ ذلك، للإطلاقات، و أصالة عدم الاشتراط في كلّ شرط شك فيه.

ص: 419

فصل تجب المماثلة بين الغاسل و الميت في الذكورية و الأنوثية
اشارة

(فصل) تجب المماثلة بين الغاسل و الميت في الذكورية و الأنوثية، و لا يجوز تغسيل الرجل للمرأة، و لا العكس (1) و لو كان من فوق اللباس و لم يلزم لمس أو نظر (2) إلا في موارد:

(أحدها): الطفل الذي لا يزيد سنّه عن ثلاث سنين، يجوز (فصل)

______________________________

(1) لنصوص كثيرة، بل الضرورة من المذهب في الجملة- إن لم تكن من الدين- و كونه من المقطوع به من مذاق الشرع، و عن الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي: «المرأة تموت في السفر و ليس معها ذو محرم و لا نساء قال عليه السلام: «تدفن كما هي بثيابها، و عن الرجل يموت و ليس معه الا النساء ليس معهنّ رجال، قال: يدفن كما هو بثيابه» (1).

و عنه عليه السلام أيضا في صحيح ابن أبي يعفور: «أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهنّ رجل كيف يصنعن به؟ قال: يلففنه لفا في ثيابه و يدفنه و لا يغسلنه» «(2).

و عنه أيضا في الصحيح: «عن امرأة ماتت مع رجال قال: تلف و تدفن و لا تغسل»(3).

(2) لإطلاق ما تقدم من الأخبار، و إطلاق معاقد الإجماعات الشامل لجميع ما ذكر.

______________________________

(1)

(2)

(3)

ص: 420


1- الوسائل باب: 21 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

لكلّ منهما تغسيل مخالفه و لو مع التجرد و مع وجود المماثل (3)، و إن

______________________________

(3) للنص، و الإجماع المحصّل- في تغسيل المرأة للصبيّ- و المنقول في العكس، و عن أبي النمير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام حدثني عن الصبيّ إلى كم تغسله النساء؟ فقال إلى ثلاث سنين»

(1).

و في موثق ابن عمار عنه عليه السلام أيضا: «سئل عن الصبيّ تغسله امرأة فقال: إنّما تغسل الصبيان النساء، و عن الصبية تموت و لا تصاب امرأة تغسلها قال: يغسلها رجل أولى الناس بها» (2).

و لا بد من حمل قوله عليه السلام: «لا تصاب امرأة» على مجرد الأولوية، لإعراض الأصحاب عن اعتبار القيدية هذا مضافا إلى أصالة البراءة عن اشتراط المماثلة فيهما، و إطلاقات الأدلة بعد ظهور أدلة اشتراط المماثلة في الرجل و المرأة غير الصادقين على الصبيّ و الصبية، مع جريان سيرة المتشرعة- قديما و حديثا- على تغسيل النساء للصبيّ كما يظهر من موثق عمار، و استصحاب جواز المس و النظر الثابتين في حال الحياة في الجملة، و مقتضى هذه الأدلة الجواز مع التجرد و وجود المماثل أيضا بعد إعراض الأصحاب عن خبر ابن عمار، مع أنّ القيدية بقوله: «و لا تصاب المرأة» ورد في كلام السائل و المدار على إطلاق الجواب لا مورد السؤال كما هو المعروف.

و أما ما أرسله في التهذيب: «في الجارية تموت مع الرجل فقال: إذا كانت بنت أقل من خمس سنين أو ستة دفنت و لم تغسل» (3).

و ما أرسله في الفقيه: «الجارية تموت مع الرجال في السفر قال: إذا كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ست دفنت و لم تغسل، و إن كانت بنت أقل من خمس سنين غسلت» (4).

ص: 421


1- الوسائل باب: 23 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب غسل الميت حديث: 4.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل (4).

(الثاني): الزوج و الزوجة، فيجوز لكلّ منهما تغسيل الآخر (5)

______________________________

فإن أمكن تطبيقهما على ما تقدم، و إلا فلا بد من طرحهما، لقصور السند، و اضطراب المتن، و الإعراض.

ثمَّ إنّ المراد بثلاث سنين إنّما هو إلى حين الموت لا إلى الغسل، لأنّ ما بعد الموت لا يحسب من العمر، إذ هو من حين الولادة إلى حين الموت.

(4) خروجا عن خلاف الوسيلة، و السرائر حيث أوجبا ذلك، و ليس لهما دليل ظاهر في مقابل الأصل، و الإطلاق، و إن كان الاحتياط حسنا على كلّ حال.

(5) للأصل، و الروايات المستفيضة التي يستفاد منها جواز تغسيل كلّ منهما للآخر في الجملة. نعم، مقتضى العرف عدم تصدي كلّ منهما لذلك إلا عند الضرورة، و الاضطرار، فأصالة جائز عرفا، و شرعا إلا أنّه لا يقع في الخارج إلا نادرا.

إن قلت: لا وجه للأصل بعد الموت، لصيرورته جمادا حينئذ، فيتبدل الموضوع، فلا مجرى للاستصحاب من هذه الجهة، و لذا يجوز تزويج الأخت، و الخامسة إن كانت رابعة.

قلت:- مضافا إلى الإجماع على عدم انقطاع عصمة الزوجية بالموت بالمرة و بقائها في الجملة إلا ما دل الدليل على زوالها بالنسبة إليه- إنّ آثار الزوجية.

منها: ما هي متقوّمة بالحياة كتزويج الأخت، و الخامسة و نحوها. و منها:

ما ترتب على الذات- كاللمس و النظر و نحو ذلك- و يصح جريان الأصل بالنسبة إلى الأخير، و إن لم يجز بالنسبة إلى الأول، لانتفاء الموضوع بالنسبة إليه- كما فيما إذا مات المجتهد الجامع للشرائط، فيصح استصحاب عدالته للبقاء على تقليده و إن لم يصح بالنسبة إلى الاقتداء به، لانتفاء الموضوع- فأصل جواز التغسيل و اللمس و النظر بحسب الأصل، و الإطلاقات لا إشكال فيه.

ص: 422

.....

______________________________

إنّما البحث في جهات:

الأولى-: أنّه هل يختص بصورة فقد المماثل- كما في تغسيل الأرحام بعضهم لبعض على ما يأتي- أو يصح و لو مع وجوده أيضا؟ نسب إلى المشهور الثاني، و عن جمع- بل نسبه في الذكرى إلى الأكثر- الأول، و يشكل نسبته إلى الأكثر، مع كون خلافه هو المشهور، و يظهر من الخلاف الإجماع عليه، و استدل للمشهور، بالأصل، و الإطلاق، و صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل أ يصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت، أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها، و عن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت؟ فقال عليه السلام: لا بأس بذلك. إنّما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى شي ء يكرهونه منها» (1).

و قول السائل: «إن لم يكن عندها من يغسلها» ورد مورد الغالب من عدم تصدي الرجل لتغسيل المرأة مطلقا مع وجود الرجال، فلا يصلح للتقييد، مضافا إلى ما اشتهر من أنّ المناط بعموم الجواب لا بمورد السؤال، و صحيح ابن مسلم قال: «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال: نعم، إنّما يمنعها أهلها تعصبا» (2).

و مثل هذه الأخبار من المحكمات لا ترفع اليد عنها إلا بدليل معتبر غير معارض يدل على الخلاف، و مقتضاها الجواز و لو مجردا أو مع وجود المماثل.

و بإزائها طائفتان من الأخبار إحداهما: ما يستظهر منها أنّه لا بد و أن يكون من وراء الثوب، ثانيهما: ما يستظهر منه كونه مع الضرورة و الاضطرار، و فقد المماثل.

و لا بد قبل التعرض لها من بيان أمر: و هو أنّ ما يصح للتقييد لا بد و أن يحرز من كونه واردا في مقام الحكم الإلزامي الواقعي و مع الشك فيه أو إحراز كونه من الآداب العرفية أو الشرعية لا وجه لتقييد المطلقات و تخصيص العمومات به، لأنّ أصالة الإطلاق، و أصالة العموم حجة معتبرة محاورية و المشكوك القيدية لا

ص: 423


1- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

.....

______________________________

يضر بالحجة المعتبرة، و ما ورد للتقييد في المقام كلّه من هذا القبيل، لقرائن داخلية في الأخبار، أو خارجية تشهد بأنّها من العرفيات أو الآداب، فمن الطائفة الأولى صحيح ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل يموت في السفر أو في الأرض ليس معه فيها الا النساء قال: يدفن و لا يغسل، و قال: في المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة إلا أن يكون معها زوجها، فليغسلها من فوق الدرع و يكسب عليها الماء سكبا، و لتغسله امرأته إذا مات، و المرأة ليست مثل الرجل و المرأة أسوأ منظرا حين تموت» (1).

و خبر الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه الا النساء قال: يدفن و لا يغسّل، و المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن و لا تغسّل، إلا أن يكون زوجها معها، فإن كان زوجها معها غسّلها من فوق الدرع و يسكب الماء عليها سكبا، و لا ينظر إلى عورتها و تغسله امرأته إذا مات و المرأة إذا ماتت ليست بمنزلة الرجل، المرأة أسوأ منظرا إذا ماتت» (2).

و صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة توفيت، أ يصلح لزوجها أن ينظر إلى وجهها و رأسها؟ قال: نعم» (3).

و فيه: أنّ الغسل من وراء الثوب إن كان لأجل عدم تحقق المس، فلا بد من حمل هذه الأخبار على الكراهة، لموثق سماعة قال: «سألته عن المرأة إذا ماتت قال عليه السلام: يدخل زوجها يده تحت قميصها إلى المرافق» (4).

و مثله صحيح الحلبي(5) و كذا إن كان بالنسبة إلى النظر، للتعليل- بأنّها تصير أسوء منظرا حين تموت- الذي لا تصلح إلا للكراهة، مضافا إلى صحيح ابن مسلم المتقدم: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة توفيت أ يصلح لزوجها أن ينظر إلى وجهها و رأسها قال عليه السلام: نعم».

ص: 424


1- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 7.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 12.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 10
4- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

.....

______________________________

فلا وجه للاستدلال بهذه الأخبار لوجوب الغسل من وراء الثوب، للقرينة الظاهرة في أنّه للندب و الأفضلية.

و من الطائفة الثانية صحيح زرارة عن الصادق عليه السلام: «في الرجل يموت و ليس معه الا النساء قال عليه السلام: تغسله امرأته لأنّها منه في عدة و إذا ماتت لم يغسلها، لأنه ليس منها في عدة» (1).

و خبر أبي بصير قال الصادق عليه السلام: «يغسّل الزوج امرأته في السفر و المرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل» (2).

و كذا كلّ ما ذكر فيه السفر الذي يستفاد منه الضرورة و الاضطرار.

و فيه أولا، أنّ مثل هذه القيود محمول على الغالب، لما تقدم من أنّ المتعارف بين الناس عدم مباشرة تغسيل الزوج لزوجته و بالعكس، فالفرض من الفروض النادرة بحسب الوقوع الخارجي.

و ثانيا: أنّ صحيح زرارة المتقدم و موافق لأشهر مذاهب العامة، فلا وجه للأخذ بإطلاقه و من ذلك يظهر الوجه في الجهة الثانية من البحث: و هي صحة الغسل مجردا و إن استحب من وراء الثوب.

ثمَّ إنّ خبر مفضل بن عمر قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: من غسل فاطمة عليها السلام؟ قال ذاك أمير المؤمنين عليه السلام فكأنّما استضقت (استفظعت) ذلك من قوله، فقال لي: كأنّك ضقت مما أخبرتك به؟ فقلت:

قد كان ذلك جعلت فداك، فقال: لا تضيقنّ فإنّها صديقة لم يكن يغسلها الا صديق، أما علمت أنّ مريم لم يغسلها الا عيسى!!» (3).

و يستفاد من هذا الخبر أمور ثلاثة:

الأول: يشهد لما قدمناه من أنّ تغسيل الزوج لزوجته- و بالعكس- نادر و ربما يستنكر مع الاختيار، و لذا ضاق مفضل مما سمع عن الصادق عليه السلام.

ص: 425


1- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 13.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 14.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 6.

.....

______________________________

الثاني: أنّ الصديقة لا يغسلها الا الصديق لا غيره، و يدل عليه روايات أخرى.

الثالث: أنّ مريم ماتت قبل عيسى رد العامة النصارى حيث إنّهم يعتقدون أنّ عيسى مات قبلها.

الجهة الثالثة: التعبيرات الواردة في ستر الزوجة حين الغسل مختلفة كقوله: «من وراء الثوب» (1)، و «يدخل زوجها يده تحت قميصها» (2) و قوله:

«فليغسلها من فوق الدرع» (3)، و قوله: «و لا ينظر إلى عورتها» (4).

و بناء على ما اخترناه من الاستحباب يحمل ذلك كلّه على مراتب الأفضلية، فالأفضل ستر جميع البدن، و دونه في الفضل التغسيل في القميص، و أدون منه ستر خصوص العورة. و أما بناء على الوجوب، فيمكن حمل ذلك كلّه على المثال و إرادة الجامع من الساتر و حمل خصوص ستر العورة على ما إذا لم يتمكن الا منه.

الجهة الرابعة: هل يحرم نظر كلّ من الزوجين إلى عورة الآخر بعد الموت أو لا؟ مقتضى الأصل الموضوعي و الحكمي، و ما يظهر منهم من عدم انقطاع عصمة الزوجية بالمرة، و ما تقدم من صحيح ابن سنان، و صحيح ابن مسلم الجواز، و لكن في صحيح الحلبي: «و لا ينظر إلى شعرها، و لا إلى شي ء منها».

و في خبر الكناني: «و لا ينظر إلى عورتها».

و أحسن وجه للجمع حمل الأخيرين على الكراهة، مع أنّ التعليل- بأنّ المرأة أسوأ منظرا إذا ماتت- لا يصلح إلا للكراهة.

ثمَّ إنّ في ذيل صحيح الحلبي المتقدم: «و المرأة تغسل زوجها لأنّه إذا مات كانت في عدة منه و إذا ماتت هي فقد انقضت عدتها».

و صحيح زرارة: «لأنّها منه في عدة، و إذا ماتت لم يغسلها، لأنّه ليس منها في عدة».

ص: 426


1- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 7.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب غسل الميت حديث: 12.

و لو مع وجود المماثل و مع التجرد (6)، و إن كان الأحوط الاقتصار على صورة فقد المماثل (7) و كونه من وراء الثياب (8) و يجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر و إن كان يكره (9) و لا فرق في الزوجة بين الحرة و الأمة،

______________________________

و الظاهر أنّ هذا التعليل الاستحساني صدر تقية، و على فرض عدم التقية لا بد من رد علمه إلى أهله بعد جواز تغسيل كلّ منهما للآخر في الجملة كما مر.

(6) للأصل، و إطلاق الأدلة، و عدم صلاحية الطائفتين الأخيرتين من الأخبار للتقييد.

(7) خروجا عن خلاف جمع حيث نزلوهما منزلة تغسيل الأرحام بعضهم بعضا، كما تقدم في الطائفة الثانية من الأخبار، و تقدم ما في استفادة التقييد منها.

(8) لما تقدم من الطائفة الأولى من الأخبار، و لأجلها ذهب جمع إلى اعتبار ذلك، و تقدم لما فيها.

(9) لما تقدم في الجهة الرابعة، و أما صحيح ابن منصور قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام يخرج في السفر و معه امرأته أ يغسلها؟ قال: نعم، و أمه و أخته و نحو هذا يلقي على عورتها خرقة» (1).

يحتمل أن يكون الأمر بإلقاء الخرقة بالنسبة إلى الأم و الأخت و نحوهما من المحارم، و لا ظهور له بالنسبة إلى الزوجة، و على فرض شمولها، فيحمل بالنسبة إليها على الندب، لما تقدم، و كذا خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يموت و ليس عنده من يغسله إلا النساء هل تغسله النساء؟ فقال عليه السلام: تغسله امرأته أو ذات محرمه، و تصب عليه النساء الماء صبا من فوق الثياب» (2).

فإنّه مضافا إلى قصور سنده لا يصلح إلا للكراهة، جمعا بينه و بين الأخبار السابقة.

ص: 427


1- الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

و الدائمة، و المنقطعة (10) بل و المطلّقة الرجعية (11)، و إن كان الأحوط ترك تغسيل المطلّقة مع وجود المماثل (12)، خصوصا إذا كان بعد انقضاء العدة، و خصوصا إذا تزوجت بغيره (13) إن فرض بقاء الميت بلا تغسيل إلى ذلك الوقت. و أما المطلّقة بائنا فلا إشكال في عدم الجواز فيها (14).

______________________________

(10) للإطلاق الشامل للجميع، و ربما يشكل في المنقطعة مع قلة المدة جدا، بدعوى الانصراف عنها.

(11) لإطلاق الأدلة، و ما أرسل إرسال المسلّمات- أن المطلقة الرجعية زوجة- من غير ما يصلح للتقييد، الا دعوى انصراف الأدلة عنها، و احتمال اختصاص- أنّ المطلقة الرجعية زوجة- بحال الحياة. و كلاهما في محل المنع، و طريق الاحتياط معلوم.

(12) لما تقدم من احتمال الانصراف عنها.

(13) لإمكان دعوى انقطاع العلاقة بينهما حينئذ بالمرة، و يمكن هذه الدعوى في الزوجة غير المطلقة أيضا بعد خروجها عن عدة الوفاة و تزويجها بالغير و بقاء الزوج الأول بلا غسل، و لكن الجمود على الأصل، و الإطلاق يقتضي الجواز.

و الإشكال عليه- بصحة التمسك بإطلاق أدلة المماثلة- لا وجه له، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية للشك في شمول أدلة اعتبار المماثلة لمثل الفرض و لو فرض الشك في شمول أدلة المقام فيه أيضا فالمرجع البراءة عن الحرمة، فالجمود على الأصل، و الإطلاق يقتضي الجواز و لكن الاحتياط حسن على كلّ حال.

(14) لزوال موضوع الزوجية في الطلاق البائن مطلقا، و المرجع حينئذ إطلاق ما دل على اعتبار المماثلة بلا إشكال.

ص: 428

(الثالث): المحارم بنسب (15) أو رضاع (16)، لكن الأحوط بل الأقوى اعتبار فقد المماثل (17)، و كونه من وراء الثياب (18).

(الرابع): المولى و الأمة، فيجوز للمولى تغسيل أمته (19) إذا لم

______________________________

(15) على المشهور، بل هو في الجملة من المسلّمات الفقهية، و يقتضيه الأصل أيضا.

(16) للإجماع، و لأنّ «الرضاع لحمة كلحمة النسب» على ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

(17) نسب ذلك إلى المشهور، لإطلاق أدلة اعتبار المماثلة، و يقتضيه مرتكزات المتشرعة، مضافا إلى صحيح ابن سنان قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته، و إن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهنّ به، و تلف على يدها خرقة» (1).

و عن جمع- منهم العلامة في المنتهى- عدم اعتبار فقد المماثل- لإطلاق أدلة التغسيل، و لصحيح الحلبي: «تغسله امرأته أو ذات قرابته» (2).

و صحيح منصور: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج في السفر و معه امرأته أ يغسلها؟ قال عليه السلام: نعم، و امه و أخته و نحو هذا يلقي على عورته خرقة» (3).

و فيه: أنّ الإطلاقات مقيدة بما دل على اعتبار المماثلة، و الخبرين مقيدان بما مر من صحيح ابن سنان، مع إمكان حمل الأخير على الضرورة.

(18) نسب ذلك الى المشهور، للأمر به في الأخبار، مضافا إلى عدم وجدان الخلاف فيه الا عن الغنية كما في مفتاح الكرامة.

(19) لما ادعى من القطع به في جامع المقاصد، و لا يصح التمسك

ص: 429


1- الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 6.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

تكن مزوجة، و لا في عدّة الغير، و لا مبعضة و لا مكاتبة (20) و أما تغسيل الأمة مولاها: ففيه إشكال (21) و إن جوزه بعضهم بشرط إذن الورثة (22)، فالأحوط تركه بل الأحوط الترك في تغسيل المولى أمته

______________________________

بإطلاق أدلة اعتبار المماثلة، لأنه تمسك بالعام في الشبهة الموضوعية و حينئذ فيجري استصحاب الجواز، و البراءة عن الحرمة أيضا

(20) لأنّ عمدة الدليل ظهور الإجماع، و أنّه مقطوع به من الأصحاب و المتيقن منه غير المذكورات، فيكون المرجع أدلة اعتبار المماثلة.

(21) لإطلاق أدلة اعتبار المماثلة إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف في المقام الا ما ورد: «إنّ علي بن الحسين عليه السلام أوصى أن تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته» (1).

و لكنه ضعيف سندا، و معارض بما ورد من أنّ الباقر عليه السلام غسله، و ما ورد أنّ المعصوم لا يغسله إلا المعصوم (2)، مع إمكان حمله على مجرد المساعدة و المعاونة في بعض المقدمات.

(22) هذا أحد الأقوال في المسألة: لأنّ الملك ينتقل إليهم، فيجوز بإذنهم.

و فيه: أنّ اعتبار المماثلة حكم تكليفي لا يثبته إذن المالك، فيكون كما إذا أذن مالك أمته لتغسيل شخص أجنبي و لا يلتزم أحد به. و من قائل بالمنع مطلقا، و من قائل بالجواز مطلقا، و من قائل بالجواز في خصوص أم الولد، لما تقدم من الخبر. و الكلّ غير مستند إلى حجة معتبرة في مقابل أدلة اعتبار المماثلة.

ص: 430


1- تقدم في صفحة: 423.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

أيضا (23).

مسألة 1: الخنثى المشكل إذا لم يكن عمرها أزيد من ثلاث سنين

(مسألة 1): الخنثى المشكل إذا لم يكن عمرها أزيد من ثلاث سنين فلا إشكال فيها (24)، و إلا فإن كان لها محرم أو أمة- بناء على جواز تغسيل الأمة مولاها- فكذلك (25) و إلا فالأحوط تغسيل كلّ من

______________________________

(23) خروجا عن خلاف من ذهب إلى المنع مطلقا- كصاحب المدارك و غيره- لما دل على اعتبار المماثلة تضعيفا لما استدلوا به على الجواز من أنّه ليس الا استحسانات، أو تنظير لها منزلة الزوجة. و الأخير قياس و الأولى لا اعتبار بها.

(24) لصحة غسل كلّ من المخالف و المماثل على ما تقدم في المورد الأول.

(25) أما تغسيل الأمة لها، فمبني على ما تقدم من جوازه لتغسيل مولاها اختيارا، فمن قال بالجواز في تلك المسألة يقول به في المقام أيضا، و من قال بالمنع يقول به هنا أيضا. و أما المحارم فنسب إلى جمع- منهم العلامة- جوازه، لأنها من موارد الضرورة المبيحة لتغسيل المحارم.

و أشكل عليه تارة: بأنّ موضوع ضرورة تغسيل المحارم ما إذا أحرزت في الميت الذكورة أو الأنوثة، فلا يشمل ما نحن فيه المردد بينهما.

و اخرى: بأنّه لا ضرورة في البين، لإمكان تغسيل كلّ منهما لها، فلا ضرورة في تغسيل المحارم. و فيه: أما عن الأول، فلأنّ الظاهر من أدلة تغسيل المحارم تحقق الضرورة و الاضطرار إلى تغسيلهم و أما أنّ العلم بذكورة الميت أو أنوثته له موضوعية خاصة في صحة الغسل، فالأدلة أجنبية عن ذلك، و مع الشك، فالمرجع أصالة البراءة عن الشرطية، و أصالة إطلاق أدلة تغسيل المحارم عند الاضطرار. و أما عن الثاني، فلأنّ تحقق الاضطرار إلى تغسيل المحارم شي ء، و عدم إمكان حصول الغسل من المماثل في الواقع شي ء آخر و موضوع جواز تغسيل المحارم هو الأول تسهيلا من الشارع و هو أعم من الأخير، و مع تحقق الموضوع تشمله الأدلة لا محالة، فلا يبقي موضوع للاحتياط بعد ذلك.

ص: 431

الرجل و المرأة إياها (26) من وراء الثياب (27) و إن كان لا يبعد الرجوع إلى القرعة (28).

مسألة 2: إذا كان ميت أو عضو من ميت مشتبها بين الذكر و الأنثى

(مسألة 2): إذا كان ميت أو عضو من ميت مشتبها بين الذكر و الأنثى فيغسله كلّ من الرجل و المرأة من وراء الثياب (29).

______________________________

(26) لعلم كلّ من الطائفتين بوجوب تغسيلها عليهما مباشرة أو تسبيبا و لا يحصل العلم بالفراغ الا بأن يغسلها كلّ منهما.

(27) إن كان اعتباره، لأجل حرمة نظر كلّ واحدة من الطائفتين إليها، فهي منفية بالأصل، و إن كان لأجل دليل تعبدي في البين فلا دليل كذلك. نعم هو الأوفق بالاحتياط إن لم يكن مخالفا للاحتياط من جهة أخرى.

(28) لجريانها في كلّ أمر مشكل و المقام منه. و لكن فيه: أنها تجري فيما إذا عمل الأصحاب بها في مورد جريانها، و في المقام لم يحرز عملهم بها، لأنّ المسألة ذات أقوال: سقوط الغسل، و الانتقال إلى التيمم، و شراء الأمة لها من تركتها أو من ميت المال و لم يذكروا القرعة منها و إن ذكر في أصل التعيين لذكورية الخنثى أو أنوثيتها، و كيفية إرثها و أنّها هل ترث إرث الذكر أو الأنثى، فنسب إلى الشيخ العمل بالقرعة بعد فقد الأمارات و لا دليل له على ذلك، بل يعطى بعد فقد الأمارات إرث الذكر و الأنثى- كما عليه جمع- و يأتي التفصيل في كتاب الإرث.

(29) هذه المسألة عين ما تقدم في الخنثى من حيث المدرك، فلا وجه للجزم هنا، و التردد هناك.

فروع- (الأول): لو وجد خنثى مشكل أخرى، فالظاهر أنه مماثل للخنثى يجب عليها تغسيلها تعيينا.

(الثاني): اعتبار المماثلة يحتمل فيه وجوه ثلاثة:

الأول: الإرشاد إلى عدم النظر و اللمس، و على هذا لو غمض عينيه و لف يده بشي ء، أو جعل في يده ما يسمّى بالقفاز أو الكفوف و في الفارسية (دستكش) يصح الغسل و هذا الاحتمال بعيد عن مذاق الشرع في مباشرة الغسل بالنسبة إلى

ص: 432

مسألة 3: إذا انحصر المماثل في الكافر أو الكافرة من أهل الكتاب

(مسألة 3): إذا انحصر المماثل في الكافر أو الكافرة من أهل الكتاب أمر المسلم المرأة الكتابية أو المسلمة الرجل الكتابيّ أن يغتسل أولا و يغسل الميت بعده (30) و الآمر ينوي

______________________________

الأجنبي و الأجنبية، لكثرة اهتمامه بعدم قرب أحدهما إلى الآخر.

الثاني: أن يكون شرطا لصحة الغسل عند المباشرة فيبطل بدونها كسائر الشرائط و هذا هو المنساق من ظواهر الأدلة.

الثالث: أن يكون واجبا نفسيا تعبديا و يظهر ذلك من صاحب الجواهر، و على أيّ تقدير يمكن أن يقال: باختصاص الوجوب مطلقا بما إذا أحرز الذكورة و أما مع العدم، فالمرجع عمومات التغسيل و إطلاقاتها.

(الثالث): هل تشمل المحرمية ما إذا حصلت بعد الموت كما إذا ماتت امرأة و تزوج رجل بابنتها بعد الموت وجهان؟

(الرابع): يسقط اعتبار المماثلة فيما لو كان هناك جهاز يغسل فيه الموتى بلا مس و لا نظر من أحد مع اجتماع تمام الشرائط- بناء على عدم اعتبار المباشرة و يأتي في الشرائط ما له نفع في المقام. و أما لو غسل الميت- بالسيّار مثلا (1)- مع دفع الماء و قوته بحيث يكون الغاسل بعيدا عن الميت بكثير و غمص عينيه، فهل يصح الغسل مع اجتماع الشرائط أو لا، الظاهر هو الأول، لأنّ مباشرة اليد ليست بمعتبرة، للأصل و الإطلاق.

(الخامس): لو توقف تشخيص ذكورة الميت أو أنوثيته لجهة من الجهات على شي ء وجب ما لم يكن جهة محرمة في البين.

(30) للنصوص، و ظهور الإجماع، ففي موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «قلت: فإن مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذي قرابته و معه رجال نصارى و نساء مسلمات ليس بينه و بينهنّ قرابة؟ قال عليه السلام: يغتسل النصارى ثمَّ يغسلونه فقد اضطر. و عن المرأة

ص: 433


1- السيّار: هو الخرطوم الذي يوصل بالحنيفية و يسميه البعض بالصوندة أو النبريش.

.....

______________________________

المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة من ذوي قرابتها، و معها نصرانية و رجال مسلمون و ليس بينها و بينهم قرابة. قال عليه السلام: تغتسل النصرانية ثمَّ تغسلها» (1).

و خبر زيد بن علي، عن آبائه عن عليّ عليهم السلام قال: «أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نفر فقالوا: إنّ امرأة توفيت معنا و ليس معها ذو محرم، فقال كيف صنعتم؟ فقالوا صببنا عليها الماء صبا، فقال: أو ما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ قالوا: لا، قال: أ فلا يمموها؟!» (2).

و أشكل عليه تارة: بأنّه يعتبر في الغسل قصد القربة و لا يحصل من الكافر. و يرد بحصوله من أهل الكتاب و غيرهم من الكفار المعتقدين باللّه جل جلاله.

و أخرى: بأنّ قصد القربة لا بد و أن يكون بحيث يوجب التقرب و ليس الكافر قابلا لذلك و يرد: بأنّ ذلك بنحو الاقتضاء لا العلية التامة، و لقربه- تعالى- مراتب غير متناهية و من الممكن أن يستعد الكافر لذلك، لشمول بعض عنايات اللّه تعالى في الدنيا أو البرزخ، أو الحشر، أو تخفيف العذاب، فإنّه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا بأيّ نحو شاء و أراد.

و ثالثة: بأنّ الكافر نجس، فلا يطهر الميت بهذا الغسل مع مباشرته. و يرد أولا: بأنّه يمكن الغسل بنحو لا يمس يد الكافر بدن الميت.

و ثانيا: بأنّه يمكن زوال النجاسة الذاتية بهذا الغسل و بقاء النجاسة العرضية و لا استحالة فيه عقلا لا سيما في مثل النجاسة و الطهارة التي هي من الأمور الاعتبارية، فما نسب إلى جمع- من التوقف فيه أو القول بسقوط الغسل، لهذه المناقشات- لا وجه له.

ثمَّ إنّه ليس في الأخبار أمر المسلم- المرأة الكتابية، أو المسلمة الرجل الكتابي- بالغسل و إنّما ذكره الفقهاء (قدست أسرارهم)، و يمكن أن يكون ذلك لتعليم كيفية الغسل، و صحة إضافة الغسل إلى المسلم و لو تسبيبا- كما أنّ ما

ص: 434


1- الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

النية (31). و إن أمكن أن لا يمس الماء و بدن الميت تعيّن. كما أنّه لو أمكن التغسيل في الكر أو الجاري تعيّن (32). و لو وجد المماثل بعد ذلك أعاد (33). و إذا انحصر في المخالف فكذلك (34)، لكن لا يحتاج إلى اغتساله قبل التغسيل و هو مقدم على الكتابي على تقدير وجوده (35).

______________________________

اشتمل عليه موثق عمار- بغسل الكتابي أو الكتابية أولا- إنّما هو نحو اهتمام بميت المسلم و أنّ شرف الإسلام- يقتضي أن لا يمس الكافر بدن المسلم إلا بعد الاغتسال.

(31) بدعوى: أنّ الغاسل بمنزلة الآلة الجامدة من كلّ جهة، و لكنّها ممنوعة، بل ظاهر الأدلة إنّما هو نية الغاسل كما أنّه يصدر أصل الغسل و أجزاؤه و سائر شرائطه منه. و دعوى- عدم الاعتبار بنيته- تقدم ما فيه. نعم، حيث ينسب الغسل تسبيبا إلى المسلم أيضا، فطريق الاحتياط كون النية منهما.

(32) كلّ ذلك تحفظا على الميت عن النجاسة الحاصلة له عن مس يد الكافر. هذا بناء على نجاسة الكتابي. و أما بناء على طهارته كما اخترناه، فلا، و كذا لو تمكن من لبس ما يسمّى بالقفاز (چفوف) و بالفارسي «دستكش» حيث يمنع عن سراية الماء إلى يد الكافر لو كان مما يمنع من سراية الماء.

(33) لاعتبار العذر المستوعب في التكاليف الاضطرارية عرفا و الأدلة منزلة على ذلك، و قد تبيّن الخلاف بوجدان المماثل، مضافا إلى ما في الجواهر من عدم ظهور الخلاف و إن استشكل العلامة جمودا على الإطلاقات.

و فيه: أنّها لبيان أصل التشريع لا لبيان سائر الجهات، فلا وجه للتمسك بها.

(34) فيأمره الشيعي بكيفية غسل الميت ثمَّ هو يغسله و كلاهما ينويان النية.

(35) لعدم الدليل على لزوم اغتساله قبل الغسل و حينئذ، فمقتضى الأصل البراءة، و تقدمه على الكتابي مما لا شبهة فيه من أحد.

فرع: ينشف الميت إذا غسله الكتابي قبل التكفين، لئلا يتنجس الكفن من

ص: 435

مسألة 4: إذا لم يكن مماثل حتّى الكتابي و الكتابية سقط الغسل

(مسألة 4): إذا لم يكن مماثل حتّى الكتابي و الكتابية سقط الغسل (36) لكن الأحوط تغسيل غير المماثل من غير لمس و نظر من وراء

______________________________

نجاسته الظاهرية مع مباشرة يد الكافر و أما مع عدم المباشرة، فلا يجب و كذا بناء على طهارة الكتابي.

(36) لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ما لم يدل دليل على الخلاف، و ما ورد في غسل الميت مع فقد المماثل من الأخبار أقسام:

الأول: قول الصادق عليه السلام: «في المرأة تموت و ليس معها محرم؟

قال: يغسل كفيها» (1).

الثاني: «أنّها يغسل منها مواضع الوضوء» (2).

الثالث: خبر مفضل بن عمر: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم و لا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال عليه السلام: «يغسل منها ما أوجب سبحانه عليه التيمم- الحديث-» (3).

الرابع: خبر زيد بن عليّ الدال على وجوب التيمم (4). و كلّ هذه الأخبار مهجورة لدى الأصحاب مرمية بالشذوذ، مضافا إلى قصور السند في بعضها.

الخامس: ما يظهر منه سقوط اشتراط المماثلة حينئذ، كرواية جابر بن أبي جعفر عليه السلام: «في رجل مات و معه نسوة ليس معهنّ رجل، قال: يصببن الماء من خلف الثوب، و يلففنه في أكفانه من تحت الصدر، و يصلّين عليه صفا و يدخلنه قبره. و المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة قال عليه السلام:

يصبون الماء من خلف الثوب، و يلفونها في أكفانها، و يصلّون، و يدفنون» (5).

و خبر أبي حمزة (6): «لا يغسل الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة».

ص: 436


1- الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 8.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 6.
3- الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب غسل الميت حديث: 7.

الثياب، ثمَّ تنشيف بدنه قبل التكفين لاحتمال بقاء نجاسته.

مسألة 5: يشترط في المغسل أن يكون مسلما بالغا عاقلا اثني عشريا

(مسألة 5): يشترط في المغسل أن يكون مسلما بالغا عاقلا اثني عشريا (37) فلا يجزئ تغسيل الصبيّ، و إن كان مميزا و قلنا بصحة عباداته على الأحوط، و إن كان لا يبعد كفايته مع العلم بإتيانه على الوجه الصحيح، و لا تغسيل الكافر إلا إذا كان كتابيا في الصورة المتقدمة. و يشترط أن يكون عارفا بمسائل الغسل، كما أنّه يشترط المماثلة إلا في الصورة المتقدمة.

______________________________

و قريب منهما غيرهما. و هذا الأخبار لقصور سندها لا تصلح لتقييد ما دل على اعتبار المماثلة بحال الاختيار- بناء على الوجوب التعبدي في المماثلة- و أما بناء على أنّ اعتبارها للتحفظ عن النظر و اللمس، فلا محذور في العمل بها مع مراعاة و عدم اللمس و النظر. و طريق الاحتياط واضح.

(37) لأنّ غسل الميت عبادة، فلا تصح عن المجنون، و الكافر، و المخالف- بناء على بطلان عبادته، كما هو المشهور، و يظهر من النصوص(1)أيضا- و أما الصبيّ فقد تقدم مرارا صحة عباداته مع اجتماع الشرائط و يكفي صحة الغسل و لو بتلقين العارف و لا يجب أن يكون الغاسل بنفسه عارفا.

فروع- (الأول): لو غسل بعض أهل الخلاف ميت الاثني عشري في حال الاختيار بطريق مذهب الاثني عشري ثمَّ استبصر، فهل يصح كما يصح حينئذ سائر أعماله و يوجر عليه- إلا الزكاة- كما في النص (2) أو لا وجهان؟ الظاهر هو الأول.

(الثاني): لو كان المريض في بعض بلاد الكفر و يعلم أنّه لو مات لا يغسل و لا يجهز بالنحو الشرعي، فالظاهر أنّه يجب عليه إعلام من يقدر من المسلمين بأيّ وجه أمكنه من باب الأمر بالمعروف.

(الثالث): لو غسل المخالف الاثني عشري بطريق أهل الخلاف لا يجزي و يكون كمن لم يغسل.

ص: 437


1- الوسائل باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات.
فصل قد عرفت سابقا وجوب تغسيل كلّ مسلم لكن يستثنى من ذلك طائفتان
اشارة

(فصل) قد عرفت سابقا وجوب تغسيل كلّ مسلم لكن يستثنى من ذلك طائفتان:

إحداهما: الشهيد المقتول في المعركة

إحداهما: الشهيد المقتول (1) في المعركة عند الجهاد مع الإمام (فصل)

______________________________

(1) نصا، و إجماعا، ففي صحيح أبان بن تغلب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الذي يقتل في سبيل اللّه أ يغسّل و يكفن و يحنّط؟ قال عليه السلام: يدفن كما هو في ثيابه. إلا أن يكون به رمق فإن كان به رمق ثمَّ مات فإنّه يغسّل و يكفّن و يحنّط و يصلّي عليه، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله صلّى على حمزة و كفنه و حنطه، لأنّه كان قد جرد» (1).

و عنه عليه السلام أيضا قال: «الشهيد إذا كان به رمق غسّل و كفّن و حنّط و صلّي عليه، و إن لم يكن به رمق كفّن في أثوابه» (2).

و في خبر أبي خالد: «اغسل كلّ الموتى: الغريق، و أكيل السبع، و كلّ شي ء إلا ما قتل بين الصفين، فإن كان به رمق غسّل و إلا فلا» (3).

و عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام أنّ عليّا عليه السلام: «لم يغسل عمار بن ياسر و لا هاشم بن عتبة و هو المرقال، و دفنهما في ثيابهما، و لم يصل عليهما» (4).

ص: 438


1- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 7.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

عليه السلام أو نائبه الخاص (2). و يلحق به كلّ من قتل في حفظ بيضة

______________________________

و لا بد من حمل قوله عليه السلام: «و لم يصلّ عليهما» على بعض المحامل أو طرحه، لكونه مخالفا للنصوص و الإجماع كما يأتي- و أما عمار بن ياسر- فهو ممن أجمع الفريقان على عظم شأنه و جلالته، و كان من أصحاب علي عليه السلام و استشهد في صفين، و روى الفريقان عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «تقتله الفئة الباغية».

و هاشم بن عتبة المرقال كان من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و كان من الفضلاء الأخيار الأبطال نزل الكوفة و كان مع علي عليه السلام في يوم صفين و أعطاه عليه السلام الراية و أسماه مرقالا، لأنّه يسرع في مشيه- و عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قلت له: كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه؟ قال:

نعم، في ثيابه بدمائه و لا يحنّط و لا يغسّل، و يدفن كما هو، ثمَّ قال: دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها، و رداه النبي صلّى اللّه عليه و آله برداء فقصر عن رجليه فدعا له بإذخر فطرح عليه، و صلّى عليه، و صلّى عليه سبعين صلاة، و كبّر عليه سبعين تكبيرة» (1).

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في شهداء أحد: «زملوهم بدمائهم و ثيابهم» (2).

و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا قال في وصفهم: «زملوهم بكلومهم فإنّهم يحشرون يوم القيامة و أوداجهم تشخب دما اللون لون الدم و الرائحة رائحة المسك» (3). و لا بد و أن يكون هكذا لأنّ دماءهم الشريفة من أغلى شعارات إعلان الحق و التضحية و نصرة اللّه- تعالى- فيجب التحفظ بهذا الشعار العظيم و الوسام الكبير كما هو عادة الناس أجمعين في التحفظ على أوسمتهم.

(2) لكونهما المعلومين مما ورد للشهيد من الأحكام الخاصة في حال عدم الغيبة.

ص: 439


1- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 8.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 11.
3- مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 8.

الإسلام في حالة الغيبة (3) من غير فرق بين الحر و العبد، و المقتول بالحديد أو غيره، عمدا أو خطأ، رجلا كان أو امرأة أو صبيا أو مجنونا (4) إذا كان الجهاد واجبا عليهم (5)، فلا يجب تغسيلهم، بل يدفنون كذلك بثيابهم (6) إلا إذا كانوا عراة فيكفنون و يدفنون (7).

______________________________

(3) لصدق القتل في سبيل اللّه بالنسبة إليه، فتشمله الإطلاقات المشتملة على هذا العنوان- مثل ما تقدم من صحيح أبان- فما نسب إلى الشيخين من الاختصاص بالقسمين الأولين لا وجه له، و لكن يجب أن يكون القتل في سبيل اللّه مع شروط تأتي في كتاب الجهاد إن شاء اللّه تعالى.

(4) لصدق القتل في سبيل اللّه بالنسبة إلى الجميع، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه.

(5) هذا القيد توضيحي، لأنه إن كان الجهاد في زمان الحضور، فلا موقع لبحث الفقيه عن حكمه، و إن كان في زمن الغيبة، فلا يكون الا واجبا، لانحصاره في الدفاع الواجب غالبا إلا إذا فرض بسط يد الفقيه من كلّ جهة- و كانت هناك مصلحة راجحة للدعوة إلى الإسلام مع وجود جميع المقتضيات و فقد جميع الموانع- لأمكن حصول مطلق الرجحان و لكنّه فرض غير واقع كما لا يخفي.

(6) للنصوص، و الإجماع، و تقدم جملة منها.

(7) لإطلاق دليل وجوب التكفين الشامل لهذه الصورة، مضافا إلى الإجماع، و ما تقدم في صحيح أبان (1) أنّ رسول اللّه كفن حمزة، لأنّه كان قد جرد- فيستفاد من التعليل الحكم الكلي لكلّ شهيد، و أما صحيح زرارة- أنّه صلّى اللّه عليه و آله كفن حمزة في ثيابه- فيمكن حمله على بعض ثيابه الذي لم ينزع، لأنّ صدق التجرد لا ينافي كون بعض الثياب على الشخص لأنّ كلا منهما من الأمور الإضافية و يأتي في [مسألة 6] بعض ما ينفع المقام.

ص: 440


1- تقدم في صفحة: 438.

و يشترط فيه أن يكون خروج روحه قبل إخراجه من المعركة (8) أو بعد

______________________________

(8) هذا التعبير هو معقد إجماعهم، كما لا يخفى على من راجع كلماتهم، و أما النصوص فهي: «الشهيد إذا كان به رمق غسل و كفن».

و قوله عليه السلام: «إلا ما قتل بين الصفين فإن كان به رمق غسل».

و كذا: «إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه».

و قوله عليه السلام: «يدفن كما هو في ثيابه إلا أن يكون به رمق فإن كان به رمق ثمَّ مات فإنّه يغسل».

إلى غير ذلك مما هو قريب من هذه التعبيرات- كما تقدم.

ثمَّ إنّ المتصور من الشهادة أقسام:

الأول: الموت بمجرد وقوع القتل عليه.

الثاني: الموت بعده بلا فصل معتد به.

الثالث: موته في المعركة أدركه المسلمون أو لا.

الرابع: موته في الخارج المعركة مع بقاء الحرب.

الخامس: موته في المعركة أو خارجها مع انقضاء الحرب بلا فصل.

السادس: موته في المعركة أو خارجها بعد انقضاء الحرب بمدة. و مقتضى الإطلاقات وجوب التغسيل مطلقا إلا ما خرج بدليل صريح أو ظاهر معتبر، لأنّ المقيد إذا كان منفصلا و تردد بين الأقل و الأكثر يرجع في مورد الشك إلى الإطلاق و العموم- كما ثبت في محلّه- و لا ريب في أنّ لرمق الحياة مراتب متفاوتة فقد يطول ساعات، بل قد يدوم يوما و قد يدوم يوما و ليلة أيضا. و الموت المنتسب إلى حادثة في المعركة أيضا كذلك، فربما يحدث بعد أسبوع، أو أسابيع، أو شهور، أو سنة خصوصا في الأزمنة القديمة التي قلّت فيها وسائل العلاج، فلا بد للشارع في هذا الأمر القابل للتشكيك- كالكر، و السفر، و العدة، و أيام الحيض، و غير ذلك مما هو كثير- من تحديد حد خاص و حينئذ فالتحديد بصحة انتساب الموت إلى ما وقع في المعركة مطلقا و لو كان بعد مضيّ زمان من انقضاء الحرب مجمع على خلافه، كما أنّ اعتبار تحقق الموت بمجرد حدوث الجرح

ص: 441

.....

______________________________

عليه، خلاف ظواهر النصوص، و سيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و الوصي عليه السلام و الحسين عليه السلام لأنّ بعض الشهداء في الغزوات كانوا يتكلّمون معهم عليهم السلام ثمَّ يفوزون بمقام الشهادة، فالأقسام الثلاثة الأول- مما تقدم- داخلة في عنوان الشهيد قطعا، كما أن القسم الأخير خارج عنه كذلك. إنّما الكلام في القسم الرابع و الخامس، و يمكن التمسك بإطلاق ما دل على عدم تغسيل الشهيد لهما أيضا، لفرض صدق الشهيد عليهما، و صدق تحقق الرمق بالنسبة إليهما أيضا، مع أنّ الانقضاء الحرب أيضا أقساما:

منها: ما إذا تمَّ الحرب رأسا لغلبة، أو صلح، أو نحو ذلك.

و منها: الانقضاء المادامي لأهبة سلاح أو استراحة، أو عروض مانع، أو نحو ذلك، و المتيقن ممن مات بعد انقضاء الحرب خصوص الأول دون الأخير.

و لعلّ إجمال الفقهاء و عدم التعرض للتفصيل، لندرة الابتلاء.

و يؤيد ما قلناه: ما رواه العلامة في المنتهى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«أنّه قال يوم احد: من ينظر ما فعل بسعد بن الربيع؟ فقال رجل: أنا أنظر لك يا رسول اللّه، فنظر فوجده جريحا به رمق فقال له: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات فأبلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عني السلام قال: ثمَّ لم أبرح أن مات و لم يأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتغسيل أحد منهم» (1).

فروع- (الأول): لو وجد قتيل في المعركة و لم يكن أثر جرح عليه و احتمل أن يكون قتله بصدمة قلبية- مثلا- أو نحو ذلك مما يوجب القتل، فالظاهر شمول الإطلاق له أيضا.

(الثاني): مقتضى ما تقدم- من أنّ دم الشهيد محترم عند اللّه تعالى لانّه شعار الحق و التضحية في سبيله، و يبعث بدمائه يوم القيامة حاملا هذا الشعار- لا بد و أن يتحفظ الدم على الشهيد كي لا ينفصل عن جسده و ثيابه و أما سائر النجاسات، فسيأتي حكمها.

ص: 442


1- راجع المنتهى ج: 1 الفرع السابع من المسألة عدم وجوب تغسيل الشهيد.

إخراجه مع بقاء الحرب و خروج روحه بعد الإخراج بلا فصل، و أما إذا خرجت روحه بعد انقضاء الحرب فيجب تغسيله و تكفينه.

الثانية: من وجب قتله برجم أو قصاص
اشارة

الثانية: من وجب قتله برجم أو قصاص (9) فإنّ الإمام عليه السلام أو نائبه- الخاص أو العام- يأمره (10) أن يغتسل غسل الميت (11) مرة بماء السدر، و مرة بماء الكافور، و مرة بماء القراح، ثمَّ يكفّن كتكفين الميت إلا أنه يلبس و صلتين منه (12) و هما المئزر و الثوب قبل القتل

______________________________

(الثالث): مقتضى إطلاق ما تقدم شمول الحكم لمن قتل بالوسائل الحديثة في هذه الأعصار في سبيل اللّه مع تحقق سائر الشرائط.

(9) إجماعا، و نصّا قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «المرجوم و المرجومة يغسّلان و يحنّطان و يلبسان الكفن قبل ذلك ثمَّ يرجمان و يصلّي عليهما، و المقتص منه بمنزلة ذلك يغسل و يحنّط و يلبس الكفن ثمَّ يقاد و يصلّي عليه» (1).

و قريب منه غيره و المذكور في الأدلة خصوص المرجوم و المقتص منه و في إلحاق كلّ من يقتل بالحد قولان؟ فعن جمع هو الأول و لا دليل لهم، إلا أن ذكرهما من باب المثال، أو دعوى القطع بالمناط. و كلّ منهما مشكل.

(10) ليس لهذا القيد في الأخبار عين و لا أثر، و الظاهر أنّه لمجرد الإعلام و الإرشاد، فلو كان عالما به، أو علمه غيره فلا وجه لوجوب أمر الإمام أو نائبه- كما يأتي عنه رحمه اللّه في ذيل المسألة- و يمكن أن يقال: إنّ تجهيزات الميت تقوم بغيره بعد الموت، فلا بد و أن يستند إلى الغير أيضا إن كانت في حال الحياة و هو يحصل بمجرد التسبيب الأمري فقط و يشك في كفاية أمر غير الإمام أو نائبه مع أنه يحتمل أن يكون ذلك من فروع ولاية الحد و القصاص، فيختص به أيضا.

(11) أرسل ذلك إرسال المسلمات الفقهية، و يشهد له الاعتبار أيضا.

(12) لا دليل عليه من نص أو إجماع، و مقتضى الإطلاق لبس تمام

ص: 443


1- الوسائل باب: 17 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

و اللفافة بعده، و يحنّط قبل القتل كحنوط الميت (13)، ثمَّ يقتل فيصلّى عليه و يدفن بلا تغسيل، و لا يلزم غسل الدم من كفنه (14)، و لو أحدث قبل القتل لا يلزم إعادة الغسل (15). و يلزم أن يكون موته بذلك السبب (16) فلو مات أو قتل بسبب آخر يلزم تغسيله (17) و نيّة الغسل من الآمر (18)، و لو نوى هو- أيضا- صح، كما أنّه لو اغتسل من غير أمر الإمام عليه السلام أو نائبه كفى (19) و إن كان الأحوط إعادته (20).

______________________________

القطعات، إلا ان نتمسك بالقرائن الخارجية بالاكتفاء، بالوصلتين، من أنّ كفنهما معرض للزوال و النجاسة، و التحفظ على البقاء و عدم النجاسة أولى منهما أمكن، أو غير ذلك من الوجوه الاعتبارية، و لكن في صلاحيتها لمقاومة الإطلاق إشكال، و يمكن أن يقال: إنّ كون الكفن في معرض الضياع نحو قرينة محفوفة بالكلام تقتضي الجمود على المتيقن منه، فلا يثبت الإطلاق فما ذكره الماتن هو الأجود.

(13) لأنّ الظاهر أنّ ذكر الغسل و الكفن- في الأدلة- من باب المثال لكلّ ما يجب و يستحب.

(14) لإطلاق النص في مثل هذا الحكم الذي يكون في معرض تنجيس الكفن و تلويثه غالبا، أو دائما، مضافا إلى أصالة البراءة.

(15) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(16) لأنّه المتفاهم من النص و الفتوى عرفا.

(17) لإطلاق أدلة التغسيل من غير ما يصلح للتقييد.

(18) بدعوى: أنّ السبب هنا أقوى من المباشر، و لكنّه أول الكلام و مقتضى صدور الفعل من المباشر كون النية منه أيضا و الأحوط أن ينويا معا.

(19) بناء على عدم الموضوعية للأمر و أنّه طريق محض للإعلام. و أما بناء على الموضوعية، فلا بد من الأمر

(20) لاحتمال الموضوعية في خصوص الأمر.

ص: 444

مسألة 6: سقوط الغسل عن الشهيد و المقتول بالرجم أو القصاص

(مسألة 6): سقوط الغسل عن الشهيد و المقتول بالرجم أو القصاص من باب العزيمة لا الرخصة (21)، و أما الكفن فإن كان الشهيد عاريا وجب تكفينه (22)، و إن كان عليه ثيابه فلا يبعد جواز تكفينه فوق ثياب الشهادة (23) و لا يجوز نزع ثيابه و تكفينه (24). و يستثنى من عدم جواز نزع ما عليه أشياء يجوز نزعها كالخف و النعل و الحزام إذا كان من الجلد و أسلحة الحرب (25)، و استثنى بعضهم الفرو و لا يخلو عن

______________________________

(21) لظهور الأدلة في ذلك، مضافا إلى الإجماع.

(22) لإطلاق أدلة وجوب التكفين من غير مقيد، مضافا إلى ما تقدم في حديث تكفين حمزة.

(23) لأصالة البراءة عن الحرمة لو كان فيه غرض صحيح و لم ينطبق عليه ما يوجب الحرمة من الإسراف و نحوه.

(24) نصا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه» (1).

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في- شهداء أحد-: «زملوهم بدمائهم و ثيابهم» (2).

و لأنّ ثيابه المتلطخة بدمائه من مظاهر التحكيم يوم القيامة، إذ الشهداء يحشرون بدمائهم و ثيابهم يوم القيامة، و في قضية عمار: «ادفنوني و ثيابي فإني مخاصم» (3).

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما كان عليه أثر الدم أو لا و إن كان المنصرف منه هو الأول.

(25) لعدم صدق الثوب على ما ذكر، فيرجع في حرمة نزعها إلى أصالة

ص: 445


1- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 9.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 11.
3- مستدرك الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

إشكال خصوصا إذا أصابه دم، و استثنى بعضهم مطلق الجلود، و بعضهم استثنى الخاتم (26). و عن أمير المؤمنين- عليه السّلام (ينزع من الشهيد الفرو، و الخف، و القلنسوة، و العمامة، و الحزام، و السراويل) (27) و المشهور لم يعملوا بتمام الخبر (28) و المسألة محل إشكال (29) و الأحوط عدم نزاع ما يصدق عليه الثوب من المذكورات.

مسألة 7: إذا كان ثياب الشهيد للغير و لم يرض بإبقائها تنزع

(مسألة 7): إذا كان ثياب الشهيد للغير و لم يرض بإبقائها تنزع. و كذا إذا كانت للميت لكن كانت مرهونة عند الغير و لم يرض

______________________________

البراءة، مع أنّ المسألة من صغريات الأقل و الأكثر و حينئذ فإن لم يرض الورثة بكونهما مع الشهيد، أو كان إسراف عرفا وجب النزع، و الا فمقتضى الأصل عدم وجوبه.

(26) نسب استثناء ذلك كلّه إلى المشهور، و يقتضيه الأصل بعد عدم صدق الثوب على ما ذكره و مع الشك في صدقه لا يجوز التمسك بإطلاق الثياب، لأنه تمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، نعم، إن كان المراد بالثوب مطلق ما معه يصح التمسك بالإطلاق و لكنه ممنوع.

(27) و في الخبر: «الا أن يكون أصابه دم فإن أصابه دم ترك و لا يترك عليه شي ء معقود إلّا حل» (1).

و ذكر الحزام خلاف الجمود على متن الخبر المذكور فيه المنطقة دون الحزام.

(28) لذهابهم إلى دفنه بعمامته و سراويله و عدم دفنه بالخف و الفرو و القلنسوة و لو أصابها دم، و لكن ضعف الخبر أسقطه عن الاعتماد عليه.

(29) من حيث تعلق حق الورثة، و احتمال الإسراف، و لا إشكال مع رضائهم، و عدم صدق الإسراف.

ص: 446


1- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

بإبقائها عليه (30).

مسألة 8: إذا وجد في المعركة ميت لم يعلم أنه قتل شهيدا أم لا

(مسألة 8): إذا وجد في المعركة ميت لم يعلم أنه قتل شهيدا أم لا، فالأحوط تغسيله و تكفينه (31) خصوصا إذا لم يكن فيه جراحة و إن كان لا يبعد إجراء حكم الشهيد عليه (32).

______________________________

(30) كلّ ذلك لحرمة التصرف في حق الغير بدون إذنه بالأدلة الأربعة و لا تصلح أدلة المقام لمعارضتها قطعا.

فروع- (الأول): لو كان الثوب ذات قيمة، فالظاهر انصراف الأخبار عنه، لتنزلها على المتعارف.

(الثاني): لا فرق في الثياب بين كونها من قطن أو صوف أو غيرهما، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كونها مما لا يؤكل لحمه، أو من الحرير، الا أن يقال: بانصراف الأدلة عنهما تنزيلا لثياب الشهيد منزلة الكفن.

(الثالث): مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كونها متنجسة بنجاسة غير الدم أو لا، و احتمال الانصراف يجري هنا أيضا.

(31) لعمومات أدلة التغسيل، و التكفين لمن فارق روحه جسده من المسلمين، و الشهادة خصوصية زائدة لا بد من إحرازها و حيث لم تحرز فلا موضوع لأحكامها، فيكون التمسك بأدلة الشهادة بالنسبة إليه تمسك بالعام في الشبهة الموضوعية بخلاف التمسك بأدلة التجهيزات، فإنّ موضوعها الموت الذي هو مفارقة الروح للجسد و هو أعم من الشهادة بلا إشكال، فيكون الموضوع لوجوب التجهيزات ثابتا. و لعلّ وجه الاحتياط أصالة البراءة عن وجوب التجهيزات كما يشهد له ظاهر الحال.

(32) لظاهر الحال، و عن بعض دعوى عدم الخلاف إن وجود فيه أثر القتل، و لكن لا اعتبار بالظاهر ما لم يوجب الاطمئنان، و يمكن استناد عدم الخلاف إليه أيضا، فلا اعتبار به ما لم يحرز أنّه من الإجماع المعتبر. ثمَّ إنّه بعد عدم إحراز موضوع الشهادة لا حرمة لإزالة دمه و نزاع ثوبه أيضا لعدم إحراز موضوع الحرمة، فيرجع إلى البراءة.

ص: 447

مسألة 9: من أطلق عليه الشهيد في الأخبار

(مسألة 9): من أطلق عليه الشهيد في الأخبار من المطعون و المبطون، و الغريق، و المهدوم عليه، و من ماتت عند الطلق و المدافع عن أهله و ماله (33) لا يجري عليه حكم الشهيد، إذا المراد التنزيل في

______________________________

(33) كما ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله فإنّه ذكر: «من شهداء أمته غير الشهيد الذي قتل في سبيل اللّه مقبلا غير مدبر الطعين، و المبطون، و صاحب الهدم، و الغرق، و المرأة تموت جمعا قالوا و كيف تموت جمعا يا رسول اللّه؟

قال: يعترض ولدها في بطنها» (1).

و عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من قتل دون عقال (عياله) فهو شهيد»(2).

و نحوه غيره، و قد ورد عنه صلّى اللّه عليه و آله: «من ماتت في حيضها ماتت شهيدة» (3) إلى غير ذلك من الموارد.

فائدة: تنفع الموت في أوقات خاصة، و حالات مخصوصة كما قال اللّه تعالى وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّهِ (4).

و هذه الآية عامة شاملة لكلّ هجرة إلى كلّ مطلوب شرعي، و يدل عليه قول علي عليه السلام: «ضمنت لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنة، و رجل خرج يعود مريضا فمات فله الجنة، و رجل خرج مجاهدا في سبيل اللّه فمات فله الجنة، و رجل خرج حاجا فمات فله الجنة، و رجل خرج إلى الجمعة فمات فله الجنة، و رجل خرج في جنازة مسلم فمات فله الجنة» (5)

ص: 448


1- عيون اخبار الرضا كما في ج: 1 سفينة البحار صفحة: 720.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد العدو حديث: 5.
3- مستدرك الوسائل باب: 36 من أبواب الحيض حديث: 14.
4- سورة النساء: 100.
5- الوافي ج: 13 باب: 47 من أبواب ما قبل الموت.

الثواب (34).

مسألة 10: إذا اشتبه المسلم بالكافر

(مسألة 10): إذا اشتبه المسلم بالكافر (35) فإن كان مع العلم

______________________________

و الظاهر أنّ ذكر الستة من باب المثال لا الخصوصية، فيشمل كلّ من خرج في قضاء حاجة المؤمن، و في طلب العلم و نحو ذلك مما هو كثير جدا.

و منها: الموت في يوم الجمعة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة رفع اللّه عنه عذاب القبر» (1).

و قال الصادق عليه السلام: «من مات ما بين زوال الشمس من يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة أمن من ضغطة القبر» (2).

و قال أبو جعفر عليه السلام: «ليلة الجمعة ليلة غراء، و يوم الجمعة يوم أزهر و ليس على الأرض يوم تغرب فيه الشمس أكثر معتقا من النار من يوم الجمعة، و من مات يوم الجمعة كتب له براءة من عذاب القبر، و من مات يوم الجمعة أعتق من النار» (3).

(34) لما هو المتسالم عليه بين الأصحاب، بل هو معلوم عند أولي الألباب، مضافا إلى اشتمال النصوص: «على من قتل بين الصفين» أو «يقتل في سبيل اللّه» و لا ريب في عدم شمولهما لمن ذكر من الشهداء.

(35) إن كان الاشتباه بين الشهيد المسلم و الكافر، فلا يجب التغسيل و التكفين، للعلم التفصيلي بعدم وجوبهما، و يجب باقي التجهيزات، للعلم الإجمالي، و مع التجرد وجب التكفين أيضا و إن كان الاشتباه بين المسلم غير الشهيد و الكافر، فمع العلم الإجمالي بالمسلم وجب الاحتياط بتمام التجهيزات، و مع عدم العلم الإجمالي لا يجب شي ء في الصورتين و لا بد من حمل إجمال المتن على ما بيناه.

و أما الرواية، فهي صحيحة حماد بن عيسى عن الصادق عليه السلام قال:

ص: 449


1- الوافي ج: 13 باب: 47 من أبواب ما قبل الموت.
2- الوافي ج: 13 باب: 47 من أبواب ما قبل الموت.
3- الوافي ج: 13 باب: 47 من أبواب ما قبل الموت.

.....

______________________________

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم بدر: لا تواروا إلا من كان كميشا يعني:

من كان ذكره صغيرا، و قال: لا يكون ذلك إلا في كرام الناس» (1). و هي مجملة، لأنّ للكبر و الصغر مراتب متفاوتة جدا مع أنّه لم يعلم المراد بكرام الناس، هل قصد صلّى اللّه عليه و آله بهم خصوص المسلمين، أو ذوي الفضائل النفسانية، لأنّ الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة؟ مع أنّه لم ينقل صدور هذا الحكم منه صلّى اللّه عليه و آله في سائر غزواته. و لعلّ ذلك كان قضية في واقعة. ثمَّ إنّ بناء الفقهاء- عند الدوران بين الإسلام و غيره- تغليب جانب الإسلام و على هذا يجب الاحتياط مع عدم العلم الإجمالي أيضا الا أن يقال: إنّ المتيقن من بنائهم غير ذلك، أو العمدة- في تغليب جانب الإسلام عند الدوران- الإجماع فلا بد من الاقتصار على مورد تحققه.

فرع: لا فرق في سقوط الغسل عن الشهيد بينما لو كان جنبا أو لا، لظهور الإطلاقات الواردة في مقام البيان، و نسب إلى ابن الجنيد و المرتضى أنّه يغسّل، لحديث حنظلة بن أبي عامر الراهب حيث استشهد بأحد «فلم يأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بغسله و قال صلّى اللّه عليه و آله: «رأيت الملائكة بين السماء و الأرض تغسل حنظلة بماء المزن في صحاف من فضة» و كان يسمى غسيل الملائكة» (2). و القضية مشهورة و مذكورة في كتب الفريقين.

و فيه: أنّه على خلاف المطلوب أدل، لأنّ غسل الملائكة شي ء و وجوب التغسيل على الناس شي ء آخر، و إذا اكتفي النبي صلّى اللّه عليه و آله بغسل الملائكة لحنظلة فلم لا يكتفي صلّى اللّه عليه و آله لغسلهم لسائر الشهداء الذين استشهدوا و هم على جنابة؟ و أيّ خصوصية لحنظلة حتّى تغسله الملائكة دون سائر من استشهد جنبا؟.

ص: 450


1- الوسائل باب: 65 من أبواب الجهاد حديث: 1 و راجع باب: 39 من أبواب الدفن حديث: 3.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

الإجمالي بوجود مسلم في البين وجب الاحتياط بالتغسيل و التكفين و غيرهما للجميع، و إن لم يعلم ذلك لا يجب شي ء من ذلك. و في رواية يميز بين المسلم و الكافر بصغر الآلة و كبرها و لا بأس بالعمل بها في غير صورة العلم الإجمالي و الأحوط إجراء أحكام المسلم مطلقا بعنوان الاحتمال و برجاء كونه مسلما.

مسألة 11: مس الشهيد و المقتول بالقصاص بعد العمل بالكيفية السابقة لا يوجب الغسل

(مسألة 11): مس الشهيد و المقتول بالقصاص بعد العمل بالكيفية السابقة لا يوجب الغسل (36).

مسألة 12: القطعة المبانة من الميت إن لم يكن فيها عظم لا يجب غسلها

(مسألة 12): القطعة المبانة من الميت إن لم يكن فيها عظم لا يجب غسلها و لا غيره، بل تلف في خرقة و تدفن (37) و إن كان فيها عظم و كان غير الصدر تغسل و تلف في خرقة و تدفن (38)، و إن كان الأحوط

______________________________

(36) لأنّ الأول كان كالغسل شرعا. و الثاني قد اغتسل بحكم الشرع فلا موجب لغسل المس، إذ ظاهر دليل وجوبه أنه يجب لمس ميت يجب تغسيله بعد المس، فلا يشمل مس من لا يجب تغسيله.

(37) أما عدم وجوب الغسل، فلظهور الاتفاق، و قصور الأدلة عن إيجابه، فيرجع إلى أصالة البراءة.

و أما اللف فهو المشهور، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة، و استدل عليه بقاعدة الميسور، و الاستصحاب و لا بأس به لو صدق الميسور في الأول و لم يكن من الشك في الموضوع في الثاني الا أن يقرر بما يأتي في الصدر.

و أما الدفن، فلإجماع الفقهاء، و مرتكزات المتشرعة قديما و حديثا.

(38) أما الغسل فيدل عليه النص، و الاستصحاب، و ظهور الإجماع قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه إنسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا

ص: 451

تكفينها بقدر ما بقي من محلّ القطعات الثلاث، و كذا إن كان عظما مجردا (39). و أما إذا كانت مشتملة على الصدر و كذا الصدر وحده

______________________________

غسل عليه» (1) بناء على الملازمة بين وجوب غسل مس الميت و غسل الميت كما تسالم الفقهاء عليها. و الخبر و إن كان في المبان من الحيّ و لكنّه يشمل المبان من الميت بالأولى، و في صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال عليه السلام: يغسّل و يكفن و يصلّى عليه و يدفن» (2).

و إطلاقه يشمل بقاء تمام العظم أو بعضها خصوصا في أكل السبع، فإنّ الظاهر أكله بعض العظام أيضا.

و أما كفاية اللف في الخرقة، فعمدة دليله الإجماع، و لكن ظاهر صحيح ابن جعفر هو التكفين. الا أن يقال: بانصرافه إلى صورة بقاء تمام العظام و لو بقرينة الإجماع على كفاية اللف في غيرها. و أما الدفن، فلما تقدم.

(39) أما التغسيل، فلما تقدم من صحيح ابن جعفر، و غيره مما يدل على تغسيل أكيل السبع و إطلاقه يشمل العظم المجرد و ما كان مع اللحم و يشهد له قاعدة الميسور، و الاستصحاب بنحو ما يأتي في الصدر.

و أما لفه و دفنه فلظهور الإجماع، و بناء المتشرعة، و يصح الاستدلال لهما بإطلاق ما تقدم من صحيح ابن جعفر و إن كان مقتضاه وجوب التكفين أيضا، و لكن تقدم إمكان دعوى الانصراف إلى تمام العظام.

و عن بعض عدم وجوب التغسيل، لأصالة البراءة بعد ما دل على طهارة العظم من الميتة و لكن إطلاق صحيح علي بن جعفر حاكم عليها، فتأمل.

و أما عدم وجوب الصلاة، فللأصل بعد عدم دليل عليه و لزوم تقييد ما تقدم من صحيح عليّ بن جعفر بغير هذه الموارد كما يأتي.

ص: 452


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل المس حديث: 1.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.

فتغسّل و تكفّن و يصلّى عليها و تدفن (40) و كذا بعض الصدر إذا كان

______________________________

(40) على المشهور، و يظهر منهم التسالم عليه، لإطلاق أدلة التجهيزات بعد تنزيل الصدر المنزلة تمام البدن عرفا، و لاستصحاب الوجوب النفسي المنبسط على الكلّ، فإن زوال البعض لا يوجب سقوط الحكم بالنسبة إلى ما لم يزل، و لقاعدة الميسور بعد كون الصدر أعظم أجزاء الجسد.

و أما الأخبار الخاصة، فهي على أقسام:

الأول: صحيح الفضل عن الصادق عليه السلام: «الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة، و وسطه و صدره و يداه في قبيلة، و الباقي منه في قبيلة؟ قال عليه السلام: ديته على من وجد في قبيلته صدره و يداه و الصلاة عليه»(1).

بناء على أنّ ذكر الصلاة من جهة أنّها آخر التجهيزات، فيشمل جميعها، و إن ذكر اليد من جهة متابعة سؤال السائل لا التقييد. و في خبر البزنطي:

«المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلى على العضو الذي فيه القلب» (2).

بناء على أنّ المراد محل القلب سواء كان القلب موجودا فيه أو لا.

الثاني: صحيح ابن جعفر: «عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال عليه السلام: يغسّل و يكفّن و يصلى عليه و يدفن» (3).

و الظاهر رجوعه إلى القسم الأول أيضا، لأنّ العظام تشمل الصدر الذي فيه القلب بقرينة صحيحة الآخر: «سألته عن رجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال: يغسّل و يكفّن و يصلّى عليه و يدفن، فإذا كان الميت نصفين صلي على النصف الذي فيه قلبه» (4).

و نحوه غيره، و هذه الأخبار تصلح دليلا للمشهور، مضافا إلى ما مر.

ص: 453


1- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 12.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 1.
4- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 6.

مشتملا على القلب، بل و كذا عظم الصدر و إن لم يكن معه لحم (41) و في الكفن يجوز الاقتصار على الثوب و اللفافة (42)، إلا إذا كان بعض محل المئزر أيضا موجودا، و الأحوط القطعات الثلاث (43) مطلقا.

و يجب حنوطها أيضا.

______________________________

الثالث: قول الصادق عليه السلام في خبر طلحة: «لا يصلى على عضو رجل أو يد أو رأس منفردا فإذا كان البدن فصلّى عليه، و إن كان ناقصا من الرأس و اليد و الرجل» (1).

و لا يخفي أنّه يرجع أيضا إلى ما تقدم من الأخبار و لا منافاة بينه و بينها عند ذوي الأبصار.

الرابع: قول الصادق عليه السلام في مرسل البرقي: «إذا وجد الرجل قتيلا فإن وجد له عضو تام صلّي عليه و دفن و إن لم يوجد له عضو تام لم يصلّ عليه و دفن» (2).

و في خبر ابن المغيرة: «يصلى على كلّ عضو: رجلا كان أو يدا، و الرأس جزء فما زاد فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصل عليه» (3).

و لكن قصور سندهما، و إعراض الأصحاب عنهما أسقطهما عن الاعتبار و لا بأس بحملهما على الندب. و الكلام في الصلاة هو الكلام في التغسيل من غير فرق فلا نعيده و يأتي في محلّه من [مسألة 6] من (فصل الصلاة على الميت).

(41) كلّ ذلك لإطلاق لفظ الصدر الوارد في صحيح الفضل بعد حمل لفظ القلب الوارد في غيره على محلّه سواء وجد القلب فيه فعلا أو لا.

(42) لاستصحاب الوجوب الثابت قبل الانفصال.

(43) نسب ذلك إلى الأصحاب تنزيلا له حينئذ منزلة التمام. ثمَّ إنّ وجوب الحنوط يدور مدار وجود مواضعه فيشمله حينئذ عموم دليل وجوبه هذا كلّه حكم

ص: 454


1- ا الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 17.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 9.
3- الوسائل باب: 38 من أبواب صلاة الجنازة حديث: 13.
مسألة 13: إذا بقي جميع عظام الميت بلا لحم وجب إجراء جميع الأعمال

(مسألة 13): إذا بقي جميع عظام الميت بلا لحم وجب إجراء جميع الأعمال (44).

مسألة 14: إذا كانت القطعة مشتبهة بين الذكر و الأنثى

(مسألة 14): إذا كانت القطعة مشتبهة بين الذكر و الأنثى الأحوط أن يغسلها كلّ من الرجل و المرأة (45).

______________________________

القطعة المبانة من الميت.

و كذا الكلام بعينه في المبانة من الحيّ على الأحوط. و قد نسب الوجوب إلى ظاهر الأكثر في الحدائق و يظهر منهم الملازمة بين وجوب الغسل بمسه و جريان أحكام الميت عليه و لكن الملازمة غير ثابتة و بلوغ فتوى الأكثر إلى حد الإجماع مشكل.

(44) لما تقدم من صحيح علي بن جعفر، مضافا إلى ظهور الاتفاق.

(45) هذه المسألة مكررة راجع [مسألة 2] من (فصل اعتبار المماثلة).

ص: 455

فصل في كيفية غسل الميت
اشارة

(فصل في كيفية غسل الميت) يجب تغسيله ثلاثة أغسال:

(الأول): بماء السدر.

(الثاني): بماء الكافور.

(الثالث): بماء القراح (1)، و يجب على هذا (فصل في كيفية غسل الميت)

______________________________

(1) نصّا، و إجماعا، بل ضرورة من المذهب في هذه الأعصار و ما قاربها، و في صحيح ابن مسكان: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الميت فقال: اغسله بماء و سدر ثمَّ اغسله على ذلك غسلة أخرى بماء و كافور و ذريرة- إن كانت- و اغسله الثالثة بماء قراح. قلت: ثلاث غسلات لجسده كله؟

قال: نعم» (1).

و صحيح الحلبي: «فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخرى بماء و كافور و بشي ء من حنوط ثمَّ اغسله بماء بحث غسلة أخرى، حتّى إذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب نظيف ثمَّ جففته» (2).

و كذا ما رواه يونس عنهم عليهم السلام (3)، و الإشكال في مثل هذه الأخبار بأنّها مشتملة على المندوبات، فلا يستفاد الوجوب منها. مردود: بأنّ استفادة الاستحباب في جملة مما ذكر فيها إنّما هو بقرائن خارجية من إجماع أو غيره فلا

ص: 456


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

الترتيب (2)، و لو خولف أعيد على وجه يحصل الترتيب (3) و كيفية كلّ من الأغسال المذكورة كما ذكر في الجنابة، فيجب أولا غسل الرأس و الرقبة و بعده الطرف الأيمن و بعده الأيسر (4).

______________________________

ينافي ذلك الوجوب فيما ليس فيه قرينة على الخلاف، فلا وجه لما نسب إلى سلار من وجوب غسل واحد فقط بالقراح، للأصل، و لما دل على أنّه كغسل الجنابة (1)، و لما ورد في الميت الجنب أنّه يغسّل غسلا واحدا (2)، إذا لا وجه للأول مع الدليل و الثاني البيان الكيفية فقط، و الأخير لا يدل على أزيد من التداخل كما يأتي، و كذا لا وجه لما عن ابني سعيد و حمزة من عدم اعتبار الخليطين لإطلاق ما دل على أنه كغسل الجنابة إذا الإطلاق مقيد بما دل على الاشتراط و قد نقل- على الترتيب المذكور- في المعتبر اتفاق فقهاء أهل البيت كما في الحدائق.

(2) إجماعا، و نصوصا تقدم في صحيح ابن مسكان، و الحلبي و تحمل عليهما المطلقات مثل قول الصادق عليه السلام: «يغسل الميت ثلاث غسلات مرة بالسدر و مرة بالماء يطرح فيه الكافور و مرة أخرى بالماء القراح» (3).

فلا وجه لما نسب إلى ابن حمزة من عدم اعتباره.

(3) لفوات المشروط بفوات شرطه إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه في المقام، فلا وجه لما عن التذكرة من أنّ فيه وجهين من حصول النقاء و من مخالفة الترتيب.

(4) نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه عليه السلام في موثق عمار: «ثمَّ تبدأ فتغسل الرأس و اللحية بسدر حتى تنقيه ثمَّ تبدأ بشقه الأيمن ثمَّ بشقه الأيسر- إلى أن قال عليه السلام:- يجعل في الجرة من الكافور نصف حبة ثمَّ تغسل رأسه

ص: 457


1- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب غسل الميت.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 4.

و العورة تنصف أو تغسّل مع كلّ من الطرفين، و كذا السّرة (5).

______________________________

و لحيته، ثمَّ شقه الأيمن، ثمَّ شقه الأيسر» (1).

و ما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ثمَّ تبدأ بكفيه و رأسه ثلاث مرات بالسدر، ثمَّ سائر جسده، و ابدا بشقه الأيمن» (2).

و في خبر يونس عنهم عليهم السلام: «ثمَّ اغسل رأسه بالرغوة- إلى أن قال- ثمَّ أضجعه على جانبه الأيسر و صبّ الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات- إلى أن قال- ثمَّ أضجعه على جنبه الأيسر و اغسل جنبه الأيمن- إلى أن قال- ثمَّ أضجعه على جنبه الأيمن و اغسل جنبه الأيسر كما فعلت أول مرة» (3).

و في خبر الكاهلي: «ثمَّ تحول إلى رأسه و ابدأ بشقه الأيمن من لحيته و رأسه ثمَّ ثنّ بشقه الأيسر من رأسه و لحيته و وجهه- إلى أن قال- ثمَّ أضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثمَّ غسله من قرنه إلى قدميه- إلى أن قال- ثمَّ رده على جانبه الأيمن ليبدو لك الأيسر، فاغسله بماء من قرنه إلى قدميه» (4).

و ما ورد فيه من الترتيب بين جانبي الرأس، لا بد من حمله على الندب بقرينة غيره، و اشتمالها على الآداب لا يضر بالاستدلال، لما تقدم من أنّ حملها على الندب إنّما هو لدليل خارجي و لا يضر ذلك بظهور الباقي في الوجوب، مع أنّ إطلاق قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «غسل الميت مثل غسل الجنب» (5).

يكفي في اعتبار الترتيب، بناء على اعتبار الترتيب في غسل الجنابة- كما هو المشهور- و إن أشكلنا عليه فيما تقدم.

(5) لأنّ بكلّ منهما يحصل الترتيب المطلوب بين الأيمن و الأيسر بناء على اعتبار الترتيب حتى بالنسبة إليها، و لكن المحتملات في العورة أربعة:

الأول: كونها من الأيمن.

ص: 458


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

و لا يكفي الارتماس (6)- على الأحوط- في الأغسال الثلاثة مع التمكن

______________________________

الثاني: كونها من الأيسر.

الثالث: كونها عضوا مستقلا يجب فيه التنصيف.

الرابع: كونها عضوا مستقلا لا يجب فيه ذلك، للشك في شمول الأيمن و الأيسر الواردين في الأدلة لها، فيرجع إلى الأصل في الشبهة الموضوعية، و الجمود على الأصل يقتضي الأخير بعد عدم الجزم بالبقية، فيجزي غسلها مستقلا، و مع أيّ الطرفين شاء. و طريق الاحتياط معلوم.

(6) استدل عليه تارة: بقاعدة الاشتغال.

و أخرى: بظواهر النصوص.

و ثالثة: بظواهر كلمات الفقهاء.

و رابعة: بأنّه أبلغ في التنظيف الذي ورد في حكمة تشريع غسل الميت كما في خبر ابن سنان، و ابن شاذان (1).

و خامسة: بأنّه أسهل على الغاسل، لأنّ في حمل الميت و غمسه في الماء صعوبة عليه.

و الكل مخدوش، أما الأول: فلأنّ المقام من موارد الشك في أصل الشرطية، و المرجع فيه البراءة.

و أما الثاني: فلأنّ موردها الماء القليل الذي يتعيّن فيه الترتيب، مع إمكان أن تكون لبيان أحد فردي الواجب.

و أما الثالث: فلا اعتبار به ما لم يكن من الإجماع المعتبر.

و أما الرابع: فلكفاية المقام بكفاية مجرد الغسل في النظافة التي تكون حكمة للتشريع، مع أنّ لنا المواظبة على حصول النظافة بالارتماس كحصولها بغيره. و الأخير ليس إلا من مجرد الاستحسان الذي لا يصلح مدركا للحكم

ص: 459


1- الوسائل باب: 1 من أبواب غسل الميت حديث: 3 و 4.

من الترتيب نعم، يجوز في كلّ غسل رمس كلّ من الأعضاء الثلاثة مع مراعاة الترتيب في الماء الكثير (7).

مسألة 1: الأحوط إزالة النجاسة عن جميع جسده قبل الشروع في الغسل

(مسألة 1): الأحوط إزالة النجاسة عن جميع جسده قبل الشروع في الغسل (8) و إن كان الأقوى كفاية إزالتها عن كلّ عضو قبل

______________________________

الشرعي، و لذا ذهب جمع- منهم الشهيدان، و المحقق الثاني- إلى كفاية الارتماسي أيضا، لإطلاق قول أبي جعفر عليه السلام: «غسل الميت مثل غسل الجنب» و يكفي فيه الارتماس، فكذا في المقام و منه يعلم وجه الاحتياط.

(7) لحصول الترتيب حينئذ، بل يجزي في القليل بالمعتصم- بمثل السيار و نحوه، بل الظاهر الإجزاء إن غمس تمام جسد الميت في ماء السدر ثلاث مرات تارة: بقصد الرأس و الرقبة.

و أخرى: بقصد الأيمن.

و ثالثة: بقصد الأيسر و هكذا في ماء الكافور و القراح إن كان الماء متصلا بأنبوب و نحوه.

(8) استدل على وجوب الإزالة قبل الشروع في الغسل تارة: بالإجماع و فيه: أنّ المتيقن منه إزالة نجاسة كلّ عضو قبل الشروع في غسله، مع أنّ استدلال المحقق و غيره- بصون ماء الغسل عن النجاسة- ظاهر، بل نص فيه.

و أخرى: بقول الصادق عليه السلام: «امسح بطنه مسحا رقيقا فإن خرج منه شي ء فأنقه ثمَّ اغسل رأسه، ثمَّ أضجعه على جنبه الأيسر و اغسل جنبه الأيمن- الحديث-» (1).

و عنه أيضا: «أقعده و اغمز بطنه غمزا رقيقا، ثمَّ طهره من غمز البطن» (2).

و قوله عليه السلام: «ثمَّ اغسل فرجه و نقه» (3).

و قوله عليه السلام: «ابدأ بيديه، ثمَّ بفرجه» (4) و قوله عليه السلام: «إذا

ص: 460


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 9.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

الشروع فيه.

مسألة 2: يعتبر في كلّ من السدر و الكافور أن لا يكون في طرف الكثرة بمقدار يوجب إضافته

(مسألة 2): يعتبر في كلّ من السدر و الكافور أن لا يكون في طرف الكثرة بمقدار يوجب إضافته و خروجه عن الإطلاق (9) و في طرف

______________________________

قتل في معصية اللّه يغسل أولا منه الدم ثمَّ يصب الماء عليه صبا»(1).

و فيه: أنّ مقتضى المرتكزات إزالة ما يخرج من البطن و سائر المنفرات عن جسد الميت الذي أمر بغسله الشارع أولا ثمَّ الشروع في تغسيله، فأمره إرشاد محض خصوصا في الغسل بالماء القليل الذي كان شائعا في الأعصار السابقة، مع أنّ تسالم كون هذا الغسل كغسل الجنابة يقتضي كونه مثله حتّى في هذه الجهة.

و ما يقال: من أنه لا مجال لهذا البحث أصلا، لكون الميت من النجاسات العينية، فيكون البحث لغوا. مردود بأنّ كونه نجسا عينيا لا ينافي إزالة القذارات الظاهرية عنه قبل الشروع في الغسل و هذا نحو احترام بالنسبة إليه خصوصا إزالة ما يخرج من بطنه و تنظيف جسده منه و على أيّ تقدير، فإن كان المدرك الإجماع فالمتيقن ما قلناه، و إن كان الأخبار، فهي. أعم من الإزالة عن تمام البدن، أو خصوص ما يغسل قبل الشروع في غسله، و المنساق منها بقرينة المرتكزات الأخير، و مقتضى الأصل ذلك أيضا، لأن المسألة من موارد الأقل و الأكثر و من ذلك كلّه يظهر كفاية إزالتها عن كلّ عضو قبل الشروع فيه، للأصل، و الإطلاق، و عدم دليل معتبر على الخلاف كما ظهر وجه الاحتياط أيضا. ثمَّ إنّ مقتضى التعليل- بصون الماء عن النجاسة- إزالة النجاسة الحكمية أيضا لا خصوص العينية.

(9) لأنّ ظواهر الأدلة كون الغسلات الثلاثة بالماء المطلق، و هذا هو المنساق من كلّ ما ورد فيه لفظ الغسل (بالضم) أو الغسل (بالفتح) و التعبيرات

ص: 461


1- الوسائل باب: 15 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

.....

______________________________

الواردة في النصوص هكذا: «اغسله بماء و سدر .. و ماء و كافور» (1) «و يجعل في الماء شي ء من السدر و شي ء من الكافور» (2) «بماء السدر .. و ماء الكافور» (3) «بالماء يطرح فيه الكافور»(4) «ألق فيه حبات كافور» أو «اطرح فيه سبع ورقات سدر». و قد ورد في الغسل الثالث «بالماء القراح» (5)، و «ماء بحث» (6)، و المراد بهما الخالص عن الشي ء في مقابل ما فيه شي ء لا المطلق في مقابل المضاف.

و بعد رد مجموع الأخبار بعضها إلى بعض لا إشكال في استفادة إطلاق الماء منها، مع أنه ليس أخبار المقام إلا نحوا من الاستعمالات المتعارفة، فإذا قيل:

(اغسله بماء صابون، أو بصابون و ماء و أشنان، أو اغسله بالصابون) أو نحو ذلك من الاستعمالات الشائعة فالمنساق إنّما هو جعل الماء المطلق وسيلة للغسل باستعانة الصابون و الأشنان و نحوها لا أن يجعل الماء مضافا بهما ثمَّ يغسل به الثوب، فكذا الغسل بماء السدر و الكافور.

فرعان- (الأول): للغسل بالسدر و الكافور أقسام:

الأول: أن يخمر السدر في ظرف و يدلك به الميت و يغسل بالماء.

الثاني: أن يلقى السدر الجاف على الميت و يدلك عليه بالماء و يصب الماء.

الثالث: أن يلقى شي ء منه في الماء و يغسل به الميت، و كذا الكافور، و الكلّ لا ينافي إطلاق الماء كما لا يخفى.

(الثاني): ظاهر الأخبار أنّ للغسل بماء السدر موضوعية خاصة و ليس لأجل التنظيف و لو كان له فهو من الحكمة لا العلة، فلو كان الميت نظيفا، أو غسل بالصابون و نحوه لا يسقط الغسل بالسدر كما أنّ للغسل بالكافور أيضا موضوعية خاصة، فلا يجزي غيره و لو أفاد فائدته. و كان أطيب منه.

ص: 462


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 6.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 7.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 5.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 4.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8.
6- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 2.

القلة يعتبر أن يكون بمقدار يصدق أنّه مخلوط بالسدر أو الكافور (10) و في الماء القراح يعتبر صدق الخلوص منهما (11) و قدّر بعضهم السدر برطل (12) و الكافور بنصف مثقال (13)، لكن المناط ما ذكرناه (14).

______________________________

(10) المراد من الاختلاط ما تقدم في الروايات، و إلا فليس لهذا اللفظ في الأخبار عين و لا أثر.

(11) المذكور في الجملة من الأخبار لفظ القراح- كما تقدم- و هو كسحاب. أي الماء الذي لا يخالطه شي ء، و في بعض الأخبار «ماء بحت» و هو عبارة أخرى عن القراح، و كلّ منهما يسمّى بالخالص.

(12) نسب ذلك إلى المفيد في المقنعة، و عن القاضي تقديره برطل و نصف. و عن بعض تقديره بسبع ورقات و لا مستند للجميع. نعم، في موثق ابن عمار: «أمرني أبو عبد اللّه عليه السلام- إلى أن قال- و بالماء القراح، و اطرح فيه سبع ورقات من السدر» (1).

و لكن لا ربط له بالمقام، لأنّه في الغسل الآخر الذي يكون بالقراح و لا وجه لاعتبار السدر فيه.

(13) نسب ذلك إلى جمع من القدماء و لا مدرك لهم من الأخبار، لأنّ التقديرات الواردة فيها «نصف حبة» (2) «حبات كافور» (3) «إنّ أمير المؤمنين- عليه السلام غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بثلاث مثاقيل كافور» (4) و لعلّ كل حبة كانت مثقالا، فعبّروا بنصف مثقال، لما في الأخبار من التعبير بنصف حبة، و على كلّ تقدير لا مدرك يصح الاعتماد عليه لوجوب التقدير للتقدير مطلقا في مقابل الإطلاقات الواردة في مقام البيان.

(14) لأنّ الأدلة منزلة على المتعارف، فإذا صدق- أنّ فيه شي ء من السدر، و أنّ فيه شي ء من الكافور- يكفي ذلك- للصدق العرفي، و لاشتمال الأخبار عليه، و المسألة بحسب الأصل من موارد الأقل و الأكثر.

ص: 463


1- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 8
2- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 10
3- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 3
4- الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت حديث: 11
مسألة 3: لا يجب مع غسل الميت الوضوء قبله أو بعده

(مسألة 3): لا يجب مع غسل الميت الوضوء قبله أو بعده (15) و إن كان مستحبا (16) و الأولى أن يكون قبله (17).

مسألة 4: ليس لماء غسل الميت حد

(مسألة 4): ليس لماء غسل الميت حد، بل المناط كونه بمقدار يفي بالواجبات (18) أو مع المستحبات. نعم، في بعض الأخبار أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله أوصى إلى أمير المؤمنين- عليه السلام أن يغسّله بست قرب (19) و التأسي به صلى اللّه عليه و آله حسن

______________________________

(15) للأصل، و الإجماع، و ما دل على أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة (1)، و خلو الأخبار البيانية عنه (2).

(16) نسب ذلك إلى المشهور، لجملة من الأخبار- التي يأتي بعضها- المحمولة على الندب إجماعا مع موافقتها للعامة.

(17) لصحيح حريز عن الصادق عليه السلام: «الميت يبدأ بفرجه ثمَّ يوضأ وضوء الصلاة» (3) و مثله غيره (4) المحمول على مجرد الرجحان.

(18) للأصل، و الإطلاق و مكاتبة الصفار إلى أبي محمد عليه السلام:

«في الماء الذي يغسل به الميت كم حده؟ فوقّع عليه السلام حدّ غسل الميت يغسل حتّى يطهر إن شاء اللّه» (5).

و لا ريب في اختلاف ذلك باختلاف الأشخاص.

(19) ففي خبر الفضل عن الصادق عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السلام: إذا أنا مت فاستق لي ست قرب من ماء بئر غرس

ص: 464


1- الوسائل باب: 3 من أبواب غسل الميت.
2- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب غسل الميت.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 1 و غيره.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب غسل الميت حديث: 1 و غيره.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب غسل الميت حديث: 1.

مستحسن (20).

مسألة 5: إذا تعذر أحد الخليطين سقط اعتباره

(مسألة 5): إذا تعذر أحد الخليطين سقط اعتباره و اكتفي بالماء القراح بدله، و يأتي بالأخيرين و إن تعذر كلاهما سقطا و غسّل بالقراح ثلاثة أغسال، و نوى بالأول ما هو بدل السدر و بالثاني ما هو بدل الكافور (21).

مسألة 6: إذا تعذر الماء ييمم ثلاثة تيممات بدلا عن الأغسال

(مسألة 6): إذا تعذر الماء ييمم ثلاثة تيممات بدلا عن الأغسال (22)

______________________________

فاغسلني» (1).

و في صحيح حفص (2) «سبع قرب»، و يمكن أن يكون ذلك لأجل إحراز الكفاية لا للخصوصية في العدد، و يأتي منه رحمه اللّه استحباب ستة قرب في (فصل آداب غسل الميت).

(20) إذ لا يستفاد من وصيته صلّى اللّه عليه و آله أزيد من أصل الجواز أو الرجحان.

(21) و الوجه في ذلك كلّه أنّ التكليف بالخليط مشروط بالتمكن منه فيسقط مع عدمه، و الظاهر أنّ اعتباره من باب تعدد المطلوب فلا يسقط أصل الغسل مع تعذره، مضافا إلى اقتضاء قاعدة الميسور المتسالم عليها في المقام، و الاستصحاب ذلك أيضا و ينوي في كلّ غسل التكليف الفعلي خصوصا في الثالث لاحتمال كونه حينئذ تمام غسل الميت لا بعضه، و مقتضى قاعدة الاشتغال لحاظ الترتيب مع ذلك أيضا.

(22) لعمومات بدلية التيمم، مضافا إلى الإجماع، و عن زيد عن آبائه عن عليّ عليه السلام: «أنّ قوما أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا: يا رسول اللّه مات صاحب لنا و هو مجدور، فإن غسلناه انسلخ فقال صلّى اللّه عليه و آله: يمموه» (3).

ص: 465


1- الوسائل باب: 28 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 3.

.....

______________________________

و أشكل عليه تارة: بأنّ بدلية الطهارة الترابية عن المائية تختص بما إذا صح الاكتفاء في المبدل بمجرد الماء، فلا تشمل المقام الذي يحتاج إلى السدر و الكافور أيضا.

و فيه: ما تقدم من أنّ اعتبار الخليطين من باب تعدد المطلوب، لا أن يكون كلّ غسل متقوّما بالخليط و قد تقدم اعتبار إطلاق الماء في جميع الغسلات الثلاثة.

و أخرى: بأنّ التيمم يقوم مقام الطهارة الحدثية فقط لا الخبثية، فلا موضوع له في المقام. و فيه: أنّ زوال الخبث في المقام مترتب على حصول الطهارة الحدثية، فإذا حصلت الطهارة الحدثية بالتيمم، نصّا يزول الخبث قهرا.

و أما صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام: «ثلاثة نفر كانوا في سفر: أحدهم جنب، و الثاني ميت، و الثالث على غير وضوء و حضرت الصلاة و معهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء و كيف يصنعون؟ قال عليه السلام: يغتسل الجنب، و يدفن الميت، و يتيمم الذي عليه وضوء، لأنّ الغسل من الجنابة فريضة، و غسل الميت سنة، و التيمم للآخر جائز».

ففيه: أنّ هذا الصحيح لم يوجد في الكتب المعتبرة إذ الموجود- في الوسائل (1)، و الحدائق، و الجواهر- بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: «و يدفن الميت بتيمم».

و كذا في التهذيب بسند مرسل عن الرضا عليه السلام- كما في الوسائل- نعم في الحدائق بسند مرسل عن الرضا عليه السلام بإسقاط لفظ «يتيمم» و الكلّ ساقط عن الاعتبار. أما الأخيرين، فلقصور السند و أما الأول، فلعدم وجوده في كتاب معتمد- و على فرضه- فهو مهجور بالإجماع على خلافه. و يأتي في [مسألة 27] من (فصل أحكام التيمم) ما ينفع المقام.

ثمَّ إنّ مقتضى الجمود على ظاهر الكلمات و الأدلة من كون أغسال الميت ثلاثة كون التيمم ثلاثة أيضا، لأنّ ذلك مقتضى البدلية، كما أنّ مقتضى كون

ص: 466


1- الوسائل باب: 18 من أبواب التيمم حديث: 1.

على الترتيب (23) و الأحوط تيمم آخر بقصد بدلية المجموع.

و إن نوى في التيمم الثالث ما في الذمة من بدلية الجميع أو خصوص الماء القراح كفى في الاحتياط (24).

مسألة 7: إذا لم يكن عنده من الماء إلا بمقدار غسل واحد

(مسألة 7): إذا لم يكن عنده من الماء إلا بمقدار غسل واحد فإن لم يكن عنده الخليطان أو كان كلاهما أو السدر فقط صرف ذلك الماء في الغسل الأول (25) و يأتي بالتيمم بدلا عن كلّ من الآخرين على

______________________________

مجموع الأغسال الثلاثة محصّلة لشي ء واحد و هو الطهارة صحة الاكتفاء بتيمم واحد، بناء على كونه بدلا عن المسبب الواحد، فتكون الأغسال الثلاثة في المقام كغسل الأعضاء الثلاثة في غسل الجنابة في كون المجموع محصلا لشي ء واحد، و لذا ذهب جمع إلى الاكتفاء بتيمم واحد، بل نسب ذلك إلى الأصحاب، و لكن المنساق إلى الأذهان كونه بدلا عن السبب لا المسبب، فيصح ما اختاره في المتن، و هو مقتضى الاستصحاب و قاعدة الاشتغال أيضا.

(23) لأنّه معتبر في المبدل، فلا بد من اعتباره في البدل أيضا، لإطلاق دليل البدلية، ثمَّ إنّ الظاهر أنّ الترتيب انطباقيّ قهريّ و ليس متقوّما بالقصد، فمن قصد غسل الميت و لم يتوجه إلى الترتيب- و وقع الغسل الأول بالسدر، و الثاني بالكافور، و الأخير بالقراح- صح و إن لم يكن ملتفتا إلى قصد الترتيب، و ذلك للأصل، و إطلاقات الأدلة الواردة في مقام البيان، لأنّ ظاهرها- كما تقدم- وقوع الغسل بالسدر أولا، و الكافور ثانيا، و القراح ثالثا. و لا ريب في كونه أعم من قصد ذلك بعد تحقق أصل الغسل، و في التيمم أيضا لو قصد التكليف الفعلي لكلّ واحد من التيممات أجزأ عن الواقع.

(24) قد يقال: بأنّ الأحوط أن ينويه في التيمم الأول، و لعل وجهه احتمال انطباق عنوان التيمم الواجب عليه قهرا، فيكون أحوط من هذه الجهة و يأتي في الفرع اللاحق منشأ آخر للترجيح.

(25) لا ريب في وجوب الغسل في الجملة، لإطلاق الأدلة، و قاعدة

ص: 467

الترتيب (26) و يحتمل التخيير في الصورتين الأوليين في صرفه في كلّ من الثلاثة في الأولى (27). و في كلّ من الأولى و الثانية في الثانية. و إن كان

______________________________

الميسور المتسالم عليها في المقام، و مقتضى القاعدة التخيير في صرفه في أيّ غسل من الأغسال الثلاثة لو لم يكن مرجح أو محتمل الترجيح في البين. و ما قيل في الترجيح أمور:

منها: أنّ الأول مقدور فعلا بخلاف الأخيرين. و فيه: أنّ نسبة القدرة إلى الجميع على السواء إلا إذا ثبت أنّ مجرد الأولية من المرجحات و لم يثبت ذلك.

و منها: أنّ الأخيرين مشروطان بالأول بخلاف العكس، فيكون ذلك من المرجحات. و فيه: أنه معلوم عند التمكن من الجميع، و أما مع عدم التمكن إلا من غسل واحد، فوجوب صرف الماء فيه بالخصوص يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

و منها: أنّ استعمال الماء في خصوص الأخير يوجب تفويت الخليط مع أنّه يمكن استعماله. و فيه: أنّه كذلك لو ثبت أهمية استعمال الخليط حتّى مع عدم الماء الا لغسل واحد و هو أول الدعوى، و في الذكرى رجع الغسل الأخير لأنّه أقوى في التطهير، و لعدم احتياجه إلى جزء آخر، و لو وجد الغسلتين فالسدر مقدم، لوجوب البدأة به و يمكن الكافور، لكثرة نفعه. و لا يخفى أنّ ما ذكره رحمه اللّه لا يصلح للوجوب و إن صلح لاحتمال الأهمية. و ما تقدم من الوجوه و إن أمكنت المناقشة فيها إلا أنّها تصلح لاحتمال الأهمية بناء على الترجيح بمحتمل الأهمية أيضا، مع أنّه يمكن التخلص من هذه الأمور كلّها، ففي الصورة الأولى يقصد باستعمال الماء التكليف الواقعي، و كذا في الصورتين مع استعمال الخليط بما لا يضر بصدق خلوص الماء- كما تقدم- و في التيممات يقصد أيضا التكليف الفعلي بلا حاجة إلى قصد الأولية و غيرها.

(26) و يقصد بكليهما التكليف الفعلي من غير قصد التعيين.

(27) و هو ما إذا لم يكن عنده الخليطان، و الوجه في التخيير عدم دليل

ص: 468

عنده الكافور فقط، فيحتمل أن يكون الحكم كذلك (28) و يحتمل أن يجب صرف ذلك الماء في الغسل الثاني (29) مع الكافور، و يأتي بالتيمم بدل الأول و الثالث فييممه أولا، ثمَّ يغسله بماء الكافور ثمَّ ييممه بدل القراح.

مسألة 8: إذا كان الميت مجروحا أو محروقا أو مجدورا أو نحو ذلك

(مسألة 8): إذا كان الميت مجروحا أو محروقا أو مجدورا أو نحو ذلك مما يخاف تناثر جلده ييمم كما في صورة فقد الماء ثلاثة تيممات (30).

______________________________

على ترجيح أحدها في البين و احتمال الترجيح في كلّ منهما معارض بالاحتمال في الآخر، فيثبت موضوع التخيير لا محالة. و منه يظهر أن الحكم هو التخيير في الصورة الثانية، لفرض عدم دليل على الترجيح و تعارض الاحتمال في كلّ منهما مع عدم وجود ترجيح أحدها. إلا أن يقال: إنّه مع وجود الخليطين لا ينسبق إلى أذهان المتشرعة إلا صرف الماء في أحدهما، فلا تصل النوبة إلى احتمال الصرف في الثالث.

(28) ظهر وجهه مما تقدم في الأول و الثالث.

(29) بدعوى الصدق العرفي بالنسبة إليه و هذه الاحتمال كلّها مبنية على اعتبار قصد عنوان الغسل بالسدر و الكافور تفصيلا. و أما بناء على عدم اعتبار قصد ذلك تفصيلا- للأصل و الإطلاق، و كفاية قصد التكليف الفعلي الإجمالي- فيقصد التكليف الفعلي بكلّ واحد مما يأتي كما أنّ بدلية التيمم مبنية على عدم سقوط ما تعذر من الأغسال و إلا فلا موضوع للبدلية.

(30) لعموم أدلة البدلية الشامل لجميع ذلك، و ما تقدم من خبر زيد بن عليّ و يقصد بإحداهما ما في الذمة، و كذا لو كان في البين موجب آخر من موجبات التيمم، كوجوب حفظ الماء لحفظ نفس محترمة مثلا، و أما خبر ضريس عن عليّ ابن الحسين عليه السلام قال: «المجدور و الكسير و الذي به القروح يصب عليه

ص: 469

مسألة 9: إذا كان الميت محرما لا يجعل الكافور في ماء غسله في الغسل الثاني

(مسألة 9): إذا كان الميت محرما لا يجعل الكافور في ماء غسله في الغسل الثاني (31) الا أن يكون موته بعد طواف الحج أو العمرة (32) و كذلك لا يحنط بالكافور، بل لا يقرب إليه طيب آخر.

______________________________

الماء صبا» (1).

و خبر زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليه السلام: «أنه سئل عن رجل يحترق بالنار فأمرهم أن يصبوا عليه الماء صبا و أن يصلي عليه» (2).

فلا بد من حملهما على ما إذا أمكن الغسل و حصل ذلك بمجرد صب الماء و الا فلا بد من طرحهما.

(31) إجماعا، و نصوصا، ففي صحيح عبد الرحمن قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ قال: إنّ عبد الرحمن ابن الحسن مات بالأبواء مع الحسين عليه السلام و هو محرم و مع الحسين عليه السلام عبد اللّه بن العباس و عبد اللّه بن جعفر و صنع به كما يصنع بالميت و غطى وجهه و لم يمسه طيبا قال: و ذلك في كتاب عليّ عليه السلام» (3).

و في موثق سماعة: «عن المحرم يموت فقال يغسل و يكفّن بالثياب كلّها، و يغطّى وجهه و يصنع به كما يصنع بالمحلّ غير أنه لا يمس الطيب» (4).

ثمَّ إنّه يأتي في محلّه أن حلية الطيب في العمرة مطلقا إنّما تكون بعد تمامية أعمالها، و التقصير من إحرامها، و في الحج إنّما يتحقق بعد السعي، فإنّ مواطن التحليل في الحج ثلاثة: بعد التقصير بمنى فيحل من كلّ شي ء إلا الطيب و النساء، و بعد الفراغ من الطواف و صلاته و السعي فيحلّ الطيب، و بعد طواف النساء، فيحل النساء حينئذ، ثمَّ إن إطلاق قوله عليه السلام: «لا يمس الطيب» يشمل التحنيط بالكافور و مس مطلق الطيب أيضا.

(32) في العبارة قصور، و المراد بعد السعي في الحج و بعد التقصير في

ص: 470


1- الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب غسل الميت حديث: 1.
4- الوسائل باب: 13 من أبواب غسل الميت حديث: 2.
مسألة 10: إذا ارتفع العذر عن الغسل أو عن خلط الخليطين

(مسألة 10): إذا ارتفع العذر عن الغسل أو عن خلط الخليطين أو أحدهما بعد التيمم أو بعد الغسل بالقراح قبل الدفن تجب الإعادة (33) و كذا بعد الدفن إذا اتفق خروجه بعده على الأحوط (34).

مسألة 11: يجب أن يكون التيمم بيد الحيّ لا بيد الميت

(مسألة 11): يجب أن يكون التيمم بيد الحيّ لا بيد الميت (35) و إن كان الأحوط تيمم آخر بيد الميت و إن أمكن، و الأقوى كفاية ضربة واحدة للوجه و اليدين و إن كان الأحوط التعدد (36).

مسألة 12: الميت المغسل بالقراح لفقد الخليطين

(مسألة 12): الميت المغسل بالقراح لفقد الخليطين أو أحدهما أو الميمم لفقد الماء أو نحوه من الأعذار لا يجب الغسل بمسه و إن كان أحوط (37).

______________________________

العمرة، فيجب حينئذ استعمال الكافور في غسله، لفقد المانع.

(33) لأنّه بزوال العذر و التمكن من المبدل ينكشف بطلان البدل، و المنساق من أدلة بدلية التيمم في المقام ما إذا كان العذر مستمرا إلى الدفن.

(34) منشأ التردد من احتمال انصراف أدلة المبدل عن هذه الصورة و احتمال أنّ المناط بقاء العذر إلى تحقق الدفن و المفروض تحققه، فلا موضوع للغسل بعد ذلك، لاستقرار البدلية من كلّ جهة، و من حكاية الرياض الإجماع على وجوب الإعادة بعد الدفن.

(35) لأنّه بدل عن الغسل، فكما أنّ الغسل كان بمباشرة الحيّ، فكذا حكم بدله. و منشأ الاحتياط احتمال أن يكون للضرب بيد الميت خصوصية خاصة، مع أنّه يحصل مسح طرف الأيمن من الجبهة باليد اليمنى و مسح طرف الأيسر منها باليسرى و في يد النائب لا يحصل ذلك إلا بالتكلف و إن كان في وجوب ذلك بالنسبة إلى النائب إشكال.

(36) يأتي ما يتعلق به في [مسألة 18] من (فصل كيفية التيمم).

(37) تقدم في أول (فصل غسل مس الميت) ما يتعلق بهذه المسألة و اللّه تعالى هو العالم بحقائق أحكامه.

________________________________________

ص: 471

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.